البي بي سي : اليمن بين فشل الهدنة وشيطنة كيري
عاد الجمود مرة أخرى ليخيم على مساعي السلام في اليمن عقب فشل هدنة لمدة 48 ساعة أعلنتها قيادة التحالف الذي تقوده السعودية بناء على طلب من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي كما قالت وذلك على خلفية ضغط مارسه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لتفعيل اتفاق سابق لوقف إطلاق النار تمهيداً لعودة أطراف الصراع إلى طاولة المشاورات.
لكن اللافت أن الرئاسة اليمنية أنحت باللائمة على الوزير الأمريكي ليس فقط بسبب انهيار تلك الهدنة بل وعلى تفاهماته التي توصل إليها في مسقط مع وفد من جماعة الحوثيين برعاية عمانية وبموافقة سعودية إماراتية كما قال كيري، حيث اعتبرت لقاءه بالحوثيين خروجاً عن الأعراف الديبلوماسية للولايات المتحدة ونوعاً من الإعتراف بجماعة الحوثيين "الإنقلابية" إلاّ أن الناطق بإسم جماعة الحوثيين محمد عبد السلام قال لبي بي سي إن "اللقاء مع كيري كان بوصفه ممثلاً لدول الرباعية لا بكونه وزيراً للخارجية الأمريكي" ما يعني أن ذلك اللقاء لا يشكل تغيراً استراتيجياً في موقف الجانبين إزاء بعضهما.
لكن مسؤولاً كبيراً في حزب المؤتمر الشعبي العام على إطلاع بتحركات الوزير الأمريكي طلب عدم الكشف عن هويته قال لبي بي سي إن كيري "ربما تسرع بالإعلان عن تفاهماته مع الحوثيين في مسقط قبل أن يذهب بنفسه إلى الرياض ليضمن موافقة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز نفسه على تلك التفاهمات حتى يقطع بذلك الطريق على أي انقسام داخل البيت السعودي حول كيفية إنهاء الصراع اليمني برمته".
وأضاف أنه "كان ينبغي على كيري التنسيق التام مع المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد لتأمين آلية وطريقة وصول أعضاء لجنة التهدئة والتنسيق المشتركة إلى مدينة ظهران الجنوب الحدودية السعودية لضمان الرقابة على الهدنة ورصد مصادر الإنتهاكات لها والأطراف المسؤولة عنها".
غير أن إنتقادات الحكومة اليمنية وحلفائها للوزير الأمريكي بلغت ذروتها عقب فشل الهدنة التي اعلنها التحالف الذي تقوده الرياض بناء على طلب من الرئيس هادي كما ذكرت ، واعتبر مسؤولون يمنيون أن انهيار الهدنة يعني نهاية لـ" خطة كيري" بشأن الصراع اليمني بل ووصل الأمر حد اتهام كيري بأنه يحاول "تثبيت اقدام إيران في اليمن".
في واقع الأمر فإنه لا يوجد ما يمكن اعتباره (خطة متكاملة) للوزير كيري لإيجاد حل للصراع العسكري في اليمن فهو نفسه لم يقل ذلك أو يدعيه في أي وقت بل إن كل ما بادر للحديث عنه لا يعدو مجرد (أفكار وتصورات مقترحة) فقط للدفع بتنفيذ مبادراتِ وخارطةِ طريق وخطةٍ أممية سبق للأمم المتحدة أن أعلنت عنها لتسوية النزاع ، حيث جرى بحث تلك الأفكار المقترحة مطولاً في مسقط بين ممثلين عن الوزير كيري وممثلي جماعة الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي ، كما جرى تداول تلك الأفكار نفسها خلال جولة المشاورات اليمنية الأخيرة في الكويت.
الخطة الوحيدة الأهم التي بدا الوزير كيري متحمساً لها في الآونة الأخيرة هي تلك التي تؤكد مصادر دبلوماسية يمنية أن وزراء خارجية الرباعية (الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات) "هم من تولى صياغتها في آخر اجتماع لهم في لندن الشهر الماضي مع المبعوث الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد ليتبناها الأخير في ما بعد كخارطة طريق للحل السياسي".
ووفق ما قاله وكيل وزارة الخارجية اليمني السابق السفير مصطفى النعمان لبي بي سي فإن هذه الخطة هي نفسها "افكار قابلة للتعديل ، كل بند فيها تمت صياغة أحرفه بمعرفة الرياض والإمارات ، والدليل هو مباركة أنور قرقاش مساعد وزير الخارجية الإماراتي لها فور صدورها".
ومع أن تلك الخطة كانت كذلك وجاءت من قبل اللاعبين الإقليميين والدوليين الداعمين للرئيس اليمني المعترف به دولياً عبد ربه منصور هادي إلاّ أن الأخير رفض هذه الخطة وإمتنع عن استلام مسودتها وعن لقاء ولد الشيخ الذي ذهب لمناقشتها معه في الرياض بل وَقّاد حملة تنديد واسعة بالخطة رسمية وشعبية ، وبلغ الإنتقاد لها حد قول مستشار هادي لشؤون الثقافة والإعلام نصر طه مصطفي في مقال له بصحيفة الحياة السعودية إن " من يمعن التأمل في خريطة طريق كيري اليمنية يدرك ببساطة نقاط ضعفها وهشاشتها سواء في بنودها السياسية أو بنودها الأمنية والعسكرية، ويدرك بسهولة أن غرضها الأساسي ليس وضع أسس حقيقية ومتينة لحل شامل سياسياً وعسكرياً وأمنياً، بل تهدف فقط الى نزع سقف الشرعية عن البلد بأكمله باستبعاد الرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه الفريق علي محسن صالح وبالتالي وضع كل الأطراف المعنية على قاعدة الانفلات والفوضى واللادولة".