السعودية تواجه حرباً جديدة..
اخبار الساعة - د.محمد البشر بتاريخ: 11-09-2016 | 8 سنوات مضت
القراءات : (21612) قراءة
قال الدكتور السعودي محمد البشر في مقاله له تحت عنوان" السعودية تواجه حرباً جديداً ونحن لها"... كنت قد كتبت مقالاً صحفيا تحدثت فيه عن الحرب الفكرية التي تستهدف المنطقة عموماً والسعودية على وجه الخصوص، وهي حرب أُعلنت بدايتها بعد سقوط العراق عام 2003م، ووضعت استراتيجيتها وخطوطها العامة العقول المدبرة في بيوت الخبرة ومراكز الدراسات التي تخطط فيها العقول الصهيونية والصليبية في تل أبيب وواشنطن، وفي كل مرحلة يخرج على المسرح من يختلف عن سابقه، لكنه يكمل دوره في تنفيذ مراحل الاستراتيجية طويلة المدى.
وتابع البشر بقوله: المرحلة الأولى كانت محاولة تجفيف المنابع السنية، ومحاصرة تمددها وانتشارها، والتشكيك فيها من خلال ركوب موجة الليبرالية، والدعوة إلى (التنوير) المزعوم، والانتقال من (العهد الظلامي) إلى حيث (نور العقل والحرية!!). كان أدوات هذه المرحلة – ولا يزالون – عدد من المحسوبين على (المشايخ)، وطائفة من الإعلاميين المتحولين، وزمرة من عواجيز الإعلام المنهزمين، ومجموعة من (المثقفين) التائهين.
وبعد أن اتفق الصليبيون مع الرافضة والمجوس في إيران لمحاولة خنق المملكة جيوسياسياً وعسكرياً، وقطعوا مشواراً طويلاً في ذلك، ها هم اليوم ينفذون المرحلة الثانية من (حرب الأفكار).
المرحلة الجديدة التي تسير بالتوازي مع الأولى هي خنق المملكة وعزلها عن العالم الإسلامي، ليس بإسقاطها من قيادة العالم السنّي فقط، بل بتجريدها من وصف (أهل السُّنّة). ولذلك فإن الحرب الجديدة التي تستهدف السعودية هي: توظيف المحسوبين على أهل السنة من الأطراف (العالم الإسلامي) لضرب أهل السنة في قبلتهم (السعودية). يتحقق لهم بذلك أمران:
عزل المملكة عن المسلمين السنة، وإسقاط مرجعيتها الدينية والعلمية في العالم الإسلامي،
ثم محاصرتها بتهم ينسبونها إلى أهل السنة في السعودية (ومن ذلك أن الوهابية نسخة متشددة من الإسلام السني لا توجد إلا في السعودية، ومنها خرجت داعش والقاعدة والمتطرفون).
ولأجل هذه الغاية، تدفق الدعم السياسي والمالي لانعاش حركة التصوف ونشرها والتمكين لها، لمحاصرة الإسلام السني، وليبقى المسلمون في طول العالم الإسلامي وعرضه غارقين في (الدروشة)، بعيدين عن أطماع المحتل ومقاومته. وما مؤتمر الشيشان الذي عقد مؤخراً إلا واحداً من سيناريوهات المرحلة الجديدة. وهنا نطرح سؤالاً واحداً فقط عن هذا المؤتمر: من تحمل نفقات المؤتمر المالية لاستضافة أكثر من 200 شخصية من دول متعددة في دولة فقيرة مثل الشيشان؟ الجواب أن هناك قوى تعمل وتخطط في هذه المرحلة، وهي التي مولت ودعمت، ليس حباً في من حضر، ولكن كرهاً في من لم يحضر (وهم علماء السعودية ومن يمثل أهل السنة فيها).
نحن اليوم نقاتل في جبهتين:
جبهة عسكرية، تحالف فيها مجوس وصليبيون وعملاء لهم بالوكالة، وهي جبهة يتصدى لها أبطالنا، وندعو لهم بالليل والنهار، سراً وعلانية. وهذه حرب (تستهدف المكان).
وجبهة فكرية (دينية وإعلامية)، رُسمت خطوطها العامة في بيوت الخبرة ومراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية، تنفذها جماعات محسوبة على أهل السنة، وإعلاميون (من العرب أو من بني جلدتنا!!)، وهذه حرب تستهدف (الإنسان).
الذي يبعث على التفاؤل أننا ولله الحمد قادرون على المواجهة، ومؤهلون للنصر فيها، وهي أهلية تنبع من قدسية المكان، وإخلاص الإنسان. فليس في الأرض كلها أطهر وأشرف من المقدسات التي تحتضنها بلادنا. وتبعاً لهذه القدسية، فلن يكون في هذه الأرض أكثر ولاء للوطن الذي يحتضن تلك المقدسات من إنسان هذه البلاد، فهو الذي سيدافع عنها قربة لله، وجهاداً في سبيله.
هذه الأهلية لها شروطها. وإن من أهم شروط القدرة على مواجهة الحرب الجديدة على أهل السنة في السعودية (ديناً ووطناً وشعباً) أن تقوم المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بواجبها في هذه المواجهة. فليس يُعقل أن يكون المواطن أغير على الوطن من بعض مؤسسات الوطن المسؤولة، كما أنه ليس من المنطق أن تتقدم هذه المؤسسات وتملأ الدنيا بصوتها ونشاطها وبرامجها في وقت الرخاء، ثم تتقاعس وتتراجع وقت الحرب والمواجهة. وأعني المؤسسات التالية:
وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد. ولئن كانت المملكة تمثل قبلة المسلمين ومشاعرهم المقدسة، فهذه الوزارة هي واجهة البلاد في الشؤون الإسلامية، والتي يُفترض أن تمثل هذا المعنى خير تمثيل، والمطلوب منها اليوم – أكثر من أي وقت مضى – أن تتصدر المشهد الديني في العالم الإسلامي، وتدافع عن أهل السنة فيه، ولا يزال الكثير ينتظر منها أن تكون ملء السمع والبصر، فتعقد الندوات والمؤتمرات في الخارج، وتستضيف مؤتمراتها الخارجية علماء هذه البلاد خاصة وعلماء المسلمين عامة؛ لمواجهة موجة التصوف التي يراد لها أن تُقزّم المملكة، وتستبعد أهل السنة، ويكون الصوت الأعلى لأهل الدروشة والبدع ومرتزقة الدين والسياسة. وقد آن لهذه الوزارة أن تفيق من غيبوبتها، وتستشعر مسؤوليتها قبل فوات الأوان. وبلادنا ولله الحمد فيها من (القوة الناعمة) ما لو تحركت لاكتسحت موجات البدع والخرافات، وروت غليل المسلمين المتعطشين إلى العقيدة الصحيحة. علماؤنا ما زالوا مصدر ثقة وارتياح ومصداقية عند الشعوب الإسلامية، وأئمة الحرمين الشريفين لهم القبول والإجلال، ودعاة المملكة لهم من الشعبية في العالم الإسلامي ما ليس لغيرهم في المجتمعات الإسلامية. هؤلاء جميعاً يحتاجون إلى من يرسم لهم استراتيجية التحرك والتأثير، ولا أقدر على ذلك من وزارة الشؤون الإسلامية إن هي أرادت.
وزارة الخارجية، وقد قام وزيرها بجهود مشكورة في مواجهة القضايا السياسية وقضايا الإرهاب، لكن الوزير لن يستطيع أن يقوم بكل شيء. والواجب على سفارات المملكة في الخارج أن تكون كخلايا النحل التي لا تهدأ، وأن تفتح أبوابها للملتقيات الدبلوماسية والفكرية والثقافية، وتوسع من برامجها ومناشطها؛ لتكون بالفعل سفارات لوطن يحتضن مقدسات المسلمين ويقود العالم الإسلامي.
رابطة العالم الإسلامي. وهي المظلة الدولية لرابطة تجمع المسلمين، وقد تأسست للدفاع عن قضاياهم، والمملكة لها الفضل بعد الله في تأسيسها واحتضان مقرها وتمويلها. وقد كانت في زمن مضى تقوم بدورها بحسب إمكاناتها المالية المتواضعة. لكن ظروف المرحلة الراهنة تتطلب مزيد عناية بها، وضخ الأموال في ميزانيتها، ثم انطلاقها من رؤى واستراتيجيات مدروسة يتم تنفيذها من أهل الكفاية، لتكون قادرة على مواجهة هذه المرحلة الجديدة من الحرب على الإسلام، ممثلاً في أهل السنة. وكلنا أمل أن تكون القيادة الجديدة لرابطة العالم الإسلامي قادرة على النهوض بمسؤولياتها وتحقيق أهدافها إذا أعطيت الكثير من المال ومنحت المزيد من الصلاحيات.
الإعلام، ولن أقول وزارة الإعلام!! لأن هناك إعلاماً خاصاً محسوباً علينا، ونحن قادرون على ترشيده وتوظيفه لخدمتنا. كثير من هذا الإعلام لا يزال عبئاً علينا أكثر منه عوناً لنا، وهو أيضاً يحتاج إلى عاصفة حزم عاجلة وناجزة، تطهره من لوثة العمالة والتبعية، ليكون إعلاماً صادقاً يمثل المملكة العربية السعودية، منهجاً ووطناً وشعباً، وليس من المصلحة القريبة ولا البعيدة أن تتأخر هذه العاصفة التي تعيد الأمور إلى نصابها.
مواجهة الحرب الجديدة مسؤولية تضامنية مشتركة، ولئن كان المواطن وبعض مؤسسات الدولة عليهم كفل من هذه المسؤولية، إلا أن واجب الجهات الأربع التي سبق ذكرها أكبر من غيرهم، وعليها أن تنفك من عقالها، وتتحرر من قيودها؛ لتشارك العسكريين الأبطال على حدودنا في الجنوب والشمال في الحرب الشاملة التي فرضت علينا ولم يكن لنا فيها بد من المواجهة.
هذه المواجهة لا بد أن تنطلق من المنهج الذي قامت عليه بلادنا. فالعسكريون يقاتلون عن عقيدة تحمي مقدسات المسلمين في وطنهم، والعلماء ينشطون دفاعاً عن الدين الذي تأسست عليه البلاد، والشعب مستعد للتضحية دفاعاً عن الدين والوطن، والكل يستحضر قول الله تبارك وتعالى: (الذين قال لهم الناسُ إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم).
اقرأ ايضا: