مصالحة خطِرة !
على الرغم من توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، والتي أعلنت بأنها ستبذل جهدها من أجل إزالة آثار الانقسام وتبعاته على جملة حياة الشعب الفلسطيني من خلال التزامها ببنود المصالحة، إلاّ أن إعلانها لا تبدو عليه علامات البشرى، ولم يفلح بعد في خلق جزء من التفاؤل لدى المؤمنين بها على الأقل. إذ برغم إعلانها لم تستطع التقدّم خطوة واحدة إلى الأمام، وبدت عاجزة عن إنجاز أي شيء، ليس لسبب أنها لا تجيد العمل، وإنما بسبب أن كل واحدة من الحركتين قد بدأت تتحسس رأسها على حِدة، وكأنها وجدت نفسها في الحفرة الأعمق، وأصبحت نادمة على ما أقدمت عليه، وبدل صبرها على المكاره، وإطباقها على الصمت، وصمودها حتى بلوغ الانتخابات المقررة بعد ستة أشهرٍ من الآن، - فيما لو صدقت الرؤيا-، ذهبت عمداً إلى ما يُخالف بنود الاتفاق المُعلنة على الأقل، حتى لم تدع للحكومة متنفساً كي تستمر في ترتيب أولوياتها، ولم تسمح لها بأن تعمل في هدوء، وبات وجودها ضمن هذه البيئة – صورياً- فقط، وكأن مهمتها مقتصرة في إنتاج وتقديم الأماني والتأملات وحسب.
تجاهل الحكومة، التمرّد على الاتفاق، التمترس خلف المواقف، الإكثار من التصريحات، العودة إلى النبرة التوتيرية، تبادل الأخطاء، مواصلة الأنشطة العدوانية، صناعة وتصدير الأزمات، تناوب الاتهامات، كلها جعلت الاعتقاد وعلى نحوٍ أكبر بأن هناك تصعيد ما.
أزمة البنوك في قطاع غزة كانت الأبرز، حيث قامت الشرطة في القطاع بتغليقها وحالت بين الموظفين ورواتبهم، بحجة وجوب المساواة أمام حكومة الوفاق في نظر حماس، وموظفو حماس هم مسؤولية حركتهم كما هي لدى الرئيس "أبومازن".
لم تتوقف الأمور عند هذه الأزمة، بل تخلّقت أزمات مترتبة عليها وأخرى بمعزلٍ عنها، ورزحت الحركتين معاً تحت وطأة اتهامات مُغلظة، فقد خضعت حركة فتح لاتهامات صارخة بتضييعها لبّ القضية الفلسطينية، وكانت سبباً مباشراً في تآكل مقدرات وحقوق الشعب الفلسطيني. وتلقّت حماس اتهامات مشددة، بأنها تسعى إلى كسب بعض ما خسرته، بلجوئها إلى تصدير أزماتها دفعةً واحدة، للسلطة وحكومة الوفاق الوطني وسواء السياسية أو المالية، وهي تعلم بأن مهمّة الحكومة هي مهمة واحدة لا ثاني لها، وهي الإعداد وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، على أن الحكومة المقبلة، هي من ستجد الحلول للمشكلات الناجمة عن الانقسام، وأنها – حماس- حتى هذه الأثناء هي المسؤولة عن نزع شوكها بنفسها، بسبب أنها هي من أوصلت الأمور إلى هذا الحد، سواء بسبب مراهناتها السياسية الخاطئة أو بسبب ارتباطها بأجندات وقوى خارجية،
ربما يكون ذلك صحيحاً، ولكن ما تُبرر به حماس موقفها، هو أنها ليست لديها حكومة تقوم بمقتضاها بأعمالها وبواجباتها، وأن استمرار تحميلها مسؤولية موظفيها يعني عدم تركها مقاعد الحكومة، وأن حكومة التوافق منذ تم تشكيلها، هي المسؤولة تلقائياً أمام عموم الموظفين الفلسطينيين ومن دون تمييز، وإلاّ ما فائدة إعلانها من أنها ستعمل على محو آثار الانقسام، والمحو هنا لا يتم بمعزل عن المساواة التامة بين جميع أبناء الشعب الفلسطيني.
حماس لم تكن ناجحة وفتح أيضاً، في إقناع بعضهما بشأن الأزمات الحاصلة - بغض النظر عن تصريح مُريح هنا أو هناك-، ولا بضرورة منع تجدد أو خلق المشكلات لديهما، وبقيت الخشونة المتبادلة هي المسيطرة - مع إغفالنا القضايا الكبرى التي تم اجتنابها- ولم تكتفيا بعدم النجاح، بل تعمّدتا إحداث احتكاكات واعتداءات مختلفة باتجاه بعضهما وعلى المستويات كافّة، فعلى الرغم من تواصل عمليات الاعتقال السياسي والمضايقات بأنواعها، فقد استمرت حماس بالدعوة إلى خلق المزيد من النشاطات الوطنية، وبالتأكيد على ضرورة تفعيلها كونها امتدادات لبرامج وطنية خالصة، ويتم إبلاغ الجهات المسؤولة بشأنها، وأصرّت السلطة بالمقابل، على أن تلك الفعاليات هي ضد القانون والأمن العام، وتستوجب الملاحقة، بعد مسارعة مؤسستها الأمنية إلى اتهام حماس، بأنها مضطرّة إلى توظيف قضايا وطنية سعياً منها إلى تفجير الأوضاع القائمة، وتصدير أزماتها للسلطة والشعب الفلسطيني، وصولاً إلى مرتبة الفوضى والتصادم من جديد.
ربما هذه الأجواء التوتيرية والصاخبة، تعيد إلى الأذهان، الاعتقاد بأن ليس هناك سبيل (صافٍ) إلى المصالحة الحقيقية، وتجعلنا نميل أكثر إلى التخيّل بأن المصالحة هي مناورة تكتيكية، اتخذتها الحركتان لتحقيق أهدافهما، ففي إطارها وافقتا على تسليم بعضاً من التنازلات، كي تزيح النار إلى قُرصِها، وعن النوايا الحقيقية فهي مؤجّلة لحين نهزة.
كما تُعزز التقارير الإسرائيلية ذلك الميل، إلى أن المصالحة هي تكتيكية بالفعل وهي تتجه نحو التلاعب، الذي من شأنه أن لا يُعظم بشكل أكبر الأرباح الإسرائيلية فقط، والتي راهنت منذ البداية على فشل المسيرة التصالحية، حيث لم تُخفِ إسرائيل سرورها حول ما تؤول إليه المصالحة الوطنية من مطبات وحُفر قاتلة، بل تقضي على الآمال الفلسطينية برمّتها. وكان وزير الجيش الإسرائيلي "بوغي يعالون" قد أوضح بناءً على تلك التقارير وعلى ما يراه بعينه ويسمعه بأذنيه على مدار الساعة، بأن المصالحة الفلسطينية هي عبارة عن تضليل وبأنها لن تستمر.
المصالحة بلا مواراة، تشقّ طريقها كُرهاً، وجملة المنغّصات المتواترة إلى حد الآن، ربما تكون سبباً رئيساً في إفساد الكل، وهذا في حد ذاته صعب، وما يجعله أكثر صعوبة هو أن تحصل في ظل مسؤولين، يتقاذفون الحجارة وهم على يقين بأنها تسقط على غير رؤوسهم، ويجدر بناءً على ذلك، المجاهرة بضرورة الكشف عن بنود المصالحة واحداً تلو الآخر، فيما إذا كانت سليمة ووطنية، وإذا ما كانت كذلك، فإنه محظورٌ عليهم، الإتيان بما يهدف إلى تفجيرها أو هجرانها إلى إشعارٍ آخر.
خانيونس/فلسطين
على الرغم من توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، والتي أعلنت بأنها ستبذل جهدها من أجل إزالة آثار الانقسام وتبعاته على جملة حياة الشعب الفلسطيني من خلال التزامها ببنود المصالحة، إلاّ أن إعلانها لا تبدو عليه علامات البشرى، ولم يفلح بعد في خلق جزء من التفاؤل لدى المؤمنين بها على الأقل. إذ برغم إعلانها لم تستطع التقدّم خطوة واحدة إلى الأمام، وبدت عاجزة عن إنجاز أي شيء، ليس لسبب أنها لا تجيد العمل، وإنما بسبب أن كل واحدة من الحركتين قد بدأت تتحسس رأسها على حِدة، وكأنها وجدت نفسها في الحفرة الأعمق، وأصبحت نادمة على ما أقدمت عليه، وبدل صبرها على المكاره، وإطباقها على الصمت، وصمودها حتى بلوغ الانتخابات المقررة بعد ستة أشهرٍ من الآن، - فيما لو صدقت الرؤيا-، ذهبت عمداً إلى ما يُخالف بنود الاتفاق المُعلنة على الأقل، حتى لم تدع للحكومة متنفساً كي تستمر في ترتيب أولوياتها، ولم تسمح لها بأن تعمل في هدوء، وبات وجودها ضمن هذه البيئة – صورياً- فقط، وكأن مهمتها مقتصرة في إنتاج وتقديم الأماني والتأملات وحسب.
تجاهل الحكومة، التمرّد على الاتفاق، التمترس خلف المواقف، الإكثار من التصريحات، العودة إلى النبرة التوتيرية، تبادل الأخطاء، مواصلة الأنشطة العدوانية، صناعة وتصدير الأزمات، تناوب الاتهامات، كلها جعلت الاعتقاد وعلى نحوٍ أكبر بأن هناك تصعيد ما.
أزمة البنوك في قطاع غزة كانت الأبرز، حيث قامت الشرطة في القطاع بتغليقها وحالت بين الموظفين ورواتبهم، بحجة وجوب المساواة أمام حكومة الوفاق في نظر حماس، وموظفو حماس هم مسؤولية حركتهم كما هي لدى الرئيس "أبومازن".
لم تتوقف الأمور عند هذه الأزمة، بل تخلّقت أزمات مترتبة عليها وأخرى بمعزلٍ عنها، ورزحت الحركتين معاً تحت وطأة اتهامات مُغلظة، فقد خضعت حركة فتح لاتهامات صارخة بتضييعها لبّ القضية الفلسطينية، وكانت سبباً مباشراً في تآكل مقدرات وحقوق الشعب الفلسطيني. وتلقّت حماس اتهامات مشددة، بأنها تسعى إلى كسب بعض ما خسرته، بلجوئها إلى تصدير أزماتها دفعةً واحدة، للسلطة وحكومة الوفاق الوطني وسواء السياسية أو المالية، وهي تعلم بأن مهمّة الحكومة هي مهمة واحدة لا ثاني لها، وهي الإعداد وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، على أن الحكومة المقبلة، هي من ستجد الحلول للمشكلات الناجمة عن الانقسام، وأنها – حماس- حتى هذه الأثناء هي المسؤولة عن نزع شوكها بنفسها، بسبب أنها هي من أوصلت الأمور إلى هذا الحد، سواء بسبب مراهناتها السياسية الخاطئة أو بسبب ارتباطها بأجندات وقوى خارجية،
ربما يكون ذلك صحيحاً، ولكن ما تُبرر به حماس موقفها، هو أنها ليست لديها حكومة تقوم بمقتضاها بأعمالها وبواجباتها، وأن استمرار تحميلها مسؤولية موظفيها يعني عدم تركها مقاعد الحكومة، وأن حكومة التوافق منذ تم تشكيلها، هي المسؤولة تلقائياً أمام عموم الموظفين الفلسطينيين ومن دون تمييز، وإلاّ ما فائدة إعلانها من أنها ستعمل على محو آثار الانقسام، والمحو هنا لا يتم بمعزل عن المساواة التامة بين جميع أبناء الشعب الفلسطيني.
حماس لم تكن ناجحة وفتح أيضاً، في إقناع بعضهما بشأن الأزمات الحاصلة - بغض النظر عن تصريح مُريح هنا أو هناك-، ولا بضرورة منع تجدد أو خلق المشكلات لديهما، وبقيت الخشونة المتبادلة هي المسيطرة - مع إغفالنا القضايا الكبرى التي تم اجتنابها- ولم تكتفيا بعدم النجاح، بل تعمّدتا إحداث احتكاكات واعتداءات مختلفة باتجاه بعضهما وعلى المستويات كافّة، فعلى الرغم من تواصل عمليات الاعتقال السياسي والمضايقات بأنواعها، فقد استمرت حماس بالدعوة إلى خلق المزيد من النشاطات الوطنية، وبالتأكيد على ضرورة تفعيلها كونها امتدادات لبرامج وطنية خالصة، ويتم إبلاغ الجهات المسؤولة بشأنها، وأصرّت السلطة بالمقابل، على أن تلك الفعاليات هي ضد القانون والأمن العام، وتستوجب الملاحقة، بعد مسارعة مؤسستها الأمنية إلى اتهام حماس، بأنها مضطرّة إلى توظيف قضايا وطنية سعياً منها إلى تفجير الأوضاع القائمة، وتصدير أزماتها للسلطة والشعب الفلسطيني، وصولاً إلى مرتبة الفوضى والتصادم من جديد.
ربما هذه الأجواء التوتيرية والصاخبة، تعيد إلى الأذهان، الاعتقاد بأن ليس هناك سبيل (صافٍ) إلى المصالحة الحقيقية، وتجعلنا نميل أكثر إلى التخيّل بأن المصالحة هي مناورة تكتيكية، اتخذتها الحركتان لتحقيق أهدافهما، ففي إطارها وافقتا على تسليم بعضاً من التنازلات، كي تزيح النار إلى قُرصِها، وعن النوايا الحقيقية فهي مؤجّلة لحين نهزة.
كما تُعزز التقارير الإسرائيلية ذلك الميل، إلى أن المصالحة هي تكتيكية بالفعل وهي تتجه نحو التلاعب، الذي من شأنه أن لا يُعظم بشكل أكبر الأرباح الإسرائيلية فقط، والتي راهنت منذ البداية على فشل المسيرة التصالحية، حيث لم تُخفِ إسرائيل سرورها حول ما تؤول إليه المصالحة الوطنية من مطبات وحُفر قاتلة، بل تقضي على الآمال الفلسطينية برمّتها. وكان وزير الجيش الإسرائيلي "بوغي يعالون" قد أوضح بناءً على تلك التقارير وعلى ما يراه بعينه ويسمعه بأذنيه على مدار الساعة، بأن المصالحة الفلسطينية هي عبارة عن تضليل وبأنها لن تستمر.
المصالحة بلا مواراة، تشقّ طريقها كُرهاً، وجملة المنغّصات المتواترة إلى حد الآن، ربما تكون سبباً رئيساً في إفساد الكل، وهذا في حد ذاته صعب، وما يجعله أكثر صعوبة هو أن تحصل في ظل مسؤولين، يتقاذفون الحجارة وهم على يقين بأنها تسقط على غير رؤوسهم، ويجدر بناءً على ذلك، المجاهرة بضرورة الكشف عن بنود المصالحة واحداً تلو الآخر، فيما إذا كانت سليمة ووطنية، وإذا ما كانت كذلك، فإنه محظورٌ عليهم، الإتيان بما يهدف إلى تفجيرها أو هجرانها إلى إشعارٍ آخر.
خانيونس/فلسطين