قصة مقتل رجل من تهامة اواخر التسعينات وتدخل كبار رجال الدولة للإفراج عن القاتل
اخبار الساعة - عيسى الراجحي بتاريخ: 07-10-2014 | 10 سنوات مضت
القراءات : (12737) قراءة
نشر الناشط الحقوقي الشاب اكرم قشمير على صفحته في الفيس بوك قصة مقتل والده عبده قشمير في العام 1998 م في مديرية حرض محافظة حجة على يد أحد الاشخاص وتدخل كبار قيادات الدولة آنذاك ومنهم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر
ومجاهد ابو شوارب وغالب القمش والكثير من مشائخ المحافظة للإفراج عن القاتل والذي صدر عليه حكم بالإعدام وصادق عليه رئيس الجمهورية ..
يحكي الناشط اكرم قشمير عن الضغوطات التي مورست عليهم والترغيب والترهيب ورفضهم لجميع الوساطات ومطالبتهم بإقامة الحد الشرعي على قاتل أبيه .
في نهاية منشوره يشرح مدى صدمتهم من الخبر الذي نزل عليهم كالصاعقة عندما علموا بتهريب قاتل ابيه من سجن حجة وهروبه الى جهة مجهولة .
تفاصيل المنشور :
قصة مقتل أبي التي لا يعرفها الكثير من أصدقائي الجدد ، اغتياله و ملابسات الحادث وما تبع القضية من أحداث و ما لحق بالأهل من معاناه و ضغوطات ))
الحادثة ظهيرة يوم الإثنين ١٩٩٨/١٠/٥م مكان الحادثة حرض - محافظة حجة / اليمن.
بقلم أكرم عبده قشمير
أبي .. سأريكم كيف عاش لأنهم عندما قتلوه أحيوه في ذاكرة من لا يعرفه.
إنتشل مسدسه فجأة متراجعاً للخلف ليصوبه دون تردد نحو صدر أبي بعد أن إصطنع شجاراً لكي ينفّذ ما عزم عليه عندما جاء كالعادة ليأخذ نقوداً من أبي ، كنت أنا في الجمعة السابقة ليوم الحادثة أتقاضا مكافأتي من أبي بأصطحابه لي معه إلى حرض و علمت بعدها ان القاتل هو ذات الشخص الذي ناداني أبي لأجله عندما كانت نقود أبي بحوزتي وقتما كنت الهو في محل إبراهيم شمري بحرض و قال لي أبي اعطي عبدالرحمن الف ريال لأنتزع الالف و أعطيه ، لم أمعن النظر إليه يومها لأني لم أكن أعلم أنه بعد ثلاثة أيام سيكون هذا الشخص من إهتماماتي ،،
بعد مضي الثلاثة ايام جاء كالعادة لكنه لم يكتفي بأخذ الألف الذي كان يعطيه أبي بناءاً على توصيات محمد صبار الذي كان يومها موقوفاً بسبب قتله لجدّه ، فقد كان على إتصالٍ دائم بأبي و يوصيه خيراً ألا يرضى بعبدالرحمن ، لكن عبدالرحمن هذه المرّة أراد أن يستطنع مبرراً للشجار لينفذ مأموريته فقال لأبي: يا عبده أريد زلطي الآن ، أجابه أبي مبتسماً و مستغرباً معاً: أي زلط؟ رد قائلا: الإثنى عشرالف السعودي ، رد عليه أبي : عسى كيف يا عبدالرحمن زلطك عند محمد صبار ، أجاب رافضاً : لا زلطي عندك فقال له أبي يا عبدالرحمن قلت لك يوم بعت السيارة زلطك المتبقية عندي لكنك لم تقبلني بتاتاً و تواصلنا حينها بمحمد صبار و تحاولك و قبلته هو و هو قبلني و قد سددته أنا و طلبك عليه و مستعد الآن اتصل به ، و أخذ أبي سماعة الهاتف الثابت الذي كان بالدكان الذي يبيع أبي فيه القات و كانت الثلاجات تفصل بين أبي و عبدالرحمن ، إتصل أبي بمحمد صبار و أجابه و أعطى السماعة لعبدالرحمن أخذها عبدالرحمن و تكلم قليلا مع محمد صبار بالهاتف و فجأة رمى السماعة و انتشل مسدسه متراجعاً للخلف و بلا تردد اطلق النار بشكل مباشر نحو صدر أبي !! و فرّ هارباً ،، إنشغل المحيطين وقتها بإسعاف أبي و صاحب الدكان راجح الذي اصيب ايضاً ،، فارق أبي الحياة من حينه... نعم .. نعم إنسلّت روحه من جسده في ثواني ،، و تم إلقاء القبض على القاتل في خط عاهم ،
في عبس كانت جموع المواطنين تملأ الحي منتظرين جثمان أبي القادم من حرض ، مرت هذه اللحظات بذاكرتي كشبه الحلم الذي تنسى تفاصيله ، وصل الجثمان و وصل كبار الشخصيات و المشائخ ، و مع لحظةٍ و أخرى تزداد الجموع لتمتد من الحي حتى الشارع العام ، وصلت ثلاث سيارات من الجبل مدججين بالسلاح على رأسهم صديق حميم للوالد من المحابشة كان همّه معرفة القاتل و أفاده المتواجدون أنه محتجز في إدارة أمن حرض ، أراد ذلك الرجل أن يأتي معه أحد أعمامي إلى حرض ليقوم هو و مسلحيه بتطويق المكان الذي يحتجز فيه القاتل و أبدى أحد اعمامي حماسه رغم حالة الإنهيار و شدد المتواجدون على ضرورة إشعار الشيخ بهذه الخطوة و أيدها صديق أبي احتراماً للعرف و تم استدعاء الشيخ الذي كان بالداخل على مقربة من جثمان أبي ، رفض الشيخ الفكرة و قال عيب ، هذا الكلام إنتقاص في حق القبيلة إبننا نحن من نأخذ حقه ، إنزعج صديق أبي من رد الشيخ و أخذ مسلحيه و أستأذن للإنصراف ، تم دفن أبي و بلغنا أنه تم نقل القاتل بمنتصف الليل من حرض إلى سجن حجة ،
بعد إنقضاء أيام العزاء بدأت القبيلة بموقفها الإيجابي بقيادة الشيخ من أجل الفَرْق لتأمين تكاليف المحامي و مصاريف المتابعة للقضية ، و تم تعيين محامي و بدأت القضية تأخذ مجراها بمتابعة دؤوبة من المرأة الخارقة جدتي أم عبده أخت الرجال تهتز لها الجبال ، إستمرت المتابعة سنة ليصدر الحكم الإبتدائي بشراء ذمة القاضي الذي أستُنكر حكمه من قبل جميع القانونيين الذين أطلعوا على الملف فقد حكم بسجن القاتل عشر سنوات و دية ، إستأنفت جدتي الحكم رغم نفاذ المبلغ الذي أمنته القبيلة ، و بدأت جدتي المشوار الأصعب في محكمة إستئناف صنعاء بدون محامي و بدأنا في بيع الأراضي و استمرت الترافعات في الإستئناف سنتين و نحن نبيع أرضية تلو الأخرى و تم صدور حكم محكمة الإستئناف الذي نصه: إدانة حكم المحكمة الإبتدائية لمخالفته للصواب و الحكم بإعدام القاتل عبدالرحمن محمد علي مقحط رمياً بالرصاص لقتله للمجني عليه عبده محمد قشمير عمداً و عدواناً مع سبق الإصرار و الترصد ،
قامت اسرة القاتل بالإستئناف لتبدأ رحلة المحكمة العليا ، و بدأت المساومات و الضغوطات تارة عن طريق المشائخ و تارةً بالإغراءت المباشرة ، كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر يبذل جهوداً كبيرة للضغط على كبار البلاد لإقناعنا بالصلح من اجل تأمين مستقبل أولاد القتيل على حد قولهم! البعض من كبارات البلاد كانوا يترددون علينا بشتى الاساليب لإقناعنا بالصلح و البعض منهم كان يأنف أن يساوم في دم عبده قشمير ، بعد فشل محاولات الشيخ عبدالله الاحمر تلفونياً نزل بنفسه الى عبس و وصل لمنزل الشيخ عثمان رحمهم الله جميعاً و تم حضورنا و رفضت جدتي أن تتنازل إلا بتطبيق حكم الله في قاتل ولدها و كنت حينها بدأت النضوج أكثر و تكلمت مع الشيخ الاحمر و قلت له انت على راسي اذا كان الحادث خطأ لكن ان يتم قتل أبي عمداً و تكبراً مع سبق الاصرار فلن تجعلني كنوز الأرض أن أرضى بجعل قاتله طليقاً بأي ثمن كان ،، اقتنع الشيخ عبدالله الاحمر و عاد إلى صنعاء و استمرت جدتي في المتابعة بالمحكمة العليا من عبس لصنعاء و أقلقنا تأخر الحكم النهائي و ازداد القلق عند رؤيتنا لكبار الدولة اليمنية يترددون على رئيس المحكمة العليا ليمارسوا ضغوطهم مما أخر الحكم أربع سنوات و لازالت الضغوطات مستمرة على القاضي ، علمنا بثقل الضغوطات على القاضي عن طريق تسريبات من عائلة القاضي لجدتي عندما اشتكين بأن قضيتنا من اصعب القضايا التي أثقلت كاهل القاضي بسبب قوة النافذين الضاغطين عليه ،، و بفضل الله تم صدور حكم المحكمة العليا بالمصادقة على حكم محكمة الإستئناف و الحكم النهائي بالإعدام ،، و الذي تلاه عزل القاضي بعد شهر من إصداره لحكمنا ،، بدأت مساومات الشيخ مجاهد ابو شوارب و استمرت الإغراءات و العروض و الشيكات و الوظائف لي و لأختي كما يروجون حينها ، و استمر بعض كبارات البلاد بالسعي لإقناعنا بقبول العروض كنت حينها قد تجاوزت عمر 22سنة لأوفر عن جدتي عناء الرد على الوساطات ، و بعد اقتناع أصحاب البلاد بعدم قبولنا بغير الإعدام بدأ الشيخ مجاهد بإستخدام مدير المديرية غالب النفيش حينها و الذي كان يستدعيني في جلسات خاصة مرةً تلو الأخرى و لا أنكر ما يملكه ذلك الرجل من قدرة على النقاش و الإقناع إلا أنني بفضل الله و قناعتي استطعت ايصاله لعقيدة ثابتة بعدم قبولي بكل ما تفنن في تزيينه لي ،، ثم صدرت مصادقة رئيس القضاء الأعلى على تنفيذ الإعدام و كان رئيس القضاء الأعلى هو رئيس الجمهورية يومها ،، بعدها نزل الشيخ مجاهد ابو شوارب و معه رئيس الأمن السياسي بالجمهورية غالب القمش إلى منزل الشيخ هادي أحمد ثواب ، كان قد طلب الشيخ مجاهد من مشائخ عبس أن يحرصوا على وجود أكرم و ليس جدته ، حضرت يومها و كنت أتذكر نظرات جدتي إلىّ قبل خروجي من البيت ، فبقبولها بذهابي لوحدي و رضاها بالبقاء في البيت شحنتني بالثقة ، نظرات جدتي يومها مازالت محفورةً بذاكرتي حتى الآن ، و قبل دخولي للقاء الشيخ مجاهد استقبلني الشيخ هادي و قبض بيده بشدة على كتفي و رمقني بنظراته الرجولية و عقد حاجبيه قائلاً لي: كن راجل ، دخلت نحو الشيخ مجاهد و استقبلني قائلاً أهلا بالولد البار تعال جنبي و صافحت المتواجدين و صافحته و اجلسني إلى جانبه محلّقاً بذراعه علي و كان الحديث جانبيا في البداية ، ثم استفتح حديثه قائلا: والله يا ولدي ما جيت من شان أنجي هذا القاتل من القصاص ما غرضي إلا تأمين مستقبلك أنت و بقية إخوانك القصار لأن اعدامه لن يُعيد ابوكم للحياه و قد خسرتم اباكم العائل الوحيد فضروري من وظيفة تمكنك من اعالة اخوتك الأيتام و انت يا اكرم أبشر بوظيفة مش أي وظيفة حدد فقط الإدارة التي تريدها بجمرك حرض و انا سأحضر قرار تعيينك بنفسي و أسير معك لاعند مدير الجمرك و تباشر عملك و أنا موجود و بيتي مفتوح لك في صنعاء متى ما احتجتني و بخصوص اخوانك القصار سنعطيعم دية محدّش و لا تبصموا على التنازل إلا بعد تحقق كل هذا الكلام.... إستمر الشيخ مجاهد في سرد حديثه عن العفو عند المقدرة و عن المثالية و السماح ووو . و كان جميع المتواجدين محدقين نحوي منتظرين ردي و بعد ان انتهى من كلامه الدنيوي قال لي هاه ياولدي ايش رأيك سكتّ قليلاً و قلت له: اشكر حرصك يا شيخ مجاهد ومشاعرك النبيلة و بشأن النعيم الذي وعدتني فقد عشته منذ نعومة أظفاري في كنف أبي الذي نذر حياته من أجل أن يقدم لي الدنيا بين يديّ و عبثت بالمال حتى وصلت لدرجة التشبع بفضل الله ثم تدليل أبي لي و عبثت بالسيارات الفارهة حد التكسير ، أي ان كل ما وعدتني به جعله أبي واقعاً تحت اقدامي بفضل الله ثم بفضل أبي ، أبي الذي سلبني اياه صاحبك و ها أنت جئت لتسلبني أبي بطريقة اكثر ألماً من الأولى ، و اعلم يا شيخ مجاهد ان كل ما زينته لي من متاع إن كان مقدراً لي فسيكون من دونك بفضل من الرزاق من هو اقوى منك و لو كان مقدراً لي العكس فمهما اعطيتني سيتبدد في أيام معدوده ، و بكل الأحوال هل يرضيك أن تمر فوق سيارة فارهة و يشار إليك بالبنان من أوضع الناس و يقال عنك : لولا دم أبوه ما ترجّل ، لا و الله فصاحبك قام بسفك دم أبي عمداً و تكبراً و أزهق روحه بدم بارد و هو يعلم حينها أن شيخه مجاهد سينجيه و لن أحقق تكهناته ليخرج و يقتل أباً آخر فلن أقبل أن يعيش أي إبن ما عشته أنا ،
بعد أن إنتهيت من كلامي ساد الصمت قليلا قبل أن يرد الشيخ مجاهد قائلاً: يا إبني أنا ما اشتيش أحرجك و لا حاجة و أريدك تفكر في الموضوع و لا تتسرع و أنا إن شاء الله في هذي الشهرين أطلّع أمر من رئيس الجمهورية و أجيب القاتل و ارجم به تحت أقدامك في جمع مهيب و هذي آخر سبل العرف القبلي و حينها أنت حر أما تعفي أو تقيم القصاص بنفسك .
كان هذا آخر لقاء لي بالشيخ مجاهد فبعدها بشهر جاءنا خبر الصاعقة ليلاً و لم أصدق فاجعة الخبر حتى قرأته صباح اليوم التالي في صحيفة كانت تصدر من حجة عنوان الخبر: (قاتل عبدة قشمير يهرب من سجن حجة) كانت تفاصيل الخبر تتحدث عن سجن حجة الأسطوري الذي يستحيل الهروب منه ،
كان وقع الخبر مؤثراً جداً فقد إنهارت جدتي و سُلبت قواها أما جدي فقد إبيضّت عيناه من الألم و فقد بصره من حينها ، رفعت جدتي يديها إلى السماء قائلةً: يا رب أسألك و أدعيك من قلب محروق أن تنتقم من اللي قهرني و ضرني ، أسألك يا إلهي أن توريني فيه قدرتك و تنتصرلي على الدنيا و في الآخرة،
بعدها بخمسة عشر يوماً سمعنا في عناوين الاخبار: وفاة الشيخ المناضل مجاهد ابو شوارب في حادث مروري عند عودته من عبس إلى صنعاء ،
أما نحن إستمرينا في التاكد من تعميم وزارة الداخلية و متابعته للتأكد من وجود التعميم في سائر المنافذ و المطارات اليمنية.
اقرأ ايضا: