جيشنا الذي هُزم
مرت بعض البلدان في العالم بظروف سياسية متعددة واختلافات كادت تعصف بتلك الدول نتيجة لمكابرات حزبية أو احتجاجات شعبية ضد سياسة معينة وحتى لا ندخل بتفاصيل تلك الدول وبقاء جيوشها في ثبات وجاهزية غير مختلة أثناء تلك الأزمات الداخلية ، نقف وقفات المخذولين بل والمهزومين في آن واحد مع حكايات جيشنا اليمني الذي تلقى طعنات الغدر والخيانة ، ولا يسعنا إلا أن نقف وقفات حداد على تلك التوابيت التي وزعت على كل بقاع الوطن ليس لذنب وإنما لسياسة هوجاء وظلم أكل حوافر أقدامهم وعقولهم المستميتة تحت عرش التجهيل والسخرية بكيانهم ، بكل بساطة واقعنا الاقتصادي جعل كل تلك الانضمام إلى سلك العسكرية حلم يراود الكثيرين من خيرة أبناء الشعب رغم تلك الأجور المتدنية التي يحصل عليها كل من ينتسب إلى مؤسسة بالغة الأهمية يضطلع دورها في أهم مقومات بناء الوطن إنه إرساء الأمن كأهم ركائز بناء وطن يسعى إلى الاستقرار وتحيق جوانب عدة مرتبطة بهذا العنوان الكبير ، ليست المشكلة في كل تلك الطوابير الهائلة من المتقدمين أمام بوابات المعسكرات ولا في تلك الأجساد التي تقف تحت حر الشمس وصقيع الليل لعدة أيام أمام أبواب قبول ارتبطت بالوساطة في آخر حلم يقف على عتبته شاب خريج ثانوية عامة أو طالب ترك تعليمه ليحمل قوت إخوانه براتب لا يكفي لشراء القوت الضروري ، باختصار شديد هزيمتنا تأتي من وأقع التجويع لمن حكمنا عبر مشانق اليأس التي دفعت الكثير ليحلم بكدمة وعلبة فول تسد رمقه ، لن نلومهم إن أستخدمهم أي نظام قناصة ومجرمي حرب فهم نتاج حالة من التسلط والاستبداد والتجهيل على مدى عقود ، ولن نلومهم إن كانوا فرق وعُصب بيد قادتهم ورؤسائهم في أي مواجهة تنفذ ضدنا ، فلهم مبرر وحيد مفاده كنا جيش لكم فتحولنا ضدكم وأنتم مثلنا نقتات من فتات لا علم لنا من أين ..! لكننا سنرضخ لمن يعاقبنا بقطع أرزقنا ولن نستسلم إلا مقتولين ظلماً وجهلاً بأبسط حقوقنا ، الوطنية علمتهم في المعسكرات (التتميم) والدفاع بأجسادهم واجب ينتهي بتعزية جماعية ومرتب شهيد بواقع مائة دولار وصورة تعلق على حائط منازلهم إن لم يُقطع من كاتب المعاشات ، العزاء أولاً سيكون للشعب وآخر مقال رثاء سيكون للمُجند أو المحنط تحت بذلته عسكرية قاسية أًرسيت عليها مناقصات بالمليارات ليحصل قائدنا على عمولة ضخمة من تلك الصفقة .
ما يجري على أرض الواقع بعد سنين عجاف من إهلاك واستهلاك لأجساد أفراد تلك المؤسسة العملاقة صورة شبيهة بمجزرة يعود فيها جيشنا اليمني مهزوم على يد جنرالات الحرب وقادته العسكريين ، في غير بلدنا يحسب إلى الفرد من الجند ألف حساب فهو صانع الأمن قبل أن يكون ضحية الانفلات الأمني وهو عضو يتسلح بالوطنية والعلم قبل أن يتسلح بآلات الحرب ، في وطننا فقط صُنع من الجيش والأمن طبقات وفئات ووقود بيد من يحكمنا وكم نحن مهزومين عندما نجد هذه المؤسسة تحت تعبئة الرموز والقادة دون مرجعية وطنية تصنع منهم جسداً واحد ، إن كانت مناطق في اليمن يُقبل منها الانتماء لما يسمى بالحرس الشخصي سابقاً فهذا دليل على غياب شروط علمية ووطنية يرسى عليها إدخال فئة في أهم مراكز الدولة وسرعان ما سيتحول هذا التصنيف الضيق إلى اضطراب في موازين قوة الجيش وأمنه ، الجميع يدرك تلك الطبقات المسحوقة في الجيش والأمن بعد أن تغلق بوابات المعسكرات في وجه من لم يحصل على تزكية أو وساطة إن حالف أحد البسطاء القبول فهو وقود لأمر عسكري أو حملة يفقد فيها روحه ، ليست المؤسسة العسكرية بخير مادام فينا قائد لا يتذكر أعداد القتلى في صفوفه وإن كانت الإحصائيات كارثية في حروب صعدة وحملات عشوائية وحروب أبين ، هذه روح جندي حاول أن يحافظ على قوته الشهري ونسي انه في معارك من يريد قتله دون رحمة ، مقارنة أخرى إلى ما وصل إليه وجهاء ومشايخ وقادة يتقاضون رواتب مئات الجنود بل آلف الجنود بأسماء وهمية ، هي قسمة أخرى إن قلنا أن جنود وضباط قتلوا على يد مجهولين ولا يعلم من قتلهم أو أختطفهم حتى اللحظة ليخلفوا وراءهم قصص الحزن تطال أسرهم وأطفالهم اليتامى .
حالياً الجيش اليمني هُزم نفسياً أكثر من هزيمة الحروب فهو جيش مسلوب الإرادة على صعيد المهام العسكرية التي تلقى على عاتقه وغير ذلك كثير من واقع نعيشه ، بناء هذه المؤسسة العسكرية على أهواء شخصية ونزوات نفسية حطمت تلك الصخرة قبل أن تتشكل وإن كانت تلك الهزيمة تحسب على عدة مراحل تهالكت فيه عشرات الألوية التي كانت تسمى بمسميات قائدها وتحسب على انتماءات مناطقية أو حزبية ، ذلك الفساد الذي أنتشر في مختلف مؤسسات الدولة كان للجيش اليمني نصيب الأسد حسب إحصائيات الجيوش في العالم هذا ما أنعكس على بنية جيشنا وتركيبته العسكرية ، من غير مبالغة إن قلنا أن بعض العصابات أو المليشيات في البلاد هيمنت على قدرات الجيش وألغت مهامه الرئيسية على أرض الواقع وباتت تشكل خطر يعصف بالجيش بكل مقوماته من سلاح وعتاد وغيره ، وكظرف مثل هذا تعيش المؤسسة العسكرية حالة من الفراغ والعزلة المقصودة للسيطرة على الحكم على عكس ما جاءت به القوى السابقة من استلام السلطة على أكتاف هذه المؤسسة ما صنعت منها قوة بلا هوية وجيش بلا هدف ، إسقاط مهام الجيش والأمن أتت من قصد خبيث ونية مبيته لإظهار حالة من الرعب والخوف لدى المواطن في أي مرحلة تمر بها البلاد .
إدراكنا أن تنصيب قادة شرفاء ووطنيون لا يمثلون أي حزب أو جماعة طوق نجاة للوطن في أي ظرف كان ، ولن يصلح حال بقية مؤسسات الدولة إن لم يعنى بهذه المؤسسة عبر خطط وبرامج تعليمية ترفع من الكفاءة الوطنية والانتماء لكل من ينتسب لهذه المؤسسة ، والأهم رفع مرتبات الجيش وإزالة شوائب الفساد التي دخلت عبر شخصيات فاسدة تتربص بقوت الجندي وتحد من قدراته العلمية والعملية وكأهم عوامل لاستمرار وبقاء الجيش يحمي الشعب ويحافظ على مقدراته رفض الزج به في مهاترات لا تخدم الوطن وهذا لن يكون إلا إذا وضعت شروط محكمة عند انضمام الجندي أو طلاب الكليات العسكرية إلى هذه المؤسسة ليكون الغاية لهم الله ثم الوطن .