روسيا، الحليف الجديد !
اتسمت العلاقات الروسية – الإسرائيلية بالدفء المتزايد منذ نشأة الدولة 1948، والذي أدّى إلى تمدد العلاقات الثنائية ونموها على نحوٍ فريد ومتميّز، حتى على الرغم من مدى العلاقات التي أنشأها الاتحاد السوفياتي مع الدول العربية حيث كان أول دولة – عظمى- تقوم بالاعتراف علانية بإسرائيل، وشهدت منذ ذلك الحين تعاونات مختلفة شملت كافة المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتي كانت مهمّة للطرفين معاً.
كانت زيارات متبادلة لزعماء، وسياسيين وخبراء أمنيين وغيرهم، قد غطّت مراحل مختلفة من تاريخ الدولتين، وكانت في كل مرّة تُتوجها نجاحات مختلفة ومهمّة في ذات الوقت، وإن كان بعضها لا يرقى إلى الدرجة المأمولة، إلاّ أنها لم تكن فاشلة بالمطلق. فمنذ العام 1994، أي في أعقاب سقوط الاتحاد السوفياتي أواخر عام 1991، وقّعت الدولتان ستّ اتفاقيات للتعاون في مجالات مختلفة، شملت: مجال الثقافة والتعليم، السياحة، الطّيران، العلم والتكنولوجيا، الزراعة والصناعة الزراعية، والصحّة والعلوم الطبّية. وخلال العام 1996، تم التوقيع على اتفاقيّة تعاون في مجالي البريد والاتصالات. وفي عام 1997، وقّعتا اتفاقيّة في مجال الحرب ضدّ الجريمة. وفي عام 2000، تم التوقيع على اتفاقيّتين، شملتا مجالي منع الازدواج الضريبي وإقامة مراكز ثقافيّة في الدولتين. وأيضاً تم التوقيع على اتفاقيّة تعاونيّة، أمنيّة – عسكريّة خلال العام 2010، حيث شكّلت هذه الاتفاقيّات أرضيّة هامّة من أجل تعزيز علاقات الدولتين الثنائية وتطويرها في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصاديّة وغيرها.
وكان العقد الأخير، قد شهد ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الزيارات المتبادلة بين قيادتَي الدولتين بغرض تكريس وتطوير العلاقات فيما بينهما. فقد هبط خلاله في العاصمة (موسكو) جميع رؤساء الحكومات الإسرائيليّة "أريئيل شارون، إيهود أولمرت، بنيامين نتانياهو" وزارها كذلك كل من "شمعون بيرس، إيهود باراك" ووزير الخارجية "أفيغدور ليبرمان"، وكانت زيارة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لإسرائيل خلال عام 2005، قد شكلت نقلة مهمّة في تاريخ العلاقات بين البلدين، وعلى الرغم من أهميتها إلاّ أن هبوط "بوتين" في إسرائيل مرة ثانية في منتصف العام 2012، كانت أكثر أهمية وفائدة بالنسبة للبلدين، وما جعلها كذلك لإسرائيل، أن "بوتين" جلب معه وفداً يزيد على 350 شخصاً وشمل الكثير من كبار المسؤولين ورجال الأعمال الروس، بهدف ترسيخ العلاقات ولتعزز سبل التعاون والتحالف فيما بينهما.
وقد توضحت أهمية العلاقات في الآونة الأخيرة، من خلال الزيارة المهمة (السريّة) التي قام بها وفد أمني روسي إلى إسرائيل، شمل جنرالات روس، برغم الأزمة مع واشنطن، وتحريضها على مقاطعة روسيا. وبصورة صارخةً وتحدّ واضحين، بادر "نتانياهو" إلى الاتصال بالرئيس "بوتين" في أعقاب تلك الزيارة، لمناقشة المصالح المشتركة والاتصالات المستقبلية بينهما.
إسرائيل بحاجة إلى روسيا ليس بأكثر من قدر حاجة روسيا إليها، فهي ترى فيها حليفاً آخر ليس بأقل قيمةٍ من الولايات المتحدة، فإذا كانت هناك التحالفات الاستراتيجية واللوبي اليهودي، وهذا مهم جداً في إسرائيل، بسبب أنه يمثل عنصراً رئيساً تستخدمه لبناء علاقاتها مع دول أفريقية وآسيوية وروسيا بالذات، فإن في إسرائيل الروس أنفسهم - وهذا مهم أيضاً لديها- وكلما تقدم الوقت، بسبب أنهم يمثلون عنصراً داعماً لأمنها ومثبتاً للدعم الخارجي، بالنظر إلى أن القيادة الروسية تولي أهمية كبيرة لمواطنيها السابقين- يحملون لغتها وثقافتها-، ولا تقبل أن يعيشوا ساعةً واحدةً في خطر.
كما أن انعكاسات الصراع العربيّ- الإسرائيلي جعلت إسرائيل تعلق آمالاً نحو أن تضغط روسيا على أصدقائها العرب كي يفسحوا المجال أمام تنازلات تودّي إلى سلام، والشيء الأهم الذي تمثله معضلة الملف النووي الإيراني، حيث تأمل إسرائيل أن تتعاون روسيا للحيلولة دون تقدم الإيرانيين نحو عسكرة برنامجهم النووي، وترى فيها ضامناً أكبر من الولايات المتحدة، بحكم أنها هي التي تدير نموّه وعمليات تطويره. كما أن التعاون بشأن الوضع في سورية، يعمل على طمأنة الإسرائيليين وفي مقدمتها ما يختص بمسألة تصدير السلاح إليها وخاصةً صواريخ (S-300) أو معدات عسكرية أخرى يمكن أن تكون نهايتها بين أحضان تنظيم حزب الله اللبناني. ومن جهةٍ لدواعٍ اقتصادية، حيث أبدت إسرائيل اهتماماً زائداً، بأمل أن تقود العلاقات إلى تطوير سبل التعاون من خلال تبادلات تجارية، وبأمل منح شركة الغاز الروسيّة (غاز بروم) تراخيص بشأن إنتاج وتطوير حقول الغاز المكتشفة قبالة الشواطئ الفلسطينيّة في المتوسّط.
بالمقابل فقد بلغ الحرص الروسي على ضرورة تنمية العلاقات مع إسرائيل، والسعي إلى تعزيزها، من أجل الرغبة في ترقية التعاون بين البلدين في شتى المجالات السياسية والأمنية الصناعية، وخاصةً تلك المتعلقة بالصناعات الدقيقة المتطورة – وهذا مهم- لروسيا وخاصةً في شأن صناعة الطائرات المسيّرة، لا سيما وأن روسيا تسعى حثيثاً لإقناع إسرائيل بتعزيز التعاون التكنولوجيّ وبدء مشاريع مشتركة في هذا الشأن. ناهيكم عن السعي الروسي إلى إبراز دوره من جديد في منطقة الشرق الأوسط على خلفية التطورات والتغييرات التي تشهدها المنطقة بشكل عام، بعد (بيات) طويل ساهم فيه سقوط المنظومة الشيوعية.
في أعقاب كل زيارة، تطالعنا الأنباء بأنها حققت أهدافها، وعن أن الدولتين متفقان حول مجمل القضايا المثارة سواء المتعلقة بالمصالح الإسرائيلية أو الروسية، وعلى الرغم من التشكيك في بعضها بأن الاتفاقات تغلب عليها البراغماتية، إلاّ أن الحقائق تشير إلى العكس، بدلالة أن الولايات المتحدة وهي الحليف الأكبر لإسرائيل، تشعر بغضاضة إزائها، وهي تنظر إلى خطواتها وكأنها في البطن الأمريكية، وليس هذا وحسب، فإن إسرائيل تتغافل عن أيّة إجراءات تحاول واشنطن اتخاذها ضد روسيا بشأن الأزمة الأوكرانية، على أنها لا تقوم بواجبها بالمطلق في هذا الصدد، برغم استياءها الشديد من موقفها الذي بدا محايداً، حيث لم تقنعها الذرائع الإسرائيلية في شأن مماطلتها عن مساندتها أو إعلان موقف متعاطفٍ معها على الأقل، وكان مفهوماً أن ذلك التأخّر كان لحساسية علاقاتها الدافئة مع موسكو وإلى المحافظة على الدور الروسي في بعض الملفات الإقليمية الهامة وعلى رأسها البرنامج النووي الإيراني.
وكان ساسة في إسرائيل قد أعربوا عن رفضهم لملاحظات واشنطن، وفي الجيش الإسرائيلي أيضاً علّق - مثلاً- العميد "عاموس جلعاد" وهو رئيس القسم السياسي الأمني في وزارة الجيش الإسرائيلية، على غضب الولايات المتحدة، بأن لإسرائيل مصالحها الخاصة التي تملي عليها سياستها، ويهمها قضاياها الأمنية التي تؤثر على حاضرها ومستقبلها، فلا يجب أن تتأثر مصالحها بسبب أي جهة كانت، حتى لو كانت تلك الجهة الولايات المتحدة.
إسرائيل الآن وعن قدرة، تعمل على المبدأ الذي يساوي العلاقات مع واشنطن بالعلاقات مع موسكو، وبدا أنها اختارت طريقاً آخراً بعيداً عن توجهات حليفتها الاستراتيجيّة التي تخوض مواجهة مفتوحة ضد روسيا حول عدد من القضايا السياسية والأمنية.
في السياق، وبالنظر إلى التطورات السياسية الحاصلة في الشرق الأوسط بشأن ملفات (إيران وسوريا)، والعملية السياسية الجارية بشأن (القضية الفلسطينية) بشكلٍ خاص، بوسعنا التنبؤ بتنامٍ متواترٍ للعلاقات بين روسيا وإسرائيل، لاسيما وأن جهود الولايات المتحدة لمعالجة هذه الملفات، وعلى الرغم من موالاتها لإسرائيل، إلاّ أنها لم تبلغ بعد الرضا الإسرائيلي وفي أي ملف منها، وليس معنى ذلك فقدها كحليف استراتيجي، وإنما يعني لدى إسرائيل حيازة حليف آخر جديد.
خانيونس/فلسطين