اليمن يحترق.. ونيرون يغني!
بعد أن أحرق نيرون مدينة روما، خرج إلى مشارف المدينة المحترقة كي يستمتع بمرأى الحريق وأصوات الاستغاثة التي تشق عنان السماء وسط الدخان الكثيف واللهب المتصاعد، بينما كانت النيران تلتهم كل شيء: أجساد الأطفال والنساء والرجال، والمنازل والمعابد. في هذه اللحظة السوداء، ابتسم نيرون بوجهه الشاحب وأخرج الناي وبدأ بالعزف والغناء!
لا أعرف عما إذا كان نيرون قد بدأ بالرقص أيضا! كما تفعل بعض قنواتنا الفضائية على مدار الساعة.
الشاهد أن بعض القنوات اليمنية والتي تديرها مراكز قوى تابعة للرئيس السابق علي عبدالله صالح، تُمعِن في الرقص والغناء كلما احترقت المزيد من المدن اليمنية، وزاد معدّل القتل! إنه مهرجان الموت الطويل، ورقصة الرعب.. رقصة الديك المذبوح، وعويل الحديقة المستباحة.
هنا في اليمن الحوارُ بالأقدام والأرجل! وبهزِّ الوسط إذا شئت!
وكلما ارتفع عدد القتلى، ارتفع إيقاع الرقص، فالكل صرعى الموت الراقص، أو الرقص المميت في مهرجان يمكن أن نسميه الرقص حتى الموت! وهي حفلة تنكرية كبرى فريدة في التاريخ.. حتى المخرج في مهرجان التنكّر هذا ينكر أنه المخرج!
أمّا ذروة دراما الرعب هذه، فهي أن مُخرج هذه الملهاة المبكية يُطفئ أنوار المسرح فجأةً على الكل! ممثلين ومشاهدين! بل وعلى المدينة أيضا! ويتوارى ضاحكا مستمتعا بفوضى الخوف والرعب، فالظلام أصبح سيّد الموقف! "ويا راقصة في الغدرا محّد يقلّش ياسين"!
البلاد مسرح كبير،.. وثمّة مخرجٌ وحيدٌ مثل الشيطان! ذكاؤه متوقّدٌ مندلعٌ مثل نيران روما،.. وليت هذا الذكاء كان في صالح البلاد والعباد منذ وهلته الأولى.. لكانت الحال غير الحال.. ولكن هيهات!
هاتَفَني صديقي الشاعر المصري الرائع متسائلا: يا أخي ماذا يحدث في اليمن؟.. أتابع أخباركم في القنوات العربية فأفزع وأموت كل يوم والله! وبعدين افتح القنوات اليمنية ألاقيكم بترقصوا وتغنّوا! وعلى مدار الساعة رقص وغنى! في إيه يا أستاذ؟َ!
قلت له: نحن في مهرجان تنكّري كبير لم يسبق له مثيل في العالم.. هل قرأت"طقوس في الظلام" لـ كولن ويلسون؟
أو رقصة الموت والزار من صعدة حتى جعار! أو الديك المذبوح في رقصته الأخيرة!
قاطَعَني قائلا بِحِدّه: طبْ مين الجزّار.. أقصد المُخرج المهبّب ده!
أجبته: نعرف المخرج.. ونعرف بصماته الفنيّة وأساليبه الغريبة العجيبة. المشكلة أن ذكاءه خانه هذه المرّة.. فهو يعتقد أن الظلام والظلام وحده.. سيُغرق المسرح والمدينة والبلاد في الجهل وعدم الفهم!
لقد تلبّسْته روح الإمام يحي حميد الدين!
قاطَعَني: مين الإمام يحي التاني ده؟ قلت: كان أستاذ الظلام الأول في اليمن خلال القرن العشرين. رغم أن روحه كانت غارقة في القرون الوسطى.. وفيه وفي تلميذه-مُخرج الظلام- قال الشاعر:
لقد كان فينا الظلم فوضى فهُذِّبَتْ
حواشيه، حتى صار ظلما منظّما
والأقرب إلى الواقع الآن أن نقول:
لقد كان فينا النّهبُ فوضى فهُذَِّبت
حواشيهِ حتى صار نهبا منظما
وقاطعني صديقي من أرض الكنانة للمرة الأخيرة بقوله: أنا مش فاهم حاجة! لمّا اقابلك تبقى تحكي لي!