اخبار الساعة

"عطوان "هل يقف حلفاء اردوغان من العرب والامريكان وراء محاولة الانقلاب؟

اخبار الساعة بتاريخ: 26-08-2016 | 8 سنوات مضت القراءات : (18155) قراءة
لم يفاجئنا الخبر الذي نشرته صحيفة “الشرق الاوسط” اليوم (الخميس) الذي اكد فيه السيد اسماعيل حقي تاكين، الجنرال والدبلوماسي التركي السابق، ونائب رئيس حزب “الوطن”، انه قام بخمس زيارات الى دمشق التقى خلالها كبار المسؤولين السوريين وفي مقدمتهم الرئيس بشار الاسد، في اطار جهود يبذلها من اجل التقريب بين البلدين الجارين.
 
الجنرال السابق تاكين معروف جيدا للقيادة واجهزة المخابرات السورية، فهو الذي تفاوض معها اثناء ازمة سابقة بين تركيا وسورية على خلفية هجمات حزب العمال الكردستاني، ونجح في هندسة اتفاق اضنة عام 1998، الذي ادى الى ابعاد عبد الله اوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني الى نيروبي، حيث تم اعتقاله وتسليمه الى انقرة، ويوصف اي الجنرل تاكين، بأنه رجل المهمات السرية الصعبة.
 
المفاوضات السرية بين تركيا وسورية لم تتوقف منذ ايار (مايو) الماضي، وبالتحديد منذ اقالة السيد احمد داوود اوغلو، رئيس الوزراء ورئيس حزب العدالة والتنمية، وتعيين بن علي يلدريم مكانه في المنصبين، حيث قرر الرئيس رجب طيب اردوغان مراجعة سياسياته في الملف السوري، والاعتذار لروسيا، وفتح حوارا مع دمشق عبر البوابة الايرانية.
 
مصدر تركي وثيق اكد لنا حدوث لقاءات سرية مباشرة بين اللواء علي المملوك، المسؤول الامني الاعلى في دمشق، ونظيره التركي هاكان فيدان في طهران والجزائر، وان ضباط مخابرات من الجانبين التقيا في كل من دمشق وانقرة عدة مرات.
 
***
السيد بن علي يلدريم اكد في اليوم الاول لتوليه منصبه انه سيعمل على تقليص الخلافات مع الجيران الى الحدود الدنيا، ووصف الحرب في سورية بالعبثية، بينما اكد رئيسه اردوغان بأن الخلافات مع الجيران (في اشارة الى سورية) باتت خلف ظهرنا.
اخطر ما قاله الجنرال تاكين لصحيفة “الشرق الاوسط” انه يتوقع “ان يستعيد النظام السوري مدينة حلب”، و”ان الجيش العربي السوري سيدخلها بمساعدة روسيا”، واعرب عن اعتقاده ان العلاقات السورية التركية ستعود الى طبيعتها في وقت قريب.
 
الرئيس اردوغان ادرك انه كان ضحية مؤامرة عربية امريكية ورطته في حرب في سورية، ومواجهة مع روسيا، اي اكبر حليفين اقليميين لتركيا، مثلما ادرك ان سقوط النظام في دمشق ليس وشيكا، وان بلاده تواجه خطر التفكك جغرافيا وديمغرافيا، وستواجه تفجيرات ارهابية تهز امنها واستقرارها، وتعصف بنموها الاقتصادي، وقرر، وهو السياسي المحترف، ان يقود انقلابا في سياسات بلاده، ويتصالح مع روسيا وسورية، ويعزز علاقاته مع ايران، وحتى يبرر هذا الانقلاب، كان احمد داوود اوغلو هو كبش الفداء.
 
حلفاء اردوغان السابقون من العرب والامريكان كانوا يعملون حتما بنواياه هذه، واذا لم يكونوا خلف الانقلاب منتصف تموز (يوليو) الماضي، وهناك نظريات تؤكد ذلك، فانهم اصيبوا بالاحباط نتيجة فشله، وهذا ما يفسر حالة “الفتور” التي تسود العلاقات التركية السعودية في الوقت الراهن، ونهاية شهر العسل بين الطرفين الذي لم يدم اكثر من عام فقط.
 
دخول القوات التركية الى مدينة جرابلس الحدودية كان اول تطبيق عملي للتفاهمات السرية التركية السورية، وقد يكون المقابل ليس اغلاق الحدود التركية السورية في وجه المعارضة الاسلامية المتشددة، وقطع كل شرايين امدادها، وانما ايضا دخول الجيش السوري مدينة حلب.
 
وربما يجادل البعض بأن اكثر من 1200 من قوات تابعة للجيش السوري الحر دخلت الى المدينة بصحبة القوات التركية، بعد تدريبها في غازي عنتاب، وهذا صحيح، ولكن هذه القوات تتبع في الاساس لفصائل اسستها تركيا ومولتها، مثل حركة نور الدين زنكي، وفرقة السلطان مراد، وهي تأتمر بأوامر انقرة، وتدين لها بالولاء في كل الاحوال.
 
جون كيري وزير الخارجية الامريكي سيلتقي نظيره الروسي سيرغي لافروف في جنيف غدا الجمعة لبحث تطورات وتبادل المعلومات الاستخبارية، حول الاوضاع في سورية، والتعرف عما اذا كانت الظروف قد نضجت لاستئناف المفاوضات بين المعارضة والسلطات السورية، وهي بالفعل على وشك النضوج.
 
***
المصالح المشتركة السورية التركية الايرانية في اجهاض النزعات الكردية الانفصالية، كانت “كلمة السر” التي جمعت الاطراف الثلاثة بعد خصام وحرب بالانابة، فشل اي من الاطراف في حسمها لصالحه، واستنزفت الجمع، استمرت خمس سنوات، والرعب الروسي الامريكي من خطر الجماعات الاسلامية “الجهادية” المتشددة في سورية والعراق خلق الارضية الملائمة لدعم اي تقارب بينهما، وخاصة بين سوريا وتركيا، وليس من قبيل الصدفة ان يتراجع الاهتمام الاقليمي والدولي بالمعارضة السورية وبسرعة هذه الايام.
 
الرئيس اردوغان طبّع العلاقات بالكامل مع اسرائيل، واسقط شرط رفع الحصار عن قطاع غزة، واضعا مصالح بلاده فوق كل الاعتبارات الاخرى، ولن يكون مستبعدا ان يفعل الشيء نفسه، وللغرض نفسه، مع المعارضة السورية.
 
احدث صيغ الحل السياسي في سورية التي تتبلور حاليا هي حكومة سورية موسعة، تتمثل فيها المعارضة “المعتدلة” ببعض الحقائب غير السيادية، تقسم الولاء امام الرئيس بشار الاسد، معلنه بدء تنفيذ مرحلة انتقالية قد تطول، وربما تتحول الى مرحلة دائمة، وهذا ما يفسر تصريحات الرئيس اردوغان الاخيرة التي اعلن فيها قبوله بالرئيس الاسد في الفترة الانتقالية، والله اعلم.
المصدر : عبد الباري عطوان
اقرأ ايضا: