(4) البحر بوابة اليمن للنهوض القادم حل مشاكل ممثلي اليمن في أروقة مؤتمر الحوار وتبني مصالحها الوطنية العليا!!
اخبار الساعة - د.طارق الحروي بتاريخ: 06-11-2012 | 12 سنوات مضت
القراءات : (3085) قراءة
- من الجدير بالذكر أن أهمية هذا الأمر لا بل وضرورته التي أصبحت أكثر إلحاحا من أية وقت مضى تتأتى من واقع ما تواجهه اليمن من تطورات متسارعة ومتلاحقة تحول إلى حد كبير دون رأب الصدع الخطير الذي تعانيه البلاد في الصف الوطني؛ جراء استمرار تنامي حالات الخلاف أكثر منها الاختلاف في الرؤى والتوجهات والمواقف ومن ثم الأهداف والمصالح، وما لهذا الأمر من انعكاسات خطيرة منظورة وغير منظورة على حاضر ومستقبل اليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا.
- سيما في حال ظلت الفعاليات السياسية والاقتصادية والمجتمعية والعسكرية،...الخ البارزة في المشهد السياسي التي تم تعزيز شرعية احتكارها تمثيل أجزاء من الشعب من خلال المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة، لا تمثل بمجموعها سوى جزء مهم لا بأس به من الشعب اليمني كما ونوعا وبالتالي ومن ثم مصالحه الوطنية العليا، في ضوء بقاء واستمرار تنامي حالات الانحراف الحادة التي طالت واقع العملية التنموية والسياسية والحزبية برمتها خلال العقدين ونيف الماضيين، بحيث لا يصبح في المقابل لديها الحق أن تفرض نفسها وصيا بأية شكل من الأشكال على باقي أبناء الشعب اليمني (الفئة الصامتة والمستقلين كما يحلو للبعض ترديده) ليس هذا فحسب.
- لا بل وفي حال استمرت حالات انعدام وجود أية احتمالية لإمكانية تجاوز منظومة الاختلالات البارزة الحادة التي سوف يعانيها مؤتمر الحوار الوطني الشامل قبل وأثناء انعقاده في مسألة التمثيل العادل والحقيقي النسبي للشعب (الذكور/ الإناث، الحضر/ الريف، الشباب،....) كما أشرنا إليها في مقالاتنا المنشورة سابقا؛ بما يجعل منها شريك حقيقي لا بل ومحوري في العملية السياسية برمتها من حيث مستوى وحجم الأفراد والجهات المخولة والمؤهلة بتمثيلها حضورا أو تبني مصالحها؛ لاعتبارات عديدة لها بعامل السرعة والوقت والكلفة لا مجال لمناقشتها.
- سيما في ضوء ما أصبح يمثله هذا الأمر من خطورة كبيرة جدا على أمن واستقرار البلاد، عندما يظل جزء كبير من الشعب ومصالحه مغيبا ومهمشا في الشكل والمضمون عن مثل هكذا منعطفات حيوية سوف تقرر مصيره، لدرجة يصبح معها غير مبال بما يجري وسيجري، بسبب استمرار بقاء شعوره بأنه ليس له أية علاقة تربطه بها من قريب أو بعيد، وهنا تكمن خطورة هذا الأمر برمته، على خلفية ما شهدته العقود الماضية من عزوف حاد للجزء الأكبر والمهم من الشعب عن الانخراط في العملية السياسية والحزبية وهذا ما حاولت مناقشته في مقالي المنشور قريبا بعنوان (رأس المال السياسي المفقود في اليمن!!).
- في ضوء ما توليه العناصر والجهات صاحبة المشاريع الخاصة والمنتمية للتيار التقليدي المحافظ والمتطرف منها- بوجه خاص- التي تصطدم شكلا ومضمونا مع أولويات المصالح الوطنية العليا من حرص شديد على أهمية لا بل وضرورة إبقاء الشعب بعيدا جدا عن تقرير مصيره وتولي أموره بنفسه وفصله عن قياداته وممثليه الحقيقيين من عناصر التيار الوطني المعتدل، خوفا منها على مصالحها وطموحاتها غير المشروعة وفي نفس الوقت كي تسهل عليها توظيفه واستغلاله في مشاريعها ومخططاتها ضمن إستراتيجية معدة لمثل هذا الغرض حققت من خلالها نجاحا باهرا طوال العقدين الماضيين والسنوات الأخيرة منها- بوجه خاص.
- ومن هذا المنطلق يصبح من الأهمية لا بل والضرورة الأكثر إلحاحا إن وجود مسودة مشروع برنامج وطني طموح جدا، تسعى في خطوطه الرئيسة وراء تحويل اليمن إلى دولة بحرية مدنية حديثة لها شأنها، تجسد فيها ثوابتها الوطنية وأولويات المصلحة الوطنية العليا بحدودها العليا وتراعي مصالح الأطراف الدولية والإقليمية المعنية، سيما أن هذا الأمر سوف تتضح ملامحه الرئيسة تباعا من حيث طبيعة ومستوى ومن ثم حجم قدرته على تلبية الطموحات المشروعة لليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا في المرحلة الحالية والقادمة، جراء قدرته على مواكبة متطلبات واحتياجات البيئة الداخلية والخارجية إلى حد كبير، بغض النظر عن أية أطروحات لها علاقة وثيقة الصلة بطبيعة ومستوى ومن ثم حجم إمكانية تحقيقه نسبيا من عدمه، بالاستناد إلى حدود نطاق الموارد والإمكانيات الحالية في ضوء استثنائية الأوضاع التي تعيشها البلاد.
- سيما أن أهمية هذا المشروع على المدى المتوسط والبعيد تكمن في رسم خارطة طريق وطنية يمنية جديدة على مدار العقود الأربعة القادمة ينشغل بها اليمنيون حكاما ومحكومين بتجسيد وبرهنة طبيعة ومدى ومن ثم حجم انتماؤهم وولائهم وحبهم وتقديسهم لليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا، بعيدا عن الشعارات الفضفاضة، يتعلموا ويعلموا من خلالها الآخرين إنهم أبناء وأحفاد بناة أول وأقدم الحضارات على وجه الأرض وإن الأوان قد حان كي يغيروا مصيرهم ويمسكوا بزمام أمورهم من جديد، كقبول شكلي وضمني بما كتبته أقدارهم عليهم كقادة وبناءة لا يشق لهم غبار على مر الأزمان بدلا من أن تظل أبعد نقطة تصل إليها أعينهم تحت أقدامنا، وطموحاتهم بالكاد تصل إلى أرنبة أنوفهم إذا ما صح لنا القول ذلك، كي يرتقوا عاليا فوق جراحاتهم وأوجاعهم وأنانيتهم ومصالحهم وتوافه الأمور....الخ.
- أما عن أهمية المشروع في الوقت الحالي وعلى المدى القريب تكمن في الدور المحوري والأساسي الذي سوف يلعبه في سد الجزء الأكبر والمهم من طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الفجوة الشاسعة (الثغرة المميتة) المشار إليها آنفا المتعلقة بتمثيل الشعب ومصالحه في مؤتمر الحوار الوطني التي تناولتها في مقالاتي المنشورة سابقا، أما لماذا ؟
- نرد بالقول أن المراهنة على فرقاء وخصوم العملية السياسية في تجسيد أولويات المصلحة الوطنية العليا من وجهة نظري أصبح أمرا غير ذي جدوى بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني ودلالات بالاستناد إلى ما تشير الدلائل التاريخية من مؤشرات كثيرة جدا، بصورة تتطلب منا الانتقال للخيار الأمثل من خلال المراهنة على معظم أبناء الشعب بمجموعه وتمثيله ومصالحه في حدودها العليا من خلال تبني صيغ جديدة تلبي احتياجاته وطموحاته، شاء أدعياء تمثيل الشعب ومصالحه أم لم يشئوا، وترك الشعب يتحمل تقرير مصيره بنفسه، باعتبار الشعب هو الوسيلة والغاية في هذا الأمر برمته، وبالتالي هو الأقدر على مواجهة أعدائه وخصومه والمدعين تمثيله- أولا- ومن ثم هي محاولة جادة في اتجاه تضييق مساحة الخلاف (والاختلاف) إلى أقصى حد ممكن بين الفعاليات السياسية والمجتمعية الحالية (المتنافرة)، كي ننقلها من الاهتمام بالخاص إلى العام ومن ثم من الثوابت إلى الوسائل والآليات- ثانيا، أما لماذا ؟
- نرد بالقول كي تتمكن من تصحيح مسارها والسير في طريق الشعب الذي هو سبب وشرعية وجودها، من خلال دفعها بقوة الى تمثيل الشعب وتجسيد مصالحه قولا وفعلا مثلما تدعي، بمعنى أخر يمكن اعتبارها مرحلة تكتيكية يتوقع لها أن تدفع كافة هذه الفعاليات على التجاذب والتقارب فيما بينها والاستعداد للجلوس على طاولة الحوار تحت سقف الثوابت الوطنية والذي تؤسس له من خلال استعدادها للتصالح والتسامح فيما بينها كشرط أساسي، كي تكون عند مستوى المسئولية الوطنية والدينية والأخلاقية والتاريخية المناطة بها، إلى جانب وجود أهمية بضرورة إشراك رموز وعناصر منتقاة من أبناء الشعب تمثل بشكل رمزي الشعب ومصالحه إذا ما صح لنا القول ذلك.
- وتأسيسا على ما تقدم نستطيع القول أن هنالك حقائق شبه دامغة في أرض الواقع لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها بالمطلق يتمحور البعض منها حول أن اليمن بوضعها الحالي إمكاناتها محدودة جدا للغاية، لذلك فوجود أية احتمالات حول إمكانية إحداث أية تغييرات جذرية في واقع البلاد محدودة جدا وبطيئة، وهو الأمر الذي لن تستطيع أن يستوعبه عموم أبناء الشعب الذي لن يكون لديه قدرة على الصبر والتاني، إلا في حال أدرك تمام الإدراك أن هنالك خارطة طريق يمنية جديدة طموحة جدا سوف تقلب حياته رأسا على عقب فهنا سوف يختلف الحال.
- سيما أن حدود نطاق اللحظة التاريخية المتاحة لوضع النقاط على الحروف في هذا الأمر برمته وصولا إلى اللمسات الأخيرة كانت ومازالت محصورة بفترة زمنية محدودة جدا (وهي مدة سنتين ونيف)، وإمكانية تحقيق الاستفادة القصوى منها بمراعاة عامل السرعة والوقت والكلفة، تبدو ممكنة جدا بشقها المعنوي أكثر منه المادي وشبه مستحيلة بشقها المادي أمام سرعة عجلة التطورات الحاصلة في البيئتين الداخلية والخارجية ومرورا بالزمن وصولا إلى ضخامة التحديات المحيطة بالبلاد في الداخل أكثر منها الخارج، سيما فيما له علاقة وثيقة الصلة بوحدة الصف الوطني على أقل تقدير التي كانت ومازلت تعاني تشظي شبه حاد خلفتها الموجة الأخيرة من الاضطرابات والفوضى العارمة التي طالت كل شيء تقريبا.
- وعودا إلى بدء يمكن القول أن الشعب اليمني بمعظم شرائحه وأطيافه وتياراته إن كان قد رهن نفسه ومصيره للتيار الوطني المعتدل منذ 25/3/2011م، فإن ذلك لم يكن مرده بالدرجة الأساس عاطفة جياشة لسواد عيون الكثيرين من عناصر النظام السابق الذين مارسوا الفساد والإفساد بكل أشكاله على حسابه إلا من رحم الله، وإنما مرده وقفة حقيقة مع النفس وإتاحة الفرصة الأخيرة أمام ممثليه لتبني مصالحه بحدودها العليا، إذا فقد جاء الوقت لرد الدين كاملا غير منقوصا له من خلال تبني مشروع وطني طموح جدا يلبي كافة أولويات المصلحة العليا بحدودها العليا لإرساء مداميك الدولة البحرية المدنية الحديثة المنشودة ضمن إطار خارطة الطريق الجديدة التي سوف تنبثق عن هذه المرحلة.
والله ولي التوفيق وبه نستعين
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.
المصدر : الكاتب
اقرأ ايضا: