اخبار الساعة

أردوغان يضعه يهود تركيا على ميزان الحسابات الانتخابية

اخبار الساعة - صباح الذيباني بتاريخ: 11-06-2011 | 13 سنوات مضت القراءات : (3070) قراءة

اخترقت موجة من الشقاق يهود تركيا، على خلفية المفاضلة بين مرشحي الانتخابات التشريعية المزمعة في هذا البلد، ففي حين يتبنى الحاخام الأكبر موقفاً غامضاً حيال أردوغان، تتأرجح قبانة ميزان الأخير أمام أصوات اليهود الأتراك لتميل ناحية منافسيه، نظراً لسياسة الحكومة التركية المناوئة لإسرائيل.



أنقرة: تترقب الطائفة اليهودية في تركيا نتائج الانتخابات التشريعية المزمعة في البلاد الاحد المقبل، فرغم ان عدد تلك الطائفة لا يتخطى حاجز العشرين الف شخص من اجمالي سكان الجمهورية التركية، البالغ عددهم 80 مليون نسمة تقريباً، الا ان ما تحمله أجندات المرشحين رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، ومنافسه العنيد كمال كليتشدار، تلقي بظلالها على امكانية اعادة صياغة سياسة انقرة حيال الدولة العبرية، التي تميزت خلال الاونة الاخيرة بحالة من الاحتقان، ولعل ذلك بحسب صحيفة يديعوت احرونوت العبرية، كان سبباً مباشراً في ترقب يهود تركيا لنتائج تلك الانتخابات.

علامة الاستفهام الكبيرة التي باتت تفرض نفسها على يهود تركيا حالياً هى، لمن نعطي اصواتنا؟ هل ستكون من نصيب اردوغان، الذي يتخذ موقفاً معارضاً لسياسة اسرائيل، ام سيقتنصها منافسه المعارض كمال كليتشدار، الذي يتعهد بإعادة النظر في العلاقات بين بلاده وتل ابيب؟

رغم ارتفاع شعبية رجب طيب اردوغان، الا ان تباين وجهات النظر لدى الطائفة اليهودية في تركيا، كانت له انعكاسات غير مباشرة على ما يجري في الساحة السياسية بأنقرة، فالتعويل على زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، رغم تلويحه بورقة المصالحة مع اسرائيل، لا يعني لدى يهود تركيا سوى "المراهنة على حصان خاسر"، ويزيد من مواقف أردوغان المتشنجة من تلك الطائفة كما هو الحال بالنسبة لاسرائيل.

لمن تذهب اصوات اليهود؟

في المقابل آثر حاخام يهود تركيا الأكبر "يتسحاق حاليبا" الابتعاد عن المعادلات السياسية عند الاجابة على سؤال، لمن تذهب اصوات اليهود في الانتخابات التشريعية التركية؟، فالحاخام حاليبا كشف في اكثر من مناسبه مواقفه، التي لا تختلف كثيراً عن مواقف أردوغان من الدولة العبرية، وزاد عليها عندما اكد في حديث خاص ليديعوت احرونوت: "نحن لا نتدخل في القضايا السياسية، فكل تركي يهودي او غيره يعلم جيداً لمن يُعطي صوته، وليس من اللائق ان تنشغل الطائفة اليهودية بالقضايا السياسية، خاصة ما يتصل منها بالعلاقات التركية الاسرائيلية".

ويعطي موقف حاخام يهود تركيا الاكبر انطباعاً بأن موقفه هو الخط العام، الذي تسير في فلكه علاقة يهود تركيا بصناديق الاقتراع، لكن المراقبون في انقرة يعلمون مواقف حاليبا السابقة، خاصة ما يتعلق منها باسرائيل، فبعد ايام من اعتراض اسرائيل لسفينة المساعدات التركية "مرمرة"، وما انطوت عليه تلك الواقعة من مواجهات دامية بين قوات الجيش الاسرائيلي، والنشطاء الذين كانوا على متن السفينة، شن حاليبا هجوماً عاصفاً ضد اسرائيل، واعتبر سياستها غير مقبولة وتثير غضب المجتمع الدولي، واصفاً قرارات حقلها السياسي بـ "غير المسؤولة".

كما اشاد الحاخام حاليبا في اكثر من محفل برئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، ممتدحاً سياسته الداخلية والخارجية، سيما ما يتعلق باسرائيل، واوضح في حديث سابق لصحيفة معاريف: "يعلم أردوغان جيداً الفارق بين دولة اسرائيل وبين اليهود الذين يعيشون في بلاده، كما انه تعهد لأكثر من مرة بحماية والدفاع عن اليهود". بيد ان تحقيق صحيفة يديعوت احرونوت العبرية حاول تأكيد البون بين تصريحات حاليبا العلنية وبين مواقفه التي يحرص على كتمانها، وتدليلاً على ذلك اشارت الصحيفة الى ان مواقف حاخام تركيا الاكبر، هى نفس المواقف الذي يتبناها قادة الطوائف اليهودية في مختلف دول العالم، إذ يضع هؤلاء استراتيجية واحدة امامهم وهى، تأمين تعرض الطائفة اليهودية لبطش الزعماء السياسيين، فعلى خلاف تصريحات حاليبا المعلنة حيال اسرائيل، لم ينس أردوغان عينه تعليق حاخام يهود تركيا الاكبر على العملية الارهابية، التي وقعت قرب احد معابد استنبول عام 2003، واسفرت عن مقتل العشرات من المارة واصابة ابنه فيها بجروح بالغة، إذ قال حاليبا: "لن يستطيع احد اقناعي بالتخلي عن تفاخري بيهوديتي، او يمنع علاقتي باسرائيل".
      
الى جانب مواقف يتسحاق حاليبا المعلنة والباطنة، يوضح اليهودي التركي "دنيس اوجلو"، احد سكان مدينة استنبول، خريج شعبة العلاقات الدولية في جامعة جلاتسراي التركية، انه ليس لليهود مؤسسة سياسية في تركيا، ولكن تجمعهم طائفتهم، واضاف في حديث مع يديعوت احرونوت: "قيادتنا ليست سياسية، لذلك لسنا حريصين على الادلاء بتصريحات سياسية، سواءاً ما يتعلق منها بالانتخابات التشريعية المزمعة الاحد المقبل او غيرها من القضايا". ويعتبر اوجلو من ابرز الاسماء اللامعة لدى يهود تركيا، إذ انه حفيد "يوسف نايجو" احد كبار العناصر الرسمية في الطائفة اليهودية بأنقرة.

خلافات لا يُحمد عقباها

رغم ذلك يرى اوجلو انه لا يعتبر نفسه بوقاً او متحدثاً رسمياً باسم الطائفة اليهودية في تركيا، وبعيداً عن هذا الاعتبار فإنه لا ينكر اعتزامه التصويت لصالح "حزب الشعب الجمهوري (CHP)"، الذي يترأسه كمال كليتشدار. وفي تعليقه على موقف حاخام يهود تركيا الاكبر من التصويت في الانتخابات المنتظرة، يؤكد دنيس اوجلو انه اجرى اتصالاً هاتفياً بالحاخام وسأله عن موقفه السلبي من الانتخابات فرد عليه قائلاً: "نحن لا نتطلع الا لانقاذ انفسنا، وتجنيب الطائفة اليهودية في تركيا الدخول في معترك السياسة وما ينطوي عليه من خلافات لا تحمد عقباها".

الى ذلك يرى "رفائيل سادي" وهو يهودي من اصول تركية، هاجر الى اسرائيل في تسعينيات القرن الماضي ويستوطنها حالياً، ان موقف حاخام يهود تركيا طبيعياً، فالرجل يخشى على طائفته من التورط في المعترك السياسي وحساباته المعقدة، ويكشف سادي عن انه كان زميل دراسة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في كلية الاقتصاد في الفترة ما بين 1974 وحتى عام 1978، وقبل عدة سنوات حافظ الرجلان على علاقة الصداقة والزمالة التي تربط بينهما، حتى ان سادي الذي دشن موقعاً اخبارياً على شبكة الانترنت، وخصصه لليهود الذين ينحدرون من اصول تركية، اجرى حواراً صحافياً مع اردوجان، في وقت كان الاخير يزور اسرائيل، غير انه تزامناً مع تردي العلاقة بين انقرة وتل ابيب، ذابت اواصر العلاقة التي كانت تجمع سادي برئيس الوزراء التركي.

وبحسب حديث رفائيل سادي لصحيفة يديعوت احرونوت العبرية، فإن هدوء اليهود الاتراك وموقفهم السلبي من الدخول بفاعلية في المعترك السياسي، ليست له علاقة من قريب او بعيد بمخاوف من أردوغان، واضاف: "إذا تطرقنا بموضوعية لرؤى ووجهات نظر رئيس الوزراء التركي، يتضح انه يقدم نفسه للغرب على انه من اشد الحريصين على الحقوق والمساواة، مما يحول دون مساسه بيهود بلاده، ولكن خوف يهود تركيا، يأتي على خلفية العناصر التركية المتطرفة، التي تتخذ من مواقف اردوغان المناوئة لاسرائيل دافعاً لكراهية اليهود". ويرى سادي ان رئيس الوزراء التركي يعتبر يهود بلاده جزءاً اصيلاً من الشعب التركي، غير ان تصريحاته المناوئة لاسرائيل تمنح الشارع  شرعية لكراهية اليهود بشكل عام، لذلك يحرص اليهود في تركيا على الاعلان انهم جزء من نسيج هذا البلد.

اما "جاكي انجيل" الذي وُلد في تركيا قبل 53 عاماً، وهاجر الى اسرائيل في الثالثة عشر من عمره، ومالبث ان عاد لاستبول بعد 15 عاماً، فيقول في حديثه للصحيفة العبرية: "تستيقظ تركيا وتنام كل يوم على مؤتمرات ولافتات تجوب شوارع كافة المدن، تمهيداً للانتخابات التشريعية المزمعة في البلاد الاحد المقبل، ولكن الجميع يعلم من سيفوز بهذه الانتخابات في نهاية المطاف"، واوضح انجيل انه يعتزم التصويت لصالح حزب المعارضة "الشعب الجمهوري"، غير انه اذا صحت التكهنات الراهنة، وفاز اردوغان بمقعد رئاسة الوزراء للمرة الثالثة، فلن تتجه بوصلة المواقف التركية الى التطرف.

توازن مع الاحزاب المعارضة

واضاف: "فلا يستحوز رئيس الوزراء التركي على 70% من الاصوات كما كان الحال عليه في الانتخابات السابقة، الابعد من ذلك ان هناك عدد من احزاب المعارضة، التي تضع امامه نوعاً من التوازن". ويتسائل انجيل: "قواعد اللعبة كانت ستتغير اذا لم تكن هناك احزاب معارضة تنافس اردوغان، إذ ان الاخير كان سيعمُد الى تغيير القوانين استناداً الى مرجعيات اسلامية، غير ان ذلك لن يكون بشكل متطرف كما بات عليه الحال في مصر او سوريا، فرئيس الوزراء التركي يتطلع الى دولة اسلامية وديمقراطية في الوقت عينه".     

وفي نهاية حديثه مع يديعوت احرونوت اعرب انجيل عن تقديراته بأن غالبية يهود تركيا سيعطون اصواتهم لحزب المعارضة التركي CHP، وهو نفس الموقف الذي تبنوه في الانتخابات السابقة، ولكن انجيل لم ينس تلك القصة التي سردها له والده في يوم من الايام، واوضح فيها ان القيود التي فرضت على الاتراك غير اليهود منذ عدة سنوات، وفي مقدمتها ضرائب الدخل المبالغ فيها، خرجت من رحم الاحزاب المعارضة، وكان ذلك حزءاً من العقوبات التي فرضها حزب الشعب الجمهوري على يهود تركيا، الا ان انجيل يرى بحسب الصحيفة العبرية ان الوضع اليوم يختلف عن سابقه، ولن يتمكن هذا الحزب او غيره من الاحزاب المعارضة من التحرش سياسياً او اقتصادياً او حتى اجتماعياً بيهود تركيا.

من جانبها ترى "تيل أريتش" وهى يهودية "51 عاماً"، وولدت في مدينة "إزمير" وتعيش حالياً في انطاليا، ان الاحزاب المعارضة ستحصل على نسبة كبيرة من الاصوات في الانتخابات المرتقبة، سيما ان الوضع الاقتصادي المعتدل في تركيا، لا يشعر به سوى كبار رجال الاعمال، وجميعهم اصدقاء اردوغان والمقربين منه، اما اصحاب المشروعات الصغيرة فلا يشعرون بهذه الطفرة. وتضيف أريتش في حديثها للصحيفة العبرية: "نحن يهود تركيا عانينا كثيراً من سياسة أردوغان المناوئة لاسرائيل، وعلى وجه خاص تعمل ابنتي مرشدة للأفواج السياحية القادمة من اسرائيل لزيارة تركيا، ومنذ تردي العلاقة بين انقرة وتل ابيب، فقدت ابنتي عملها واستشعرت ورفيقاتها في العمل حالة الشلل، التي اصابت قطاع السياحة القادمة من اسرائيل منذ عام تقريباً". وأكدت أريتش انها لن تمنح صوتها لأردوغان قائلة: "معاذ الله ان يحصل رئيس الوزراء التركي على صوتي، فأردوغان ورجاله يتبنون سياسة مناوئة لليهود واسرائيل، ولا يرغب رئيس الوزراء التركي سوى في اصوات اليهود فقط، رغم انها تشكل نسبة ضئيلة للغاية من جملة اصوات الناخبين".

المصدر : ايلاف
اقرأ ايضا: