حكاية المحتاجين للعنف!!
عسانا نستطيع تحويل طاقة العنف المتجددة لدى مجتمعنا "الاعرابي" الى طاقة كهربائية لكنا تمكنا من انارة الكرة الارضية دون استثناء، ففي تقديري ان طاقة العنف التي ننتجها تقدر بملايين الميغاوآتات اذا صح لي قياسها بطاقة الجهد الكهربائي، وبها نكون قضينا على معاناتنا اليومية من انقطاع التيار الكهربائي.
ان دعاة السلام" الحواريين، الحكماء ، العقلاء، المثقفين.. الخ" في بلادنا يعانون من حالة البطالة والكساد الشاملين لانه لا حاجة ولا طلب لبضاعتهم وسلعتهم، اسواقنا هذه الايام تلهف وراء دعاة العنف ورجال الفيد ومفتحي الاذان والعيون و من على شاكلتهم وما على دعاة السلام الا ان يخيطوا لأنفسهم اكفانا للموت او النزوح الى المجهول. وهؤلاء هم عظماء الامة الذين عاشوا ويعيشون مغمورين ويموتون مجهولين يتركون ثروة هائلة للأجيال دون ان تجد من يذكر الاجيال بهم.
يعكس الواقع والتاريخ حقيقة صادمة ان العرب يتشابهون مع "الكيان الإسرائيلي" من حيث انهما كيانان منتجان للعنف والفارق هو اننا ننتجه للاستعمال الداخلي" تدمير روابط الاخوة والمصير" وهم ينتجونه فقط للاستعمال الخارجي" ضد غير الاسرائيليين بشكل عام والمسلمين والعرب بشكل خاص".
ان الرغبة في تحقيق المصالح الخاصة تدفعنا نحو وسيلة العنف ونظن ان ما بعد تحقيقها سوف يستقر الحال كما نريد وهذه المغالطة توقعنا في مرحلة جديدة مرحلة "الانتقام" مهما طال او قصر انتظارها انها دائرة "الفعل ورد الفعل". وهكذا اصبح العنف يمتلك ادوات وتقنيات مبرمجة ومنهجية متقنة بل غدى ايديولوجيا قائمة لها تداعياتها المستمرة على مستقبل الامة. لقد جعلنا العنف ممارسة طقوسية وأساساً في القوانين الحربية، وتنفيذاً لمشيئة القضاء والقدر!. يصبح من نقتلهم أرواحهم شيطانية قتلهم لا يعدّ جريمة ، او لا تجوز عليهم الشفقة، وأموالهم مباحة.! وبهذا قمنا بعسكرة المجتمع نتسابق لاقتناء ادوات العنف وبرامجه لتصفية الشركاء.
عندما تكشف للناس ان هذه هي عبارة عن مفتاح "الحاجة" للعنف و آليات لإنتاجه ووظائف ومهام يؤديها خارج دائرة مصالح عامة الناس نجد ان الكثير منهم لا يفهمون ذلك او لا يصدقون او يعادونك بسببها. ومع ذلك نقول: وبكل وضوح ان دولنا التاريخية والمعاصرة لم ولن تستطيع ان تستمر كدول طبيعية بدون انتاج العنف المستمر كأن بينهما قران عضوي وأبدي.
حقائق العنف سواء اللفظي او المعنوي او المادي في مجتمعنا لا سبيل لحصرها: فصور العنف على مستوى الفرد والجماعة والمذهب والجنس والفكر والهوية والانتماء تعجز الكتابات عن ذكرها وذكر اشكالها والوانها وعلى سبيل المثال هناك صور تعكس التشابه الكبير بين العنف عند انتقال السلطة من شخص الى اخر وعند انتقال الميراث من الاب الى الابناء في الحالتين غالب ما يكون الانتقال عن طريق التهديد بالقوة او استخدمها فالقوي وهو الذي سوف يحكم ولو من غير اسرة الحاكم السابق، والقوي من الابناء هو الذي يستحوذ على النصيب الاكبر من الميراث ولن تستطيع ان تسترجع حقا الا اذا حققت توازن قوة مع المغتصب او المستحوذ ومنطق المحاولات يقول بدونها تكون "عبثية" كما يقول المغتصبون للشعوب على صواريخ حماس الفلسطينية اليوم انها "عبثية" وهذا المفهوم لا يقصدون به تقييم النتائج بل القضاء على أي نزعة تحريرية او تحررية.
ان علاقة الدولة بالمواطن اصبحت تحكمها منهجية العنف التبادلية الاول لا يستطيع الحصول على حاجته الاساسية التي تقدمها الدولة الا اذا جعلها تشعر انه قادر على استخدام العنف ضدها، والثانية لن تستطيع ان تخضع المواطن الا اذا جعلته يشعر انها قادرة على اخضاعه بالقوة وليس بالقانون" قوة القانون لا قانون القوة". كذلك الحال داخل مؤسسات الدولة لا تستطيع الحصول على استحقاقك الوظيفي وفق القانون الا اذا احس القائمون على هذه المؤسسة او تلك ان لديك قوة تستطيع استخدمها ضدهم. "الناس لا تفهم الا لغة القوة" لقد جعلت هذه المقولة من مسلمات المجتمع.
هذه وغيرها من الصور بمثابة مولدات ضخمة ركبت عبر تراكمات زمنية طويلة مليئة بالصراعات الداخلية العميقة التي تعمل على توليد طاقة العنف المتجددة وشحن المجتمعات بها واستنهاض عناصر الدفع فيها ذاتياً كلما شعر المتسلطون بتهديد سلطانهم .
والسؤال المطروح اليوم هل يمكننا التخلص من "العنف" ؟! ان مجتمعنا يقوم على مثلث الاستضعاف" التهميش والاقصاء" والتميز "خاصة وعامة" وانعدام قانون العدالة . هكذا تنتج ثقافة العنف ذاتها وتعيد إنتاجها أمام كل مقاومة. إنها دائرة عنف مجنونة وحالة مأزقية لا تنتهي إلا بتفكيك البنية المنتجة لهذه الأنماط السلوكية وليس من السهل القضاء على اللغة التي تنتج توازنات القوة. ونحتاج إلى "ثقافة" يمكنها أن تعيد انتاج الشخصية العربية في نمط سلوكي يخدم اعادة بناء حضاري عربي اسلامي جديد.