تحليل فني لفيديو الكساسبة: مصور بطريقة هوليوودية للتأثير على العقول
بث تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف إعلاميا باسم "داعش" فيديو إعدامها الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقا، على ذات الطريقة الهوليوودية التي اعتاد أن يفاجئ بها المحللين والخبراء، فكيفية استثمار الأهمية السينمائية والإخراجية في التأثير على العقول وإيصال الرسالة لا يقوم بها مجرد هواة، بل محترفون في المجال الفني من تصوير وإخراج ومونتاج يعرفون ما يقومون به.
وفي تحليل من رؤية فنية للفيديو، أوضح المخرج محمد بايزيد لـ"عربي21" أن الفيديو مصوّر بطريقة سينمائية، وهناك كاميرات عديدة من زوايا مختلفة، إلى جانب وجود لهب في مقدمة الكادر لإعطاء إحساس سينمائي مذهل، ونذكر أيضا التوزيع الاحترافي للكاميرات، بحيث لا تكشف بعضها بعضا، تماما مثل تصوير الأستوديو أو البرامج التلفزيونية".
ويعتقد بايزيد وهو محترف صناعة الأفلام أن توزيع الجنود ضمن الكوادر كانت بطريقة مدروسة ومنظّمة، فكل شخص يظهر في الفيديو يعرف دوره جيدا، ليس هناك تدافع وليس هناك جمهور، بينما اعتاد الناس أن يشاهدوا مثل هذه الأعمال بتصوير كاميرا جوّال تهتز والناس تتدافع حولها بعشوائية.
الكثير من الناس يتحدثون عن أن فيديو حرق الكساسبة فيديو ملفّق، ويرى بايزيد أن ذلك يعود إلا أن "الناس اعتادت أن تشاهد مثل هكذا أعمال وحشية مصورة بطريقة غير احترافية وتتصدرها الصورة العشوائية والاهتزاز والتدافع".
ويرى الخبير في كتابة السيناريو والإخراج الحاصل على العديد من الجوائز، أن السبب الآخر يعود إلى "التلاعب بالزمن وتمديده عبر تبطيء الصورة في اللحظات الحرجة، قرب وصول اللهب للقفص، لحظة سقوط معاذ على الأرض، فالتصوير تم بكاميرات (High Speed)، التي تقوم بتصوير عدد كبير من الكوادر في الثانية لتبطيئها لاحقا بطريقة مبهرة، هذا الأمر أعطى إحساسا للناس بأن الفيديو غير حقيقي".
وفي بعض اللقطات، تمت إضافة لهب غرافيكس (Alpha Fire) لزيادة إحساس الرهبة، لكن هذا لا يغيّر حقيقة أن بقية اللهب حقيقي، وفق بايزيد.
بحسب مجال بايزيد وخبرته المهنية، يرى أن الفيديو حقيقي، "كل ما في الأمر أنه مصنوع باحترافية لم نعتد على مشاهدتها في مثل هذه الفيديوهات، ورأيي أن ردة فعل معاذ على حرقه كانت حقيقية كذلك، فالرجل مسجون في قفص والركض غير مجد، كذلك من السهل إعطاء الضحيّة عقارات مهدّئة تجعله مسترخيا لا يحس بالخطر، ومنصاعا للأوامر، وهذا ما أعتقده في هذه الحالة"، بحسب بايزيد.
ولفت المخرج السوري النظر إلى أنه ليس هناك أي مبرر لتلفيق مثل هذا الفيديو، فمعاذ لديهم ومقابلاته وصورته بمنتهى الوضوح، وليست هناك أي فائدة أو منطق في تلفيق مثل هذا الفيديو، من وجهة نظره.
أشار بايزيد إلى أن صناعة الفيلم استغرقت فترة طويلة ليس أقل من شهر، فالفيديو الذي مدته 25 دقيقة تقريبا يتضمن مونتاجا وغرافيكس متطورا للغاية، وهو ما يؤكد نيّة تنظيم الدولة الإسلامية قتله على أي حال، أو تيقّنه من رفض الأردن من صفقة التبادل، على حد قوله.
وافق المخرج الفلسطيني نورس أبو صالح، ما ذهب إليه بايزيد بأن عملية إنتاج الفيديو تحتاج إلى وقت طويل "فكتابة السيناريو والتصوير قد يستغرق من أربعة أيام إلى أسبوع، أما المونتاج والإضافات والمؤثرات الصوتية والمرئية فهي تحتاج على الأقل من أسبوعين إلى شهر، وذلك وفقا لمهارة العاملين عليه".
وأكد أن الفيديو بشكل كامل يتضمن تقنية "3D" إلى جانب التصاميم المتحركة، مضيفا أن الفيديو طويل نسبيا.
وحول حقيقة حرق الكساسبة وفق ما عرض في الفيديو، قال أبو صالح إن التشكيك لا يزال قائما، فنحن لا نعرف الظروف الحقيقية التي عاشها معاذ حينها، فما يثير الدهشة هو التزامه بالسير في مسار مرسوم له حتى دخوله القفص الحديدي.
وتطرق أبو صالح إلى اهتمام تنظيم الدولة الإسلامية الكبير بالإنتاج الفني والسينمائي عالي الجودة، حيث عدّ أن ذلك يزيد التوجس من كون التنظيم مدعوما وليس بمحارب.
وقال أبو صالح وهو حاصل على جائزة الفيلم الوثائقي القصير من شبكة "الجزيرة"، وشارك في مهرجان "كان" السينمائي، إن الإنتاج عالي الجودة الذي قام به التنظيم يجعل عملية إضافة المؤثرات المرئية والمسموعة أكثر احترافية وواقعية، وهذا لا يمكن أن يكون باستخدام كاميرات الموبايل المحمولة أو غير الاحترافية.
وتابع بأن التأني في الإنتاج وترتيب السيناريو ذي المعايير الهوليودية، من مقدمة وذروة ونهاية، أي بصورة الفيلم المتكامل، يحمل الكثير من التساؤلات حول إدراك هذا التنظيم الناشئ أهمية السينما في التأثير على العقول، مع أن السينما قد تكون من المفردات المحرّمة في فقهه، فهل تم افتتاح صالات عرض سينما في الرقة؟.