الثورة وأخواتها
عادة ما تختفي السياسة النفعية تحت أقنعة مجمّلة كالدين والأخلاق والخطابات المزخرفة بمصالح الشعوب والقيم النبيلة
لأنها بحاجة لقناعات تبني عليها جماهيريتها تحت سلطان حاجة الإنسان والمجتمع فتلجأ لسلطة تخضع بها الغريزة الإجتماعية التي تسعى للبحث عما يهدئ ألمها ويشفى أوجاعها ويحميها من شرور الجوع والخوف.
والناس حين تفقد ثقتها بحاكمها وتفقد كل رجاءاتها معه فإنها تكفر به وتبحث لها عن مخلص جديد تمنحه السلطة (بغريزتها الاجتماعية .. جمهرة القطيع ) ناشدة الخلاص
إن الشعوب المستكينة تفقد الكثير من كرامتها حين تفقد قدرتها على الإنتاج والاستقلال الاقتصادي سواء على مستوى الفرد والجماعة أو الدولة في إطارها العام وتبحث عمن يحمل عنها وزر ضعفها لتمنحه حق الخضوع له حتى يمتلك من خلال حاجتها إلهياً وتفويضاً غير مشروط في تحديد مصائرها .
نحن ربما لم نتساءل مالذي نستطيعه ؟ومالذي نريده ؟
لقد خرج عامة الناس بأحاسيسهم تدفعهم حاجتهم ولم يخرجوا بعقلية ثورية ناضجة وأتفق مؤيدي الثورة على ضرورة التغيير لكنهم اختلفوا في نوعية التغيير ذاته وكلٍ يراه حسب موقعه وزاويته فكان سقوط النظام يمثل الحجر الأساس وبداية مرحلة لبناء مشروع وطني لدى القوى المدنية بينما شكل لدى طبقة الخلفاء هو غاية التغيير
هل نستطيع القول أننا لم ننتج ثورة حقيقة ؟
أم أن الثورة لم تنتمي إلينا كما ينبغي لها ؟
ثرنا لحاجات وأفكار حملناها لكن الثورة لم تكتمل,لهذا ربما لن نحقق شيء منها
فالثورة التي تحدث وفق تعدد الأهداف لا أساس لها وغايتها ليست مكتملة وحقيقة فإنها ثورة مزيفة
أريد سبباً واحداً حقيقاً يؤكد لنا أن ثورتنا نجحت (سبباً غائياً ) ذات أثر في كينونة كل اليمنيين
ويشكل قيمة فعليه نضيفها إلى حياة الشعب
مالم نجد ذلك .. فإننا قد وجهنا دعوة ترحيبية عريضة لكل المشاكل التي تعصف بنا الآن وسحبنا كل الماضي ورواسبه معنا وبالتالي ثورتنا لا قيمة إيجابية لها مطلقاً وارتكبنا من خلالها جريمة تاريخية
إن فطرة الثورة أكثر عمقاً من أي مواساة لها أو تبرير
إذ أن أي ثورة في العالم هي أقوى من أي نظام
الضعفاء لا يثورون أبداً كما أن المستضعفون لا يثورون دون وعي بالمخاطر التي تحف ثورتهم ودون يقينيات بقوتهم وحقوقهم وضرورة تحقيقها والقتال عليها والاعتقاد أن الثورة كانت بحاجة لحماية من أجل تحقيق انتصارات وشروط نسبية هو انتزاع حق القوة المتمثلة في منطق النضال وحق الاختيار فيما يترجم حاجة الإنسان ويعبر عنه وحق الفكر في فلسفة الصراع على مسرح الثورة
فالثورة لم تكن تسلية مبتذلة غير مشروطة لأنها ستكون فاقدة للقيمتها وإيمانها وبالتالي لا تستحق عناء القيام بها, لقد كانت الثورة قيمة كونية تسعى لترجمة النموذج الراقي الذي تحمله مقاومة مطلقة المثال والكمال إنها ميزة التحول نحو الأجمل المزدهر والقوة الحيوية المنتجة, إنه هدفاً لاتردد ولا خوف من أجل بلوغه ,,إن للحرية عشق لا يقاوم ومن أجل ذلك نقدم أرواحنا قرابين له ومواجهة كل الأخطار وتحمل أسوأ الأحداث
الثورة حافزاً للتغيير,,, التغيير هنا ليس مقصوراً على النظام السياسي بل كنا بحاجة لتغيير جذري في نفوس البشر وطرق تفكيرهم وأخلاقهم وإقبالهم علي الحياة وتصورها
ماحدث الآن هو أننا فقدنا حافزنا الأساسي دون جدوى
لقد كانت الثورة تًعطل وتستنزف تدريجياً ويخبو نفسها الحر المتقد لتصبح غوغاء عدمية بل وقوة تدميرية للعقل والحرية اللذان كانا يشكلان قوامها الحقيقي
وأصبحت المسيرات اليومية ليست بأكثر من استنزاف طاقة وغضب وإرهاق للقوى الثورية حتى أصبح الثوار فارغين من ثورتهم
لم نعد ندرك من تخدم الثورة في ضل غياب الإنسان
إنها مرحلة مظلمة تحمل إلينا نقائض الحياة مزينة ببهرج زائف من الوهم
والتظليل
إن الذهنية الثورية الآن مصابة بالشلل بعد أن أدركت القوى الثورية الحقيقية أنها خدعت ولم يعد بوسعها أن تغير شيئاً لتحول دون الوقوع في ذلك الشراك الخادع
إنها للأسف لم تعد تمتلك الحق الثوري ولا تستطيع أن تجاهر بأسفها لأنها ستحرم من رصيدها الثوري والنضالي كما يحدث الآن للذين يرفضون الخضوع لأوامر الأيدي الثقيلة التي حطت ثقلها على الثورة
لهذا فقد خونوا وكفروا وطالتهم من التهم مالا تحصى
إننا نخشى من قناعة تشاؤمية مريعة مفادها استحالة التغيير للأفضل لأن قيم كل السياسيين في البلد تتعارض مع المنفعة الاجتماعية
لقد أتضح أن النظام السابق كان واجهة خارجية وشماعة لقوى شريرة تتحكم في ربقة البلد وتتصارع على خيارته