اخبار الساعة

هكذا تفكك العالم العربي.. “نيويورك تايمز” تروي قصة التفكك من بدايتها إلى نهايتها

اخبار الساعة بتاريخ: 13-08-2016 | 8 سنوات مضت القراءات : (12265) قراءة
لم يكن الأمر معدّاً ليخرج بهذا الشكل، كل ما في الأمر أن عشاء عمل جمع بين رئيس تحرير مجلة نيويورك تايمز الأمريكية جيك سيلفرشتاين، التابعة للصحيفة، والكاتب سكوت أندرسون، وتم الاتفاق على عمل عدد خاص لمناسبة مرور 5 أعوام على الربيع العربي، وبدأ بالعمل، وإذا به يكبر شيئاً فشيئاً، حتى وصل إلى أكثر من 40 ألف كلمة، أخذت في قراءة أسباب الواقع المتدهور للعالم العربي اليوم، وكيف تفكك وأصبح بؤرة للفوضى واللاجئين وظهور “داعش”.
 
العدد الجديد من مجلة نيويورك تايمز، الذي وصفه المتابعون بالملحمي، صدر أمس، الجمعة، وأحدث ضجة كبيرة في وسائل الإعلام الأمريكية والغربية؛ لما تضمنه من حقائق كبيرة حيال ما جرى في العالم العربي، والذي ركز على أن غزو العراق عام 2003 كان هو الحدث المفصلي الذي جر وراءه قاطرة الأحداث الجسام التي أدت إلى تفكك العالم العربي بالحالة التي نراها اليوم.
 
يقول رئيس تحرير المجلة الأمريكية إنها المرة الأولى التي تصدر المجلة هذا النوع من التقارير والتحقيقات الاستقصائية، التي وصل عدد كلماتها إلى 40 ألف كلمة، مبيناً في مقدمة العدد الاستثنائي من المجلة أن هذه القراءة تسعى لتقديم قراءة واضحة وقوية عن الأسباب التي أدت بالمنطقة إلى ما هي عليه اليوم.
 
تبدأ القصة من عند طبيب مسالك بولية كردي يعيش في شمال العراق، حيث يحكي قصة المنطقة التي كانت توصف بأنها هادئة مع تنظيم الدولة الذي احتل الموصل عام 2014، وبدأ بمحاولة للهجوم على أربيل مركز إقليم كردستان العراق، وما تبع ذك من معارك واستنفار منذ عامين.
 
بالإضافة إلى كردستان العراق يرصد التحقيق المطول أوضاع كل من خلود الزيدي من العراق، ومجد إبراهيم من سوريا، وليلى سويف من مصر، ومجدي منجوش من ليبيا، بالإضافة إلى وقاص حسن.
 
شخوص حقيقية سعى كاتب التحقيق الاستقصائي من خلالها إلى رصد أوضاع المنطقة، وكيف آلت إلى ما هي عليه الآن، فمن احتلال العراق، وما رافقه من مآسٍ كبرى حلت بالعراقيين، إلى الثورة في مصر وفشلها بعد خلع حسني مبارك في تحقيق أهدافها، إلى ليبيا والأوضاع التي تعيشها، وصولاً إلى سوريا التي تشهد حالة من المأساة منذ 5 أعوام.
 
وإذا كانت قصة الربيع العربي بدأت مع قيام بائع الفاكهة التونسي محمد البوعزيزي بحرق نفسه، فإن لا أحد كان يتوقع أن تكون مآلات الأمور كما هي عليه اليوم.
 
يقول كاتب التحقيق إنه -ككاتب له خبرة بالشرق الأوسط- اعتبر تلك البدايات للثورة في العالم العربي ربيعاً طال انتظاره، وتحديداً منذ العام 1970، مشيراً إلى أنه سافر وهو صبي إلى المنطقة برفقة والده متاثراً بسحر بلاد الشرق الأوسط وحبه للصحراء.
 
كما أن تلك المنطقة شهدت أولى رحلاته الصحفية، وكان ذلك في العالم 1983، حيث “ذهبت إلى بيروت لتغطية الحرب الأهلية آنذاك، وعلى مدى سنوات العمل تلك تنقلت في العمل بالمنطقة من بيروت، إلى الضفة الغربية، إلى دارفور، وصولاً إلى إجراء مقابلات مع عائلات الانتحاريين”.
 
ويتابع الكاتب:” كانت المنطقة تعاني من ركود سياسي كبير؛ فأغلب حكامها يبلغون سنوات طويلة في الحكم، لذا سرني الربيع العربي وهذا الغضب الشعبي العارم الذي تفجر، فلقد كانت القيادات العربية توجه هذا الغضب في السابق إلى من تصفهم بالأعداء؛ وهم الغرب، والصهيونية، والإمبريالية، غير أن هذا الغضب تفجر فجأة وبشكل عفوي كبير تجاه الحكام والأنظمة”.
 
فجأة وبعد أن تخلصت الشعوب من أنظمتها عبر ثورات شعبية، انحدرت تلك الدول نحو الفوضى، كما حصل في ليبيا، واليمن، بينما تحول نضال الشعب السوري ضد بشار الأسد إلى حرب أهلية شرسة، في حين كانت مصر قد شهدت الإطاحة بأول رئيس تم انتخابه ديمقراطياً عبر انقلاب للجيش، في حين نجت تونس حتى الآن من فوضى الإرهاب بعد أكثر من عملية نفذها مسلحون، لتولد بعد ذلك داعش، وتنبعث الحرب من جديد في العراق.
 
يقول كاتب التقرير إن طبيعة العالم العربي، وحجم التبعثر الذي أصابه، يجعل من الصعوبة بمكان الإجابة عن التساؤل، كيف حصل ذلك؟ ولماذا انحرفت حركات الجماهير عن مطالبها؟
 
فمن دول ثرية كما الحال مع ليبيا، إلى دول فقيرة كما هو في اليمن، إلى دول أخرى كانت تتمتع بدكتاتورية يمكن تسميتها حميدة كما في تونس، يقابلها دول يعدّ حكامها الأكثر وحشية كالوضع في سوريا، كل هذه الأسباب تجعل من الصعوبة تحديد الأسباب التي قادت العالم العربي إلى حالة التبعثر الحالية.
 
ويرصد التحقيق أن الدول العربية طالتها بطريقة أو بأخرى رياح الربيع العربي، إلا أن 6 دول تعد هي الأكثر عمقاً وتأثيراً في أحداث المنطقة والعالم؛ وهي مصر، والعراق، وليبيا، وسوريا، وتونس، واليمن، وهي كلها جمهوريات، وربما 3 منها على الأقل لن تعود كما كانت، وهي العراق، وسوريا، وليبيا؛ فلقد أدت وستؤدي الانقسامات القبلية والطائفية، وغياب الشعور الوطني، إلى تفكك وانقسام هذه الدول الثلاث.
 
ويستعرض التحقيق تاريخ تلك الدول منذ انهيار الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى، وتقاسم النفوذ بين بريطانيا وفرنسا آنذاك، وصولاً إلى يومنا الراهن، مستعرضاً الأنظمة السياسية التي مرت على تلك الدول، وتأثير كل واحد منها في منظومة الدولة.
 
للحفاظ على هذه الكيانات التي أنتجتها اتفاقية سايكس بيكو عام 1961 لجأت الدول الغربية إلى سياسة فرّق تسد، وهي ذات السياسة التي انتهجتها في إدارة مستعمراتها في أفريقيا، وظل الغرب يغذّي هذه الانقسامات المجتمعية من حين إلى آخر، حتى جاءت شرارة التونسي محمد البوعزيزي عام 2011 لتكون حافزاً على الثورة على أوضاع وتوترات وتناقضات ظلت طيلة عقود غير ظاهرة على السطح.
 
يعتبر التحقيق غزو العراق حدثاً مفصلياً في المنطقة، فمنذ تلك اللحظة بدأت عملية التفكك السكاني تضرب قوية في المنطقة عموماً.
 
يقول كاتب التحقيق إنه سأل ذات مرة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي عن الأطراف التي ستكون مستفيدة من غزو العراق، فأجابه بسرعة وعلى غير العادة: “بن لادن”، وأضاف: “العراق سيكون منطلقاً لتنظيم القاعدة إذا انهارت حكومة صدام، الفوضى ستحل بالعراق، احتلال العراق سيمهد الطريق لخلق جيل من الجهاديين ضدهم”.
 
التحقيق الاستقصائي أو الملف تم تقسيمه إلى 5 فصول، تناول الفصل الأول منها “أصول الأزمات من 1972-2003″، في حين تناول الفصل الثاني حرب احتلال العراق “2003-2011″، ثم جاء الفصل الثالث مفرداً للربيع العربي “2011-2014”.
 
وخصص الملف فصلاً مفرداً لتنظيم الدولة “2014-2015″، وفي الختام تناول الملف أو التحقيق الاستقصائي الهجرة والنزوح الجماعي “2015-2016”.
 
الملف المطول كان حافلاً بالمئات من الصور التي التقطت من مناطق مختلفة من العالم العربي بعدسة المصور العالمي باولو بيلغرين، الذي شارك بإعداد هذا الملف، إضافة لمصورين آخرين، كما أسهم معهد بوينتر للصحافة بدعم الملف
اقرأ ايضا: