إنتهاء مؤتمر الحوار ...بداية مشاكل اليمن
يوم الخامس والعشرين من يناير 2014م انعقد الحفل الختامي لمؤتمر الحوار المستمر منذ18مارس2013م ، وبمجرد مرور دقائق على إنتهاء الجلسة الختامية وقبل إنعقاد الحفل الختامي قام النظام بحشد كل إمكاناته - وهي إمكانات الدولة أًصلاً- لإقناع الجميع أن(مؤتمر الحوار الوطني نجح نجاحاً فاق التوقعات) وأن ماحدث(معجزة) وأنه(إنجاز تاريخي غير مسبوق في تاريخ اليمن) بل قال مبعوث الأمم المتحدة (أن مؤتمر الحوار الوطني في اليمن سيتم تدريسه للدول الأخرى) فأمتلئت شوارع صنعاء بصور رئيس النظام الحالي بما يزيد عن ألفي لوحة وتم إشعال سمائها وسماء المدن الأخرى بألعاب نارية ، وتفنن كل مهندسي مشاريع التمديد للنظام الحالي في إقناع البسطاء بأن مؤتمر الحوار الوطني هو الحل لكل مشكلاتهم ومشكلات اليمن ولم يتوقفوا إلا عند القول أنه ليس بين دخول اليمن في مصافي الدول العشر الكبرى سوى تنفيذ مقررات مؤتمر الحوار البالغة قرابة 2000مادة وتوصية ،ومؤخراً أكد رئيس النظام أن أعضاء الحوار سيقومون بالنزول الميداني إلى المحافظات في الأيام القادمة لشرح مقترحات مؤتمر الحوار في تنفيذ عملي لكلام قاله أحد حاملي المباخر على شاشة الفضائية اليمنية من أن (مقررات مؤتمر الحوار لايمكن أن يفهمها أو يشرحها إلا أعضاء الحوار)!!؟؟.
جاء إخراج الحلقة الأخيرة من مؤتمر الحوار بطريقة أشبه بالمسرحية الهزلية غير المحبوكة جيداً فلم يتم العمل باللائحة الداخلية المشترطة ضرورة التصويت على مقررات الحوار ليتم عوضاً عن ذلك وقوف الأعضاء ليصفقو ويهتفو ويفوضو رئيس النظام الذي حضر وحاول دغددة العواطف بخطاب يظهره وكأنه المظلوم الذي لم يكن يريد السلطة وأنه استلم بلداً أحرقه نيرون فأعاد هو بناءه وفعل فيه خلال سنتين مالم يستطعه الأوائل، ولإن المخرج لم يدرس فن الإخراج بشكل أكاديمي أدعى الرئيس أنه لم يكن يعلم بإن كلامه منقول على الهواء وأنه تفاجأ وقال(أنتم ورطتوني) و(لاتقفلوش تلفوناتكم) (وأنتم يجب أن تكونوا معي) (ومرحلة العمل القادم ستكونون سندي والعون لي وستكون مرحلة جد وإجتهاد) وكل هذه الأساليب تكررت في الأفلام العربية التي كان يمثلها - بطولة فردية- الرؤساء العرب المخلوعين في دول الربيع الأربع وبالذات في أواخر أيامهم .
مرت ساعات مابعد مؤتمر الحوار بطيئة وبدأت لحظات النشوة من المسكرات منتهية الصلاحية بالتلاشي خلال أيام خصوصاً ألا قراراً قوياً صدر بعدها سوى قرار (مصادقة اليمن على إتفاقية حضر الأسلحة الكيماوية) (وتعيين متحدث رسمي باسم الجيش تنفيذاً لخطة الهيكلة المقرة قبل سنة) ،ولذا بدأ رأس النظام بالبحث عن أي فلاش إعلاني جديد يعيد الناس إلى مربع النشوة السابق فلم يعثر على مايريد، وحصل بدلاً عن ذلك على بيان من مجلس الأمن لايسمنه ولايغني من جوع ، ولازال يحلم حالياً بقرار من مجلس الأمن يفسره هو على أنه (عصا دولية) ضد أي رافض لمقررات مؤتمر الحوار وبالذات موضوع (الأقلمة) وموضوع (التمديد).
كان من الهزلي جداً أن يتحول رئيس النظام الحالي إلى رئيس حملة إعلانية لمقترح الأقاليم -الذي يفترض نظرياً- أن أعضاء الحوار هم من ينبغي أن يكونوا المتحمسين له لإنهم مقترحوه والمتفقين والمتوافقين عليه وليس رئيس النظام الذي سيكون هو المنفذ بحسب خطة المتحاورين ، لكن من طلب التفويض والعون والمساعدة من الاخرين ومنذ شهر تقريباً وفي كل مقابلاته(حتى مقابلته مع مسئول جنوب أفريقي جاء يبحث عن الإفراج عن رهينة) أصبح يؤكد أن الحل السحري لكل مشاكل اليمن سيكون نظام الأقاليم وأن كل التأخر في حلحلة مشاكل اليمن منذ 50عاماً سيحل بمجرد إنشاء الأقاليم ، وللمرة الثانية ولإن المخرج الفاشل لم ينبه الرئيس أنه لاينبغي له أن يتحدث عن تفاصيل لم يتم الإتفاق عليها تحدث الرئيس عن موضوع حكومات الأقاليم ومجالس التشريع فيها وتوزيع الثروات ومالذي سيبقى ومالذي سيظل سيادياً ،وهي مسائل لم يتم البدء في النقاش حولها فضلاً عن حسمها.
التوصيف المنطقي لما حدث ويحدث من قبل الرئيس ونظامه يمكن تلخيصه (بإنه لايمتلك أي حسنة لنظامه سوى التغزل بأي منجز ولو كان ذاك المنجز هوالوهم) فهوعلى مدى 25شهراً لم يستطع القيام بالحد الأدنى من واجباته تجاه الشعب ، رغم أنه جاء بعد رغبة جارفة بالتغيير نحو الأفضل وأستلم السلطة بإنتخابات توافقية نال فيها قرابة 8مليون صوت حقيقي غير مشكك فيها من أحد ورغم أنه نال دعماً دولياً غير مسبوق لأي قرار يصدره جل أو صغر ، لكنه كذلك لم يستطع تأمين مقره كقائد أعلى للقوات المسلحة فأقتحمه 6أفراد فقط وأستمروا فيه قرابة 24ساعة!!.
هل يمثل مؤتمر الحوار بداية النهاية لمشاكل اليمن؟
مايستلزم التفكير فيه من قبل الجميع وبالذات ممن ليسوا مستفيدين من النظام ومعجزته الحوارية،هو التفكير في التساؤلات التي تجول في سماء اليمن منذ إنتهاء مؤتمر الحوار ثم الإجابة وبتجرد عن العواطف عن التالي من الأسئلة:
أولاً: هل أعطى مؤتمر الحوار حلاً عملياً للنقطتين الرئيسيتين اللتين تؤرقان بال ملايين اليمنيين جميعاً ولايختلفون عليهما أبداً ولايتوافقون حقيقة إلا عليهما وهما( الإقتصاد والأمن) أم قرر المؤتمر ترحيل التفكير في حلول هاتين المشكلتين إلى المجهول ؟.
ثانياً: أين هو التطبيق العملي لليمن الجديد الذي أستطاع (المؤتمر المعجزة) أن يثبته لليمنيين ومقررات المؤتمر بصيغتها النهائية سلقت في أقل من دقائق ودون تصويت وفق اللائحة بل بالضجيج والوقوف أمام كاميرات الإعلام ودون علم الأطراف بها بل وبتزوير لأقوال ومقررات وتصريحات وتوقيعات كما قالت بعض الأطراف المشاركة وبعد تفريخ لمكونات وانسحاب مكونات وهل تم التوافق مع أطراف انسحبت وكيف كان ذلك ولماذا إذاً إنسحبت وثمة توافق؟
ثالثا: ماهو الضامن أن تنفذ سلطة فشلت في تحقيق الحد الأدنى من واجباتها خلال سنتين رغم وجود ألية تنفيذية أستغرق إعدادها 6أشهر قيل يومها أنها زمنت وبدقة كل تفصيل من التفاصيل ليصل الوضع بعد مرور سنتين من التوقيع عليها إلى تفسير مدة رئيس الدولة (بإنها مدة مفتوحة لحين اكتمال نقل السلطة وأجراء الإنتخابات الرئاسية) ثم كيف يمكن الوثوق بسلطة لم تصبر شهراً واحداً لتخالف مقررات الحوار حين شكلت لجنة الأقاليم بطريقة خلاف مقررات الموفنبيك التي حددت عدداً أقل لأعضاء لجنة الأقاليم وتاريخاً لانتهاء عمل اللجنة قبل إنتهاء الجلسة الختامية ،فهل هذه السلطة المستعجلة جداً في مخالفة المخرجات يمكن الوثوق بأنها ستنفذ مستقبلاً وثيقة الحوار الختامية معتمدة على نفس الوثيقة؟.
رابعاً: هل يمكن لفاقد الشيء أن يعطيه وهل يمكن للمتسبب بالمشكلة أن يكون هو حلالها فنفس الأطراف التي فشلت في تحسين وضع اليمن سيوكل لها مهمة إنتاج مستقبل اليمن ، ونفس المتسببين بالمشكلات على الأرض سيكونون هم المنفذين لما يفترض أنه سحب لنفوذهم على الأرض ، وهل مجرد مشاركتها في جلسات الموفنبيك أو توقيعها على أوراق التوصيات يعد كافياً لعدم الانقلاب منها هي أولاً على ماوقعته وهل وقعت الخلافات أو الحروب تاريخياً غير بين نفس الأطراف الموقعة على الإتفاقات والمتحاورة فيما بينها على تفاصيل الإتفاقات؟.
خامساً: هل الحل لمشاكل النمو السكاني المتزايد بجنون وتناقص المخزون الجوفي للمياة المنذر بجفاف اليمن بكل مدنها وأريافها وتدهور الإنتاج النفطي وتناقصه وشحة الموارد العامة وندرة الاستثمارات الخاصة الأجنبية والانفلات الأمني المتجدد في إبتكاراته وحروب العصابات في أغلب المحافظات والبطالة المتزايدة ومشاكل الأمية المتفشية ومشاكل الصحة والتعليم والزراعة والفساد الحكومي المستشري يكون بالتصويت برفع الأيادي والوقوف والصياح أمام الكاميرات على 2000مادة وتوصية ومقرر؟.
سادساً: ماهي الإمكانات المادية المتوافرة في الواقع حالياً لتنفيذ كل هذه المقترحات التي تستلزم دون شك إمكانات مادية ومالية رهيبة لاجدال على عدم توافرها حالياً بيد اليمنيين ودولتهم التي لاتزيد ميزانيتها الحكومية السنوية عن 10مليار دولار أمريكي مع عجز في الموازنة بقرابة 3مليار دولار؟.
سابعاً: هل مفتاح الحلول للمشكلات التي ناقشها مؤتمر الحوار يكون بتنفيذها عملياً على الأرض أم بتنفيذها نظرياً في كتيب وثيقة مؤتمر الحوار وكيف سيمكن تنفيذ مقررات والأرض ساقطة عملياً من يد المتحاورين وبيد أطراف رفضت الدخول في الحوار مثلما هو حاصل في الجنوب أو دخلت في الحوار لكنها تمارس مايجعل من المستحيل تنفيذ مقررات الحوار ضدها كما يحصل من الحوثيين وتوسعهم الواصل حدود العاصمة؟.
ثامناً: من يستطيع الإجابة على التساؤل المتكرر (من الضامن لمخرجات مؤتمر الحوار) فالبعض يقول أن الضامن هو الشعب والبعض يقول أنه المجتمع الدولي والبعض يقول أنه التوافق بين الأطراف السياسية والبعض يقول أنه تغيير الحكومة الحالية والبعض يقول أنه العمل الجاد من كافة الأطراف والبعض يقول أنه الإرادة السياسية لدى النخب السياسية والمشاركين في مؤتمر الحوار، والبعض يقول كل ماسبق ولم يقدم مؤتمر الحوار أو النظام الحالي أي إجابة منطقية لهذا التساؤل حتى اليوم؟!!.
تاسعاً:كيف يمكن تصديق نظام سياسي يخالف يومياً ومنذ أسابيع ،مايدعي أنه سينفذه مستقبلاً فالنظام يتحدث عن حرية التنقل والتملك لكل اليمنيين وفي كل الأقاليم في حين يسلم مناطق لأبناءها ويقبل بطرد غيرهم كما يحدث في حضرموت منذ أسابيع من تغيير لكل قادة الجيش ولكل الأفراد ممن ليسوا من أبناء المحافظة ، ومثلما يحدث ويستوعد النظام حالياً بتكراره في الضالع بقبوله تسليم المعسكر الموجود لأبناء المحافظة، فماذا إذاً سيبقى عملياً لتنفيذه مستقبلاً في موضوع السلطات السيادية وهل يمكن أن يبقى للسلطة المركزية أي مبرر وهي وقبل تفككها سلمت كل ماتدعي أنه سيبقى سيادياً مركزياً لأبناء المناطق محلياً؟.
عاشراً: لماذا تغافل القائمون على الأمر الحديث عن أهم مستلزمات وجود دولة مدنية حديثة أي الحديث عن شكل النظام السياسي وهل هو نظام رئاسي حقيقي يلغى فيه منصب رئيس الوزراء أم نظام برلماني ، وأكتفى الجميع بالحديث عن الإنتقال من دولة مركزية كانت مهترئة أصلاً إلى دولة أقاليم لن تكون إلا مهترئة بالتأكيد ، وتعامى الجميع عن تحديد موضوع تقسيم الموارد الشحيحة أصلاً وترحيل النقاش حولها إلى القادم ، وهل يعني ذلك أنه سيتم الإعلان عن مؤتمرأو مؤتمرات حوار قادمة لمناقشة هذه التفاصيل شديدة التعقيد والتي هي جذر المشاكل كما يردد رئيس النظام والتي لم يحسمها مؤتمر الحوار في شهورة العشرة السابقة وفقط تم وضع كلمات عامة دون تفاصيل؟.
أخيراً: هل يستطيع أساتذة النظرية العالمية الموفنبيكية الجديدة أن يشرحوا وبشكل مزمن( كيف ومتى وخلال كم وعن طريق من وبأي الوسائل وبمن من الأشخاص والجماعات) الالية والمصفوفة التنفيذية لقرابة 2000توصية ومقرر ومتى وبعد كم من الوقت وفي أعلى حالات المثالية الزمنية سيتم الإنتهاء من تنفيذ (المعجزة) التي أذهلوا العالم بها؟.
إن كل ماسبق ومئات الألاف من الأسئلة المنطقية جداً لم أسمع من مهندسي النظام جواباً لها حتى اليوم بشكل واقعي أو غير واقعي ، وكل مايتم الحديث عنه ليس أكثر من ترحيل إلى المستقبل ليكون المستقبل ككائن هلامي هو الكفيل بتنفيذ مقررات الموفنبيك ، وكل الذي يمكنني أن ألخص به حديث المهندسون الموفنبيكيون لنظريتهم العالمية الرابعة حول ضماناتهم لتنفيذها هو المثل اليمني الشهير (مابدا ...بدينا عليه)، وأجزم أن الموضوع متعمد فليس من غرض من هذا التجهيل سوى التمديد كهدف إستراتيجي ، وهذا سيجعل بالتالي من مؤتمر الحوار بداية عملية أشد سوءً لمشكلات اليمن وليس بداية لنهايتها ، فما بني على الفشل لايمكن أن ينتج عنه سوى الفشل ومن لايحمل من هدف في حياته سوى التمديد للبقاء في السلطة لن يخرج منه سوى التمديد للمشكلات.
أعلم أن هذا المقال لن يروق للكثيرين لإنهم بنوا من الأحلام التي يعيشهم النظام فيها الكثير والحديث الذي كتبت بعض تساؤلاته لايلبي لهم البقاء في الأحلام بل يعيدهم إلى عالم الواقع ، وليعلم الجميع أن التشاؤم والتفاؤل ليسا غايتين بحد ذاتهما بل هما وسيلتان للعمل والنجاح ولايمكن أن ينجح المتفاؤل بالوهم.