مأساة العرب.. وضرورة الإصلاح الديني الشامل
كل هذا العنف الذي يحصل في عالمنا العربي والإسلامي تحت شعارات دينية، ومن خلال تنظيمات دينية؛ يحتّم أهمية إجراء إصلاح ديني عميق وواسع يشمل السنّة والشيعة، قلت هذا الكلام من قبل وأؤكده الآن.
والحقيقة فإن تخلُّف المسلمين عن غيرهم في مجالات شتّى، كافٍ لإجراء الإصلاح الشامل، فما بالنا وقد أصبح المسلمون يأكلون بعضهم في أكثر من بلد، كما ورد على لسان أحد الشباب محذّراً في رسالة وجّهها إليّ على «الخاص».
قد يتحدّث البعض عن مؤامرة خارجية، ومن غير شك فالخارج موجود ومستعد دائماً، وقد يكون متربصاً أحياناً، لكنه لا ينجح عادة إلا بتوفر القابلية الداخلية، قياساً على “القابلية للاستعمار” وفقاً لمالك بن نبي.
المفارقة أن المسلمين ـ سنّة وشيعة ـ كانوا قبل سنوات أقرب إلى بعضهم، ولا يكاد يُدرك الفرق أو يُسمُع الخلاف بينهم، لكنهم بعدما عاشوا ما اصطلح على تسميته بـ«اليقظة، أو الصحوة» وانتصب في إيران إمام، وتلاه الآن خليفة في العراق والشام، بان العوار وبلغت الإساءة الى دين الإسلام منتهاها، ويعيش المسلمون اليوم، في أكثر من بلد، حالة ظلم ورعب وخوف وقتل وتشرُّد، من قبل أخوة لهم، يدّعون بأنهم يملكون الفهم الأصح لدين الإسلام، ويمتلكون الحق في قتل من شاءوا وتشريد من أرادوا.
والحق فقد أمل كثيرون في أن تكون الصحوة الإسلامية، بشقيها الشيعي والسنّي، ملاذاً وسبيلاً للخلاص والوحدة والنهوض والتقدّم والتسامح، وكان يمكن أن تكون كذلك؛ لكن لأكثر من سبب، تبدل الحال وتحوّلت لتكون بلاءًَ وتعصباً وجوراً وتفرقة وكراهية وشتاتاً، ولا أقصد المعتدلين الذين صار صوتهم خافتاً وأثرهم باهتاً، إلا فيما ندر.
سيتحتم قبل الإصلاح الديني، تحوّل التنظيمات السياسية والأحزاب الدينية لتكون دنيوية فقط، وتترك تمثيل السماء، وتقمّص سمة الأولياء، والحديث باسم الأنبياء، في الشأن العام، وأول ما يجب التوقف إزاءه وتنحيته والتخلّي عنه هو القتل باسم الله ابتغاء مرضاته..!!.
أقول كل ما سبق وأنا أدرك عظمة الإسلام وسلامة غاياته ونُبل مقاصده، لكني في المقابل أؤكد أن تخلُّف المسلمين ـ ًخاصة العرب ـ ومأساتهم التي يعيشونها اليوم ومنذ أمد ترجع إلى فهم قاصر لهذا الدين تراكم عبر القرون، أما القتل الذي يتم باسم الدين واستناداً إليه في هذا العصر، وتحقيق مرضات الله، كما يدّعي المدّعون أو يتوهّم الضالون، فهو انحراف حقيقي وإجرام شنيع لن يغفره الله والتاريخ، وهو وصمة في جبين رسالة خالدة، وحضارة متسامحة شكّلت مناراً يُهتدى به ونموذجاً يحتذى، فاق الغرب وتقدّم عليه، ولكن قبل ألف عام كما قالت مجلة «The Economist» العريقة في مقال افتتاحي لها قبل أيام بعنوان «The Arab Tragedy» أو مأساة العرب.
أؤكد أهمية الإصلاح الديني، وأراه أساس الخروج من النفق، وشرط التغلُّب على المأساة، وبوابة النهوض الإنساني.