تحقيق : كيف دمرت الحرب المعالم التاريخية والثقافية بعدن ؟ (صور)
اخبار الساعة - عدن بتاريخ: 16-08-2015 | 9 سنوات مضت
القراءات : (5426) قراءة
مدينتنا عدن المعروفة بالحب والسلام, والثقافة والتحضر, لم تشئ الحرب يوما, ولم تدق أبوابه أبدا, دائما الحروب تأتي إليها, ودائما الغزاة يحاولون الاعتداء عليها, ودائما ما تكشر لهم عن أنيابها, وتذود عن نفسها وأبنائها بكل قوتها, هي مدينة الحب والسلام دوما, ولكن حينما يحين الوقت فهي أيضا مدينة الدفاع والتضحية, حين جاءتها الحرب إلى أقدامها تصدت لها وبكل قوة, ولكن كالمطر هي الحرب, لا تهطل على بيت وتترك ما حوله, لا تفرق بين مدني وعسكري, لا يهمها معلم ولا ثقافة, ولا مسكن ولا مشفى, فدمار الحرب لا يستطيع التفريق والتمييز. دمرت الحرب عدن وكان لحقد الغزاة دوره في زيادة ذلك الدمار, وقد شمل الدمار العديد من المراكز الحيوية والمنشئات الهامة, كالكهرباء والاتصالات وميناء الزيت والطرقات وغيره, وكذلك الدمار شمل العديد من المعالم الثقافية الهامة في المدينة, خاصة في مدينة كريتر التي تحمل في كل شارع منها معلم هام, في هذا التقرير حصر وذكر لأهم المعالم الثقافية التي تضررت بفعل الحرب:
المتحف الحربي – كريتر:
مبنى بديع في قلب كريتر يفرش دفتيه على شارع سمي باسمه, يتكون من طابقين عريضين, والأقواس البديعة تزين واجهته, الحجر الشمساني والخشب الأحمر يضفي عليه لمحة عدنية مميزة, يعتبر من أجمل المباني القديمة في المدينة القديمة كريتر, المتحف الحربي والذي كان مدرسة من أقدم المدارس في عدن بل وشبه الجزيرة سميت بمدرسة السيلة, تم استهدافه وبلا مبالاة خلال هذه الحرب وعلى ثلاث مراحل, فبالبدء وفي مطلع شهر أبريل أصابته قذائف ورصاصات مليشيا الحوثي وصالح وتسببت بفتحة في إحدى أقواس الدور الأرضي, وبعد الاشتباكات التي انتهت باقتحام الحوثيين لمدينة كريتر مطلع شهر مايو, تضرر المتحف أكثر فتخرمت جدرانه, وحطمت بوابته الكبيرة تماما, وأصبحت ميليشيات الحوثي وصالح تتخذه كثكنة عسكرية لها, وهذا ثاني الانتهاكات بحق المتحف, في منتصف شهر يوليو تعرض المتحف لقصف طيران نتيجة لاتخاذه ثكنة من قبل مليشيات الحوثيين وصالح وهو ثالث انتهاك بحق مبنى المتحف الحربي, وبسبب ضربة الطيران تهدمت جهته الغربية وأصبح معرضا للسرقة.
وعن مقتنيات المتحف الحربي التي معظمها ثمينة وهامة, فقد نهبت بعض القطع على مرحلتين, المرحلة الأولى: قامت مليشيا الحوثي وصالح بسرقة بعض القطع الأثرية الهامة والنفيسة فترة استيلاؤهم على كريتر واتخاذهم المتحف كثكنة عسكرية, والمرحلة الثانية: بعد اخراجهم من مدينة كريتر حدثت فوضى مؤقتة في المدينة على أثرها قام بعض المهمشين بسرقة بعض السيوف والأسلحة القديمة, تم إعادة جزء كبير منها والجزء المتبقي لا زال بحوزة من سرقوا.
المتحف بحاجة لإعادة ترميم على يد خبراء, ترميم يحفظ للمبنى هويته وقيمته التاريخية, كما دعونا مسؤولي المتحف بسرعة جرد القطع الأثرية وحفظها في مكان آمن.
مكتبة الفقيد باذيب الوطنية:
مكتبة الفقيد باذيب أو المكتبة الوطنية والتي بنيت في مطلع الثمانينات في مدينة كريتر التاريخية, تقع في شارع المتحف, وهو من أهم الشوارع الحيوية في المدينة, المكتبة التي تحوي أرشيف عدن الثقافي وعدة وثائق هامة ونسخ قديمة جدا من أقدم الصحف العدنية التي كانت تنشر في أوج عهد عدن الثقافي مطلع القرن الماضي, تعرضت المكتبة للتدمير وطالتها يد العبث, فمنذ محاولة مليشيا الحوثي وصالح اقتحام مدينة كريتر مطلع شهر أبريل, والمكتبة كانت من أوائل المباني المتضررة, فقد تهشمت واجهتها الزجاجية بالكامل, وتسببت قذيفتين اطلقتهما مليشيا الحوثي وصالح بفجوتين كبيرتين بمبنى المكتبة, الفجوة الأولى جهة قاعة لطفي جعفر أمان في الدور الأرضي, والفجوة الأخرى في غرفة مدير المكتبة في الدور الأرضي أيضا, الفجوتين تسع لبني آدم, ويمكن الدخول عبرهما إلى داخل المكتبة, لكن ظلت أعين شباب عدن تحرس المكتبة إلى أن استطاعت المليشيات من اقتحام كريتر في شهر مايو, ومن حينها تعرضت المكتبة لسرقات متعددة, فقد تمت سرقة معظم أجهزة الحاسوب, وبعض المكيفات, والعديد من الكتب الجديدة العهد من قاعة لطفي جعفر أمان, أما الأرشيف وقسم الدوريات فلم يتعرض لأي سرقات حتى اللحظة, وقد تكسرت جل النوافذ بسبب ضربات الطيران بالقرب من المكتبة, كما قامت مليشيا الحوثي وصالح بالعبث بالمكتبة واقتحام معظم قاعاتها وتكسير كل الأبواب والعبث بالأسقف.
بعد اخراج المليشيات من كريتر قام مجموعة من الشباب المخلصين بدور بطولي تطوعي لحماية أرشيف عدن, وسهروا ليلا ونهارا ولازالوا يسهرون ويتعبون لحماية المكتبة التي أضحت مفتحة الأبواب والنوافذ والجدران, ومعرضة للسرقة من كل حدب وصوب, ولكن للأسف لم تلتفت أي جهة لدور الشباب البطولي ولم يتم تغطية ولو مصاريفهم اليومية, كما لم تتحرك أي جهة لسد الثغرات والفتحات التي تملئ مبنى المكتبة.
مسجد الخوجة:
من المساجد الأثرية وذات الطراز المميز في مدينة عدن, بني مسجد الحسيني والمعروف بمسجد الخوجة بداية القرن العشرون, أي أن عمره يتجاوز المائة عام, يتبع للطائفة الشيعية العدنية التي تعيش في عدن بسلام وانسجام منذ قرون, بعد أن اقتحمت مليشيا الحوثي وصالح مدينة كريتر القديمة, اتخذت المسجد ثكنة وسكنا لها, وهو ما أدى بطيران التحالف لضرب المسجد بصاروخ في شهر رمضان غير مبالين بقيمته الأثرية, أدى لتدمير معظم المسجد, لم يتبقى منه سوى القبتين الجميلتين.
سيحتاج المسجد لفريق هندسي آثاري متخصص لإعادة بنائه بصورته القديمة, ويتطلب الأمر وعيا كبيرا من قبل الجهة التي ستشرف على عملية إعادة الإعمار.
كنيسة سانت جوزيف وباقي الكنائس:
مما يميز عدن عن باقي المدن الجنوبية ومدن المنطقة, هو أنها المدينة الوحيدة التي تعايشت فيها العديد من الأديان السماوية وغير السماوية, لازال المسيحيون يقيمون شعائرهم في كنائس عدن, وكذلك الهندوس يتعبدون كل جمعة في معبد الخساف, تعرضت كنيسة سانت جوزيف في منطقة البادري بكريتر للعبث وتدمير محتوياتها من قبل مليشيا الحوثي وصالح, وكتبوا شعاراتهم وصرختهم بجدران الكنيسة, لم ينتهي العبث بعد خروجهم, فبعض ضعاف النفوس استمروا بالعبث بالكنائس, من ضمنها كنيسة سانت جوزيف بكريتر, وكنيسة شيلدن بحافون.
فريق عدن أجين زار كنيسة البادري وحفظ ما تبقى بمكان آمن, لكن ذلك لا يكفي فلا بد من دعم حكومي وتظافر لحماية معالم عدن الدينية وابقاءها بعيدا عن أيادي العابثين.
رصيف السياح:
رصيف ويلز والمشهور برصيف السياح والذي بني بنفس طراز بوابة ميناء بومباي, بني عام 1905م يعتبر بوابة الميناء السياحية, طرازه الجميل وسقفه القرميدي البديع يعتبر ميزة من ميزات مدينة التواهي, سيطرت مليشيا الحوثي وصالح على مدينة التواهي، وتمركزوا بداخل رصيف السياح, تعرض الرصيف لضربة طيران دمرته بنسبة 90%, لم يتبقى من سقفه البديع إلا أشلاء, ومعظم أحجاره دمرت, لم يتبقى سوى الواجهة بحالة سليمة.
إن معلم رصيف السياح يحتاج لإعادة بناء وتأهيل بذات النمط الذي كان عليه سابقا.
معبد الهندوس:
في طرف من أطراف منطقة الخساف الجبلية, وما بين ثنايا الجبل بني المعبد قبل أكثر من مائة عام, معبد للهندوس يؤدون فيه طقوسهم وشعائرهم بكل هدوء, ومنذ أن عاود المعبد نشاطه وعادوا اتباع الديانة الهندوسية ليؤدوا طقوسهم فيه لم يعترضهم يوما أحد, ولم يتعرضوا لمضايقة أحدهم, بعد اخراج مليشيا الحوثي وصالح من كريتر منتصف شهر يوليو, جاء بعض الشبان المتشددين الذين يدعون التدين وهدموا محتويات المعبد بشكل همجي لا يمت للدين الاسلامي بصلة.
الفراغ الأمني وقلة الوعي تهدد المعالم الدينية لعدن, وقد نوهنا المحافظة وبعض المسؤولين بخطورة ذلك وضرورة حماية معالم الأقليات الدينية بعدن, كون الحفاظ عليها حفاظا على ثقافة المدينة.
المدارس:
يبدو أن كلمة مدرسة تفتح شهية الجهات المتصارعة, فالمدارس كانت أكثر الأماكن استهدافا وتعرضا للخطر خلال فترة الحرب, العديد من المدارس استخدمت كثكنات عسكرية من قبل مليشيا الحوثي وصالح, والعديد منها استخدمت من قبل المقاومة الجنوبية كثكنات أيضا, وبعض المدارس ونتيجة لاستخدامها كثكنة للمليشيات, تعرضت للقصف الجوي والدمار.
في مدينة كريتر على سبيل المثال, أكثر من خمس مدارس استخدمت كثكنات عسكرية من قبل الحوثيين وصالح, ومدرسة واحدة استخدمت من قبل المقاومة, ومدرستين تعرضتا لقصف جوي.
بينما حافظت المقاومة على المدارس التي استخدمتها لخدماتها خلال فترة الحرب, لم تكترث مليشيات الحوثي وصالح بالمدارس,لم تكتفي المليشيات بتحويل المدرسة لثكنات عسكرية وسجون بل وعيادات لجرحاها, بل قاموا بالعبث بالعديد من المدارس وتكسير أبوابها والكتابة بشعاراتهم وصرخاتهم على جدران المدارس.
إن العديد من المدارس بحاجة للتأهيل ما بعد الحرب, بل سرعة التأهيل, فيكفي أولادنا واخواننا ضياعا للوقت, فالحرب حرمتهم من التعليم قرابة الخمسة أشهر.
هوية المدينة القديمة:
مدينة كريتر العتيقة العريقة العبقة برائحة التاريخ والقدم, تتميز المدينة بطراز قديم يميزها عن باقي مدن الجنوب والمنطقة, فالمبنى العدني القديم يتكون من عدة ملامح أهمها: الحجر الشمساني المنحوت باليد, النوافذ الخشبية المصنوعة بحنكة واتقان, القمريات الخشبية المميزة بزجاجها الملون والتي تختلف كليا عن القمريات الجصية, الشبك الخشبي الذي يغطي النوافذ والأبواب والمشربيات, ولكن ومنذ سنوات والصناعات الحرفية لهذه النوافذ انقرضت وهو ما أضحى يهدد الطراز المعماري القديم للمدينة القديمة ويشوه هويتها, معظم نوافذ المدينة القديمة ظلت بحالة جيدة وحافظ عليها قاطنوها, مع الحرب تكسرت عشرات بل ومئات النوافذ القديمة, وتهدمت بعض المنازل الشمسانية, ونظرا لقلة الاهتمام المسبق بهوية المدينة وطرازها القديم فإن الخطر أصبح يحدق بمدينة كريتر القديمة وأيضا بمدينة التواهي, لذلك فإننا يجب أن نرفع مستوى الوعي بضرورة ترميم هذه المنازل القديمة بنفس نمطها وبما يحفظ للمدينة هويتها وطابعها المعماري المميز.
إن إعادة إحياء حرفة صناعة النوافذ العدنية أضحت ضرورة ملحة, وعلى الجهات المسؤولة في المحافظة والمجالس المحلية الانتباه لذلك.
وضع الثقافة:
وككل جوانب الحياة في عدن, تأثرت ثقافة المجتمع أيضا بفعل هذه الحرب ومن أهم المظاهر التي أثرت على ثقافة المدينة:
o تعطيل المسيرة التعليمية لمدة تقارب الخمسة أشهر منذ اندلاع الحرب.
o انتشار ظاهرة حمل السلاح مع الحرب من غير أفراد المقاومة, وهي الظاهرة التي كانت تحاربها ثقافة سكان عدن.
o انتشار أناشيد وزوامل لم تعهدها ثقافة المدينة مسبقا, ولكن وبفعل الحرب حضت بقبول واسع في صفوف الشباب وأصبحت كالموضة مع أنها أناشيد تتبع لثقافة متطرفة بعيدة عن ثقافة أهالي عدن.
o انتشار أنواع من الملابس التي تتماشى مع فترة الحرب والتي لا تمت للزي الشعبي للسكان بصلة.
ما ذكر في النقاط السابقة قد يكون مؤقتا مع فترة الحرب, ولكن مع عودة تطبيع الحياة يجب أيضا التخلي عن هذه المظاهر المؤقتة خصوصا وأنها لا تمت لثقافتنا وعاداتنا وهويتنا بصلة لا من قريب ولا من بعيد.
وختاماً:
حاولنا من خلال هذا التقرير الأولي – جاهدين- حصر كل الأضرار التي طالت المعالم الثقافية والتاريخية بعدن, لكن ولكبر حجم الدمار قد يكون هناك قصور وسهو عن أحد المعالم.
إننا ومن خلال هذا التقرير ندعو كافة سكان عدن لرفع الوعي بضرورة الحفاظ على معالم عدن الثقافية والتاريخية والدينية وضرورة الحفاظ على هوية المدينة ونمطها المعماري القديم والفريد والحفاظ على روح المدينة العتيقة التي هي ميزتها وسر سحرها , كما والحفاظ على الثقافة المدنية الحضارية لسكان عدن التي لطالما عرفنا بها.
إننا نوجه نداءنا للجهات المسؤولة بضرورة سرعة التحرك والحفاظ على معالم المدينة الدينية والثقافية والتاريخية, وننوه بضرورة التعامل بحساسية مع المباني القديمة والوضع بالحسبان كيفية اعادة ترميمها بما يحفظ لها هويتها وقيمتها, وللمدينة روحها.
اقرأ ايضا: