رفع الدعم بين الضرورة و التخاذل
من منظور اقتصادي لا يختلف احد مع ما قامت به الحكومة من رفع الدعم عن المشتقات النفطية، كون ما ننتجه حاليا من تلك المشتقات الدعومة لا يكفي السوق المحلية كون اكثره يذهب الى التهريب وجيوب المتنفذين بحسب ما اورده البيان الحكومي، والجميع تفهم الوضع وعدم الانجرار للتأزيم.
أي حكومة لم يكن بوسعها ان تفعل سوى ما فعلته حكومة الوفاق الوطني، ولنا في الحكومة المصرية بين خير دليل، ففور فوز الرئيس السيسي سارع برفع الدعم ليس فقط عن المشتقات النفطية بل الخدمات الاساسية الاخرى، وأرجعت الرفع للوضع الكارثي الذي كان سيطال الاقتصاد المصري ، وهو ذات السبب الذي اكده بيان حكومة الوفاق.
اذا كانت حكومة الوفاق تخاطب ذوي العقول، فابمكانهم تفهم الوضع، ولكن لأنهم يملكون عقولا لا تنطلي عليهم الكلمات المدغدغة للمشاعر، كقولها في بيانها بأن الدعم كان لا يصل الى مستحقيه بل الى حفنة من المهربين والمتاجرين.
نقبل ان تكون حكومتنا فقيرة وتحتاج الى رفد خزينتها بالموارد التي تساعدها على تلبية احتياجات مواطنيها، ولكننا لا نقبل ان تكون حكومتنا متسترة على المهربين والمتاجرين بالمواد النفطية، فالاحرى بها ان كان الرفع بسبب هؤلاء ان تقبض عليهم، أو ان تسميهم للشعب، وحينها ستحرك الشعب قبلها الى بيوتهم ومتاجرهم لاسترداد حقه، الا اذا كان الشعب كله مهربون ومتاجرون... وعلى سبيل المثال من هو مالك السفينة التي تم القبض عليها وفيها ثلاثة ملاين لتر ديزل، اكيد ليس سمك القرش.
اذا كانت هذه الحكومة والحكومات السابقة في العشر السنوات الماضية، تعرف هؤلاء المهربين والمتاجرين، وتدعهم يأخذون 22 مليار دولار من مستحقات الشعب، ثم لا تقدر الا على رفع الدعم فقط، فلتسمح لي الحكومة بالقول لها بأن ضعيفة على الاقوياء وقوية على الضعفاء، فهذا يقودنا الى التساؤل هل الرفع ضرورة اقتصادية تفرضه الحاجة أم تخاذل حكومي عن الامساك بالمهربين والمتنفذين.
كان اشرف للحكومة ان لا تبرر في بيانها ما يدينها، ويزيد من نقمة الشعب عليها، كان بإمكانها ان ترجع الرفع لضرورته الحتمية، كون الاعباء عليها اصبحت فوق طاقتها، ولكون البنك وصندوق النقض الدوليين يمارسان ضغوطا شديدة عليها، وكان ذلك يكفي، اما الذرائع التي لا تزيدها الا ضعفا فكانت في عنى عنها.
الاسئلة التي تحير الجميع وتبحث عن إجابات: لماذا صبرت الحومة لعدة اشهر كي تقرر رفع الدعم، وتركت الطوابير الطويلة تتكدس امام المحطات، وفتحت ابواب البيع للسوق السوداء، وجعلت القتال يشتد في بعض المحطات حتى صار عدد شهداء المحطات يقترب من عدد شهداء غزة؟؟؟ هل كان القصد منها ان يمل المواطن فيرضى بسعر 4000 ريال رسمي بدلا عن 8000 مغشوش في السوق السوداء، وكأنها تتبع المثل القائل خوفه بالحمى يرضى بالعوّر.
نقول للمواطنين الكرام كيف تفتعلون الفوضى اليوم والدولة اقرت توفير المشتقات النفطية بسعر محدد ، ولم تفعلوا شيئا لآلاف المتاجرين بها في السوق السوداء، هل هو حرام اليوم وحلال بالامس... ان هذا الاجراء الذي اقدمت عليه الحكومة رغم قساوته الا انه ضروري، فاليوم لن يقوم احد ببيع تلك المشتقات داخليا او خارجيا ، فالسعر المحلي مطابق للسعر العالمي ان لم يكن عندنا أغلى، وعلى الجميع التحلي بضبط النفس وعدم احداث الفوضى.
اذا لم تضبط الحكومة مفجري النفط فسوف نعيش اوضاع اسوأ، فالدولة ستعجز عن مد المحطات بالوقود الكافي، وستظهر الاسواق السوداء وتتعدى 10000 ريال للعشرين لتر، وهذا الوضع مرشح للحدوث اذا بقيت الحكومة تخشى تسمية من يعبثون بمقدرات الامة.
لكي يقتنع الشعب بالإجراءات التقشفية، على الحكومة ان تمنع المواكب الفخمة والسيارات الفارهة التي تستنزف كميات لا تحصى من نفط الشعب.. فإذا كانت الحكومة قد قالت بأن المهربين والمتاجرين هم السبب في رفع الدعم، فماذا تسمى اهدار مئات الالاف من اللترات في سيارات المسؤولين، على الحكومة ان كانت صادقة في الترشيد ان تبين للشعب كم هو مصرف للمسولين، أو ان تكون شجاعة وتصدر قرار بمنع صرف مواد نفطية، وعلى كل مسؤول ان يشتري من مخصصه فقط.
الحكومة قررت الرفع ولكنها لم تقرر أو بالاصح لم تبين لنا كيف ستتعامل من المتأثرين بالرفع، فمثلا الافران عندما رفعت عليهم مادة القاز لأكثر من الضعف، لم تقرر بكم سيكون الرغيف ووزنه، وسيارات النقل بين المحافظات عندما رفعت عليهم الضعف، لم تقرر تسبة الزيادة على كل راكب، ام ستجعل المسافرين تحت رحمة السائقين.. اذا كانت الحكومة استطاعت الرفع فقط، ولن تستطيع السيطرة على القطاعات الاخرى، فإن خوفها على المواطن سيتلاشى لأنه سيطحن بين رفعها الضعف ورفعهم الاضعاف.
من فوائد الرفع انك لن ترى المفحطين والمغازلين (طبعا من غير ابناء المسؤولين اذا لم تطبق على قوانين الترشيد) فالدبة اصبح سعرها يكلف الكثير، كما ان استيراد السيارات الكبيرة سيقل وسيكون مقتصرا على السيارات الاقتصادية.. نسأل الله ان يمن على بلادنا بحكومة متقية وشعب طائع وتجار يخافون الله.