مرثية عاجلة في وداع الرئيس المقدوني كيرو غليغوروف
اخبار الساعة - عباس عواد موسى بتاريخ: 03-01-2012 | 13 سنوات مضت
القراءات : (3011) قراءة
على مسافة لا تزيد عن الأمتار العشرة التي هي عرض الشارع فقط عن الساعة الجدارية المتوقفة عند لحظة وقوع الزلزال المدمر الذي هز مدينة سكوبية عام 1963, وتحديدا فندق بريستول , وقع أعنف إنفجار مستهدفا أول رئيس لمقدونيا بعد الإستقلال (كيرو غليغوروف) قبل ست عشرة سنة وبعد انتهاء مدة رئاسته الأولى ومدتها أربع سنوات. وقع الإنفجار كان قويا وعنيفا وأدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى .لكن الرئيس المستهدف فقد ذراعا وتضررت ساقاه وغاب عن الوعي لمدة طويلة بيد أنه نجا من محاولة الإغتيال. واستطاع الوقوف أمام المحكمة بعد عامين على تلك المحاولة ليقول (إما أن موالو الصرب أو موالو البلغار هم الذين خططوا ونفذوا الحادثة اللئيمة).
سألت أستاذي القديم كما أناديه(بلاغويا خانجيسكي) الذي كان حينئذ وزيرا للدفاع فأجابني إن الرئيس غليغوروف ورئيس البوسنة والهرسك علي عزت بيغوفيتش دعيا إلى شكل جديد للفيدرالية اليوغوسلافية مبني على ائتلاف لدول ذوات سيادة, وهو ما قض مضاجع الأصراب الذين رفضوا المبدأ من جذوره, فما كان كل منهما إلا أن قاد بلاده نحو الإستقلال , ولأن الموالون للصرب كانوا الأقوى في بنية الدولة المقدونية فقد أمرت بتطهير الدولة منهم في أسرع وقت ممكن, ولم تتمكن أجهزتنا التي أسسناها بعد الإستقلال ولما تمض على تأسيسها أربع سنوات هي مدة الإستقلال من القبض على الجناة. ولدى سؤالي إياه عن الإمتداد البلغاري في الداخل المقدوني أجابني بأنه خطر وأقر بعمقه لكنه طمأنني بأنه سيحارب التجاذبات الإقليمية حتى النهاية للحفاظ على ما تبقى من الأرض المقدونية. خانجيسكي الذي شغل حقيبة الخارجية بعد الدفاع ومنصب سفير مقدونيا في أثينا يشغل حاليا منصب السفير المقدوني في صوفيا . ولليونان وبلغاريا سياسات عدائية مع مقدونيا وجاليتها في كل منهما مما يتطلب تعيين شخص مناسب لهذا الموقع الأهم من موقع وزير الخارجية.وبعد انتهاء مدة رئاسته الثانية عام 1999 واعتزاله السياسة بسبب ظروفه الصحية أخذت الإنشقاقات تضرب حزبه الناشيء أصلا عن عصبة الشيوعيين باسم الحزب الإشتراكي الديموقراطي فليم يسجل إلا نجاحه في عهد الرئيس الأسبق أيضا برانكو تسرفينكوفسكي ورئيس وزرائه فلادو بوتشكوفسكي ليبدأ تحالف تسرفينكوفسكي مع رادميلا تشيكيرينسكا لتتم الإطاحة ب بوتشكوفسكي وليبدأ الحزب عصر الهزائم , وليعلن تسرفينكوفسكي اعتزاله صيف العام المنصرم إثر خسارة حزبه في الإنتخابات للمرة الثانية على التوالي. ومن الطبيعي أن وفاة الرئيس كليغوروف فجر أمس الإثنين ستترك بصمات على الحزب الآخذ في التشتت والإنقسام , بل وعلى مقدونيا كبلد يعاني من التصفيات الجسدية ومسيرة الإغتيالات الغامضة كواقعة اغتيال الرئيس ترايكوفسكي بانفجار الطائرة التي كانت تقله للبوسنة , في بلد تتقاطع فيه الشبكات الأمنية كثيرا وتتفاوت في قوة كل منها ومصالح الطرف الذي تخدمه.
رحل كيرو غليغوروف أحد أبرز سياسيي يوغوسلافيا المتحللة ورئيس برلمانها الفيدرالي لدورتين متتاليتين , مسجلا قبل تشييعه ضعف بلاده الأمني ,وما آلت إليه أوضاعها بعد استقلالها ومنها إسمها الذي يسبب لها مشاكل تعيقها من الإنضمام للناتو والإتحاد الأوروبي بسبب الفيتو اليوناني. ينحدر الراحل عن الرابعة والتسعين من العمر من مدينة شتيب التي طالما فخرت بابنها وها هي الأعلام السوداء ترفرف فوق كل أسطح منازلها, معلنة حزنها على رحيل من كان رمزا للفيدرالية اليوغوسلافية ورمزا لاحقا لاستقلال بلاده مقدونيا ورمزا للتضحيات دون عمالة للأجنبي كحال المحاور الحالية في مقدونيا خصوصا ودول البلقان عموما. كان يبتسم كلما يلتقيني ويقول: سنحتفي باستقلال فلسطين.
اقرأ ايضا: