يمني عائد من السعودية يروي قصة ترحيله واعتقاله في سجون الأمن والمباحث
تقوم السعودية هذه الأيام بطرد آلاف اليمنيين، حيث بدأت المملكة بتنفيذ قوانين العمل بهدف حل ازمة العمالة التي تعاني منها. اليمنيون المطرودون يغادرون حاملين قصصهم معهم.
مقتل إرهابي
يتحدث العائدون من السعودية عن التمييز والسجون غير الانسانية وعنف الشرطة، وعن إرغامهم على الرحيل تاركين معظم ممتلكاتهم وراءهم، وعن عدم السماح لهم بالعودة الى السعودية قبل 5 سنوات، ولا حتى للحج. أو كما حصل في حالة ناصر الحديقي عبدالله علي الذي تم احتجازه 8 سنوات من دون معرفة السبب.
في السادس من أبريل عام 2005 قتلت الشرطة السعودية عبدالرحمن اليازجي، واحد من أكثر الارهابيين المطلوبين في ذلك الوقت. تمت مداهمة البناية التي كان يختبئ فيها وبعد ثلاث ساعات من تبادل لإطلاق النار تمكنت الشرطة من قتل اليازجي.
لكنه لم يكن وحيدا في ذلك اليوم، فقد كان برفقته الإمام ناصر الحديقي عبدالله علي (49 عاما)، وهو رجل يمني طويل القامة داكن البشرة من مدينة عدن التي غادرها قبل 20 عاما للعمل في المملكة السعودية إماما ومديرا لمطعم. في ذلك اليوم القي به بالسجن ولم يخرج منه إلا قبل شهرين، اطلق سراحه وعاد فورا الى اليمن.
يتملكه الغضب والاستياء من الحكومة السعودية ويحاول في الوقت نفسه أن يمسك بزمام حياته من جديد ، يخرج من الظرف صور الاشعة السينية لساقه، والتي تظهر كيف ان الرصاصة مازالت مستقرة فيه. “الحكومة السعودية كانت تبحث عن اليازجي، وفي الليلة التي سبقت مجيئه الى البناية حيث كنت اعيش حاولت إقناعه بتسليم نفسه الى الشرطة، في تلك الايام كان الملك قد تعهد بالعفو عن الارهابيين، إلا ان اليازجي رفض ذلك”.
من سجن لآخر
يعتقد الحديقي أن صاحب البناية استدرج اليازجي ليأتي ثم أبلغ الشرطة عن مكانه حيث كان هناك مكافأة مالية لمن يبلغ عن اليازجي وقدرها مليون ريال سعودي، الأمر الذي أثار اهتمام المالك.
وعندما جاءت الشرطة خرج الحديقي ويداه مرفوعتان في الهواء وقال «اليازجي في الداخل وينوي الاستسلام».
وأضاف :«لم يصغوا إلي واطلقوا النار عليه ، وأطلقوا النار علي في ساقي. نقلوني إلى المستشفى العسكري حيث امضيت 3 اسابيع. الايام الثمانية الاولى لا اذكر منها شيئا. بعدها نقلوني الى السجن حيث امضيت 10 اشهر في زنزانة انفرادية تبلغ مساحتها اربعة امتار مربعة».
وفقا لناصر فإن السلطات السعودية لم تصنفه كإرهابي. بل كان الأمر مجرد خطأ. «قالوا لي انهم سيطلقون سراحي ويعتذرون لي، لكن شيئا من هذا لم يحدث. ولم يُسمح له طوال عامين بالاتصال بأي شخص، وظنت عائلته انه قد مات».
تقول شقيقته صفية الحديقي التي تعيش مع عدد كبير من أفراد أسرتها في منزل قديم صغير في حي القلوعة الفقير في عدن لسنوات «لم نعرف شيئا عن شقيقنا، ذهبت للسفارة السعودية التي عجزت عن تقديم اية معلومات لنا».
خلال المقابلة كررت صفية لمرات قولها «مفيش عدل في السعودية .. مفيش».
وتضيف : «أخيرا استقبلت مكالمة هاتفية من شقيقها قال فيها انه مسجون في السعودية. ذهبت إلى السعودية ووجدته في سجن في الرياض، كيف وصل إلي السجن ؟ إنه رجل طيب يميل الي السذاجة. لسبع سنوات جروه من سجن لآخر دون أن يمثل أمام قاض أبدا».
أخيرا قدم لمحكمة بعد ما يقارب الثمانية سنوات، تقول شقيقته صفية بألم «بلا كرامة بلا عدالة والآن يحتاج للعناية والرعاية فقد تدهورت صحته وفقد أسنانه . سنوات السجن الطويلة بلا رعاية صحية مناسبة دمرت ساق ناصر، انه يعرج، ويتحرك ببطء وصعوبة».
يقول الحديقي : «عندما اخذوني اخيرا الى المحكمة قال وكيل النيابة إنني ارهابي. لم يصدقه القاضي لعدم وجود اي دليل على ذلك. وعندها قرر القاضي إطلاق سراحي».
لكن هذا الامر لم يحصل جهاز المباحث اي البوليس السري فوق القانون، ويمكنه فعل ما يشاء. عندما جلب الحديقي من جديد للمثول امام القاضي، تفاجأ هذا الاخير بانه مازال محجوزا. واقترح ان يصدر حكما ضد الحديقي بحبسه 8 سنوات وهكذا يمكن الافراج عنه فورا.
«انا لم اكن موافقا على هذا الامر لأنه يعطي الانطباع بانني مذنب”. في ذلك الوقت تدخل الامير نايف ووعد بمساعدة الحديقي، الذي وضع لائحة بما يحتاجه: الافراج عنه، بعض المال، عناية طبية وان تتمكن عائلته من زيارته “. لم يحصل اي شيء من هذا ابدا، إذ توفي الامير نايف بعد فترة قصيرة».
الترحيل
اخيرا نُقل الحديقي من جديد الى سجن آخر، سجن ينتظر فيه مئات اليمنيين حتى يتم ترحيلهم من البلاد. “يوم 15 مارس من هذا العام اُطلق سراحي فجأة، وقيل لي إن بإمكاني تسلم شيك مصرفي من السلطات السعودية في المطار. عندما وصلت الى هناك لم اجد اي شيك، فقط الخلاص والمغادرة فورا الى اليمن!.
ربما لن تطأ قدما الحديقي أرض السعودية من جديد. لأن والدته لن تسمح بذلك ابدا. السيدة المسنة المريضة تتمدد على سرير في منزلها بحي القلوعة لكنها تقسم ان ابنها لن يعود للسعودية إلا على جثتها.
تقول صفيه: «رأيناه بعد عودته بيومين لأنه ذهب مباشرة إلى العاصمة صنعاء بحثا عن العدالة والانصاف».
ذهب ناصر لوزارة حقوق الانسان ووزارة الخارجية على أمل أن يتمكنوا من فعل شيء لصالحه كما تبنى نائب برلماني قضيته ايضا للمنظمة اليمنية للمهاجرين التي تدافع عنه.
وختم حديثه قائلا «اذا كنت قطريا او كويتيا انت بخير، ولكن ليس اذا كنت يمنيا او بنغاليا او هنديا، عندها يعاملونك بطريقة سيئة للغاية. لا حقوق لديك، لا شيء».