هل سيكون هذا هو الحلم الذي تحققه القمة الخليجية في المنامة؟؟
اخبار الساعة - تقرير بتاريخ: 06-12-2016 | 8 سنوات مضت
القراءات : (10060) قراءة
لا شك أن كثيرين يتمنون أن يتحول الحلم الذي راود دول مجلس التعاون الخليجي، بتكوين عملة خليجية موحدة، منذ تأسيس المجلس عام 1998، إلى حقيقة فعلية الآن، وتحديداً في القمة الخليجية السابعة والثلاثين بالبحرين، التي بدأت فعالياتها اليوم، وما يعطي الأمل ويبشر بالخير التقارب الجلي بين الدول والزيارات المتكررة التي كان آخرها زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لدول الإمارات، وقطر، وأخيراً البحرين؛ لذلك استبشر بعض الخبراء خيراً بهذه القمة، بأن تكون هي الانطلاقة الحقيقية لـ “الدينار‘‘، أو ‘‘الريال” الخليجي، بفضل التوافقات العديدة بين دول مجلس التعاون على مستوى السياسات النقدية والتشريعات.
ما كان يدعو للتساؤل من قبل هو، هل يمكن لبعض الخلافات الثانوية التي تمثل أكثرها في اسم العملة أو مكان تواجد مقر البنك الخليجي الموحد، أن تعطل هذا المشروع القوي؟ لكن على الرغم من ذلك يرى متخصصون: أنه يمكن التغلب على ذلك، فما يخص الأسماء المقترحة من خليجي، وكرم، والدينار الخليجي، يمكن اختيار الأخير لأربعة أسباب على الأقل أولها: أن كلمة الدينار، وردت في القرآن الكريم ‘‘سورة آل عمران‘‘، وثانيها: أن الدينار هو الاسم الذي أطلقه الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، على أول عملة عربية إسلامية، وثالثها: أن عملات سبع دول عربية تحمل هذا الاسم، ورابعها: أن الوحدة الحسابية المستخدمة في صندوق النقد العربي، هي الدينار العربي، كما أن الوحدة الحسابية للبنك الإسلامي للتنمية هي الدينار الإسلامي.
وفيما يخص مقر البنك، يجب أن تتنازل الأطراف المتمسكة بإقامة مقر البنك لديها عن هذا البند لتحقيق المصلحة الأعلى؛ لأنه من غير المنطقي التضحية بعضوية دولة في الاتحاد النقدي من أجل أن يكون مقر البنك في دولة أخرى، ومن غير المقبول أن تنسحب دولة من هذا الاتحاد لمجرد أن يكون البنك في مقر آخر.
هذه العقبات السهلة في مضمونها، لم تَحُل دون تصريح العديد من الخبراء، عن تفاؤلهم بالنتائج التي ستخرج بها قمة قادة دول الخليج في المنامة، متفائلين بإمكانية أن تحوّل قمة البحرين، مشروع العملة الخليجية الموحدة من حلم إلى حقيقة.
هذا ما أكده رجل الأعمال البحريني محمد عثمان طاهر، الذي أكد أن قمة البحرين من شأنها أن تكون أرضاً خصبة لمشروع العملة الخليجية الموحدة، وتوحيد السوق الخليجية المشتركة، وتمكين البضائع والسلع بكافة أنواعها من التنقل بسهولة وأكثر انسيابية من أي وقت مضى، بما يخدم تحسين معيشة المواطنين الخليجيين والارتقاء بمستوى رفاهية شعوب المنطقة.
كما أكد المدير العام لجهاز إذاعة وتلفزيون الخليج وأمين عام مهرجان الخليجي للإذاعة والتلفزيون الدكتور عبدالله أبوراس، أن الهم الخليجي الجانب الاقتصادي موجود منذ إنشاء مجلس التعاون، قائلاً: ‘‘نحن في هذه المرحلة أحوج ما نكون إلى توحد خليجي يدعم مسيرة العمل المشترك، أو الاتحاد المرتقب، وستسهم القمة بالارتقاء بالجانب الاقتصادي من خلال تعزيز السوق المشتركة، والاتحاد الجمركي، والربط الكهربائي والمائي واللوجستي، مع التأكيد على وحدة النقد”.
وقال المحلل الاقتصادي فضل البوعينين: ‘‘إن دول الخليج يجب عليها أن تفكر في الاتحاد الحقيقي بين دولها قبل الاتحاد النقدي؛ لأن الاتحاد الحقيقي سيساعد في الاندماج بين الاقتصادات الخليجية‘‘ متسائلاً، هل نستطيع الوصول إلى اتفاق على الاتحاد النقدي الخليجي؟ لأنه ليس هو الهدف الأكبر لدول الخليج في حد ذاته، ولكن يعتبر الاتحاد بين الدول نفسها هو الهدف الذي سيساعد في حفظ أمن هذه الدول واستقرارها؛ وبالتالي متانة اقتصادها والتخطيط المستقبلي للاتحاد النقدي.
تاريخ الفكرة
ظهرت فكرة العملة الخليجية الموحدة، في البداية مع تأسيس مجلس التعاون الخليجي، عام 1981 باعتبارها من بين الأهداف المستقبلية الأساسية للمجموعة، وبناءً على فكرة تشكيل كتلة اقتصادية قوية، أقرت الدول الست الأعضاء وقتها عام 1981، اتفاقية لتحقيق التكامل بين سياساتها المالية والنقدية والمصرفية، وكذلك تعزيز التعاون بين الوكالات النقدية والمصارف المركزية، بما في ذلك السعي لتوحيد العملة، وبخلاف تأسيس منطقة للتجارة الحرة في عام 1983، كان التقدم الذي أحرزه المجلس في هذا الصدد متواضعاً، وبمرور الوقت، لم تعد أهداف الماضي على ما يبدو قابلة للتحقق في المستقبل القريب.
لم تمضِ 20 عاماً على طرح الفكرة في المجلس للمرة الأولى حتى طُرحت من جديد وبصورة أكثر جدية للنقاش بين دول المجلس، ولعل نجاح المرحلة الثالثة للاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي، والتي من خلالها تبنت 11 دولة أوروبية اليورو كعملة موحدة لها في عام 1999، كان بمثابة الحافز للدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على إحياء الفكرة من جديد.
وفي يناير 2001، اتفق الأعضاء على سن تشريع يقضي بتوحيد سياساتهم النقدية كخطوة أساسية نحو توحيد العملة، وتم إعداد جدول زمني لتحقيق الانسجام بين السياسات النقدية والمصرفية الخليجية، والذي بموجبه تم الاتفاق على وضع تشريع للاتحاد النقدي بحلول عام 2005، متبوعاً بتحقيق الاتحاد النقدي وتوحيد العملة في عام 2010، وهذا بدوره تطلب اتفاقاً على ربط عملات دول الخليج بالدولار الأمريكي إلى أن يتم تفعيل العملة الجديدة.
وبصورة تدريجية، اكتسبت خطة توحيد العملة، زخماً جديداً نتيجة لتأسيس دول مجلس التعاون اتحاداً جمركياً، إضافة إلى تعريفة خارجية في عام 2003، وفي هذه المرحلة، كانت جميع الدول الأعضاء قد ربطت عملتها بصورة جماعية بالدولار الأمريكي.
وقررت الدول الأعضاء وقتها: أن العملة الخليجية الموحدة سوف يتم ربطها بالدولار الأمريكي، بمجرد أن ترى النور، وبناء عليه، تم التوصل إلى اتفاق لربط عملات دول مجلس التعاون بالدولار الأمريكي على أمل تحقيق اتحاد نقدي قبل إطلاق العملة الجديدة، وقد شهد النصف الأول من العقد الماضي ربط ست دول لعملاتها بالدولار الأمريكي بناءً على استقرار قيمته المرتفعة في ذلك الوقت.
لكن مع اندلاع الأزمة الاقتصادية، تراجعت قيمة الدولار الأمريكي وفقد جاذبيته؛ مما أثار جدلاً حول الارتباط بالدولار الأمريكي، وبناء عليه، بدأت دول الخليج في بحث خيار ربط عملتها بسلة منتقاة من العملات، بما فيها اليورو أو نظام الصرف العائم.
كما أنه من بين الخلافات، التي حدثت بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، أن الكويت قامت في عام 2007، بوقف ربط عملتها بالدولار الأمريكي؛ مما أصاب الاتحاد النقدي الخليجي بصفعة قوية، وتلا هذا اتفاق بين المصرفيين المركزيين العرب على وضع سياسات مستقلة في التعامل مع التضخم المتزايد، وبالمثل، اتخذت سلطنة عمان في عام 2008 قراراً بالانسحاب من الاتحاد النقدي؛ بناءً على عجزها عن الوفاء بالشروط المسبقة للاتحاد النقدي في عام 2010.
وفي عام 2013 قال محافظ بنك الكويت المركزي محمد الهاشل: ‘‘إن موضوع العملة الموحدة ما زال مفتوحاً، وأن الجهات الحكومية تعمل على قدم وساق؛ من أجل أن يتم بناء هذا البنيان “على أسس سليمة”، مضيفاً أن الأمر يحتاج إلى “دراسة شاملة” في ضوء تجارب الآخرين لا سيما الاتحاد الأوروبي، ومنطقة اليورو للاستفادة مما مروا به من تجارب.
ربما في 2014 لم يحدث ذلك التقارب بين القائمين على المشروع أيضاً؛ بسبب عدم ربط العملة الموحدة بسلة عملات بدلاً من الدولار حتى تقل نسبة المخاطرة، ليتم السماح بتداول العملات الخليجية في أسواق جميع الدول قبل إطلاق العملة الموحدة، وهذا ما اقترحه وقتها، عضو لجنة الأوراق المالية في الغرفة التجارية الصناعية بجدة سراج الحارثي، الذي طالب دول الخليج بربط عملتها الموحدة بسلة عملات أخرى غير الدولار، حتى تقل نسبة مخاطرة المشروع ويضمن نجاحه، إضافة إلى إطلاق العملة على مراحل وخطوات مدروسة، وطالب بوجود الإمارات في مشروع الوحدة النقدية أمر جيد، لقوتها المالية، وانفتاحها على المصارف العالمية، وأنظمتها النقدية المتطورة.
أما الآن ونحن في 2016، فالآمال معقودة على تجاوز الصعاب والعقبات، والخروج من القمة البحرينية، بقرار يمكن أن يكون هو الأهم، يجعل من دول الخليج اتحاداً قوياً ربما يضاهي أو يفوق في قوته ووحدته الاتحاد الأوروبي.
لماذا العملة الموحدة؟
أكد الخبراء، أن العملة الموحدة تقود إلى ادخار عمولة الصرف التي يدفعها الأشخاص حالياً، لقاء تحويل عملة محلية إلى عملة محلية أخرى بسبب انتقالهم من بلد إلى آخر في منطقة الخليج، وهذا المكسب مهم لأن 48% من الخليجيين المسافرين إلى خارج بلدانهم يذهبون إلى دول خليجية، وسوف ترتفع هذه النسبة في المستقبل لعدة أسباب من بينها القطار الخليجي الذي سيدشن في عام 2018.
كما أنها ستحقق، شفافية عالية في الأسعار وبالتالي ترتفع المنافسة لصالح المستهلكين. في الوقت الحاضر تتطلب مقارنة أسعار سلعة معينة تباع في بلدان خليجية إجراء عدة عمليات حسابية لتعادل العملات. أما بعد ظهور العملة الموحدة فلن يحتاج الشخص إلى مثل هذه الحسابات؛ أي سوف تسهم العملة الموحدة في زيادة المبادلات الخليجية البينية خاصة بعد انتشار الإنترنت وتسهيلات الدفع بالبطاقة المصرفية، وتقدم الخدمات البريدية ومنح الإعفاء الجمركي.
وعلى هذا يعلق خالد أبو إسماعيل – رئيس اتحاد الغرف التجارية المصرية – قائلاً: «إن توحيد العملة الخليجية سوف ينهي مشاكل سعر الصرف بين العملات المتداولة، وسوف يسهم في دفع حركة الاستثمارات المشتركة والمبادلات التجارية».
في النهاية.. الطريق إلى العملة الخليجية الموحدة، ربما كان مفروشاً بنوايا قوية، لكن مع الأزمات الاقتصادية التي مر بها العالم، فضلاً عن بعض الاعتراضات بين دول المجلس نفسه على بعض الشروط والقواعد؛ أدى الأمر إلى إرجاء الأمنية السعيدة، لكن الجميع يأمل مع هذه القمة المقامة بالمنامة، أن تتخذ دول المجلس القرارات الهامة والفاعلة، فيما يتعلق بالتنسيق فيما بينها، وإذا لم يحدث هذا، فإن قصة العملة الخليجية الموحدة سوف تبقى بلا نهاية حلماً يراود الأذهان.
اقرأ ايضا: