شكراً هشام شرف
لا سبيل للنهوض بغير العلم وهذه حقيقة، وفي هذه المرحلة التي نمسك بها على قلوبنا خوفاً على بلدنا من الضياع يأتي بصيص أمل يحمله طلاب العلم في الداخل والخارج فهم وحدهم من يحملون مشاعل التنمية وآمال المستقبل ولن يرسمها سواهم.
كواحد من مبتعثي التعليم العالي في الخارج أنظر إلى بلدي عن بُعد وأرى فيها ما يستحق مواصلة السير نحو المستقبل، الإحباط لم يستطع أن يتسلل إلى ذهني مع كل ما مرت به البلد في هذه المرحلة التي ابتدأ فيها التغيير فعلياً.
في جنوب شرق آسيا وماليزيا بالتحديد وسنغافورة وانطلاقاً نحو كوريا الجنوبية كل تلك التجارب بدأت بالتعليم، فهو نقطة التحول التي بنيت عليها سياسات تلك الدول، وكشاهد عيان على النهضة هناك لا أجد إلا القول: إن التعليم هو من سيغير حال بلدنا من كل هذا الشتات والضياع وعدم القدرة على التركيز وعدم الالتفاف حول مشروع جامع يبدأ بالتعليم وتكون فيه ميزانية التعليم تفوق ميزانيات الاحتفالات والخدمات والعسكر بعشرة أضعاف، فلا مشروع بناء دولة بدون تعليم.. غيرت الغربة أفكاري فلم أعد أنظر إلا إلى الأشياء الكلية ولم تعد تهمني التفاصيل الصغيرة أياً كانت وتغيرت معها أحلامي فلم أعد أحلم سوى بمشروع بناء الدولة اليمنية التي تلم شعث هذا الشعب المقهور على أمره منذ خمسة قرون، وذهبت أرسم ملامح مشروع يبدأ من عامنا هذا 2014 وينتهي في 2064 ونشرت جزءاً منه هنا «في يومية الجمهورية».. ومازلت أعيد النظر وأطور الفكرة منذ نشره إلى الآن.
عدت في 18 من مايو المنصرم إلى بلدي، أوجعتني بعض المظاهر وهموم الناس، صارت سكاكينا في قلبي، واندمجت مع الوضع علّي أجد ما يساعدني على الفهم، المفزع أن الفساد تمدد في كل مناحي الحياة بلا رادع من قيم أو أخلاق.
ومع كل ذلك إلا أن هناك من يعمل بإخلاص لإيصال السفينة إلى مراسيها وتسليم الدفة إلى من يحمل الهم والمشروع ويشرع في البناء، ذهبت إلى التعليم العالي فوجدتها منقسمة بين مبنيين، إلا أن الأمر استقر في مبنى واحد مؤخراً، وأهم ما وجدته هو التغيير الذي حصل في الوزارة، فبعد أن كنا لا نستطيع كطلاب الدخول إلى مكتب الوزير صار الوزير يجلس في شباك الوزارة ويقابل الطلاب وجهاً لوجه، يستمع إليهم ويتذكر بعضاً منهم بالاسم حينما قابلوه في أوقات سابقة، ويذكرهم أنهم قد أتوا إليه ويحمل أوراقهم بيده ليراجعها في نهاية الدوام في بيته.
اندهشت من وزير ليس محسوباً على الكتلة التي أدعمها أنا يستقبلني في شباك الوزارة ويوجه لي بما أستحقه بحسب القانون وبما أحمله من أولويات ووثائق، وآمنت أن في هذا البلد مخلصين ينتمون لهذا التراب بعيداً عن الكتل والتنظيمات، وزادت ثقتي أن مشروع بناء الدولة سينجح لوجود مثل هشام شرف وغيره في السلطة.
ومع ذلك يا معالي الوزير لا مانع من مصارحتك بحقائق موجعة، فبعض موظفي الوزارة دائمو الغياب وحضورهم مثل حضور هلال رمضان وأحياناً يغمى على المراجعين فلا يرونهم، حتى توجيهات الوزير لا يعيرونها اهتماماً، كما يرون أنفسهم هم القانون، بعض اللجان أو أعضاء تلك اللجان ليس لها من مهمة سوى تعقيد الطلاب يحاسبني أحدهم بكل حقد وغل: «اتحمد الله أنت تدرس على حساب الدولة بينما أنا أدرس على حسابي»، الحمد لله على كل حال ولا يحمد على مكروه سواه، وهل بعد وقوفي بين يديك مصيبة في هذا العالم!.
ولذلك أقول: إن تدوير الوظيفة وإعادة هيكلة العمل في الوزارة وإنشاء لجان جديدة لا تحمل العقد ضد الطلاب سيكون من أهم ما ستحققه يا وزير التعليم العالي على الصعيد العملي في الوزارة.
لا أدري كيف تسير خطط التعليم في البلد؟ وهل هي مرتبطة بالتنمية؟ وهل هي مرتبطة ببعضها بين وزارات التعليم الثلاث «عام وفني وعالي»؟ وهل هناك ربط بين مخرجات التعليم وسوق العمل والمستقبل؟ كما أنني لا أجد مبرراً كافياً لاستمرار ابتعاث طلاب البكالوريوس إلى الخارج مع توفر التخصصات في الداخل، ولماذا لا يتم الاهتمام بابتعاث باحثين في الدراسات العليا ماجستير ودكتوراه وربط الابتعاث بمشاريع التنمية؟ ولماذا لا يتم إعادة تأهيل أساتذة الجامعات فقد أكل عليهم الدهر وشرب؟ هناك منح دولية لإشراك أساتذة الجامعات في مشاريع بحثية تستمر عاماً إلى عامين ممولة خارجياً لماذا لا يستفاد منها؟
ولكي لا تتحول الوزارة إلى وزارة منح وبعثات فقط من المهم التركيز على قطاع التعليم وربطه أيضاً بالبحث العلمي وفتح مجالات البحث العلمي في كافة المجالات الإنسانية ابتداء في الجامعات اليمنية التي مازالت مليئة بالعقد والمعقدين والأنظمة الفاسدة التي عفا عليها الزمن، لسنا بحاجة إلى دراسات إنسانية خارج حدود البلد فلدينا من الكوادر ما يقيم مراكز بحثية وجامعات بحثية تخدم التنمية وتلامس قضايا المجتمع، إن تحديث الجامعات بأنظمة تعليمية تتناسب مع هذا الجيل يجب أن تكون في أولى الاهتمامات العلمية والبحثية، إن تسرب الطلاب من الجامعات ليس نتيجة الفقر وحده بل نتيجة أساسية لتخلف الأنظمة التعليمية التي تعتبر الأستاذ وملزمته هما كل المنهج بل وكل الخطة وكل النظام التعليمي.. مناهج التعليم الجامعي مازالت على عهدها من الستينيات لم يطرأ عليها التحديث.
كلما لم أستطع قوله في شباك الوزارة أقوله لك هنا يا معالي الوزير وأعلم أنك ستقرأه، مرة أخرى أشكرك نيابة عني وعن زملائي الطلاب لتجاوبك مع قضايانا، وأيضاً هناك بقية القضايا المذكورة أعلاه عليك عرضها على الحكومة والجهات المختصة علّهم يفهمون أن التعليم هو التنمية وأنه الطريق الصحيح لبناء الدولة.
faisal2002000@yahoo.com