المحابشة ومشكلة المياة ... مأسآة مستمرة منذ زمن
تظل قطرة الماء ملازمة للحياة ، قال تعالى"وجعلنا من الماء كل شيء حي " وكما أن للكون نظام دقيق يسير عليه فإنه لا مكان للعبث أو العشوائية فيه لأنها تتنافى مع قيمه ، وهكذا الحال مع كل شيئ من حولنا في الحياة إذا لم يكن له نظام فإن العشوائية ستقضي عليه وتبدده .
قصة المياه وأزمتها التي تتفاقم في اليمن بشكل عام ومحافظة حجة على وجه الخصوص لها علاقة وطيدة بالعشوائية والعبث منذ وقت ليس بالبعيد عن اليوم عندما غاب الضمير الفردي ونامت السلطات عن القيام بواجب فرض النظام في التعامل مع (قطرة الماء) بحكمة ودون استنزاف عبثي حينها كانت النتيجة ما وصلت إليه حال مناطق ومديريات المحافظة اليوم .
وعن أهمية المياه في حياتنا لسنا بصدد التوسع فيها بقدر ما نحن بحاجة ماسة لأن يتخيل كل منا بمفرده "هل سيأتي يوم ما تكون مدينة حجة –مركز المحافظة- والمدن الرئيسية بالمحافظة أو أي تجمع سكاني فيها خالياً من السكان ؟ " تخيلوا ذلك وقد رحل سكانها بعيدا بحثا عن قطرة الماء التي هي أرخص ما نراه اليوم بين أيدينا بينما تمثل هذه القطرة "الحياة" فهل سنعي قيمة هذه القطرة الحقيقية من هذا المنطلق .. هذا ما نرجوه ...
• أزمة تتفاقم وحلول غائبة /
وذلك من واقع دراسات ميدانية "بأن المحافظة تعاني من انخفاض منسوب المياه الجوفية وشحة في مصادر المياه السطحية في ظل قلة تساقط مياه الأمطار ، وبالمقابل نمو سكاني واستنزاف عشوائي لمخزون المياه الموجود حاليا وكل هذه المؤشرات تمثل تهديدا حقيقيا لسكان المحافظة ، الأمر الذي زاد من أعباء المواطنين في سبيل البحث عن قطرة الماء من مناطق بعيدة وبكلفة باهضة " والتي وصل الحال بالمناطق الجبلية إلى الاتجاه لمناطق بعيدة وصلت بعض ناقلات الماء مؤخرا إلى مديرية الزهرة بالحديدة لجلب الماء بعد نفاده وشحته في تلك المناطق خاصة مناطق الشرفين .
.
وذكرت تقارير بان محافظة حجة تعد من المحافظات محدودة المصادر المائية ، مؤكدا تعرض المياه الجوفية والسطحية للإستزاف الجائر من قبل المواطنين خلال السنوات العشر الأخيرة على وجه الخصوص ، والتي نفذت خلالها عمليات حفر عشوائية لآبار جوفية ذات أعماق كبيرة وبمساحات غير قانونية مع سوء استخدام لتلك الكميات من المياه في الري بطرق تقليدية "كالغمر " وقلة الوعي بأهمية استخدام الطرق الحديثة للري "كالتقطير" عبر شبكات الري الحديثة التي دخلت مؤخرا في بعض المزارع بمديريات تهامة ، إلى جانب ما شكلته زراعة القات الذي يتم استنزاف كميات كبيرة من المياه لريه بل ويستهلك الجزء الغالب من المياه المستخدمة .
وفي ظل هكذا معطيات "استنزاف جائر للمياه وعدم استغلال لمياه الأمطار لتغذية الآبار الجوفية " وصل الحال بمجموع مديريات الشرفين بأن بلغ سعر "الوايت المتوسط " من الماء أكثر من عشرة ألف ريال " في حين هذه الكمية من المياه لا تكاد تكفي لأسرة متوسطة الحجم لشهر ، فيما ظهرت بمركز المحافظة وما حولها بوادر جفاف للمياه السطحية كون مياه المنطقة معظمها كذلك الامر الذي يهدد بجفاف المنطقة بل لقد جفت كافة المنابع المائية المحيطة بالمنطقة والتي من أشهرها وأكثرها وفرة بالماء –فيما كان قبل سنوات- شلال عين علي الذي كانت المياه فيه لا تنقطع طوال العام أما الآن حتى في موسم الشتاء فإنك لا تكاد تجد قطرة من الماء تمر على استحياء من قاع الوادي وكذلك هو الحال في مناطق تهامة والساحل التي أصبح المواطنون لا يجدون الماء إلا على بعد أكثر من ثلاثين متر بعد أن كانت قريبة يمكن الحصول عليها من على بعد خمسة أمتار الأمر الذي ينذر بكارثة قادمة لا يعلم مداها إلا الله ، وفي إطار هذا الملف سنتطرق إلى عدد من الأحداث والتداعيات التي نتجت عن قلة وشحة المياه في مختلف من مناطق المحافظة .
• مؤسسة محدودة وهيئات بأثر باهت:
والمحابشة كغيرها من مديريات المحافظة التي لم تصلها المؤسسة المحلية للمياه تعاني هي الأخرى من صعوبة الحصول على مياه الشرب النقية بل إن كثيرا من المناطق لا تحصل المياه – برغم تلوث بعضها – إلا من مسافات بعيدة وبعد مشاق كبيرة يبذلها الأطفال والنساء الذين في كثير من الأحيان هم من يقوم بمهمة جلب المياه من تلك المناطق .
• موسوعة المشاريع المتعثرة الشهيرة :
ومن خلال النظر إلى ساحة المحافظة والمحابشة خاصة فإننا لا نجد أثرا للسدود العملاقة التي يمكن أن تستفيد منها المحافظة فما أن نسمع عن البدء في إنشاء حاجز أو سد للمياه في أي منطقة حتى نسمع بعدها توقف العمل فيه ليدخل موسوعة "المشاريع المتعثرة الشهيرة في اليمن وما أكثرها " وإذا ما تمعنت بالنظر في خطط المجالس المحلية بمختلف المديريات لا تخلو مديرية من إدراج حاجز أو سد مائي إلا أن تلك المشاريع المدرجة في برامجها الاستثمارية لا تجد من يخرجها للنور لتظل "حبرا على ورق " فإلى متى يا ترى سيظل التساهل في التعامل مع كارثة الجفاف التي تتوسع دائرتها يوما بعد يوم دون حل من الجهات المعنية
• مشاريع معطلة:
إن الحديث عن مشاريع المياه التي كانت قد نفذت في عدد من المديريات ذو شجون ، فمنها ما تم إيقافه من قبل شخصيات نافذة في تلك المديريات منذ أول وهلة لمصالح ضيقة كما هو الحال في مشروع مياه المحابشة الذي يعد ثاني مشروع مياه نفذ منذ وقت مبكر بالمحافظة –في منتصف الثمانينات – ليتوقف منذ أن انتهى العمل فيه ،
• وأخرى موقفة لمصالح :
ومن تلك المشاريع ما تم استغلاله لمصالح شخصية من نافذي تلك المديريات لسنوات قليلة تعد بالأصابع ليتوقف بعدها دون تحريك أي ساكن كما هو الحال في مشاريع مديريات قفل شمر بل وتم التصرف في معدات المشروع ومبانيه من قبل تلك الشخصيات لتتحول غرفة الماطور الخاصة بالمشروع إلى ورشة لحام وبنشر ... في الوقت الذي وصل فيه سعر ناقلة الماء المتوسطة أكثر من عشرة ألف ريال ، وهناك من المشاريع ما هو وهمي حتى الآن وله من الإعتمادات الكثير ولا أحد يدري أين تذهب تلك الإعتمادات التي صرفت باسم ذلك المشروع كما هو الحال في مشروع مياه كحلان عفار الذي يتوقف متى ما أراد نافذوا تلك المديرية ويعمل متى ما أرادوا ، كما ان المشروع قد صرفت باسمه أكثر من خمسمائة مليون خلال السنوات الأخيرة بحسب معلومات مؤكدة بغرض مد شبكة المياه لباقي عزل المديرية إلا أنه لازال محصورا في مركز المديرية وما حولها فقط ، ومثله بمأساوية أكبر ما يجري في مديرية بني العوام التي يتحكم في مشروع مائها نافذوا المديرية ليفتحوا الحنفية متى ما أرادوا ويغلقوها في أكثر الأيام بل تكاد الأيام التي تفتح فيها الحنفية معدودة على مدار العام كما أن ما يسمى بالمشروع لا يكاد يتعدى مستفيدوه عدد الأصابع ، وبحسب الأهالي فإن غالبية أبناء المديرية لا يحصلون على المياه الصالحة للاستخدام إلا من مسافات بعيدة تصل أحيانا لأكثر من عشرة كيلوا ومن قاع الوديان ويجلبونه مشيا على الأقدام وعلى أكتاف النساء والأطفال وظهور الحمير... فأين هي المسؤلية تجاه معاناة هذه المجاميع من آلاف المواطنين .
ومن مآسي بعض المديريات الناتجة عن أزمة المياه فقد أدى الجفاف إلى نزوح عشرات الأسر من مديريات بني العوام ووشحة وقارة وبكيل المير وغيرها من المديريات إلى مديريات أخرى لازالت بها المياه أفضل من مديرياتهم خاصة مناطق تهامة بالقرب من الساحل بحثا عن الماء ، الذي تقوم الحاجة "فاطمة س – 60سنة" من أبناء مديرية وشحة التي تقطن حاليا القريبة من مدينة حرض وأبنائها في "عشة" بنتها على ارض لأحد أبناء المنطقة –فاعل خير- والتي رحلت من منطقتها منذ سنوات بعد أن قتل زوجها وأبيها في خلافات وحالة من الاقتتال مع أشخاص آخرين من أبناء منطقتها في وشحة على بئر ماء نظرا لقلة المياه وندرتها لتكون النهاية الرحيل بحثا عن القطرة .
حلول قريبة .. ومسؤلية منتظرة:
وأمام هذه المآسي والمعاناة التي يتكبدها الناس في البحث عن قطرة الماء في مختلف المديريات جراء الأزمة التي تنذر بكارثة على المدى القريب تبقى الحلول ربما في نظر الكثيرين قريبة وممكنة التنفيذ من خلال بناء الحواجز والسدود للاستفادة من مياه الأمطار التي تذهب هباء ثم لماذا لا تكون لدى المجالس المحلية استراتيجيات مركزة سنويا ، بدلا من تبديد الإيرادات من خلال تشتيتها في كل عام لتغدو عن فتات في كل مجال ننفذ القليل الذي لا يمكن الاستفادة منه بحيث يمكن التركيز في كل عام على مجال ، فمثلا إيرادات المديرية بمختلف مسمياتها – أي مديرية- تصل في العام مائة مليون ريال لماذا لا يتم صبها في هذا العام لإنشاء المشاريع التي من شأنها إنهاء مشكلة أزمة المياه وإنشاء مشروع للمنازل ولنسمي العام " عام المياه" والعام الذي يليه لإنشاء شبكة صرف صحي وهكذا لنجد أنفسنا وخلال سنوات قليلة قد استكملنا البنية التحتية وبشكل واضح وملموس .. ... هذا مجرد مقترح وكلنا ثقة في أن هناك رؤى أفضل يمكنها أن تضع حدا للأزمة التي تتزايد يوما بعد آخر فيما يتعلق بالمياه على وجه الخصوص .....