اخبار الساعة

حازوا الشرف كله، وانهزموا.

اخبار الساعة - مروان الغفوري بتاريخ: 04-11-2014 | 10 سنوات مضت القراءات : (6057) قراءة

 

لنتوقف هُنا ـ ضمن حديثنا عن ليلة سقوط الجمهورية ـ أمام هذه التجربة التي خاضها طالب في كلية الهندسة. لقد اشترك في الحرب دفاعاً عن صنعاء. لم يكن واحداً من ال 500 الذين دافعوا عن الجمهورية عندما أغلق جيش قوامه 500 ألف مقاتلاً أبوابه وذهب إلى العشاء.

لم يكن منهم، كان من مئات الطلبة والحرفيين الذين حملوا البنادق لأول مرّة في حياتهم ليدافعوا عن عاصمة نائمة، وعن تاريخ ميّت.

 

حازوا الشرف كله، وانهزموا.

 

" كنت احد الشباب الذين اشتركوا في الدفاع عن صنعاء كلجان شعبيه تم تجهزينا قبل سقوط صنعاء بشهر تقريبا .. بعد سقوط اللواء 310 كانت مهمتنا واضحه ومحدده حمايه الحارات والمواطنين ومؤازره الجيش ان تطلب الامر في مواجهه الحوثين .. خلال الشهر قبل سقوط العاصمه اكلمنا استعداداتنا العسكريه وتم استكمال تسليحنا وكانت معنوياتنا عاليه لخوض معركه الدفاع عن صنعاء . معركه استعاده الثوره من يد مغتصبيها .. اكملنا اعداد الخطط اللازمه لهذه المهمه بعضها كانت خطط دفاعيه للدفاع عن اي منشأه او هدف يتعرض لهجوم الحوثيين .. وبعضها كانت خطط هجوميه لاهداف تتبع الحوثي ..واغلبها كانت خطط لقطع الامدادات عن الحوثيين وتقطيع العاصمه لشل حركه مجاميع الحوثي المسلحه بهدف مسانده الجيش الذي سيخوض معركه الدفاع عن العاصمه ... قبل سقوط العاصمه بايام قليله جاءنا تعميم يخبرنا باننا ربما نخوض المعركه لوحدنا وان الجيش ربما سيبقى علي الحياد او ربما سيكون خصم لنا ان ساءت الاحوال .. سالنا كيف نتعامل مع الجيش اذا كان مساندا للحوثين .. قالوا ستاتيكم الاوامر في حينها .. لكل حدث حديث .. انتم يجب ات تتوقعوا كل السيناريوهات.

صبيحه يوم الجمعه 19_9 تم استدعاؤنا وطلب منا النفير العام والاستعداد التام. تجمعنا في احد احياء العاصمه .. عرفنا بعدها انه سيتم اخذنا الى اماكن المواجهات لاشتداد المعارك في تلك الاماكن وانه قد تم ارسال مجاميع اخرى قبلنا.. سالنا عن الخطط التي وضعناها وعن كوننا لجان شعبيه قالوا كل شيء تغير بوابه صنعاء الشماليه يجب حمايتها .. كانت وجهتنا الي مقر الفرقه ليتم توزيعنا بعدها. لكن ابلغونا ان الفرقه محاصره وسوف نذهب الى جامعه الايمان .. لعدم تامين الطريق الى مقر الجامعه ذهبنا في مجاميع صغيره بدون سلاح علي ان تتولى مجموعه اخرى نقل اسلحتنا الى هناك.

يوم السبت 20_9 جاء الرد بعد صلاه الفجر بعد ربع ساعه ستتحركون الى حي صوفان . ستكونون في خط المواجهات الاول ستخلفون مجموعه كانت قبلكم لها ثلاثه ايام .. وصلنا الى الموقع بحي صوفان بجانب معسكر الصيانه .. كان بجانب موقعين لافراد اللواء314 .. اخبرونا عن اماكن تواجد مسلحين الحوثين واخبرونا ان معظم المنازل المحيطه بنا بها قناصه للحوثيين .. سالنا لماذا لم تمشطوا هذه المباني. لم نتلق اوامر بذلك رغم رفعنا الخبر الي القياده. هذا كان جوابهم.. بعد وصولنا بربع ساعه بدا القصف والضرب علينا من كل الاتجاهات .. احسسنا اننا قدمنا كفريسه سهله لايدي الحوثيين .. احد الاطقم العسكريه التي كانت تتبع اللواء تم اسقاطه عبر قذيفه هاون .. الساعه الحاديه عشر ظهرا انسحب افراد اللواء الذين كانوا بجانبنا. سالناهم عن السبب اخبرونا ان قائد الكتيبه هرب واغلق تلفوناته بعد ان سرق معه المعدل وشناط الذخيره .. وهم لم يعد لديهم ذخيره للقتال .. ودعونا ونحن نرى في اعينهم الحسره والهزيمه لقد خذلونا بعد ان خذلتهم قيادتهم..

لم يبق سوى شباب الاصلاح كنا حوالي عشرين فرد بعد الظهر وبعد 3ساعات من المواجهات الشديده جرح ثلاثه اشخاص من رفاقنا وقلت علينا الذخيره ولم يصلنا طعام الغدا او حتى شربه ماء او اي تموين عسكري .. تواصل قائد المجموعه مع القايد العسكري في الفرقه اخبره عن الوضع .. جاء الرد كل الطرق مقطووعه اليكم لا نستطيع امدادكم .. انتم في موقع مهم نرجوكم الحفاظ عليه .. سنحاول فك الحصار عنكم اثبتوا قليلا .. اشتد الضرب علينا هذه المره من كل الاتجاهات.. رصاص القناصه من البيوت المجاوره كانت بمثابه الموت المحقق اضطررنا للانسحاب الى الخطوط الخلفيه محتميين باحد المباني العاليه .. طلبنا اما تعززينا بدعم او ذخيره على الاقل .. قالوا لنا لا نستطيع امدادكم باي شي كلنا محاصرون .. ان لم تستطيعوا تامين موقعكم امنوا انفسكم .. انسحبوا لم يبق في حي صوفان كلها الا انتم.

بعدها بدقايق راينا مجاميع مسلحه يركضون من اعلي الشارع .. رفعوا ايديهم وصاحوا نحن خبره امشيخ حميد .. الحوثيين يحاصرون المكان من كل مكان ونحن انسحبنا .. لم ينسحبو بل فرو كالجرذان .. اخبرني احدهم وكان في الثامنه عشر من عمره انهم تركوا شقيقيه الاثنين احدهم جريح والاخر استشهد .. لم ينقذوا رفيقهم ..

قررنا الانسحاب والمقاومه في نفس الوقت الى اقصى حد ممكن وكانت الخطه ان يتم الانسحاب تدريجيا عبر مجموعات صغيره بينما يبقى الاخرون لتامين انسحابهم وتاخير تقدم الحوثيين الى الموقع .. ونحن نفكر كيف ننسحب من الموقع ارسل الله الينا رجلا شهما يمنيا اصيلا طلبنا منه ان يخرجنا بسيارته وافق دون تردد .. انسحبت المجموعه الاولى .. بعدها ب عشرين دقيقه جاء صاحب السياره ليقل المجموعه الثانيه في هذه الاثناء اتى شخص سائق متر قال انه يريد الذهاب الى بيته. أخبرناه بالخطر وبالقناصين لكنه اصر علي الذهاب علي بعد 5امتار منا جاءته رصاصه قناص اردته قتيلا .. حاولنا سحب جثته لكن الرصاص كان اقوى منا لم يسمحوا لنا حتى بسحب جثته

.. بقينا اربعه افراد فقط لم تتسع السياره لنا .. قررنا البقاء حتي عوده السياره لنا .. راينا ان مجاميع الحوثيين بدات تقترب الينا .. مجموعه تضللنا بالرصاص والاخرى تتسلل من بين المباني باتجاهننا.. التجأنا بحراسه معسكر الصيانه ان يسمحوا لنا الدخول اليهم حتي ننجوا بارواحنا .. قال الحندي الذي كان في نوبه اعلى السور لن. نستطيع الاوامر لا تسمح لنا صاح بهم صديقي وكان مجندا في الجيش لعنه الله عليكم وعلى الاوامر اين شرف البدله التي تلبسونها واين شرف الزماله .. لم يستجيبوا لنا .. اقترب الحوثيين اكثر .. تواجهنا معهم وجها لوجه لا يفصلنا غير عرض الشارع الذي لا يتجاوز السبعه امتار .. ايقنا بمصيرنا. لم يتبق لنا من الذخيره شيئ .. في هذه ظهرت السياره من اعلى الشارع اتجهنا نحوها بعد ان رمينا باخر قنبلتين كانت بحوزتنا .. لكي تمنع الحوثيين من اللحاق بنا ..

نجونا بارواحنا من الموت المحقق لكننا ادركنا اننا فقدنا ماهو اعظم من انفسنا .. لقد فقدنا وطننا وفقدنا جيشا كنا نثق به .. لم يتبق هناك سوى ذكرياتنا الحزينه ودماء اصدقائنا الجرحى وذلك الجندي الذي خان قسمه العسكري وسلم بوابه المعسكر لاعدائه بعد ان رفض ان يفتحها لزملائه ..

الكل باعنا .. عيال القحبه باعونا حين خانووا شرفهم واستلموا ثمن خيانتهم. واولاد الملائكه خذلونا لانهم لم يستطيعوا اداره المعركه كما يجب وسمحو للمخانيث بالتلاعب بهم ..

مادفعني لكتابه ذلك .. ماقراته في مقالتك

نحن فقدنا اعزاء علينا ذهبوا شهدا واخرين لا زالت حراحهم حية .. الحقائق التي سردتها في مقالك خففت علينا الكثير. لاسابيع بعدها ونحن لا نعرف النوم لم نستطع تفسير ماحدث

شعورنا بالفخر لا يستطيع ان يمحي تلك المشاهد المولمه .. اليمن سقطت مثل صاحب المتر بطلقه قناص نعرفه لكن لانعرف مكانه .. وكان ابنائها مثل ذلك الجندي مايهمه هو بريق البريه الذي فوق راسه واتباع الاوامر. اتمني ان تنقل بععض تلك المشاهد في مقالاتك .. لثقتي انها ستخفف عن الكثير الكثير من امثالي الذين كانوا هناك لايعرفون كيف وبكم تساوموا على دمائهم

انا الان اتقمص دور ايمان .. او زينب .. فكلنا ضحيه لنفس الموامره

مروان .. لا ادري مايدفعني للكتابه اليك .. هناك سبب خفي غير حبي لمقالاتك. بقي مشهد لم انقله لك .. قدرت انه غير مهم فحاولت تجاهله لكن لم يفارق خيالي ابدا. قبل خروجنا من جامعه الايمان الى حي صوفان لبست البدله العسكريه غير انها كانت واسعه علي وذهبت ابحث عن (قايش) في احد مباني الجامعه... رايت رجلا كبيرا في السن ينظف المكان ويرتب الاشياء الموجوده فيه .. سالني بابتسامه عريضه .. ايش بتدور ياولدي .. قلت له واشرت الى بنطالي ادور قايش للبدله .. اخرج لي قايشا من احد الشوايل التي كان يجمع الاغراض بداخلها .. وقال لي وهو مبتسم وفي عينيه بريق يشع نورا واملا رفع من معنوياتي كثيرا .. اربط احقاوك يا ولدي .. الله ينصركم انتم امل اليمن .. بعد سقوط صنعاء بايام رايت صورته في الفيس بوك مكتوب عليها انه سيصلى علي الشهيد في جامع الصعدي بصنعاء .. ذهبت لاصلي عليه وقلبي يحترق عليه . اقتربت من جسده كشفت عن راسه . لازالت تلك الابتسامه كماهي لم تتغير .. ذلك البريق في عينيه لم يختف ابدا. بكيت عليه كثيرا لازالت دموعي تتساقط حتي الان وانا اكتب عنه. ساعدنا بريق عينيه .. رفعت معنوياتنا ابتسامته .. لكننا خذلناه. لم نكن الامل الذي يرجوه لهذه البلاد ...

والله ع مااقول شهيد

ح . ع"

Marwan Al- Ghafory:

صديقي ح. ع.

سينتقم لك التاريخ على طريقته وستتذكر تلك اللحظات وأنت أمام معسكر الصيانة، وستشعر بالفخر لأنك كنتَ هناك يوماً ما مع ثلاثة من رفاقك تحرسون شرف صنعاء عندما كانت صنعاء، كل صنعاء، نائمة، لا تشعر حتى بكم.

وكان جيشها يستعد للنوم، كعادته.

المصدر : صفحة الغفوري
اقرأ ايضا: