سرقونا مرتين..!
ما الذي يريدنا الجنرال ومطفئ الحرائق كما يصفه بعض المتزلفين -مع انه وصفا لا يستحقه –أن نحمده عليه ..!وما الذي فعله حتى يهاتفك احدهم ويستفزك بمفردة أبشرك ومن ثم يردفها في الحال "علي محسن انظم إلى الثورة" دون أن يمنحك فرصة أن تلتقط أنفاسك وترتب مجموعة حروف على شكل استفهام بماذا!.
أنت تعرف أن صديقك هذا في خصام مع الفرح وانه خلق عابسا ومتجهما ،وتعلم مسبقا انك لو التقيته صدفة ما إن تودعه بعجالة حتى تستقبل مزاجا سيئ وانك ستكون على موعد مع البؤس بقية اليوم .
في تلك المكالمة كادت ضحكاته المرتفعة تصم أذني وهو يرسلها تباعا وببذخ ،وكانت الصدمة عندما اخبرني إن السر الكامن خلف موجة الفرح تلك التي اجتاحته ذالك الخبر العاجل والممهور بإطار احمر الذي خصصت له بعض الفضائيات التي لا تعدوا عن كونها شقق مفروشة لممارسة العهر الإعلامي مساحة من الوقت وآخرى على صدر شاشاتها أيضا .
بالتأكيد أن تستقض على خبر انسلاخ الجنرالات ،واهم مؤسسة وطنية (الجيش)قد أصابها الشرخ وصارت معسكرين مع وضد فذاك أمرا ليس جيدا البتة ،صديقي لم يكن يدرك خطورة الموقف بفعل الأجواء الملغومة والشحن الثوري وإلا لكان وفر على نفسه كلفة المكالمة وكان ترك لي حرية الاستيقاظ على يوم خالي من المنغصات ،وكان رفض أن يرتكب ذالك الخطأ الفادح بحق نفسه كشاب وحق زملائه الحالمين بمستقبل مدني ومن يصارعون في ساحات الحرية أملا في الانعتاق من ذالك المسخ الأصولي ومن اجل الدولة المدنية الحديثة وينشدون يمنا جديدا خاليا من قوى الردة والتخلف وكل الكيانات الأصولية .وليته فعل وحتى اللحظة مازال مصرا وعلى ما يبدوا انه لم يستوعب بعد.
لم يكن مفاجئ خبر انضمام علي محسن الأحمر وإعلانه ذلك الموقف المتهور والفاضح للهوس المشفر تحت تلك البزة التي تشبه حية رقطا بالنسبة لي، ومن الطبيعي أن يبارك ثورة الشباب –رغم تحفظي الشديد على هذه التسمية- كي يلعب دوره في النهب القادم،فثقافة البسط والتسوير و"تسلق الجبال" لعنة تظل تلاحق معتاديها ويصعب الخلاص منها.
والاْهم انه موقف طبخ بعناية ولا احد ينكر اليوم إن من ينتعلون الشباب في ساحة التغيير ومن نصبوا أنفسهم أوصياء على إرادتهم ..آخر اليوم يتناولون أكواب الشاي مع قسطا من الراحة في بيت الفندم..!.
اْعلم ذالك تماما كما يعلمه الكثيرين وما لست اعلمه بحق :هو المبرر الذي كان سيستخدمه الوصوليون جسرا لعبور"الأب الروحي" إلى الثورة لو لا حماقة الحمقى التي مدت له جسرا من الجثث ظهر جمعة الحزن.
وحتى حماية المتظاهرين ليست مبررا مقبولا لشق الجيش الوطني ،كما أنها ليست الدافع لقيصر الفرقة الأولى مدرع وأمير حرب الشمال والغرب ،فدلتا من دماء اليمنيين لن يحرك إنسانية شخص احتسى القهوة على ضفاف نهرا من الدم صباحات سنين سبع ولم يستطع حسم معركة في كيلوا متر مربع في شمال الشمال أثق بذالك تماما
الحقيقة هنا موجودة ولكن من يبحث عنها في مكان آخر ،ونتعمد الهروب منها لا أننا لانملك الجرأة الكافية لمواجهتها ،وأحيانا عندما نكتب الحقيقة نكتب كلاما ممنوعا .
قد يكون علي محسن بنا ذلك الموقف الفج على قاعدة حسابات تتعلق بالمستقبل ،ومن يدري ق يكون ذلك مؤشرا على انقلاب إخواني ناعم ،وتدشين عملي لمشروع مؤدلج دينيا هدفه الانقضاض على نظام صالح بل والدولة –بمفهومها الحديث أو كما عرفت في المدين الفاضلة-وإعلان تلك المستوحاة من كتب السيرة وأشرطة الفيديو ومسلسلات رمضان.
ويبقى اقل التكهنات حضا هنا ،هوذالك الذي يسوقه البعض ومفاده ،أن علي محسن قرر الدخول على الخط من اجل تاْمين خروج امن ومشرف يليق بتاريخ الرئيس وهذا ما نفته في الحال اشتباكات حضرموت.
كان يجدر بجنرال الفرقة الأولى مدرع وقبل أن يقدم على خطوة كتلك ،تبعاتها ستكون كارثية بالتأكيد ..إن كان له موقف ،أن يخلع رتبه العسكرية وكل تلك الأوسمة التي لا نعرف كيف نال شرف استحقاقها رغم إخفاقاته المتتالية ،ويقدم استقالته من منصب قائد للفرقة الأولى مدرع والمنطقة الشمالية الغربية ومن ثم ينظم يؤيد ويبارك كيفما شاء،ويتجه إلى ساحة التغيير وينصب خيمته إلى جوار من سبقه من الانتهازيين ولصوص الثورة والمستقبل، شريطة أن يعرف بنفسه بلوحة قماشية على واجهة الخيمة يكتب عليها بلغتين على الأقل "نهاب جبال" بدلا من قرع طبول الحرب وشرخ المؤسسة اليمنية الأم ،وتعبئة الكتائب ومنحها عقيدة قتالية تقوم على تصورات كونية وإلباسها لبوس غير وطني.
إنها ثورة لصوص وتمرد انتهازيين ،عمليا وحتى لو نجحوا في الانقضاض على السلطة ،ما الذي سيتغير في حياة اليمنيين ؟ بالتأكيد لن يتغير شيء ،فالثورة الحدث لا تهم بقدر الثورة الأهداف، وما جدوى الثورة كفعل إن كان الفاعل أصلا تكتمل فيه مسببات قيام ثورة ،وبه من الرعونة والتخلف ،والانتهازية والاستبداد ما يجعل من الثوران عليه ألف مرة أمرا ملحا.
كائنات بدائية وتلبس الحداثة،أصوليون يفكرون بطريقة جيفارا!،مستبدون ويتقمصون دور الأحرار، دور الثوار،مغتصبون ونهابون ويناضلون من اجل الحقوق ،متعالون بحقارة ويلبسون شماعة المواطنة المتساوية، مشايخ برغبات عفاريت لا يحترمون غير نشوة الجبروت وشريعة الغاب يتغزلون بالدولة المدنية،متدينون يتشحون بصفات الرسل وهم مجرد ادعيا من الدرجة صفر،حمقى ينتفضون من اجل المستقبل وهم من سرقوه ذات مرة..!اعتصدت فعلا.
صار واضحا أنهم لم يكتفوا بسرقة ثورة الستينيات وخطف الدولة وخنق الجمهورية ،فنفس السيناريو يتكرر الآن ومن سخرية القدر هنا أننا سنسرق مرتين ،فمن سروا ثورة الأمس يتدافعون اليوم على ثورة الشباب كتدافع الجياع على مخبز للرغيف مغلق معظم الوقت،ويركبون عربة التغيير ،ويستعيرون من دماغ إبليس كل الحيل ليوهموا الشباب إنهم لا ينون سرقتها هذه المرة ،فقط يبحثون عن ادوار في المستقبل ،ومنطقهم يقول سرقناهم ورب الكعبة ،ومن فرط استعجالهم وحدة لصوصيتهم هذه المرة فقد سرقوا الثوار قبل الثورة ،أما الشباب فقد حشرهم المشايخ والأصوليون والعسكر في عنق زجاجة ،وبدلا من أن يؤصلوا لحقهم في دولة مدنية حديثة :اكتفوا بنسب فعل الثورة إليهم "ثورة شباب" كمكرمة من ثلاثي الرعب هذا الذي جعل من وطن الشباب الكبير أضيق من حذاء في أسرع قهر ممكن.
نصف الثورة حماتها من اللصوص والنصف –منطقية جدا- والنصف الآخر حمايتها من الثورة المضادة ،فماذا لو كان اللصوص هم الثوار وأيضا يقودون ثورة مضادة داخل الثورة .ا اعتقد أن حالة كهذه صعبة ومحرجة للغاية وتثير السخرية في نفس الوقت.
كان ينتظر من شباب اليمن أن يقدموا نموذج للتغيير أرقى من النموذجين التونسي والمصري وأكثر مدنية وتحضر ،وان تكون ثورتهم ثورة من اجل المستقبل وإعادة صياغة الواقع كما يجب أن يصاغ ،وان تحدث تغيير شامل وجذري على مستوى الوعي والتفكير الجمعي والمجتمعي ،خصوصا أن ملامح الثورة في البداية كانت تبدوا وكأنها صراع بين ثقافتين جديدة وقديمة،صراع مفاهيم ،حتى ركبت منظومات الجمود الموجة ،وحضر ا لانتهازيون وقراصنة المستقبل ،وخاطفي جهود الشباب والملتفين على أي تحرك مدني .
استطيع الآن أن أخاف من كل شيء بسهولة ،ومن الآن سأخاف بما فيه الكفاية ،مادمت لا املك ما أخاف عليه باستثناء ذلك الحلم الذي بدء يتبلور صبيحة الثالث من فبراير ،وكنا فعلا على شفى مقربة منه ،وفي النهاية نستيقظ ونحن كمن يؤجر الطوابق العلوية من رئسه للأصوليين بدون أي مقابل ،وببلاهة مفرطة نعيد صناعة الرموز وإنتاج نفس المشروع الذي نعاني منه والذي هو المشكلة أصلا.
متشبع أنا من الثورية كاْسفنجة غرقت في محيط ،ووصلت إلى مرحلة اشعر أنني كلما تفوهت ب"ثورة شباب" ارتكب خطاْ فادحا بحق حنجرتي وأمارس فعل النفي بحق الذات الفاعلة وأتهرب من تسمية الأشياء بمسمياتها.
وإلا ذالكم الحين دعونا نحلم فالأحلام حقا مشروع للنائمين.
sayafaaa@gmail.com