اخبار الساعة

البحث عن وظيفة جمعهما بأمهما بعد 21 عاماً من الفراق

اخبار الساعة - سامي الصوفي بتاريخ: 11-04-2012 | 13 سنوات مضت القراءات : (4490) قراءة

لم يلتقيا بأمهما منذ 21 عاماً، فعقب ولادتهما بأشهر قليلة فارقتهما أمهما بسبب خصومة وقعت بينها وبين والدهما، فتنازلت عن حضانتهما لوالدهما الذي عمل طوال تلك الفترة على رعايتهما وتزويدهما بما يعتقد أنه تعويض عن حنان أمهما ورعايتها، وقدم لهما كل ما يملك لتعويضهما عما فاتهما بغياب أمهما.

عاشا بعيداً عن حنان الأم وعاطفتها وحبها، لم يشعرا بيدها اللينة الحانية تسهر على مرضهما، تساعدهما على مذاكرة واجباتهما المدرسية، تُعطّرهما، تحضّر لهما حقيبتهما المدرسة، تُجهز لهما شطيرة طعامهما للمدرسة، أو تساعدهما على كيّ ملابسهما وارتدائها، وطهي الطعام لهما، بالإضافة إلى مساعدتهما على تنظيف جسدهما، وتضفير شعر الصغيرة، وتسريح شعر الصغير، أو إحاطتهما بيد تمسح دمعهما، وتزيل الهم وتخفف الألم عنهما، وتكون مستودع سرهما، ترعاهما بعين حذرة ويد حانية وقلب حنون، فقدا بفقدها معنى الحياة، في وقت باتت الحياة صعبة بوجود الأم فكيف بغيابها.

عاشا يتيمين واقعاً، وغير يتيمين حكماً، لم يتجرآ طوال 20 عاماً على نطق كلمة أمي، ولم يتشجعا على السؤال عنها أو البحث عن مكانها، رغم معرفتهما بتواجدها في ذات المدينة التي يعيشون فيها_ «دبي»، ليس خشية من والدهما بقدر صدمتهما بتركهما صغاراً، لم يجمعهما القدر بأمهما في غفلة من الزمن، ولكنه جمعهم بسبب وظيفة تقدم بها الشاب.

كانت البداية غير متوقعة، سمع الشاب اليافع ذو الـ 21 عاماً، من أحد أصدقائه عن شواغر وظيفية في إحدى المؤسسات الحكومية بإمارة أبوظبي فتقدم بسيرته الذاتية، وبعد إجراء المقابلة الأولى معه وإبداء الموافقة المبدئية عليه، طلبوا منه استكمال الأوراق الثبوتية للحصول على الوظيفة، وكان من ضمن الأوراق المطلوبة إحضار صورة جواز سفر والدته.

أمي...، لم يطاوعه لسانه على نطق الكلمة وتردادها، وبدأ يتساءل، هل طلبوا مني صورة جواز أمي؟!، وبصعوبة بالغة كررها في لا وعيه حيث لم يطاوعه وعيه على تكرارها، وعاد إلى البيت وكأنه أُصيب بدوار البحر، التقى بأخته وقصّ عليها مطلب المؤسسة لاستكمال أوراقه للحصول على الوظيفة، تباحثا في الأمر مطولاً، واتفقا على توجيه الطلب لوالدهما، ليأتي الجواب أن من تُسمى (أمهما) قد فارقتهما وهما في أشهرهما الأولى، بعد خلاف بينه وبينها تفرقا على إثره، ولم تعد تسأل عنهما أو تطلب رؤيتهما، ولتغرق في تفاصيل حياة جديدة مع زوج آخر.

الشاب الذي كان بأمسّ الحاجة للعمل ليقف مع والده، الذي طالما وقف معه ورباه وقدم له كل ما يملك، بدأ بالبحث عن والدته كي يحصل منها عبر وسيط على صورة جوازها، وبعد تحرٍ دام فترة توصل إلى رقم خالته وكلمها، وقامت هي بدورها بإعطائه رقم والدته، غير أنه لم يتجرأ على الاتصال بها بادئ الأمر، فاستجمع عاطفته ولملم قواه، وحمل هاتفه النقال ونفذ ما يريد، ليخرج له على الطرف الآخر صوت يسأله من معي؟، هنا حار الشاب جواباً، وقال: أنا فلان، ذاكراً اسمه، قالت لا أعرف أحداً بهذا الاسم، تمتم في داخله: (وكيف لك أن تعرفيه! إنها سنوات طويلة أيتها القاسية)، أجاب ببرود وضجر: أنا ابنك أيتها السيدة، فلان ابن فلان، حاولت الأم التهرب من الجواب، فوقْعُه كان قاسٍ عليها أيضاً.

انتهت المكالمة دون كلام، توقف الزمن برهةً، ربما تكون الأقسى على هذا اليافع كسير الجناح، لم تتعرف عليه أمه، يالها من صدمة يصعب على القلب تحمّلها، التجأ إلى أخته، قالت له: (الحل الوحيد أن نتوجه إلى محاكم دبي كي نحصل على صورة جوازها).

علي أحمد الحمودي موجه أسري في إدارة الأحوال الشخصية في محاكم دبي استقبل الشابين، طلبا صورة جواز أمهما، ومن خلال الحديث معهما اتضحت له تفاصيل القصة،"أمٌّ فارقت طفليها منذ 21 عاماً، نحن أمام قضية شائكة، ينبغي عليّ أن أجمعهما بأمهما، حتى قبل أن أجمعهما مع جواز سفرها، تمتم قائلاً"، ووعدهما خيراً، وغادرا مكتبه على أمل أن يحضر لهما ما طلباه.

وبعد ما يقارب الشهر استدعى الأم بدعوى تجديد بياناتها، وطلب حضور الشابين في الوقت ذاته، وأدخلهما إلى مكتبه بمجرد وصولهما، جلسا، كان المُصلح مشغولاً بالحديث مع امرأة كانت بمكتبه قبل وصولهما، نظرا إلى المرأة دون اكتراث، التقت نظرات الجميع ببرود، قاطعه الشاب أثناء حديثه مع السيدة، (استاذ علي أنا مستعجل، من فضلك هل أحضرت لنا صورة جواز سفر الوالدة؟).

قد يعجز الكلام عن متابعة تفاصيل القصة، ربما كاتب غيري أجدر مني بالمتابعة، حقيقة أعجز على انتقاء المفردات التي لا تظلم الطرفين، وتنقل ما حدث بواقعية، أجدني مضطراً للختام بالقول، "هذه القصة وقعت في محاكم دبي قبل ما يقارب 10 أيام، رفض كلا الطرفين ما دار في تلك الساعة بمكتب المصلح الاجتماعي، استنفرت مشاعر الجميع، تدخل المصلح بكلمات طيبة، ذكر خلالها حق كل طرف على الآخر، واستطاع بذكاء وبتوفيق الله تعالى من تهدئة المشاعر والاضطراب الذي وقع في مكتبه، رفضت دموع الجميع الانصياع للكبر في عدم الانهمار، سادت حالة يصعب وصفها، كان البكاء فيها سيد الموقف، والتسامح فرض قوته بعد العتاب، ليتعانق الجميع....!.

علي أحمد الحمادي قال، إن هذه القصة مؤلمة ويجب الاستفادة من دروسها من قبل الجميع، لا ينبغي علينا أن نقحم الأبناء في الخلاف الذي يقع بين الزوجين، مهما كان ذلك الخلاف وشكله، عدم التخلي عن الأبناء من أي طرف كان، التواصل معهما بعد الطلاق، الاعتناء بهما ورعايتهما حتى ولو بالأسبوع مرة، كي لا يشعران بحالة الفراغ والنقص والوحدة، أن نكون حذرين جداً لتنفيذ الطلاق، بحيث ان نجعله آخر السبل لحماية الأطفال، وليس أول السبل لتخلص كل طرف من الآخر دون مراعاة وجود الأطفال.

 

المصدر : البيان الإماراتية
اقرأ ايضا: