النعمان يكتب عن «علي عبدالله صالح» ويلخص الحرب الجنوبية الشمالية في اليمن صيف 1994 (للحديث بقية)
اخبار الساعة بتاريخ: 22-04-2019 | 6 سنوات مضت
القراءات : (5242) قراءة
نشرت صحيفة إندبندنت اللندنية مقال للدكتور مصطفى أحمد النعمان يلخص الحرب الجنوبية الشمالية في اليمن صيف 1994
وقال النعمان ان صالح استعان بكل المكونات التي تستطيع أن تعينه على تحقيق "الانتصار" فكانت الجماعات الجهادية في مقدمة الصفوف وكذلك رجال القبائل الشمالية
في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 1993 أدى صالح وعبدالعزيز عبدالغني وسالم صالح وعبدالمجيد الزنداني اليمين الدستورية أعضاءً في مجلس الرئاسة أمام مجلس النواب، وتغيب البيض الذي تمسك بموقفه ورفض العودة إلى صنعاء، وتم انتخاب علي عبدالله صالح رئيساً للمجلس وعلي البيض نائباً له، لكن الأخير صرح بأنه (لن يؤدي يميناً تضاف إلى يمينه السابقة).
بقـي الوضع متوتراً طيلة أشهر "الاعتكاف" الذي قرره البيض، وتوالت المساعي المحلية لحل الأزمة، وتراكمت مجموعات من المقترحات لمعالجة أسبابها، ونجحت في النهاية بتشكيل لجنة وطنية وضعت مقترحات للخروج من الأزمة الخانقة، وانتهى الأمر في 18 يناير (كانون الأول) 1994 بالتوقيع على مشروع "وثيقة العهد والاتفاق" (وقّع عليها حيدر العطاس عن الحزب وعبدالكريم الإرياني عن المـؤتمر وعبدالوهاب الآنسي عن الإصلاح) وشملت أهم بنودها أسس الدولة ومعايير تقسيم البلاد إلى أقاليم (4 – 7 مخاليف دون تعيين لحدودها)، وتمنى الناس أنها قدمت الحلول لإبعاد شبح الحرب عن البلاد ومعالجة الاختلالات التي شابت اتفاق الوحدة.
حضر صالح والبيض وكل القيادات الحزبية والسياسية والاجتماعية إلى العاصمة الأردنية عمان للتوقيع عليها في 20 فبراير (شباط) 1994، وألقيا كلمتين لم تخلوا من التلميحات إلى الأحداث السابقة، وكان واضحاً من التعامل الشخصي بين الرجلين أن الأزمة لن تضع أوزارها، بل ستنزلق إلى منحدر خطير سيصعب كبح جماحه، وأن الثقة بينهما وصلت إلى الحضيض، وعاد كل بعدها إلى "عاصمته"، وأحدثت الأزمة بين صنعاء وعدن استقطابا داخل دول مجلس التعاون الخليجي، وكان من الواضح أن الرياض والكويت (وعن بعد سلطنة عمان) تبدي تعاطفا مع موقف علي سالم البيض، وظلت الإمارات تسعى لرأب الصدع، بينما وقفت دولة قطر منفردة مساندة لعلي عبدالله صالح، وظهر الأمر كما لو كان ردّاً على موقف الأخير إبان غزو الكويت في أغسطس (آب) 1990.
كنتُ في جدة حين بلغتني أنباء اندلاع اشتباكات مسلحة في مناطق متعددة، فاتصلت على الفور بصديقي الراحل عبدالحبيب سالم في تعز (كان عضواً في مجلس النواب لكنه قدم استقالته احتجاجاً علـى طريقة إدارة المجلس وكان أشهر كاتب رأي في تلك الفترة)، لأعرف منه حقيقة ما يدور، فرد أنه تواصل مع البيض في عدن الذي أبلغه (أنهم يدفعوننا نحو الحرب). نصحت عبدالحبيب بمغادرة منزله فوراً والانتقال إلى قريته وهو ما فعله.
استعان صالح بكل المكونات التي تستطيع أن تعينه على تحقيق "الانتصار" فكانت الجماعات الجهادية، التي كانت تنظر إليها حربا مقدسة ضد نظام "ملحد"، في مقدمة الصفوف، وكذلك رجال القبائل الشمالية الذين تعاملوا معها كوظيفة تاريخية يمارسونها بالإضافة إلى الضخ الديني الذي كان حزب الإصلاح يغذيه فيهم، والأهم من ذلك أنها حرب سيجني منها شيوخهم مكاسب مادية، كما أسهم العسكريون الجنوبيون الموجودون في الشمال قبل الوحدة ورأوا فيها فرصة للثأر والانتقام من "الرفاق" القدامى الذين أخرجوهم إلى "الشمال" بعد أحداث 13 يناير 1986، فاُستعين بالرئيس الحالي عبدربه منصور وزيرا للدفاع وهو الذي يعلم بتفاصيل المواقع العسكرية "الجنوبية" ويعرف أسلوب تحركات الجيش "الجنوبي"، وكان نائب الرئيس الحالي علي محسن الأحمر هو الذي يهتم به وبرفاقه العسكريين منذ نزوحهم إلى الشمال في 1986، وهكذا اتضح أن الاستعداد والتفاهمات لخوض معركة (الوحدة أو الموت) كانت معدة من فترة ليست بالقصيرة، ولا يمكن أن تكون عملية طارئة ومفاجئة.
أعلن صالح انتصاره وانتهاء الحرب في 7 يوليو (تموز) 1994 (7/7/1994) بدخول عدن وخروج القيادات الجنوبية منها، والإعلان عن وصول علي البيض إلى سلطنة عمان، وكان ذلك اليوم بداية مسار الإعلان عن انتهاء "الوحدة" بمفهومها الطوعي ونبل أهدافها، ودخل اليمن مرحلة الانفصال "النفسي" بممارسات انتقامية ضد "المهزومين" رافقها أداء سياسي غير حصيف تجاه شركاء الوحدة الحقيقيين، وبدأت سلسلة عقيمة من القرارات الارتجالية التي بـدأت بالإقصاء، وانتهت بشعور جنوبي غاضب تزايد إلى أن بلغ حد اعتبار الأمر "احتلالا".
تم الترويج الإعلامي ليوم 7/7/1994 بأنه يوم النصر، لكنه في الحقيقة شكّل علامة فارقة في تاريخ صالح السياسي وفي أسلوب تعاطيه مع الأزمات، فقرر تعديل الدستور وإلغاء مجلس الرئاسة وعاد – كما بدأ في 17 يوليو 1978 - رئيسا للجمهورية وعين جنوبيا كوزير للدفاع (الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي) ثم اختاره نائباً له، بهدف إعطاء الانطباع في استمرار الشراكة مع الجنوب في قمة هرم السلطة، ثم أعاد عبدالعزيز عبدالغني لتشكيل حكومة جديدة مع شريكه حزب الإصلاح واستبعاد الحزب الاشتراكي.
إن النظر إلى الأحداث بأثر رجعي لا يعطي فرصة للشك بأن صالح كان جاهزاً للتوجه جنوبا، وحسم الخلاف بالقوة، وهو الماهر في المماطلة لكسب الوقت والمدرك لنفسية علي سالم البيض وشكوكه المتزايدة إزاء العودة إلى صنعاء، وما من فرصة للتردد بالقول أن حزب الإصلاح كان على توافق كامل مع صالح، وصرح أحد كبار قادته بأن ما يجري هو (حرب ضد "المرتدين"- يقصد أعضاء الحزب الاشتراكي)، ورفعت صنعاء شعار (الوحدة أو الموت) في مواجهة كل معارضي الحرب، وحينها نشرت النيوزويك الأميركية مقولة (قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار) ونسبتها إلى المرحوم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر. بعد الحرب سألت أحد كبار الساسة اليمنيين إن كان وقف الاتجاه نحو الحرب ممكنا حينها، فكان رده (قرر البيض الانفصال، وقرر صالح الحرب، وبين هذا وذاك ما كان بالإمكان فعل شيء لمنع المواجهة).
تداول الناس الروايات عن أعمال نهب طالت كل المعسكرات الجنوبية، والاستيلاء على منازل القيادات الجنوبية التي خرجت من عدن والكثير من الممتلكات الخاصة التي غادرها أصحابها أثناء الحرب، وأصبح كل شيء مستباحاً في ظل الفوضى التي تلت دخول المدينة، وسمعتُ من مصادر أثق بصدقها عن نهب البنك الأهلي وإخراج الأسلحة من المخازن ونقلها إلى مناطق أخرى ثم بيعها.
انتهت العمليات العسكرية ووصلت القيادات الجنوبية إلى جدة وأبو ظبي، وصار محسوما – حينها - أن "القصة" انتهت وأن عهداً جديداً قد بدأ. تصادف وجودي خارج اليمن في وقت الحرب، فالتقيت ببعض من نزحوا إلى الإمارات والسعودية، وكان انطباعي أن أغلبهم يعيش حالة صدمة وتيه وعدم قدرة على تفهم ما حصل ولا توقع ما سيكون، وكان لدى الكثيرين منهم أملا بالعودة والمقاومة، وأطلقوا التصريحات البعيدة عن الواقع، لكني قلت لمن طلب مني النصيحة أن عليهم الاقتناع بأن حالة الشتات ستستمر لفترة طويلة، ويجب التأقلم مع أوضاعهم كمنفيين خارج أوطانهم، أو العودة كمواطنين عاديين بدون تطلع لسلطة لن تأتيهم إلا بشروط مجحفة.
في أواخر شهر يوليو 1994 عدت إلى صنعاء وبقيت فيها لأيام قليلة ثم غادرتها إلى العاصمة الأردنية عمان بعد أيام، إلا أني تعرضت لتفتيش في اللحظة الأخيرة قبل صعود الطائرة، وأخذوا كل أوراقي ولم يعيدوها لي، وعند وصولي إلى الأردن اتصلت بأحد أقارب صالح وأخبرته بما حدث وقلت له إنهم غير مضطرين لمثل هذه الإجراءات لأنها ستزيد من حنق الناس واحتقانهم وشعورهم بالاستهداف لمجرد أنهم أصحاب موقف مختلف، فبرر الأمر بأنه (غباء القائمين على أجهزة الأمن)، وطلب مني الاتصال به قبل وصولي لتـأمين عدم تعرضي للإساءة، وحين قررت السفر إلى صنعاء تواصلت معه وأبلغته بالموعد، وعند الوصول كان التفتيش أقسى وأكثر صرامة.
(وللحديث بقية).
اقرأ ايضا: