مؤسسات المجتمع المدني : هل استطاعت أن تعزز ثقافة الحوار والتسامح والسلام في المجتمع ..!!؟
المجتمع المدني، هو مجموعة المؤسسات غير الرسمية، التطوعية، المكونة من الأحزاب السياسية والمؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان والبناء الديمقراطي، وتعمل على تعزيز ونشر مجموعة من القيم والمبادئ التي تهدف إلى تطوير وتنمية المجتمع.
وتتلخص طبيعة عمل المجتمع المدني بأنها الرديف الحقيقي للسلطة في أيّة دولة، ذلك أن أحد أهم أعمال هذه المؤسسات هو الرقابة والتقييم، المحاسبة والمساءلة، والمتابعة والتطوير، والأهم المساهمة الفاعلة في تطوير المجتمع وتنميته من خلال نشر مفاهيم الحياة المدنية. و تؤدي مؤسسات العمل المدني في دول العالم جميعها، وبخاصة في المجتمعات الديمقراطية، دورا بارزا في بناء أسس الحياة الديمقراطية والتشكيل السياسي في هذه المجتمعات، وتساهم في تعزيز السلوك المدني .. وهنا في هذا التحقيق نتساءل : هل استطاعت هذه المؤسسات المدنية أن تعزز من ثقافة الحوار والتسامح والسلام في المجتمع ؟؟؟!!
من هي مؤسسات المجتمع المدني في اليمن ..!!
في البداية يتساءل الأستاذ عبد الرحمن يحيى القوسي وهو ناشط وباحث سياسي ونقابي سابق عن كينونة وماهية هذا المؤسسات ويقول :" أولا من هي مؤسسات المجتمع المدنية التي يعول عليها ان تؤدي دورا ايجابيا وفعالا في قضايا حيوية خاصة مثل ما يبنى ويؤسس عليه مستقبل ومصير للشعب وللوطن ،هل هي تلك الكم التي وصلت الى اثنى عشر الف مسمى وتمثل واجهات غير واضحه لأحزاب ومنظمات اقليميه ودوليه ،لايفهم مقاصدها وحسن نواياها تجاه اليمن، ثانيا إن حصرنا الامر بتلك المعنية من وجهة نظريا والتي تمثل حضورا فاعلا في المجتمع افقيا ورأسيا كالاتحاد العام لنقابات عمال الجمهورية والنقابات العامة المشابهة وكذلك المنظمات الإبداعية والجماهيرية كاتحاد الادباء والكتاب ونقابة الصحافيين والاتحاد العام لنساء الجمهورية والطلاب والشباب وما شابههم ،وكذلك المراكز البحثية والمنتديات الثقافية والجمعيات الأهلية الخ، فهنا نعول عليهم الكثير والاكثر تأثيرا وفاعليه -في سن قيم التعامل مع الاخر والتعاطي الايجابي مع كل قضيه ومنها الحوار كقيمه من قيم التفاعل الحضاري مع الشعوب ،ناهيك عن تثبيته في اطار الشعب الواحد
ان مثل هذه المنظمات حصرا وما شابهها -لاشك ان احسنت قيادتها بعيدا عن التجاذبات والاحتكارات الحزبية واغلاقها للون معين من اطراف المكونات السياسية (كنقابة المعلمين ،جمعية الاصلاح ،جمعية الصالح الاتحاد العام لشباب اليمن مثلا) ان هذه المنظمات لاشك ستكون الفضاءات المفتوحة لتجمع بين ثناياها كل الون الطيف السياسي في اطار المهنة او القطاع المهني وسيجد الجميع انهم يكونوا قوة نوعيه تتبلور وتتجلى بالجديد وبالتجدد من خلال تنوع مشاربهم السياسية المختلفة ليثروا قطاعاتهم بالأفضل وتعميق قيم الاحترام للآخر والتعامل معه واحترام الرأي الاخر ،وكل ذاك لن يتأتى الا من خلال تمرسهم بثقافة الحوار، في هذه الحالة لابد ان تكون بوجودها الفاعل والواسع بأهم قطاعات الشعب وبذاك الانفتاح على الجميع تكون الاقدر على توجيه الرأي العام نحو الفهم والوعي الصحيح والناضج بقضاياه الحقيقة بعيدا عن التوظيف السياسي والتجاذبات الإقليمية التي تسرح وتمرح بساحتنا السياسية، وان وجود منظمات جماهيرية وما يسمى من منظمات مجتمع مدني في اطارها الطبيعي ( بعيد عن ان تكون واجهات سياسيه ،او جهويه ،او مذهبيه ،او امتداد لمنظمات من خارج جغرافية اليمن الله يعلم ما تحمله من مضامين حقيقيه -وان ظاهرها الرحمة) اكيد ستكون تلك المنظمات الطبيعية هي القائدة للمجتمع ودورها التربوي والثقافي قد يوازي دور الاحزاب والتنظيمات السياسية الجادة برؤيتها الوطنية الحقه ،ولاشك ستؤدي دورا فعلا في تأسيس ثقافة الحوار امام كل قضايا الاختلاف ،فلتصح مسارات تلك المنظمات وتشذب وتبعد عن ان تكون سلالم للمتسلقين والمنتفعين وللتغطئه والتعبئة التناكفية التي ،تنقذ اغراض وقتيه واحداث اللحظة وتعزف عن الوطن ومنجزاته وما يمس سيادته ووحدته ومشكلاته الحقيقية، ولكي تنجز وعيا واعدادا نفسيا للسمو والرقي من اجل الوطن ،ليتسامح الجميع ويتصالح ،عليها ،ان تكتشف كل الحقائق وتقدم كل الوقائع كما هي وكما شاءت لها الاقدار ان تحدث ،بعيدا عن الاخفاء والتزييف والتشويه والغموض ،ان كل ذلك ،سيفتح الباب ويكون الأرضية والاساس ،للحوار والتسامح والتصالح على قاعدة الوضوح وليس على قاعدة ،الرمي على المجهول ،وبماذا سيتم الحوار وعلى ماذا سيبنى التسامح ولماذا التصالح ،كله سيبنى على قاعدة لن يصح الا الصحيح ،وما بني على باطل -نتائجه باطل ،كشف الحقائق بكل شجاعة هو ما سيجعل من منظمات مجتمع مدني ليست ملكا خاصا لأفراد ولا لمجموعات كفيلا بان يؤهلها لأداء دورا وطنيا هاما.."
• رهن الممارسة وصدقية الانتماء ..!!
أما الدكتور أحمد الأصبحي – عضو مجلس الشورى – فيعرف هذه المؤسسات ودورها وماينبغي أن تكون عليه ويقول : مؤسسات المجتمع المدني بمفهومها الطبيعي والدقيق هي تلك الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية الحية والفاعلة والنشطة في المجتمع والتي إذا ما نظرنا إليها نظرة موضوعية باعتبارها الرائدة في القيادة والتحديث والتطوير للمجتمع فإنه يمكن القول أن لها دوراً غير عادي في خلق مجتمع أكثر وعياً وأكثر عطاءً .. لأن منها ما يعمل في الحقل الخدمي ومنها ما يعمل في الحقل الإنتاجي .. في الحقل الخيري .. في الحقل السياسي .. حقول متعددة ، وهذه الحقول كلها متى ما أخلصت كل جماعة وكل منظمة في موقعها فإنها لابد أن تثمر لمصلحة المجتمع في الإطار العام .. ثم من ناحية أخرى فإن طبيعة العمل الجماعي تختلف عن طبيعة العمل الفردي ، ولا يمكن لأي جماعة أن تحقق وجودها الفاعل إلا عن طريق خلق ثقافة التسامح والحوار وخلق العلاقات الديمقراطية فيما بينها ، ومن يمارس الديمقراطية في علاقاته الداخلية سيشعر بالالتزام الأدبي وأنه لابد أن يتعامل بنفس هذا السلوك في علاقاته مع الأحزاب والمؤسسات الأخرى أو مع الجماعات الأخرى .. إذ أن هذه الأمور هي رهن الممارسة وصدقية الانتماء ، إذا وجد الانتماء ووجد التفاعل الصحيح الذي يؤدي بالتالي إلى خلق روح التسامح والأخوة والتعاون والمودة .. ثم إن هذه النخب الفكرية والسياسية والاجتماعية عندما تمتلئ وعياً وإحساساً بالمسئولية تجاه الوطن وتقرأ التاريخ قراءة معمقة ستشعر بأن تاريخها كفيل بإرشادها إلى الطرق السليمة لبناء المستقبل .. على سبيل المثال : من الذي بنى المدرجات الزراعية في التاريخ القديم ؟ من الذي بنى السدود ؟ من الذي اكتشف المناجم ؟ من الذي كان أداة فاعلة في التصنيع الثقيل ؟ لأننا كنا نستخدم ونصنع منه السلاح ونصنع منه أدوات الزينة .. أيضاً مثلما استخرجنا الذهب والفضة من مناجمها والتي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا كل هذه الأمور هي التي صنعت الحضارة لأنه كان هناك إيثار ولأنه كان هناك تعاون وأخوة وتنسيق وتفاهم وحياة ديمقراطية في العلاقات على سبيل المثال نتحدث هذه الأيام عن نظام الغرفتين تعلم أن نظام الغرفتين تاريخياً مارسناه من ثلاثة آلاف سنة قبل العالم كله.
كان عندنا نظام الغرفتين ويشمل هذا النظام بقيام مجلسين مجلس اتحاد القبائل والمجلس الآخر هو المجلس الاستشاري المجلس " المنيع " والمجلس " المسود " كما يقال كانا هما عنوان الديمقراطية بمعطى ذلك العصر . وصنعنا بالإيثار وبالتعاون والأخوة حضارة إنسانية وحضارة عطاء وحضارة إبداع .. والعالم عادةً يقيم مدينته ويقيم حضارته حول نهر أو حول بحيرة أو عند البحر لكننا أقمناها في الصحراء ابتدعنا بحيرة صناعية ..إذا هذه المعاني كلها هي التي على الأخوة والزملاء في منظمات المجتمع المدني أن يستحضروها في حياتهم العملية ، بمعنى أننا إذا استحضرنا هذه القيم ..الإيثار بدلاً عن الأثرة ، التعاون بدلاً عن الأنانية وغيرها سوف نصنع جميعاً قوة في بناء الدولة الحديثة والمتطورة والتي تتفق مع أصولنا الحضارية ."
· تركيبتها لا تسمح بالحوار
عمار النجار – رئيس مؤسسة الشرق الثقافية- ينتقد هذه المؤسسات ويرى :
بصراحة مؤسسات المجتمع المدني لدينا تمثل ثقافة الفردانية والتسلط و تركيبتها لا تسمح بالحوار ضمن بنيتها التنظيمية والادارية فكيف تنتظر منها ان تعزز ثقافة الحوار في المجتمع وهي تفتقر اليه في كياناتها، علاوة على ان الكثير من هذه المنظمات اصبحت تمثل اما احزاب و جماعات منغلقة او تتبنى افكار الجهات الممولة وهذا يعزز من احاديتها و طمس انتمائها للفضاء المجتمعي الواسع، أما عن الانعزالية التي تعيشها هذه الكيانات بسبب من تعاليها النخبوي او المواقف المجتمعية المسبقة والحذرة والمتشككة ازائها وازاء مرجعياتها و تمويلاتها فهذه كلها عوامل توسع المسافة بين هذه المنظمات وبين امكانية تأثيرها في تعزيز الحوار او التسامح او انفتاح المجتمع على ذاته وعلى المجتمعات الاخرى .. واتذكر احد المواقف لناشطة في احدى المنظمات كانت مسئولة عن برامج للحوار مع فئات المجتمع لإشراكهم في دعم برامج التنمية و اتذكر انها الغت بجرة قلم فئة الخطباء و القادة الدينيين من قائمة الفئات المخطط سلفا لاستهدافها عبر دراسات ومسوح مسبقة وذلك لمجرد انها تعتبر اشراكهم في الحوار يعني الاعتراف بهم !! بينما هي تتمنى ان تستيقظ ذات صباح وقد زالت المساجد من البلاد !! هل نتوقع اي حوار مجتمعي مع وجود مثل هذه العقليات السطحية التي يعشش فيها سوس المزاجية والتفرد بالقرارات و الانسلاخ عن الواقع ؟؟
· الطرف الثالث في المعادلة السياسية
رئيس المؤسسة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر – الأستاذ علي ناصر الجلعي يقول : منظمات المجتمع المدني هي منظمات مهنية لا تطمح الي سلطة بل تناقش هموم وقضايا المجتمع وتصلح الاختلال ان وجد وهي مساعد للجهد الرسمي الحكومي ولذلك دورها في نشر ثقافة الحوار والتسامح مهم كونها بنيت وتأسست علي الراي الجمعي والحوار ونشاط المجتمع المدني مبني علي الحوار في طرح القضايا للرأي العام فأي قضية يناقشها المجتمع المدني يضعها علا طاولة الحوار والنقاش لإثرائها من نخبة المجتمع ولذلك دور المجتمع المدني كبير جدا خصوصا والمجتمع المدني يتعايش مع قضايا وهموم الشارع وسيكون هو لسان حال الشارع وسيعبر عن نبض الشعب اليمني فالمجتمع المدني هو الطرف الثالث بعد السلطة والمعارضة وإذا ما تبنت مؤسسات المجتمع المدني ثقافة الحوار والتسامح بعيدا عن الأهداف الحزبية الضيقة فهي ستساهم مساهمة ناجحة وفعالة في الحوار الوطني وستساهم بشكل كبير في طرح القضايا التي تتبناها وتطرحها للنقاش وتقدم رؤى ودراسات علمية منهجية للحوار الوطني ..
أخيرا المجتمع المدني كما أسلفت مساعد للجهد الرسمي وسيكون مساعد في الحوار الوطني الشامل اذا ما توفرت النوايا الصادقة لبناء دولة مدنية عادلة وسيساهم المجتمع المدني بسن الدستور والقانون التي ستلبي مطالب كل فئات المجتمع اليمني كون مؤسسات المجتمع المدني تمثل كل الفئات وتتبني كل القضايا الاجتماعية وخصوصا الفئات التي تدعي أنها مهمشة والتي بدأت بطرح قضاياها عبر تشكيل منظمات مجتمع مدني توصل مطالبها وحقوقها. أضيف ان مؤسسات المجتمع المدني شريك فاعل في التنمية وبناء مؤسسات الدولة وسن القوانين والتشريعات وهو الطرف الثالث في المعادلة السياسية .
· جزء أصيل من الثقافة المدنية
عبد الكريم غانم، باحث في علم الاجتماع السياسي- مركز الدراسات والبحوث اليمني له رأي مفاده أن ثقافة الحوار والتسامح تعد جزء أصيل من الثقافة المدنية التي تأسست منظمات المجتمع المدني لتعميقها قبل أن تقوم بالوظائف الأخرى لها، ودورها يتمثل في ما يلي: أولاً أن تقدم هذه المنظمات المثل الأعلى لقيم الحوار والتسامح في سلوكيات قياداتها وأعضائها، وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه- كما يقال. ثانياً: يمكن أن تضع ضمن برامجها وخططها أنشطة مختلفة لتمكين المجتمع من قبول الآخر والدفاع عن حقه في الاختلاف وتحسين صورة الآخر لدى أفراد المجتمع ويمكن أن يتم ذلك عبر ورش العمل، ومن خلال وسائل الإعلام المتاحة لدى بعض هذه المؤسسات...الخ.
· لا تتمثل دورها ولاتستوعبه
ونختتم هذا التحقيق برأي مستشار رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الروائي وليد أحمد دماج الذي يقول : أعتقد أن الحامل الحقيقي لنشر ثقافة التسامح والتعايش المشترك والحوار هي تلك المؤسسات المدنية التي تستطيع التغلغل إلى كل مفاصل المجتمع.. المشكل الحقيقي بتمثل في مدى استيعاب تلك المؤسسات لدورها، وهل هي قادرة فعلا على نشر ثقافة الحوار والتسامح والتعايش المشترك؟! هل هي قادرة على الوصول لكافة مفاصل المجتمع؟! أظن أن الكثير من منظمات المجتمع المدني الموجودة على الساحة لا تتمثل دورها أو لعلها غير مدركة لما يناط بها من دور. نحن نريد دولة مدنية حديثة ولا يمكن أن تتمأسس هذه الدولة بدون المنظمات والمؤسسات المدنية وفي نفس الوقت لا يمكن أن ينشأ مجتمع مدني بدون استيعاب للمنظمات المدنية الموجودة الآن لنفسها ولدورها ولا تتحول إلى مؤسسات فوقيه همها الأساسي تحصيل الأموال والإعانات بدون أن تصل إلى الوسط الاجتماعي الذي تمثله بصورة سليمة وسوية. ليس لنا من مخرج إلا بالوسائل السلمية المدنية وعلى رأسها الحوار ولن يصبح الحوار ثقافة يتمثلها الناس بدون أن تقوم كافة منظمات المجتمع المدني بدورها في نشر هذه الثقافة .