قصة مشردين منسيين عالقين بين حدود اليمن والسعودية، مئات الأسر طردها الحوثيون من صعدة ويفرضون عليهم «حصاراً اقتصادياً» منذ سنوات
أكثر من ألف أسرة طردتها مليشيات الحوثي من أبناء مديرية باقم بمحافظة صعدة أثناء الحرب السادسة التي دارت رحاها في مديريات مختلفة بالمحافظة.
لم يسبق لوسائل الإعلام أن تحدثت عن مديرية بأكملها هُجرت قسراً إلى مناطق حدودية مع المملكة العربية السعودية، ويعيشون تحت الحصار منذ أربع سنوات.
مديرية باقم هي مديرية حدودية تقع في أقصى الشمال الغربي لمحافظة صعدة، ويبلغ عدد سكانها 22.965 نسمة، حسب إحصائيات أخيرة.
يعيش هؤلاء السكان المشردون في منطقة «مندبة» التي لا تتعدى مساحتها الكيلو متر مربع، إلى جوار منفذ علب الحدودي أحد المنافذ البرية اليمنية الخمسة.
حصار المندبة
يُشبه أحد أبناء باقم، وأحد الذين شردتهم آلة الحوثيين الحربية، أثناء حديثه لـ«المصدر أونلاين» ما يحصل لهم بـ«حصار الشعب» الذي فرضه المشركون على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبنو هاشم.
يقول إنهم محاصرون ويتعرضون للقنص من قبل الحوثيين بعد أن تم إجلاؤهم من منطقتهم، وقد قتل الحوثيون - حسب قوله- عدداً من النازحين الذين يلجأون إلى مخيمات في مندبة.
تفرض جماعة الحوثيين حصاراً مشدداً على مخيمات تقطنها 412 أسرة، فيما 581 أسرة نزحت إلى أماكن مختلفة كالسعودية وصنعاء وعمران والحديدة.
يُمنع المحاصرون من أبناء باقم والمتواجدون في مخيمات «مندبة» من التنقل إلى أي منطقة أخرى، وحين يحاول البعض أن يهرب بنفسه فلا يسلم من اعتداء الحوثيين واستهدافه، كما حصل لجماعة، قال أحد السكان إنهم هربوا عن طريق مناطق في الجوف، وتم تتبعهم وقتلوا منهم اثنين.
منع الحوثيون منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان من إيصال المساعدات للمنطقة، الأمر الذي فاقم المشكلة، وجعل المهجرون يعيشون وضعاً «مأساوياً».
مخيمات لا تصلح للعيش الآدمي
يعيش السكان في مخيمات ينعدم فيها كُل سبل العيش، فلا وجود للخدمات الأساسية كـ «الصحة، والتعليم، والمحلات التجارية»، وغالبية من يعيش في تلك الخيم المهترئة يكتنفهم الفقر والعوز.
تمكث كل أسرة داخل خيمة واحدة إلى جوار العشرات من الخيام المتراصة إلى بعض، يحكي المواطنون لـ «المصدر أونلاين» عن ازدحام سكاني في مربّع صغير سمحت به السلطات للمهجرين بأن ينصبوا خيامهم.
لا أحد يرفع صوته داخل خيمته، التي يبيت فيها، خوفاً من سماع الآخر له، يتعرضون لمخاطر عديدة إضافة إلى قناصات الحوثي التي تستهدفهم ليل نهار؛ لكي تجبرهم على العيش في رعب وخوف.
يقول أحد المهجرين إن التداوي لمن يصيبه مرض في تلك المخيمات يكون بالطرق القديمة، فيتم استخدام الأشجار الطبية المتواجدة لديهم إضافة إلى «الكي» وأساليب أخرى قديمة.
ترتكز تلك الخيام على حافة جبال شاهقة -كما تظهر الصورة المرفقة- ويتعرض الأهالي ومنهم الأطفال لسقوط مستمر كان آخرها سقوط ثلاثة أشخاص من الجبل.
فارس مناع يهددهم بالإجلاء
قبل أيام فقط، أرسل محافظ محافظة صعدة المنصب من قبل الحوثيين عدداً من مشايخه إلى مخيمات أبناء مديرية باقم، طالبهم من خلال المشايخ بسرعة العودة إلى منازلهم قبل أن يتم إرجاعهم بالقوّة.
يقول المواطنون: "كيف نعود لمنازلنا التي دمّرت وأصبحت أثراً بعد عين؟ ومن يضمن لنا بقاء أرواحنا عند عودتنا، من أن تخطفها آلة الحوثيين المسلّحة؟".
يتخوفون كثيراً من عودتهم تلك، لكن مناع قال إنهم سيعودون، وإن تطلب الأمر استخدام القوة فلن يتراجع عن ذلك.
حصل «المصدر أونلاين» على كشوفات بالممتلكات التي تم نهبها من قبل الحوثيين بعد أن تم تشريد الأهالي، وتتجاوز قيمة تلك الأملاك التابعة لأسر مختلفة الملايين.
كما هدمت منازلهم وأبرز مساجد المديرية؛ منها: «جامع آل عثمان، وجامع آل حيد، وجامع أهل السنة، جامع آل العزي، جامع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها».
وأوراق أخرى سلمها الأهالي لـ «المصدر أونلاين» تحوي أسماء الأسر التي تم طردها من ديارها، من بينها نساء وأطفال بالمئات.
الحكومة لا تكترث لمعاناة أبناء باقم
لم تبدِ الحكومة أي اهتمام للمهجرين قسراً من أبناء باقم، ويعيشون جميعاً على مساعدات متواضعة تُقدم من المملكة العربية السعودية.
عودتهم إلى ديارهم حلم يراودهم، لكنهم يرغبونها تحت حماية السلطات الأمنية المغيبة كلياً عن محافظة سيطرت على كل شبر فيها جماعة الحوثيين المسلحة.
وجّه الأهالي رسالة لأعضاء مؤتمر الحوار الوطني المختصين بقضية صعدة؛ شرحوا لهم فيها – باختصار - وضعهم المأساوي الذين يعانونه منذ أربع سنوات دون أن يلتفت لهم أحد.
في حديث بعض الأهالي لـ «المصدر أونلاين» طالبوا الرئيس عبد ربه منصور هادي من إنقاذهم من الخطر الذي يتهدد المئات منهم، بتوفير الرعاية لهم وإعادة ممتلكاتهم وتعويضهم، وتأمين عودتهم إلى ديارهم التي أصبحت أجزاؤها متاريس لمسلحي جماعة الحوثيين.