اخبار الساعة

الغفوري: دراما الساعات الأخيرة في صنعاء

اخبار الساعة - مروان الغفوري بتاريخ: 20-12-2014 | 10 سنوات مضت القراءات : (7975) قراءة

وصل بن مبارك إلى الإمارات والبارحة التقى لجنة كتابة الدستور. نقل إليهم طلب الرئيس هادي: "الانتهاء من الدستور بأسرع وقت ممكن". منذ فترة طويلة يتلكأ هادي في كل الشؤون المتعلقة بإنجاز الفترة الانتقالية. وكان الشخص الذي وقف ضد هيكلة الجيش، حتى سقطت القوات المسلّحة أمام "البنادق والعويلة". وإذا كان التاريخ اليمني القديم قد انتهى عندما أفسد فأر على اليمنيين سبل حياتهم فلا بد أن ذلك الفأر قد تناسل عبر الأزمان.

اللجنة التي شكلها هادي، بضربة قلم، لتشرف على تطبيق مخرجات الحوار الوطني انتظرت أربعة أشهر ولم تسمع من هادي خبراً. كان هادي ينتظر أن ينتهي الحوثيون من تدمير حلفائه وأصدقائه ليصبح هو رئيساً مدى الحياة في مناخ سياسي بلا ملامح. وكانت مهمّة الحوثي أن يدمر ملامح المشهد السياسي كلّيّاً. عبر وزير دفاعه استلم الحوثيون الخزينة العسكرية بكل أسرارها. حصل وزير دفاعه، محمد ناصر، على مكافأة ثمينة فور انتهاء خدمته. فقد أعدت له عُمَان، مؤخراً، سكناً مريحاً وإقامة مدى الحياة بصحبة أهله. بقي هادي عارياً يتغطّى بسماطة صالح الصماد في الليل، وببيانات السفراء العشرة في الظهيرة.

تغيّرت الظروف بعد السقوط، وأصبحت ذريّة هادي عارية بصور تثير الرثاء والشفقة. السياسي الجنوبي ياسر اليماني نصح هادي قبل أيام بالهرَب. أما طاقم الطائرة الرئاسية الأربعة فيتواجدون في واحد من فنادق مدينة عدن منذ أكثر من شهر. يجرون فحصاً دورياً للطائرة الرئاسية الرابضة في مطار عدن كل يومين، وينتظرون خبراً سيئاً من وراء الجبال.

اللقاءات التي عقدت مع السعوديين في الأيام الأخيرة فشلت. يمتلك السعوديون الحق الكامل في القول إنهم غير مستعدين للإنفاق على مستعمرة إيرانية.

أما إيران فتعاني اقتصادياً بسبب الانهيار المفاجئ في أسعار النفط. الأمر الذي دفعهم لإبلاغ الحوثيين بأن عليهم أن يتصرّفوا بسرعة ليسدوا الفجوتين الرهيبتين الناشئتين: انقطاع الدعم السعودي، والفجوة التمويلية الإيرانية المتوقعة. إيقاع الحوثيين في الأيام الأخيرة كان مباغتاً وسريعاً، حتى إنهم لم يعودوا يكترثون لانهيار نفسيات حلفائهم وتفكك الصورة الكلّية للحوثي، تلك التي باعوها للأميين وقليلي المعرفة "الحوثية ظاهرة نشأت لأجل مكافحة الفساد، ستعيد كل شيء إلى نصابه ثم تذوب في الشعب". هناك من صدّق هذه الدعاية القروسطية.

في اليمن لا يزال بمقدورك أن تبيع بضاعة مزيّفة كتلك، وبأغلى الأثمان.

أدارت السعودية ظهرها لهادي، وكانت قد أنفقت على اليمن في الأعوام الثلاثة الماضية حوالي تسعة مليارات دولار بحسب الصحفي المقرّب من صالح "نبيل الصوفي". وفي بيان صحفي صادر عن منظمة إغاثية تابعة للأمم المتّحدة، قبل حوالي شهر، ورد أن المسؤولين السعوديين غاضبون من الرئاسة اليمنية لأنها لم تنفق مبلغاً مالياً يزيد عن 400 مليون دولار كان مخصصاً للضمان الاجتماعي ونشاطات متعلقة بمكافحة الفقر. لم ينفق هادي المبلغ المالي بحسب الاتفاق. هادي يعرف جيّداً ماذا يريد هو ذريته من الرئاسة. لم يفكّر حتى الآن، فيما يبدو، بما المتوقع منه كرئيس. وفي الساعات الأخيرة اكتشف هادي أمراً مدويّاً.

فحتى تلك الغنائم التي جناها هادي من الكرسي المسخوط أصبحت على الحافة. وها هو يجر عربته المعطّلة بالقرب من الهاوية، وحيداً بلا حلفاء ولا أصدقاء، يغطيه عريه وجهله. غير أن ما يثير بؤسه ويمرض نفسه هو أنه يتلفت في الأرجاء فلا يرى عدواً. فقد أصدقاءه جميعهم وفشل في أن ينتج عدوّاً. لا أحد يقبل أن يمنحه درجة عدو. الاحتقار هو الذي يحاصره من كل جانب، لا العدوان.

في هذه الساعات يتجوّل مندوب عماني رسمي في صنعاء بين هادي والحوثيين. يحاول هادي أن يفرمِل الموجة الحوثية التي فتح لها كل الأبواب، نظير أن يبقى رئيساً. وصل بن مبارك إلى الإمارات متوسّلاً اللجنة "بسرعة". وعاد الموفد العماني إلى الحوثيين ناقلاً إليهم طلبات هادي. المسألة الدستورية دخلت دائرة التفاوض كواحدة من كروت السيد الرئيس.

لبّى الدستور، حتى الساعة، رغبة هادي في النص على فترتين رئاسيتين لثمان سنوات، ثم الانتقال إلى نظام برلماني ضمن دولة اتحادية فيما بعد. لم يقرأ هادي سوى المادة المتعلقة بالثمان سنوات. لا يزال يعتقد أنّه، عبر الوسيط العماني والسفراء العشرة، سيتمكن من البقاء في القصر لسنوات قادمة. فالحوثيون يريدون موظفاً يتلقى الأوامر التي ستأتيه من "البنادق والعويلة" بتعبير الإرياني. أبدى هادي، أكثر من مرّة، استعداده الكامل للعب ذلك الدور. وفيما لو تغيّرت قواعد الاشتباك فلديه طاقم من أربعة شخص في واحد من فنادق عدن سيقودون الطائرة الرئاسية إلى مكان آمن.

تنافس هادي على قلب الحوثي مع صالح من قبل، وخسرا معاً. كشف الرجلان أوراقهما كلها للحوثي واحتفظ الحوثي بأوراقه إلى صدره. يفوق الدعم الذي حصل عليه الحوثيون من خارج الحدود ذلك الذي قدمه صالح. أما هذا الأخير فلا بد أنه أصبح واعياً لهذه الحقيقة. سقط كل شيء في صنعاء وبقي قصر الرئيس، وكان هذا هو المكسب الوحيد الذي جناه هادي حتى الآن. وهو مكسب أصبح في مهب الريح مع دخول منافس آخر، قوي.

ففي الأيام الأخيرة التقى الحوثيون، مراراً، بعلي ناصر محمد في بيروت. في واحد من اللقاءات كان الطرف الحوثي ممثلاً بمحمد عبد السلام، بصورة شخصية. يعلم هادي أن علي ناصر محمد أصبح على اتصال تلفوني مباشر بعبد الملك الحوثي، فامتلأ قلبه بالكمد والبؤس. لم يعُد لديه من أشياء كثيرة يمكن أن يبيعها للحوثيين سوى القصر، وتلك مسألة تبدو الساعة غير قابلة للنقاش. وشوش الإصلاحيين مؤخراً عن إمكانية أن يدعو لمواجهة عامة ضد الحوثيين. قال إن الحوثيين يريدون أن يعيدوا 13 يناير من جديد. غير أنه سمع تلك الإجابة التي لم يكن يتمنى أن يسمعها "والله ما تشوف بندق ولا تسمع طلقة". سرعان ما أغلق هذه الورقة وتشبّث بدشداشة الموظف العماني الرفيع.

عندما كان السفير الأميركي السابق يودع صنعاء في حفلة هادئة وأنيقة دخل شاهر عبد الحق. سأله السفير "أين أصبح موضوعك لدى الرئيس هادي؟". ابتسم عبد الحق، وأجاب "حسم أخيراً، نلتُ كل شيء، وكان علي أن أدفع لهادي وناصر 200 ألف دولاراً نظير توقيع الرئيس." كان هادي يدير البلد بعقلية لص لئيم، ذلك اللص الذي نشأ على أنقاض عبد، وكان خليطاً سيئاً أدى إلى انهيار بلدة كبيرة وعظيمة، وضياع أجيال كاملة.

عبد الملك الحوثي، في الجانب الآخر من الصورة، فقد كل أقمشته التنكّرية وبدا في وضح النهار إرهابياً ومجنوناً، وبلا أخلاق. كانت كلماته الثلاثة التي دخل بها صنعاء هي "الفساد، الإقصاء، الحوار الوطني". تكشفت الموجة الحوثية عن صور للفساد غير مسبوقة في وحشيتها ونوعيّتها، ناهيك عن حجمها. بدا كما لو أنه تعثّر بمدينة لم يكن يعرفها، وسرعان ما سقط. لم تمض سوى شهور ثلاثة على سقوط صنعاء فقد فيها الحوثي تعاطف كل الفئة الرمادية، فضلاً عن الفئة التي استخدمته كقفّاز للقضاء على مطعم كنتاكي الخاص بآل الأحمر. يهوي بسرعة مدوية أمام الكاميرات، كأنه في سيرك محلّي غير مكتمل. يتشبث بالهاشميين فيزيد من خساراته.

ولأن البلد لم تتطوّر بعد، مؤسساتيّاً، فثمة فرص قليلة على الصعيد الإداري والقيادي. تلك الفرص القليلة بالكاد ستكفي الهاشميين. يكتشف المتسلّقون على ظهر عبد الملك، يوماً إثر آخر، أن ظهر الرجل ليس فيه ما يكفي من الحُفَر ليضع كل ذلك الحشد من المغامرين أقدامهم. وسرعان ما يغادرونه أو يسقطون.

إلى جانب مطعم كنتاكي سيطر الحوثي على المحافظات والنفط والغاز والإعلام والشرطة والجيش والقضاء والاستخبارات. وفيما يبدو أدرك قليلو الخيال إن سقوط مطعم كنتاكي لم يكن يساوي كل تلك الكلفة الرهيبة!

أما الحوثي فيحاول حالياً حل المعادلة التي تقول إن الاستحواذ على مطعم في ناصية شارع في صنعاء لا يمكن أن يغطي على حقيقة أنه قائد عصابة وأنها أسقطت دولة بأكملها. وأن الذين صفقوا له وهو يحاصر صنعاء كانوا يريدون منه فقط أن يأخذ أكبر عدد من السندوتشات ويقفِلُ عائداً إلى الجبل.

كانت أمانيهم طفولية، تفصح عن مستويات لافتة من العجز العقلي لدى نسبة من الناس كما لو أن التطوّر البيولوجي أخطأها في مراحلها الجنينية.

ما إن استتبت الأمور للملك الجديد في صنعاء حتى قال علانية إن الحوار الوطني ومخرجاته أصبحا جزءً من الماضي وأننا بإزاء واقع جديد وشروط جديدة. سقطت الكلمة الثانية للحوثي، متبوعة بدويّ هائل للكلمة الثالثة "الإقصاء". فقد أبلغ الوسيط العماني كلاً من هادي والدول العشر إن الحوثيين يريدون احتكار الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، رئاسة الأركان، وأمانة العاصمة صنعاء، إلخ، بالإضافة إلى دمج كل الجيش الحوثي في الجيش النظامي وأجهزة الأمن. بمعنى أن يصبح لدينا جيش تابع للإمام!
لا يمكن القول إن الحوثي يمارس إقصاء. لم تعد هذه المفردة قادرة على وصف الطبيعة المادية للمشهد الراهن. نحن بإزاء ظاهرة إحلالية استعمارية تعمل على أساسين متشابكين: عقائدي، إيديولوجي، وبيولوجي. وهي صورة كالحة من صور الظواهر الإحلالية التاريخية.

يبدي هادي مرونة في قبول كل الشروط الحوثية نظير أن يبقى في القصر. يدرك الحوثيون رغبة هادي وسرعان ما ينقلبون على طلباتهم ويصعدون إلى الأعلى. ومن غير المستبعد، كما يقول كثيرون وكما تعتقد السعودية أيضاً، أن يتجه الحوثيون إلى إخراج هادي من القصر وتنصيب أحد حلفائهم في مكانه. من المتوقع أيضاً أن يكون إما جنوبياً أو ينتمي إلى السلك القضائي. أي رئيساً في قصر بلا شبابيك.

ومن غير المنطقي أن نقول إن ذلك سيكون انقلاباً. فلم يعد ثمة من شيء يمكن الانقلاب عليه. كل ما في الأمر أن تذهب ثلاث مدرعات حوثية وتقوم بطرد هادي من القصر. سيكون طرداً بلا دوي، فلم يعد أحدٌ يهتم بيوميات الرئيس العاري، ذلك الذي وضع السم في عشاء أصدقائه ثم أجبر على أن يأكل من الطعام نفسه.

لا يزال هادي، عبر الوسيط العماني والسفراء العشرة، يقدّم العروض الأفضل. أما الكرّة كلّها فتمشي بهدوء في ملعب عبد الملك الحوثي والمستشار السياسي لخامنئي. قال هذا الأخير في مؤتمر صحفي في طهران قبل أيام أن تحركاتهم في اليمن تسير وفقاً لتصوراتهم القومية لأمنهم وأمن بحرهم.

م. غ.

اقرأ ايضا: