اخبار الساعة

أمضى في السجن 12 عاماً على ذمة «ديون» لم يستطع سدادها.. الحميضة، تاجر السيارات الأشهر في اليمن.. مات

علي الحميضة صاحب معرض القادسية صورة نادرة للحميضة داخل السجن في 2007
اخبار الساعة - على الضبيبي بتاريخ: 07-12-2012 | 12 سنوات مضت القراءات : (11713) قراءة

توفى يوم الخميس الماضي «علي محمد حمود الحميضة» في السجن المركزي بصنعاء.


والحميضة هو صاحب معرض القادسية للسيارات، الذي أعلن الافلاس قبل 13 سنة، ودخل السجن على ذمة مئات الملايين لشخصيات كبيرة؛ بينهم قادة عسكريين ومشائخ وبدو.


وأفادت مصادر مؤكدة، ان الحميضة، اصيب بـ«ذبحة قلبية»، باغتته وهو في السجن، دخل على اثرها مباشرة في «غيبوبة» وأسعف سريعا الى المستشفى اليمني الألماني، الا أنه فارق الحياة بين أيدي الأطباء.


وطبقا لمصدر موثوق، من داخل السجن المركزي بصنعاء، فإن علي الحميضة مات في النهار، وأسعف ظهرا الى المستشفى، بتوجيهات تلفونية من مدير السجن العقيد مطهر الشعيبي، الذي أبلغ لحظتها، وهو في مكتب أمين العاصمة، بخبر دخول السجين علي الحميضة في غيبوبة «فأمرتهم للتو بنقله الى المستشفى سريعا»، كما قال.


ونقلا عن مصدرين، في السجن، فإن محاولات الأطباء، لم تنفع «لأن الجلطة كانت قاتلة»، وان ابناء الحميضة «اقتنعوا بقضاء الله وقدره ورفضوا احالة جثة ابيهم الى المختبر الجنائي للتأكد من سبب الوفاة، حيث اقتنعوا بالتقرير الطبي وباشروا للتو، لإجراءات الدفن».


ودفن الحميضة صباح يوم الجمعة الماضية، في مسقط رأسه بـ«قرية القابل»، شمال العاصمة، حسب وصيته، رغم ان جميع افراد عائلته يسكنون في صنعاء.


صاحب معرض القادسية للسيارات مات، المعرض الذي ذاعت شهرته، على مستوى واسع طيلة عقد التسعينيات، الماضية، حيث كان الحميضة يستورد أشهر «الموديلات»، وسيارات الشبح ذات اللون والمواصفات القاهرة وموديلات لاند كروزر، ومرسيديس بنز وغيرها من السيارات ذات الشهرة الساحقة لدى الأثرياء والمسؤولين وعشاق السيارات اليابانية والألمانية الجديدة.


كان معرض القادسية للسيارات يستعرض آخر موديلاته، على واجهة شارع الدائري الغربي في ركن جولة القادسية، التي باتت تعرف بهذا الاسم، كإحدى الجولات المعروفة في مدينة صنعاء، لشهرة المعرض الذي تعرض صاحبه للإفلاس في عشية وضحاها، وتحديدا في الأسبوع الذي مات فيه الشقيق الأكبر للرئيس السابق اللواء محمد عبدالله صالح – قائد الأمن المركزي.


وعرف صاحب معرض القدسية طيلة سنوات بالثراء، بالتاجر الكريم، وانتشرت الدعاية حينها انه شريك للرئيس صالح، غير الرجل، نفى ذلك. الرجل الذي اكتشف فجأة أنه مفلس، وغارق في ديون ضخمة لمسؤولين كبار وقادة عسكريين وأشخاص من بيت طعيمان في مارب «لا يرحمون».


وقد حوكم الحميضة بتلك الديون، التي كان يقطع أن اغلبها، غير صحيحة وفيها ظلم، وقضت المحكمة بتسديد تلك الديون لأصحابها، والتي قدرت بـ244 مليون ريال.


ووفقا لأقواله المسجلة فإن «أموال الحميضة نهبت من سيارات وارض، وفلوس، وأن احد القضاة أشرف بنفسه على بيع سيارة الحميضة الخاصة، وأخبر الحميضة أن قيمتها وردت لصالح صندوق المحكمة ولم يورد من ذلك شيء»، حسب قوله.


دخل، علي محمد الحميضة السجن المركزي، على ذمة تلك الديون، وهذا إجراء عقابي مفتوح لم يحدد بزمن، وهي عقوبة مخالفة للقانون، ويستوجب مرتكبوها العقاب، وإن كانوا قضاة، حد فتوى قانونية، اطلقها المحامي المعروف نبيل المحمدي في يونيو 2006، وترتب عليها الإفراج عن مئات السجناء المعسرين (الغارمين) لم يكن الحميضة بينهم بسبب نفوذ خصومه. وطبقا لأحد أصدقائه في السجن فإن الحميضة، كان يتمنى اطلاق حريته كل يوم، الا انه «كان يتذكر وجوه خصومه ويفضل السجن على القتل او الاختطاف».


وامضى الحميضة، في السجن المركزي بصنعاء 12 سنة. وكتبت، عنه صحيفة «النداء»، كثيرا، لأجل إطلاق سراحه ضمن ملف صحفي نفذته وامتد لسنوات، محققا انجازا لصالح السجناء الغارمين، المحبوسين بحقوق مالية (ديون) لصالح الغير. وقد بذلت جهوداً مكثفة لإطلاقه وكتب عنه عددا من التقارير في صحيفة «النداء» وغيرها «إلا ان سلطة القوة والنفوذ كانت اقوى من سلطة القانون»، حد قوله. وتوفى الحميضة غارما، عن عمر يناهز الـ60، قضى ربعه في السجن المركزي بصنعاء.


وقد شيعت، جنازته الخميس الماضي، الى مقبرة قرية «القابل»، شمال صنعاء (8 كيلومترات)، في مشهد مهيب، يتقدمه اقارب واصدقاء الحميضة، ومعاريفه وجمع غفير من الناس، وحضر الدفن والعزاء مدير السجن المركزي بصنعاء العقيد مطهر الشعيبي، ورجل الأعمال المعروف، التاجر يحيى الحباري، الذي صلى عليه وشارك في الدفن، ثم قدم العزاء لأبناء الحميضة، صديقه.


مات الحميضة، تاركا وراءه سجنا فسيحا، وذكرى طيبة وعطورا من كل نوع.
12 سنة في السجن هدت حياة الحميضة
عندما قابلته داخل السجن، في رمضان 2006، كان في يده مسبحة طويلة.


كان الحميضة جالسا على كرسي ابيض، تحت شجرة قبالة مغسلة السجن المركزية، مرتد دجلة، ويسبح، وكان يبدو في غاية السعادة. لم أكن اعرف أن صاحب، معرض القادسية للسيارات مسجون، ولم اتوقع ان القابع امامنا تحت الشجرة، سجين.


كان رأسه مبللا، وحذاءه أنيقاً، وعندما اقتربنا، موظف السجن وأنا، نهض الرجل من مكانه كأي رجل شهم: «مرحبا».. صافحته، فقبض يدي بلطف، وعندما قدمني اليه يحيى الحيدري، قائلا: «هذا صحفي يا عم علي جاء يزورك». وقال لي: «وهذا علي الحميضة، صاحب معرض القادسية للسيارات»، اندهشت، واكتبد الحميضة.


لقد مات هذا الرجل، الشهم، في ذاك المكان الذي التقيته فيه قبل 6 سنوات. مات يوم الخميس قبل الماضي، في غرفته الصغيرة، المحاذية لمغسلة السجن المركزي الرئيسية، وكانت الغرفة نظيفة ومرتبة وتنذخ بأجود العطور العالمية، التي تهدى إليه من بعض ما تبقى للحميضة من اصدقاء.


داخل الغرفة سرير مرتب وأمامه مرآة أنيقة، وحامل خشبي للدهان والعطر وعلبة «الفاين». وكانت هذه، غرفة الحميضة، التي يخرج اليها في النهار من داخل السجن العميق للعمل في المغسلة كمشرف ومالك لها. أما محل إقامته الدائمة فغرفة جماعية بالداخل، ضمن عنابر قسم التوبة، القسم الخاص بـ«المعسرين»، السجناء الذين احتجزوا على ذمة حقوق غيرية.


مات الحميضة، تاركا وراءه سجنا فسيحا، وذكرى طيبة وعطراً من كل نوع.


كانت عائلته، المكونة من زوجتين وعدد هائل من الأبناء والبنات، تزوه كل خميس. وطبقا لما سمعت من شخص يحب الحميضة، فإن آخر مرة رأى فيه بعض أولاده، كان الاثنين، قبل الماضي، حيث طلبهم ان يستعجلوا زيارته، وكان بشوشا للغاية مع أبنه الأصغر «أمير الدين»، ذي الـ9 سنوات.


كان «أمير» آخر أبناء علي الحميضة، وعندما التقاه مدير السجن يوم الدفن، تذكر «أمير الدين» أباه وكيف انه ودعهم يوم الاثنين، وقبلهم واحدا واحدا وقال الأب لأمير: «لا تجيش يا أموري يوم الخميس أنا باخرج انا وباجي الى عندكم». وكان الحميضة مولعا بطفله هذا الى أبعد الحدود، وكان اذا فكر بالموت لا يهم سوى «أمير». وأمير، بحكم عمره، لم يشاهد اباه خارج السجن أبدا، اذ كان يزوره في الاسبوع مرة الى السجن، فقط. وكان يعتقد أن والده سيخرج يوم الخميس بالفعل، كما وعده.. خرج الأب، فعلا من السجن، ولكن ليس الى البيت وإنما الى قرية «القابل»، محمولا على الأكتاف.


كان الحميضة يحب الناس. وكانت ملابسه أنيقه وأمتعته مرتبة. كما انه كان صاحب مزاج. يحكي للسجناء، عن افضل السيارات، التي كان يجلبها لليمن، وعن مدن العالم التي زارها، وأفخم الفنادق، التي كان ينزلها سائحا.


كانوا يحبوه، وكان يعاني من السكري، وارتفاع الضغط أحيانا. لكن طبيعة الحميضة، لم تتغير؛ يجلب أفضل أنواع الشوكلاتة الى السجن، ويشتري أجود الحلويات، التي كان بعضها ترسل إليه من عمان والبندقية، كما هي العطور تأتيه من باريس.


كان فقيرا؛ لكن أنيقا وحياته راقية، واذا وصله أي مبلغ، كان يصرفه للتو ويعطي كل من يطلبه. وقال إن رشاد العليمي أحد، المسؤولين القليلين جداً، الذين ظلوا يذكروه، إضافة الى التاجر المعروف يحيى الحباري.


زرت الحميضة، الى السجن مرات كثيرة، وكنت في الغالب أجلس معه لساعات. وفي إحدى المرات، قال لي: «كان علي عبدالله صالح، هذا يتصل لي كل يوم، ليلا ونهارا، وكنت أكسر نفسي معه، هو وغيره؛ لكن نسيوني».. كان يتنهد بقهر، وكان مدير السجن صديق الحميضة ايضا. كان يقصده كل يوم، الى المغسلة، حيث يقضي الحميضة نهاره؛ يصب الماء، أو يساعد العمال في كي الملابس.


لم تكن تلك البقعة شيئا، قبل مجيء الحميضة. كانت عبارة عن مغسلة مركوم بداخلها كل شيء، وأمامها «أكوام من القشاش»، هكذا وصفها السجين صالح المحمي، الميكانيكي الشجاع، الذي دخل السجن قبل الحميضة ورافقه في نفس المكان الى 2008 ليخرج ضمن أكبر دفعة خروج للمعسرين، بعد جهد جهيد، وبقى الحميضة.


قال لي العقيد مطهر الشعيبي، أمس: «طفت تلك البقعة بعده». وأضاف، متحدثا معي على التلفون: «رحم الله هذا الرجل، كان صديق شخصي، وأب». وقال مدير السجن إنه رآه يوم الاثنين، وهو يودع أسرته الى البوابة الوسطى، وكان في غاية الانشراح. «كان لطيفا للغاية، ومبسوط».


فتحت صحيفة «النداء» ملف «السجناء المعسرين»، في يونيو 2006، وكتبت عن صاحب معرض القادسية للسيارات في أول تحقيق. كتبت عنه عدة مرات، وتحدثت الى النائب العام السابق الدكتور عبدالله العلفي، بشأنه مرتين، وبصفة خاصة. والنائب العام يعد بإطلاقه ويبلغه السلام عبري. كنت أبلغ سلام الدكتور عبدالله العلقي، الى الحميضة، وكنت أشعر من تعابير وجه النائب العام السابق، عندما أحدثه عن وضع هذا السجين، ان أمر تحريره ليس بيده. رغم ان الدكتور العلفي، كان يعد بإطلاقه، دائما.


الحميضة أشهر نزلاء السجن المركزي على الإطلاق، وكان الجميع يعرفه. وعندما كتبت عنه، وشاهد صورته في الصحيفة لأول مرة، بكى. وقال لي، لحظتها، وهو ممنون جدا، كأي إنسان نبيل غدرت به الأيام: «يا ابني، مش عارف ايش اقل لك وكيف أرد لك هذا الجميل». كان الحميضة يحدق في الصورة، صورته في اليونان، إذ كان شاباً، وصديقاً للنخبة الحاكمة.


مطلوب، وقد مات صاحب معرض القادسية للسيارات، أن تضع الدولة وأصحاب الخير حدا لمأساة هذا الرجل، التي لا يبدو انها انتهت بوفاته. فالمعلومات التي بلغتني ان أحد خصومه البدو، حضروا العزاء والدفن، وطلبوا من أولاده أن يتلزموا بتسديد «الدين»، وتبين ان احدهم لم يحضر لأداء واجب الدفن والعزاء، وإنما حضر الرجل يتعرف على أبناء، ويبحث عن من سيلتزم منهم بالسداد. وهو ما أثار وجع الناس، إذ كان أبناء الحميضة ساعتئذ يبكون على أبيهم. ولم يستبعد أحد الحاضرين ان يتعرض أحد أولاد الحميضة للخطف في أي لحظة من قبل «الدائنين»، الذين ألقوا بالحميضة في السجن حتى الموت، ولم يرحموه.


تذكر صاحب معرض القادسية للسيارات، وهو في السجن، سنوات عمره الباذخة ومعرضه الشهير، وجاش من أعماقه بنهده: «آآآه آاه نسيوني، نسيوني، أنا أخرجت 20 سيارة شبح جديد قراطيس، يوم جاء الأمير عبدالله بن عبدالعزيز زيارة لليمن، خرجتهم تقول طلقه». وأضاف وهو مقهورا، ويتذكر: «كنت أسرع من الريح المرسلة إذا طلبوا مني أي شيء».


كان عزيز نفس وجوادا، وكان يغسل الكأس بالماء والصابون ويصب لي الشاي. وكان يقدم قطع الحلويات الفاخرة في صحن أنيق ويضعها أمامي على الطاولة: «أسألك بالله يا ولدي ان تأكل، هذه حلويات جتني من بيروت». كان طعمها لذيذ جدا، وكانت نفسه طيبة.


رحمة الله تغشاك يا عم علي الحميضة، كم كنت لطيفا، رقيقا، عزيزا، شهما، ذواقا، لم أرى أحد يشبهك في حياتي. كنت مظلوما، وكم كنت أتمنى لو أخدمك وأستطيع أن أنتزعك من قلب السجن، الذي هد حياتك.


لم أستطيع، وأنت كنت تعرف انني لن أستطيع، لأن اليد التي قيدتك قاسية، قلوب لا تعرف الرحمة!

المصدر : المصدر اونلاين
اقرأ ايضا: