"فيديوهات التحرش" .. أساليب للتسلية .. أم أوراق ضاغطة لسَنّ قوانين جديدة
اخبار الساعة - متابعة بتاريخ: 01-09-2015 | 9 سنوات مضت
القراءات : (4097) قراءة
- عراقي: نشْر فيديوهات التحرش عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي نوع من إشاعة الفاحشة.
- القراش: نسبة المتحرشين السعودين 59%.. والأحكام تَصدر حسب رؤية القاضي دون النظر في حق الضحية أو المجتمع.
- الطايع: لا بد من نظام جامع لأحوال التحرش وقد يقع من الجنسين.. وحماية الأعراض من الضروريات الخمسة.
أثار انتشار مقاطع فيديو وثقت بعض حالات التحرش في الآونة الأخيرة تساؤلات عدة ومطالبات وآراء مختلفة داخل المجتمع السعودي، التي بررها قسم منه بأنها حالات فردية وتصرفات مفردة لم تصل إلى حد الظاهرة؛ فيما ألقى الآخر منه اللوم على الجهات المعنية لعدم وجود تشريعات وعقوبات غليظة تنال من مرتكبي هذا الفعل لتطفو بذلك على السطح؛ مُجَدِّداً إشكالية طرح "قانون مكافحة التحرش" الذي نادى به عدد من أعضاء وعضوات مجلس الشورى في وقت سابق، وتم تأجيله لاعتبارات عدة؛ فيما اعتبر طرف ثالث أن القوانين الموجودة كافية ولا داعي إلى سَن قوانين جديدة، وأن تلك الحوادث ونشرها ما هو إلا للضغط للقبول بها.
ناقشت "سبق" ملف قانون مكافحة التحرش الجنسي مع عدد من المختصين في المجال القضائي والأكاديمي والإعلامي.
الوازع الديني
بيّن عضو برنامج الأمان الأسري الوطني عبدالرحمن القراش لـ"سبق": أن "التحرش" قضية من أخطر وأهم القضايا التي تواجه المجتمعات؛ إلا أنها ما زالت عالقة؛ بسبب عدم وجود قوانين رادعة تمنع مرتكبيها من الإقدام عليها من الجهات التنفيذية، والافتقار إلى الوعي بتعريف التحرش، وماهية حدوثه، وكيفية تجنبه.
وأضاف: يُعَرّف التحرش بأنه مضايقة وتصرف غير مرحّب به، ويتضمن مجموعة من الأفعال التي تبدأ من الانتهاكات البسيطة وصولاً إلى المضايقات الجادة التي من الممكن أن تتضمن التلفظ بتلميحات جنسية أو إباحية؛ وصولاً إلى النشاطات الجنسية الكاملة أو الجزئية.
وتابع: قد يحدث التحرش الجنسي في أي مكان؛ سواء في الأماكن العامة أو الخاصة مثل: الشوارع، وأماكن العمل، والمواصلات العامة، والمدارس، والجامعات، والمطاعم، والأسواق التجارية، وداخل المنزل؛ بل وحتى في صحبة الآخرين كالعائلة أو الأقارب أو الزملاء، وقد يحدث عبر الإنترنت من خلال مواقع التواصل وغيرها".
وأردف: من أسباب التحرش: ضعف الوازع الديني، والفقدان العاطفي في الأسرة، والتربية غير السوية، والإدمان على الخمور أو المخدرات، والأمراض النفسية، والإعلام الجديد بكل تقنياته دون رقابة، والقصور التربوي في التعليم، وكذلك غياب القانون الذي ينص على العقوبة.
دراسة سعودية
وقال: صدَرت مؤخراً دراسة سعودية نسائية للفئات العمرية من 18 وحتى 48، أكدت أن نسبة 92% من التحرش في ازدياد مستمر؛ لعدم وجود العقاب الرادع، وجاء تفصيلها على النحو التالي:
27% تَعَرّضن للتحرش اللفظي، و26% تعرضن للتحرش بإلقاء الأرقام، و24% تعرضن للتحرش بالنظر، و15% تعرضن للتحرش الجسدي، وكانت نسبة الرجل السعودي المتحرش 59.5%، ونسبة الرجل غير السعودي المتحرش 39.3%.
وتابع "القرشي": في كل بلدان العالم سواء كانت متقدمة أو نامية أو متخلفة يوجد قانون لتجريم التحرش، وعقوبة واضحة تنص على محاربة هذا السلوك، كما أن الإسلام أكّد الطهارة الذاتية والمجتمعية؛ فحارب كل دواعي الوقوع في الرذيلة من خلال العفاف، وحفظ النفس، ومحاربة كل الأمور التي تؤدي إلى الوقوع في مثل تلك الأفعال، دون استثناء لذلك.. نحن نرفض ونشجب كل الدواعي المؤدية لمثل تلك التصرفات؛ ولكن علينا أن نقف بصدق مع أنفسنا، ونتساءل بأمانة ولا نتهرب من الإجابة.
رادع تعزيري
وتساءل "القراش": هل لدينا قانون واضح وصارم يجرّم التحرش؟ هل سمعنا أن مجلس الشورى ناقَشَ قانون التحرش؟ هل كان للجمعيات والمراكز المجتمعية وحقوق الإنسان رؤية واضحة سواء تثقيفية أو حقوقية لتجريم التحرش؟ ستكون الإجابة: "لا".
وأضاف: بدليل أن كل الأحكام القضائية في هذا الموضوع تصدر حسب رؤية القاضي لمعطيات القضية دون النظر في حق الضحية أو المجتمع؛ فتصدر الأحكام فيها شيء من الرحمة بالجاني، من خلال توقيفه مدة معينة ثم إطلاقه.
وأكد أن الحلول والمقترحات بتضافر الجهود الوزارية لإيجاد عقاب رادع تعزيري معلوم بالضرورة للجميع؛ لكي لا يتجرأ مرة أخرى أي فرد سواء كان رجلاً أو امرأة، على الإقدام على هذه الأفعال المدمرة نفسياً واجتماعياً وأخلاقياً، ومن وجهة نظري لا مانع من الاستفادة من القوانين العالمية في هذا الموضوع بما يتوافق مع تعاليم ديننا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا، ورفعها للمقام السامي للمصادقة عليها".
وختم "القرشي" حديثه لـ"سبق" متسائلاً: هل بالفعل نحتاج كاميرات راصدة في الأماكن العامة؛ لتوثيق المخالفات مثل التحرش ونحوه؛ ليتم إلقاء القبض على الجاني ومحاسبته وفق قانون وبشكل سريع؟
مقاطع للتسلية
ورأت الإعلامية "هبة عراقي" أن نشر مقاطع فيديوهات التحرش عبر وسائل الإعلام والاتصال الاجتماعية فيه نوع من إشاعة الفاحشة.
وقالت لـ"سبق": أقف ضد نشر مثل هذه المقاطع وتداولها عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي؛ لأن الموضوع زاد عن حده، وبات المتحرش يصور نفسه من باب التسلية، ولا أستعبد أن تكون بعض هذه المقاطع مفبركة وهناك مَن يقف وراءها لترويجها؛ بهدف الضغط لسَنّ قانون التحرش، وكأن المتحرش في السعودية لا يُعاقَب بالحبس والجلد في العلن وفي ذات المكان الذي قام به بفعل التحرش.
تأخير الطرح
تناقلت عدد من وسائل الإعلام في أكتوبر العام الفائت قضية تأخر طرح قانون مكافحة التحرش الذي تَقَدّم به أربعة أعضاء من مجلس الشورى وهم: الدكتور عبدالرحمن العطوي، والشيخ الدكتور ناصر بن داود، والدكتور ناصر الشهراني، والدكتور عبدالعزيز الهذلق، وأربعة من السيدات الأعضاء هن: الدكتورة لبنى الأنصاري، والدكتورة دلال الحربي، والدكتورة حمدة العنزي، والدكتورة منى آل مشيط، والذي اعتبره بعض المعارضين يعزز مفهوم الاختلاط.
وقرر مجلس الشورى السعودي تأجيل النظر فيه بعد خمسة أشهر من عرضه ومناقشته؛ وذلك بناء على رفض بعض الأعضاء له؛ معللين أن المشروع سيعزز ويهيئ "مفهوم الاختلاط" بين الجنسين في المجتمع.
وكان المشروع المعروض يقضي بعقوبة المتحرش جنسياً بالسجن عاماً وبغرامة تصل إلى مائة ألف ريال حسب نص الفقرة الأولى من المشروع، ويعتبر السلوك تحرشاً جنسياً معاقباً عليه -بموجب هذا النظام- كل قول أو عمل أو إشارة أو مَن اتخذ موقفاً لا تدعو إليه ظروف الحال؛ شكاً في دلالته على الرغبة في الإيقاع الجنسي بالطرف الآخر، أو إهانته، أو استفزازه، أو تحقيره بسبب جنسه، أو مجرد خدش حياء الأذن أو خدش حياء العين.
ويستوي -حسب الفقرة الثانية من المادة ذاتها- في دلالة القول المعتبر تحرشاً جنسياً، أن تكون صريحة أو ضمنية، وسواء كان القول بذيئاً أم لا؛ متى قُصِد به شيء مما ذُكر في الفقرة الأولى.
وفي مجال العمل، فسّرت المادة الثانية التحرش الجنسي بأنه السلوك الذي ينطبق عليه الوصف الإجرامي. وحددت المادة السادسة في أربع فقرات العقوبات المترتبة على التحرش والواقعة على المتحرش وصاحب العمل؛ حيث يُعاقَب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة، وبغرامة مالية لا تقل عن عشرين ألف ريال ولا تتجاوز خمسين ألف ريال، أو بإحدى العقوبتين، كل من ارتكب فعلاً من الأفعال المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا النظام، وفي حال العودة تُضَاعَف العقوبة.. كما يُعاقب رئيس المؤسسة أو مديرها أو صاحب العمل -حسب الأحوال- بغرامة لا تقل عن خمسين ألف ريال ولا تتجاوز مائة ألف ريال، إذا أخلّ بالتزاماته الخاصة بمكافحة التحرش الجنسي المنصوص عليها.
عقوبات بديلة
وبدوره قال المستشار القانوني والمحامي فيصل الطايع لـ"سبق": لا توجد جريمة إلا يوجد لها عقاب والقاعدة القانونية "لا عقوبة إلا بنص" يُقصد بها نص عقابي، وخضعت غالب عقوبات التحرش السابقة إلى أحكام تعزيرية وفق كل حالة على حدة، وتخضع عادة إلى سلطة تقديرية من القاضي؛ ناهيك عن أن هناك مَن صار يحكم بالعقوبات البديلة في قضايا التحرش، وإن كان بعض الحالات يُنظر إليه وفق نظام الحماية من الإيذاء؛ إلا أن قضايا التحرش قضايا متنوعة؛ فهناك التحرش من الأقارب (المحارم)، وهناك التحرش في (الأماكن العامة)، وهناك التحرش في (أماكن العمل)، كما أن التحرش قد يكون جهاراً كما في حالتنا هذه، أو في ما يسمى "حادثة جدة" وغيرها، وقد يكون سراً. ولكل حالة ظروفها الخاصة وحيثياتها وعقوبتها سواء كانت مشددة أو مخففة.
نظام جامع
وأردف: من هنا نجد أنفسنا أمام أمر طبيعي من المطالبة بنظام يكون جامعاً لأحوال التحرش في جميع الأماكن وعلى جميع الأحوال، والمهم أيضاً تعريف التحرش تعريفاً يشمل ما يُعَدّ تحرشاً وما لا يُعَد؛ سواء كان فعلاً أو قولاً، مع الأخذ في الاعتبار أيضاً أن التحرش قد يقع من الجنسين، ويجب أن لا يُغفل النظام جانب وجوب تحريمه وتجريمه للتحرش؛ سواء بموافقة أطرافه أو اعتراض أحد منهم؛ حتى لا يكون سبباً في إشاعة المنكر، كما أن النظام يجب أن يراعي التحرش بالصغير، ويوجِب عقوبة مشددة لخطورته وأضراره النفسية على المتحرش به، والتي تلازمه طوال حياته.
وأوضح قائلاً: يجب أن يراعي أيضاً تشديد العقوبة على المُجَاهر بالتحرش سواء في الأسواق أو الأماكن العامة أو حتى أماكن العمل؛ بحيث يضاف إلى ذلك التشهير بالمتحرش، بالإضافة إلى العقوبات المالية أيضاً، وسبب التغليظ هو استهتاره بالأنظمة ومساسه بالذوق العام، مع ارتكابه لمنكر موجب للعقوبة.
الضروريات الخمس
وختم حديثه بأن حالات التحرش ليست كثيرة ولله الحمد؛ ولكنها قد تصبح ظاهرة، ويصبح ضررها على المجتمع وأفراده كبيراً إن لم تعالج بحزم؛ حيث إن حماية الأعراض من الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بحمايتها وصيانتها من العبث، مع الأخذ في الاعتبار عند إعطاء إحصائية دقيقة، أن كثيراً من القضايا لا تصل إلى الشرطة أو المحاكم لاعتبارات كثيرة اجتماعية وسلوكية حمى الله مجتمعنا من ضررها.
اقرأ ايضا: