دكتور يتسول الدواء!!
لا تستغرب أخي القارئ صيغة عنوان المقال الحالي، فما سأورده قد لا يصدقه عاقل، وهو في الحقيقة قد لا يخطر ببال أحد أيضاً.. فهل يتصور أحدكم أن دكتورا يتسول الدواء؟ قد تكون الاجابة المناسبة والمنطقية لا، ولكنها ليست الإجابة على أرض الواقع، ففعلاً دار الزمان حتى أصبح الدكتور يتسول الدواء له أو لأحد افراد اسرته.
احدثكم وأنا عضو هيئة تدريس بجامعة البيضاء، وأحد رؤساء أقسامها، ولا استطيع ان اوفر الدواء لنفسي أو لأولادي وزوجتي، والسبب اننا في جامعة ناشئة –كما يسموننا- لا يتوفر فيها قيمة التداوي، وما يصرف للدكتور في أعلى الحالات التي يجري فيها عملية جراحية، لا يتعدى سقف 100 الف ريال فقط -وهو سقف أخطأ من حدده- فهذا المبلغ لا يساوي حتى قيمة الرقود لثلاثة ايام -فقط- في احدى المستشفيات، فما بالنا بقيمة الدواء والعملية والتنقل، أما الموظف الذي يقل مرتبه عن الدكتور، فلا يتحصل حتى على هذا السقف الضئيل... انها مصيبة ان يلجئ دكتور جامعي لتسول الدواء.. أو يقضي كل يومه يدعو ربه الا يمرضه او أيا من افراد اسرته، حتى لا يذهب ماء وجه ليستدين قيمة الدواء، والحقيقة أن أحدا لن يعطيه، لأنهم لن يصدقوا ان دكتوراً في الجامعة لا يوجد لديه بند كافي ومنطقي للتداوي.
في قطاعات عديدة بالدولة والخاص والمختلط بند العلاج مفتوح فيها، لأنك لا يمكن ان تقول لموظفك رجاء لا تمرض، أو اجعل مرضك يتوقف على وجع الرأس، ليكفي الرصيد لقيمة البرامول... كيف يمكن لدكتور في الجامعة أن يبدع وهو يقضي جل وقته يهم ان حل به مرض؟؟ والانكى من ذلك ان العلاج في الخارج سقفه 2000 دولار، ولكن اذا سمح الرصيد، أي اذا قدر الله المرض على 4 زملاء قبلك، فما عليك إلا ان تفترش احد المساجد لتقول لله يا محسنيين.. لكن لا تقول لهم انك دكتور في الجامعة، فسيلعنونك انت وجامعتك.
انني كأحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة البيضاء، أناشد الاخ وزير المالية توفير قيمة دواء لمنتسبي الجامعة وأسرهم، فمن المعيب إلا يرصد لها المبلغ المفتوح للتداوي، كما اناشد الاستاذ الدكتور سيلان العرامي –رئيس الجامعة والذي اقدر جهوده- ان يتم التعاقد مع احدى جهات التأمين، على أن تتولى هي ارسال مرضى الجامعة لأي مستشفى كما هو معمول على الاقل في جامعة ذمار التي كنا نتبع لها قبل انشاء جامعة البيضاء فنحن لا نريد مبالغ نقدية، بل نريد ان يداوونا إذا ما قدر الله علينا المرض.
لقد مرض والدي بالقلب واحتاج لعملية قسطرة وهو الآن يحتاج لعملية قلب مفتوح، ولم استطع ان اساعده حتى بقيمة ابرة واحدة، فيما يستطيع بقية اخوتي وهم في قطاعات اخرى –وهي اقل من الجامعة بكثير-ان يعينوه، وقد لا يصدق والدي -ومعه الحق في ذلك- انني لا استطيع مساعدته، بل انه لن يستوعب انه محظوظ بأبنائه العاملين في قطاعات يصرف لها بدل علاج مفتوح، أما انا وأولادي –وبقية زملائي في الجامعة- فلنا الله، فنسأل الله ألا يمرضنا وان قدر علينا شيء فيجعله على قدر سقف 100 ألف ريال الذي يستظل تحته ستة افراد في عام كامل .
الامر يحتاج الى ان تمد الدولة يدها لجامعة البيضاء، وإلا ما الفائدة على انشاء جامعات جديدة، اذا توفر لها الدعم المالي المناسب، مع العلم ان ميزانية الجامعة طيلة العام، لا تساوي مرتبات عاملي صندوق النظافة بالحديدة الذين يتقاضون مع الاضافي 74 مليون ريال شهريا، ولهم بدل علاج 30 الف ريال.. اعتقد ان ينبغي التفكير بجدية في وضع الجامعات الناشئة، فإن لم تقدم هذه الجامعات لمنتسبيها شيئا، فسيتمنون بلا شك العودة الى الوضع قبل فك الارتباط بالجامعة الأم، فهل يعقل ان جامعة تعطي لها الدولة ميزانية كليتين في جامعات اخرى، إن هذا ما يحدث في الجامعات الناشئة.
جامعة البيضاء لها خصوصية عن الجامعات الأخرى، فهي تقع جغرافيا في منطقة خطيرة، وحياة العاملين فيها مهددة بحكم ما تتعرض له المنطقة الواقعة بين خطي ذمار و البيضاء، ناهيك عن محاولة البعض النيل منها وتصويرها وكأنها وكر للارهاب، ولهذا فهي بحاجة الى بدل مخاطر اضافة الى بدل العلاج المجزئ.. كما ان كليتي التربية والعلوم الادارية برداع تقعان خارج اطار رئاسة الجامعة، وتنطبق عليهم اجراءات منح بدل ريف والمقدر في القانون ب20 بالمائة، فهذا سيقود الى الرضا الوظيفي ويحسّن الاداء وبالتالي مخرجات التعليم في الجامعة.
نحن ككادر تدريسي وعاملين لا نطالب بالمستحيل، بل بأن تساوي وزارة المالية بيننا وبين الجامعات الاخرى، فنحن مثلهم بشر، وحاصلون على نفس الدرجة العلمية، ونستحق ما يتحصلون عليه، فكلنا في بلد واحد، ولا يعقل ان يتعالج البعض في ارقى المستشفيات الداخلية -وأغلاها- وبحساب مفتوح حتى يتم الشفاء، فيما نحن نخاف حتى ان نصاب بالصداع.
.أستاذ مساعد بجامعة البيضاء