أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

ظــاهرة إكـراه المـرأة عـلى الـزواج بأقاربهـا ما زالـت تكـبل رغـبة وقناعـات المـرأة

(و .خ) ذات  الواحد والعشرين ربيعا طالما حلمت بإكمال دراستها الجامعية والاقتران بزوج رسمت صورته بمخيلتها تحبه ويحبها تفهمه ويفهمها، تفوقت بدراستها مجدة في كل شيء بهية الطلعة حلوة المعشر هادئة وسكينة، وما إن أعلنت نتائج البكلوريا حيث استبشرت خيرا بحصولها على معدل مكنها من القبول بالدراسة بكلية الهندسة المدنية . تقول كانت اللحظات الأولى لدخولي الجامعة حلما ما كنت أصدق أنه سيتحقق يوما، حيث نشوة النجاح والسعادة بثمرة الجهود, وفي يوم من الايام وبعد أن استقر الدوام أخذت أواظب على دروسي التي أعطيت من أساتذتي وبين زملائي الذين ما فارقت البسمة وجهوهم، حتى بدت الحياة تلبس أحلى حلة لها، وهكذا حصلت على المراتب المتقدمة بين زملائي عاما بعد آخر حتى وصلت السنة الثالثة من دراستي الجامعية لأكون محط أعجاب كثير من الزملاء من فتيان وفتيات.
ومن هنا ابتدأت الحكاية حيث بدأ احد زملائي يتقرب مني راغبا في الاقتران بي شرعا وقانونا، كان شابا مثابرا مجتهدا في دراسته مجدا في تصرفاته ومن عائلة محترمة، فاتحني عن طريق إحدى الزميلات، فأبيت ذلك وتكرر الطلب منه ومن غيره من الطلبة الذين تقدموا لي أيضا لكنه كان الأقرب إلى نفسي. حاول مرارا وتكرارا، وكنت ارفض وزادت غرابة صديقاتي من رفضي المتكرر له ولغيره، مبررة بأسباب كانت تختفي خلفها حقيقة غابت عن الجميع لم أؤمن بها يوما، حقيقة فرضت علي برغم مخالفتها لديننا وهي أن عائلتي لا تزوج بناتها لغير أبناء عمومتها وهو ارث توارثناه جيلاً بعد جيل. وتفاجأت يوم تقدم ذلك الشاب إلى عائلتي بعد أن عرف بالحقيقة التي كنت أخفيها، جاء ومعه والده وعدد من الوجهاء إلى أبي الذي أسمعهم رفضه غير المبرر بان عائلتنا لا تزوج بناتها لرجل غريب عن العائلة، وبرغم محاولات عديدة لإقناع والدي بان الزمن تغيّر عن سابقه إلا أن عناده كان يشتد في كل مرة ، ولم يفلح الأمر وفي كل مرة كان والدي يؤنبني وكأني مذنبة باختيار هذا الشاب لي.
وتطور الحال بأبي حتى فرض علي احد أبناء عمي وهو شاب لم يكمل دراسته المتوسطة ، وحين أعلنت رفضي له بدأ الشك يتغلغل لهم ويوسوس الشيطان للجميع باني على علاقة مع ذلك الشاب، فأجبرني أبي على ترك الدراسة التي لم تبق منها سوى سنة واحدة، ولم يكتف بذلك بل أكرهني على الزواج من ابن عمي الذي بدأ بالتحكم بي كانتقام وعقوبة لي، وكم من محاولة يائسة لأعود لدراستي مرت دون جدوى لينتهي بي المطاف ربة بيت تزورني صديقاتي لأتذكر أيامي الخوالي. ومن يومها تبحث (و.خ) عن  جواب لسؤالها الذي بقي يتلجلج في قرارة نفسها لماذا حرمت من مستقبلي الذي ناضلت من أجله لأكون تابعة لشخص ما رضيت أن يكون شريكا لحياتي، ومن هو المسؤول عن إيجاد هذا العرف الذي تجاهل قوانين السماء قبل القوانين الإنسانية؟!.

آمال تلاشت يوماً بعد يوم

(ف.ع) ربة البيت ابنة الخامسة والعشرين والتي كانت تأمل من أهلها أن يتركوا لها حرية الاختيار في اختيار شريك الحياة ، لكن آمالها تلاشت يوما بعد يوم بوعود أبيها لابن عمها الذي عاشت معه وتعده أخا لها ، لكن رفض أبيها أخذ يتكرر للعديد من الخاطبين.
تقول أعجبت كثيرا بأحد الشبان الذين تقدموا لخطبتي لكن إعجابي كان طي الكتمان خوفا من رد فعل أبي المتظاهر بالقيم والتقاليد المتعصبة ليرضي أعمامي وباقي الأقرباء ، هكذا استسلمت لأمر الوالد وكنت كقريناتي من ضحايا التسلط والتقاليد والاعراف .
(س .هـ) والتي لم تكمل ربيعها الخامس عشر بعد  ،حكايتها  مشابهة لا تكاد تختلف عن سابقاتها إلا كونها بنت الريف تلك المرأة المغلوبة على أمرها ، تقول أن لها أربعة أبناء عم تربت معهم في البيت نفسه، عاشت طفولتها معهم حتى إنها لم تميزهم في مشاعرها عن أخوتها كانت تخرج معهم للرعي أو الزراعة والحصاد وجمع الحطب، وما إن كبرت تلك البنت الصغيرة وأصبحت في سن البلوغ إلا وتفاجئت بتقديمها زوجة لأحدهم دون مراجعة لرأيها الذي بات محرما  وزوجت لابن عمها الذي يكبرها بعشرة اعوام ولا يفقه في الحياة اي شيء سوى جمع المال وما زاد الطين بله انها حامل في شهرها السابع. بين هذه وتلك تطول الحكايات وتتعدد الروايات لتكون النتيجة واحدة ، القبلية والتعصب التي تجاوزت الزمان والمكان وتطور الحياة لتتجاوز حقوق الانسان في الاختيار وتقرير المصير .  
ولمعرفة أسباب هذه الظاهرة وما تسببه من نتائج اجتماعية كانت لنا وقفة في محطتنا الأولى مع الباحثة وأخصائية علم النفس  الدكتورة رواء النوري والتي بينت جملة من المشاكل النفسية المؤدية لهذه الظاهرة والناتجة عنها حيث قالت: أن سبب هذه الظاهرة هي النزعة البشرية التي يشترك بها معظم البشر، وهي نزعة التمايز الطبقي والاجتماعي حيث كانت في القرون الوسطى العوائل الأرستقراطية تمتنع عن تزويج ابنائها من العوائل الأدنى منها اجتماعيا وكذلك العوائل الغنية والمترفة تمتنع أيضا عن تزويج أبنائها من العوائل الفقيرة، ومازالت هنالك عوائل تواظب على استمرار هذه الظاهرة برغم وجود الثورة الثقافية والتكنولوجية التي تواكبها هذه البلدان ، واذا سلطنا الضوء على مجتمعنا العراقي سنجد بعض العشائر والعوائل وان كانت قليلة تتمسك بهذه الظاهرة الاجتماعية التي تعزى إلى نوع من أنواع التعصب والتي تسمى (البرنويا) وتأثيرها واضح على المرأة التي وقع عليها هذا العرف وكانت ضحية له والتي ستعيش حالة الحسد النفسي لباقي قريناتها من النساء اللاتي يتمتعن بحرية الاختيار، ولدينا في علم النفس نظرية تقول إن من المرتكزات الأساسية لخلق مفهوم الذات عند المرأة أو الرجل أو الطفل هي خلق روح التنافس لاستحصال العناوين الداخلية (السمات الشخصية من عدل وأخلاق ومصداقية) والعناوين الخارجية (العناوين الاجتماعية من جاه وسلطة وحالة مادية) ومع الأسف الشديد إن في مجتمعا يكون التركيز على العناوين الخارجية والذي يتطلب من الإنسان مقارنة الشخص بآخر وهذه المقارنة هي من يخلقها ولي الأمر.
وذلك ما سيولد في النفس كراهية معلنة على الزواج من قريبها،  حالة الحسد وعدم حب الخير لأقرانها ممن يمتلكن حرية الاختيار وهذه النتيجة الأولى، أما النتيجة الثانية فهي انعدام أو ضعف الثقة بالنفس والتي هي من الأمور المهمة جدا للنفس البشرية بسبب فرض إرادة العائلة عليها، ما يؤدي في بعض حالته إلى السلوك الشائن والذي يكون كردة فعل على ذلك الفرض الأسري وانتقام من ولي الأمر، ومن النتائج الأخرى هي عدم وجود التفاهم والاستقرار النفسي بين الأزواج، فضلا عن وجود رغبات مختلفة ووجهات نظر تبتعد عن الأخرى في طريقة بناء الأسرة نفسيا ما ينعكس سلبا على الأبناء ، من هنا انصح أولياء الأمور بترك حرية الاختيار للأبناء باختيار شريك حياتهم.

قد يكون العامل الاقتصادي سبباً

أما وجهة نظر علم الاجتماع فيقول عنها رئيس قسم علم النفس في جامعة القادسية كلية الآداب الأستاذ المساعد الدكتور صلاح كاظم جابر انها تحليل اجتماعي لأهم مساوئ وتبعات هذه الحالة في المجتمع  ويوضح فيها أن ظاهرة الزواج الداخلي أو ما نسميه بزواج الجماعات المغلقة، والمقصود هنا الجماعة القبلية العشائرية أو أسر معينة تحتكر زواج أبنائها في ما بينها، فمرة تكون العوامل المؤثرة في مثل هذا الزواج اقتصادية بشكل خاص في الأسر الغنية لتحتفظ بأنماط الثروة أو تكون اجتماعية بشكل عام كأن تكون الحفاظ على ترتيب أو نسق النسل الموجود في هذه الأسرة، وهذه العشائر تشتهر في قبائل الأشراف والتي نسميها السادة والذين غالبا ما يرفضون تزويج بناتهم من العشائر العامة، كما ويلزمون أبنائهم بالزواج من نفس جماعتهم نفسها في الزواج الأول وبتعدد الزوجات يفتح في مجال آخر، وهذه الظاهرة لها أبعاد وعناصر وعوامل اجتماعية متعددة وأحيانا تكون هذه الأبعاد سلبية منها مثلا انتقال الأمراض الوراثية وتركزها في مجموعة وجماعة اجتماعية معينة.
ويضيف نلاحظ أن الزيجات الداخلية يستمر فيها نمط من الأمراض الوراثية يظهر بشكل واضح نتيجة تركز الجينات الوراثية داخل مجموعة من الأفراد يشتركون مع بعضهم بجينات مشتركة إضافة إلى تأثيراتها الاجتماعية الأخرى، واليوم بهذا الواقع الحياتي الجديد الذي فتح فيه الكثير من المجالات أمام المرأة من عمل ودراسة وتطوير للقابليات الإنسانية والذهنية والاجتماعية فرض علينا نمطية جديدة في بناء الأسرة واختيار شريك الحياة لخلق انسجام عال بين الزوجين ولخلق أسرة متماسكة، عكس النوع الأول القائم على الفرض والانغلاق والتي يلاحظ فيها خلق اسر متماسكة ظاهريا نتيجة الضغوط الاجتماعية والقيم العشائرية، لكن في حقيقة الأمر هي عبارة عن اسر مفككة قد يلجأ بها الزوج أو الزوجة إلى أساليب غير اجتماعية للتعويض عن هذه الضغوط.

ضغوط وقيم أسرية واجتماعية

وهذه الظاهرة هي من الحالات السلبية التي أشار اليها علماء الاجتماع في المجتمعات التقليدية ومنها المجتمع العراقي والمجتمع العربي والإسلامي بشكل خاص بل هي قيم ونظم عشائرية بحتة تقوم على مجموعة أسس وأفكار عشائرية خاصة بأناس متمسكين بهذا النمط من السلوك الاجتماعي ولها طبعا سلبياتها الاجتماعية التي نراها في محاكم الأحوال الشخصية من كثرة الطلاقات خصوصا بين الشباب غير القادرين على الانسجام فيما بينهم نتيجة إلى الضغوط الأسرية والبيئية الاجتماعية وهذا أسوء ما يمكن إن تعاني منة المجتمعات من تفكك الأسرة، اللبنة الأولى لبناء كل مجتمع بالإضافة إلى سلبياتها الدينية حتى على مستوى الالتزام الديني للأفراد، ويجب على ولي الأمر أن يأخذ بنظر الاعتبار التغير الاجتماعي في هكذا نمط من القرارات الأسرية والحفاظ على قيم وحقوق الإنسان وحرية الاختيار. واليوم وما تفعله الخدمة الاجتماعية من دراسة واقع الحياة الاجتماعية للفرد وللأسرة وللمجتمع أصبح من الممكن المساعدة في هكذا حالة من الزيجات المغلقة، من خلال رسم الصورة بطريقة موضوعية بواسطة توجيه أسئلة علمية من مختصين من حملة الدكتوراه من ذكور وإناث لطرفي العلاقة، وممكن لهذه الدراسة إظهار ما لم نتمكن من رؤيته قبلها، وطبعا إن للشخصية جوانب متعددة لا يمكن مشاهدتها بصورة كاملة ليتم تمييزها ومعرفة الطرفين ببعضهما على غرار ما يحدث في الدول المتقدمة .    

تباعدوا تصحوا.. رأي الدين

ويصف رجل الدين لطيف الغرابي هذه الظاهرة بـ “الجاهلية والقبلية التي ما زالت يعيش طقوسها الكثير من المسلمين بالرغم من مرور أكثر 1430عاما على ظهور الإسلام”. وأوضح “ان الدين الإسلامي شجب وحارب مثل هذه العادات والتقاليد البالية وهي من اشد المحرمات، لأن الإسلام لم يشترط الغنى والفقر ولا اللون ولا القومية ولا الكثير من الميزات الأخرى، بل أكد على شرطي الدين والأخلاق”.
مبيّناً “إن الكثير من النصوص التي وردت في الزواج، تؤكد على (تباعدوا تصحوا) وهذا ما اقره العلم الحديث، أي لا تجعلوا الزواج يدور في دائرة أسركم وذوي أرحامكم، بل انفتحوا على بقية الأسر والعوائل الباقية من العشائر الأخرى، لأن ذلك نافع اجتماعيا وصحيا”. مضيفاً “إن لا ولاية لولي أمر المرأة على ابنته إذا تقدم لخطبتها من هو كفؤ لها، سواء كان من عشيرتها أو من دونها، فرضيت به، وكان ولي أمرها يرفض في كل مرة عنادا منه لأسباب قد تكون مادية أو غيرها من الأسباب التافهة”. لافتاً النظر إلى “إن بعض رجال الدين ذهبوا إلى أكثر من ذلك، فمن حق المرأة البالغة الرشيدة الزواج ممن تحب بدون حتى إذن ولي أمرها، احتراما لحقوقها الإنسانية وتقديرا لرشدها ورجاحة عقلها”.
وكشف ان هذا النوع من الزيجات يدخل احيانا ضمن عنوان وطء الشبهة، وهو ليس بزواج اذا ما كانت المرأة ترفض الزواج من الرجل الذي تقدم الى خطبتها، وقد تزوجته مرغمة عن انفها، دون ان تتغير قناعتها بعد حين.

المصدر : الاتحاد

Total time: 0.0528