أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

تفكيك الخطاب الثوري ..مشروع المدنية في خطاب ( الدين . القبيلة )

- منصور النقاش

 

لايمكن أن نتحدث عن الثورة الان خارج إطارالخطاب  القبيلي والديني حتى لو أردنا ذلك  ليتسنى لنا مراجعتها بشكل سليم كحاجة انسانية خالصة ؟ وتعليلها بطريقة علمية من خلال بعدها الإجتماعي   في مبعثها وأسبابها  وغايتها وما أنتجته لنا حتى اللحظة  ؟ فقد أعاد الإخوان وأبناء عمومتهم (القبيلة ) إنتاج الثورة بمواصفاتهم وأصبحت تمضي بمعزل عن مشروعها الحداثي المدني وأقصي دعاته .

ويتعين الآن على  صاحب أي مشروع ( ثقافي, علماني , مدني) أن يعيد النظر في وطنيته وإيمانه , بل أنه يتعين عليه أن يختن عقلة  ويتطهر من ثقافته النجسة  (المستوردة ) وأن يتخلص من بعض الهرطقات  كالديمقراطية والمدنية والحرية والمواطنة المتساوية , حتى لا يقع عليه سخط  فقهاء الإصلاح وإبناء عمومتهم ,  لقد أصبحت  الثورة عبئ على المثقف أكثر من النظام فنحن اليوم  نوشك على الوقوع  في أتون وأغلال التقاليد القبلية والأفكار المتناقضة المتصارعة التي تمزق النسيج الإجتماعي وتفتته  تحت مسميات (قبلية, مذهبية , طائفية)  وهذا الصراع أصبح اليوم أشبة بجرثومة  تستعصي على المضادات المدنية لإنها  تعمل على شل قدراتنا على التفكير والتحليل المنطقي لقضايانا كونها دعوة سافرة للعنف والتطرف ولاندري كم يلزمنا من أجيال تأتي فتتغير ثقافة المجتمع  لنبرأ منها ونتخلص من عقدها .

لقد تسلل الخطاب الديني  إلى جوهر الثورة بطريقة ماكرة .... وأخذ يكشف عن ألياته التي بدأت بتفسير دلالي  لمصطلحي ( الديمقراطية, المدنية ) ووصمتها بأنها مستهلكات غربية لاتخدم المشروع الإسلامي ونحت بالخطاب الثوري منحى قبلي طائفي ضمن مفهوم إخواني (خلافة إسلامية  ) وهكذا توحدت سلطتي القبيلة والدين تحت مظلة الثورة , وأنتهى بالصاق تهم التكفير وتزييف الوعي الثوري بعد سيطرته غلى قنواتها  وأختزلها في خطب الجمع بمختلف مسمياتها التي تناوب عليها شيخ الدين وشيخ القبيلة  في طرح وإرساء مفاهيم الدولة القادمة وسواء جاء إختيار الجمعه مصادفة أم لا  فقد كست الخطاب الثوري بصبغته الدينية وجردته من روحه المدنية  ولهذا كان هناك إقصاءاً تقليدياً فيها للقوى اليسارية والليبرالية  فمن الطبيعي أن تخلو خطبة الجمعة من محاضر مدني أو مثقف سياسي  أضف إلى ماحدث طيلة أشهر الثورة  في المنصات التي جيرت للقائمين عليها وأفرز هذا الخطاب واقعاً إجتماعياً عصبوياً مخيفاً يحمل في مضمومنه مؤشرات مفزعة عن بوادر صراع طائفية بين مكونات الثورة , وأخرى  إقصائية  تكفيرية وتخوينية  لمكونات المجتمع المدني الذي حمل مشروعه منتجات ثقافية أثارت ريبة المكونين الديني و القبلي إذ حملت ندواته وقنواته الثقافية  إرهاصات تفضي الى تفتيت العصبية القبلية ورؤية قدمت الدولة المدنية في إهاب علماني حر   وأصبح المشروع الثوري خطراً على الزعامات الدينية و القبيلة  أشد من خطورته على النظام الهرم

إذا فالثورة النقية قد وجدت نفسها محاطة بأعداء رئيسين وأخرين ذات طبيعة مزدوجة

جار تحديث القبيلة

وكما فعل الإخوانيون  فعلت القبيلة  فمنذ اكتست القبيلة ملامح الثورة  وتوهم الثوار أن القبيلة  تحدث نفسها  و سارع المثقف  والسياسي للإحتفاء بها بإعتبارها سجلت سبقاً تاريخياً كونها نزعت سلاح الثأر  تلك الزينة القاتله (زينة القبلي سلاحة ) ... وتسلحت بالسلمية والمدنية  بديلا عن الطابع  الحربي  وهي تخوض  معركتها النضالية و السياسية تحت عباءة المواطنة المتساوية  والمدنية  , وللحق  لقد أثارات القبيلة إعجاب الجميع كونها كسرت كل الشواهد والدلائل التي تضعها في مصاف العصور المتأخرة وكانت لحظات تاريخية فارقة في قراءة المشهد القبلي الذي عُد إنظمامه للثورة مكسباً حضارياً بقدر مكسبه الجمعي للثورة  بل أنها كانت نموذجاً عصرياً للأنصار الذين أخذوا على عاتقهم حماية المهاجرين (الثوار) وجلس شيخ القبيلة في الخيمة بتواضع جم غير معترضاً على الأصوات العالية  والنضرات الجريئة والأفكار الأكثر جرؤة  وغير مكترث بثقافة  امتدت لآماد طويلة كرست المكانة الخاصة للشيخ حتى اصبحت  قيمة تاريخيه  متوارثة جيلا عن جيل  وعلاقته بالرعية والرعاع على أساس طبقي  وكأنها أضحت بين عشية وضحاها من النتاجات القبلية السلبية التي صهرتها الثورة في بوتقتها, وأصبح ينضر للقبيلة  وفق سياق تحولها التاريخي المتسارع  نحو المدنية بكثير من الزهو والرجاء ,الا ان الحقيقة هي أن  الزعامات القبلية التي    أوجست خيفة من نداءات وشعارات التغيير الإجتماعي  التي حملها المشروع الثوري المستنير كانت أكثر حنكة ودراية بأبعاد سقوط النظام على يد مشروع الدولة المدنية الحديثة والذي سيؤول حتما الى  إنفراد  القوى المدنية بالسطلة,

والمدنية التي رفعتها الثورة تعني للقبيلة (بصورة ما   ) زعزعة  سلطانها البالغة النفوذ في قوام السلطة والمجمتع معا بقواها المشيخية والإقطاعية

وليس من اليسير الوقوف في وجه هذا التيار الذي بدأ يفتح العقلية المجتمعية  على أشياء مقلقة لها

خصوصاً في هذه الفترة التي يعاني فيها رموزها  - خصوصا قبيلة حاشد - (القبيلة الأكثر نفوذاً في اليمن )   خلافات مع رموز النظام حول تقاسم الموارد ومحاولة النظام بقواه العسكرية  الإنفراد بالنفوذ  فقررت إستمثار الثورة بمختلف قواها وإمتصاصها من الداخل  والدفع بها لمواجهة عدوها التقليدي  أضف إلى ذلك أنها كانت تدرك جيدا تأثير القوة السلبية التي يمكن للقبيلة أن تفرضها - بإلتحاقها  بالثورة -على هذا المشاغب النزق الذي يهدد بهدم أركانها تحت شعار الدولة المدنية الحديثة

 ولهذا كان من البديهي ان تسارع  إلى إحتواء الحدث الثوري ,  وانخرطت مكواناتها في تكيف (حربائي) مع القوى المدنية  وتمكنت القوى القبلية من الدفع بنفوذها القبلي في خظم المعترك الثوري ودخلت  بكل قواها التقليدية وأعلنت كفاحها السلمي إلى جانب القوى المدنية  وكما أشرنا  فقد أكسبها تنازلها عن السلاح نصراً سياسياً مكنها من الوقوف في مصاف الفعل الثوري , (المتغيير,المستجيب ,المتفاعل ) الحقيقي مع الاحداث  وهكذا أصبحت القبيلة فجأة من أبرز عناوين المرحلة الثورية السلمية وأضافت زخماً عالياً للثورة من خلال حضورها الجماهيري  بكينونتها  وزواملها وهتافاتها الحماسية في الميادين .

وكما ذهب القبيلي سابقاً ( قبل الوحدة وبعدها )  باحثاً عن حزب يؤطر نشاطه  ويجيره كأيدلوجيا إلى ما يشبه التحالفات القبلية .-الأمر الذي دفع بالتنظيمات السياسية الى أن تصبح  لاعباً سياسياً للقبيلة  وليس العكس ولهذا من الطبيعي أن نجد الخلافات الحزبية لم تقم في اليمن على أسس جدلية فكرية أو نضرية بل كانت كلها خلافات عصبية كونها حملت الطابع القبلي الذي سوقته لها  القبيلة, فالقبيلة لا تمتلك مقومات  العمل الحزبي والتنضيري ولاتمتلك أي رؤية او مشروع سياسي بل كانت  تستند الى طابعها العصبوي التقليدي الضارب في بنية المجتمع, فكان من الطبيعي أن تختار لها أطر سياسية تساعدها على توفير مناخ سياسي يؤطر أنشطتها القبلية في الدولة من  الأحزاب التي تتوائم مع طبيعتها الرجعية  كالأحزاب الدينية والقومية

وقد كان إنظمام افراد القبيلة الى الحزب وفق الولاء للشيخ  وما توجبه المنفعه من التبعيه له

وبالمثل جاء  إنظمام القبيلة للثورة ليس غراماً في نداءات مؤسسات المجتمع المدني بل كان إحتواء لها وفرملة نشاطها في أوساط المجتمع حتى لا ينفرط عقد القبيلة المتين أولاً

  ثانيا هدم كل الممارسات العقلية التي أنتجت مشروع الثورة وعبرت عنه في قيمها وخطابتها وشعارتها ويلغي بطريقة آلية مشروع الحرية والعدالة التي حملته  مبادئ  الثورة

ثالثا تمكين قواها المشيخية من الأستحواذ على مراكز القوة والنفوذ في الدولة الجديدة  بعد إقصاءها خصومها التقليدين من النظام السابق . 

 

 

 

قبائلنا تسترد مفاتنها

...

خيامُ خيام

تضيء الثريات فيها الأثاث الوثير

ويمرح فيها ذباب الكلام

وأبوابها من نحاس تجر عليه السلال

قبائلنا تسترد مفاتنها

في زمان انقراض القبائل

مريد البرغوثي

 

Total time: 0.048