أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

عن موقفنا من الاخوان !

- طارق مصطفى سلام

نعم ,يجب أن نرفض التعامل مع تنظيم جماعة الاخوان المسلمين بنظرة عدائية شوفونية أو من منطلق البغض العقائدي ففي ذلك عنصرية مقيته مرفوضة جملة وتفصيلا , لأن مرجعها لابد أن يكون هو الكره المسبق والرفض المطلق للأخر المعارض , وهذا مخالف ومناقض للقيم والاعراف والقوانين السماوية والوضعية كافة ,وانتهاك صارخ للحقوق الانسانية بما فيها لائحة الاعلان العالمي لحقوق الانسان ,ولابد لنا أن نتعامل مع الاحداث بحيادية ايجابية ,ونتخذ المواقف بناء على الحقائق الجلية والوقائع المثبتة التي لا تحتمل التأويل والخداع وبناء على معطيات الحدث ذاته .

ويجب أن لا ننسى أن الدين والعلم يؤكدان أن الحقيقة نسبية وبالتالي لا توجد حقائق مطلقة ولا يوجد انسان او جهة تحتكر الحقيقة كاملة أو ينسب الى نفسه الصواب على الدوام, فالنفس البشرية خليط من الشر والخير ولا يمكن بكل الأحوال أن يكون هناك شر مطلق أو خير مطلق في داخل كل نفس وعلى الانسان أن يختار لمن تكون الغلبة في نفسه وعمله, فكل واحد منا يصيب هنا ويخطى هناك , ولهذا كان الوحي وأرسل الانبياء ,ثم كانت الشورى والديمقراطية .


ودعونا نناقش التفاصيل الدقيقة في احداث مصر الاخيرة كنموذج مازال قائما في موقفنا وتعاملنا مع اخوان مصر, فقد كان معظمنا في تلك الوقائع ضد الاخوان لأنهم أصروا على التعامل مع مرسي كعضو تابع لهم وعليه ان ينفذ تعليماتهم بالمطلق وتجاهلوا انه تحمل الامانة بصفته الشخصية وأدى القسم الدستوري ليكون رئيس للشعب كله وبالتالي فعليه مسؤوليات وواجبات دستورية نحوا وطن وشعب بأكمله ويجب الايفاء بها امام الله والشعب مع العلم بأن مرسي لم يفوز بالجولة الثانية إلا بعد تحالفه مع عدة اطراف ومكونات ثورية ووطنية أهمها المرشح الرئاسي حمدين صباحي و عبدالمنعم ابو الفتوح وحركة 6ابريل وعلى ضوء برنامج عمل تم الاتفاق عليه مسبقا لترشيد الحكم ولإدارة الدولة ,إلا أنه تم بداية التنكر لهذا البرنامج ثم اقصائهم من الادارة ,كما سعى مرسي ومن خلفه تنظيم الاخوان الاستئثار المطلق بالحكم والسلطة من خلال العديد من الظواهر والاجراءات التي كانت بدايتها مصادرة الحقوق والتضييق على الحريات والمنابر ومحاصرة القضاة والتشديد على الاعلام , إلى رفض كل الرؤى والمبادرات من حلفاء العمل السياسي وشركاء الساحة الوطنية الخ , ولم يكن أخرها اصدار مرسي للإعلانات الدستورية التي بموجبها يمنح نفسه المزيد من السلطات ويحصنها من المسألة !؟ .


ولذلك جاءت تلك الاحتجاجات الكبيرة والمتصاعدة والتي نتج عنها تشكيل حركة تمرد وتأسيس جبهة الانقاذ وغيرها من القوى والتحالفات المعارضة والتي انتهت بمبادرات الجيش وبياناته المتتالية التي كان من الواضح حينها انها ترفض تعنت مرسي في القبول بمطالب المعارضة ,وحينها كان الأجدر بمرسي أن يتجاوب مع  بعض المطالب المشروعة ويقدم شيء من التنازلات من أجل أمن واستقرار مصر إلا أنه تجبر وتكبر ولم يفعل! .

وعندما تزايد حجم تلك الحشود والمظاهرات الشعبية المعارضة التي ترفض اعلانه الدستوري الاخير وتحصين سلطاته من المسألة وإدانة القضاء لها ,تجاهل مرسي كل ذلك ,وتنكر للأمانة التي اقسم عليها وتنصل من المسؤولية  التي تحملها وقبل كل ذلك تناسى واجبه الديني والتزامه الاخلاقي تجاه شعب كاد أن يقتتل ويتشرذم ووطن على مشارف التشظي والتمزق ,وتمترس مرسي خلف رفضه المطلق ولم يعمل على توحيد الصف وجمع الكلمة ولم يفعل ما يخمد الفتنة  !؟ ..


ولذلك العديد من الافراد والجهات في مصر وخارجها (وانا واحد منهم )باركت اجراءات الجيش بعزل مرسي في 3يوليوالماضي على اعتبار ان الجيش وقف على الحياد وحرص على منع الاحتكاك وفض الاشتباك الذي كان محتملا بين مكونات ثورة 25يناير , كما أكد الجيش في بيانه الشهير أنه لا يسعى لامتلاك السلطة والسيطرة عليها مجددا .


ولكن بعد مرور كل هذه الفترة التي أتضح فيها الطموح غير المشروع للسيسي ونزوعه للاستيلاء على السلطة من خلال خطابه المخجل الذي وجهه للشعب المصري يوم الاربعاء الموافق 24يوليو2013م , ودعى فيه الفريق اول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري جموع الشعب للاحتشاد في جميع ميادين مصر(يوم الجمعة التالي 26/7/2013م ) لتفويض الجيش المصري والشرطة لمواجهة الارهاب والعنف وكل المخاطر التي تهدد الامن القومي المصري الان !؟.


وهنا اتضحت النوايا الحقيقية لبعض قادة الجيش الانتهازيين في سعيهم الحثيث للاستلاء على السلطة من خلال التلويح باستخدام القوة العسكرية وعنف الاجهزة الاستخبارية المنبوذة سيئة السمعة والصيت والتي تم اعادة بعضها للعمل حيث سبق ان ثار عليها الشعب واستخدام الاجراءات القمعية والتعسفية لفض الاعتصامات بالقوة والعمل على تزوير الحقائق وتلفيق التهم والاتجاه نحوا اعادة العمل بقانون الطوارىء الخ , فكان لا بد من الوقوف في مواجهة هذه الاجراءات القمعية وهذا لا يعني بالضرورة الوقوف مع الاخوان وأن كان التضامن معهم في مواجهة الاجراءات الظالمة والتعسفية واجب ديني وشرعي واخلاقي لابد منه .

ولمن لا يعلم فأن ميدان رابعة وغيرة من الميادين والساحات المناصرة للشرعية أصبح يضم مختلف فئات وطوائف المجتمع واطيافه السياسية من الليبراليين إلى اليساريين والناصريين والاقباط .. وهَلُمَّ جرّاً.


نعم ,أنه من الواقعي والموضوعي الادعاء بأن أي فصيل سياسي يصل للحكم وينهج ذات التوجه والمسار الذي اتبعه مرسي وتنظيم الاخوان في سعيهم للاستئثار بالسلطة والتحول إلى نظام شمولي وسيطرة الحزب الواحد , كان سيواجه بذات الموقف وينال ذات المصير لمرسي ورفاقه لوجود شعب حي وحر وعظيم في مصر الكنانة والريادة .


الاخوان تركوا الحق وتنكروا للعدل وتعسفوا المنطق وفقدوا حذرهم واتزانهم لعدة عوامل ليس هنا مجال ذكرها ,ولكن كان من الواجب ايضا الانطلاق من مواد الدستور ونصوص القانون في معارضتنا لهم لا أن ننطلق من قناعات مسبقة لأحقاد كامنة في اظهار الضغينة والعداء المطلق الذي يبيح المحظورات في اختلافنا معهم .

في ظل غياب الهيئات وتراجع دورها وتقدم تأثير الافراد, وعدم حيادية المؤسسات وانحيازها لصالح بعض الجهات وتأثيرهما المطلوب في توفير المعلومة واتخاذ القرار سواء في مؤسسات الدولة المختلفة أو في الاحزاب والتنظيمات والجماعات يغيب النهج العقلاني المنظم والعمل المؤسسي المحترف ,مما يعزز من تأثير دور الفرد والعمل العشوائي على رسم السياسات وتحديد الالويات واتخاذ القرار ات ويصبح صوت الفرد هو الاعلى ورؤيته هي الأمضى  في مواجهة المنطق ورأي الجماعة المتزن والحكيم ,وفي هذه الحالة  أنبرى الكاتب والمفكر محمد حسنين هيكل ليعطي لخيرت الشاطر وطموحاته ه الخاصة واهوائه المريضة الدور الأكبر بل النسبة الكبيرة في فشل مرسي وتنظيم الاخوان .


إلا أن الأمر بات اليوم مختلف ,فالإجراءات التعسفية والظالمة المتتالية التي أتخذها السيسي بانقلابه العسكري ولجوئه للعنف ومصادرته للحقوق والحريات فهو قد غسل بذلك النهج المتسلط (الطامع للاستئثار بالسلطة ولا شيء غير ذلك ) كافة اخطاء مرسي وتنظيم الاخوان المصري .


نعم لقد صار الحق بين وأكثر وضوحا بعد قيام جنود الانقلاب ومعهم عسس الظلام وبلاطجة النظام بالقتل بدم بارد لعشرات الاحرار الثوار في ساحتي النصر ورابعة وبات النصر وشيكا عندما أنظم لثوار رابعة مختلف فئات وطوائف واطياف الشعب المصري متضامنين مع الحق رافضين للظلم .


عقدة الاحداث ومخرجها في مصر أو غيرها تكمن في بساطة متناهية في جوهر القانون الاخلاقي الأزلي وعنوانه هو رفض الظلم يعني الوقوف مع الحق والانتصار لهُ ,نعم يجب علينا (افراد وجماعات ,مواطنين واحزاب ,هيئات ومنظمات ,قواعد وقيادات) الوقوف مع الحق حيثما كان .


القضية لم تعد  اليوم محصورة بعودة مرسي للحكم أم عدم عودته , أو انتصار الاخوان أم هزيمتهم ,فهم قد هزموا عندما خرجت جماهير 30 يونيو منددة بحكم مرسي , وهم انهزموا ابتداءً عندما خذلوا الثورة والشعب طوال عام ولم يلتفتوا جديا لتحقيق طموحاته وأماله المنشودة ,بل سعوا للانفراد بالحكم ثم تفرغوا للاستئثار بالسلطة والانغماس في فسادها ..انما القضية باتت اليوم واصبحت من يرفض الظلم ومن يناصره ؟ من يقف مع الحقوق والحريات ومن يرفضها ويتأمر عليها ؟وادانة القتل ومقاضاة القتلة ورفض الديكتاتوريات الناشئة والاغتيالات القائمة, بل أكثر من ذلك من يقف مع قاتل ومن يتصدى لهُ ؟ ونحن كأحرار وثوار لا نملك إلا أن نتصدى لكل مجرم وفاسد كان في اليمن أم في مصر الكنانة أم في أي بقعة في العالم .


مقولة (ما بات في دار جارك أصبح في دارك) تفرض علينا ان لا نكتفي فقط بإدانة الجريمة والقتل بل أن نكون أكثر دقة ووضوحا في ادانة القاتل, كما لا منطق في تبرير القتل ولا حكمة في اباحة سفك الدماء وأن كان كافة الضحايا والشهداء هم من الاعداء الاخوان .. ولامعنى لتبرير الظلم وان جاء في مجمله ومحصلته في خدمة مصالحنا الحزبية أو لصالح اهوائنا الانانية والمريضة ولا مجال للدفاع عن القتلة وشركائهم وان كانوا بمكانة الوزير الحاكم (السيسي) أو في مقام  شيخ الأزهر أو بمنزلة بابا الأقباط .


ويجب أن لا ننسى أن مرسي رئيس منتخب وشرعي جاء للحكم من خلال انتخابات ديمقراطية ونزيهة لا تشوبها شائبة بدليل اننا شهدنا لها نحن جميعا كما شهد لها العالم أجمع , ومن يرفض نتائج صناديق الاقتراع لمجرد انها جاءت في غير صالحه أو أنها ليست على هواه وافرزت فوز خصمه ليصل لكرسي الحكم , فينقلب عليها من خلال عقد التحالفات المشبوهة ورفع الشعارات الغوغائية والمطالب الفئوية والحزبية ,ثم يبث الاحقاد والكراهية لتحقيق اهدافه  الانانية الانقلابية, فتكون المحصلة النهائية تحريض الشارع على الصدام والتناحر والدمار بل والتأسيس لسابقة غير حميدة في رفض نتائج صناديق الاقتراع والانقلاب عليها عبر اللجوء للشارع في نهج تأمري فوضوي وسلوك انتهازي مغامر سوف يتم القياس عليه والعمل بموجبه مستقبلا من قبل أي طرف سياسي لا تعجبه أو ترضيه نتائج أي انتخابات قادمة لينقلب السحر على الساحر .


الخطير في الأمر ايضا أنه بإشاعة هذا الاسلوب الانقلابي المغامر وتثبيته كمنحى سيء ممكن وفاعل يتم فيه وأد الديمقراطية في مهدها في أبشع صورة عرفتها الحضارة البشرية ,هو نهج سلبي سوف يترسخ بعمق كمفاهيم خاطئة ويتحول إلى ظاهرة تروج لنزعات العنف المعقدة والتراكمات النفسية الحادة التي تقود إلى سلوك جمعي مدمر للمجتمع ,من خلال التأثير  السلبي في الوعي الجمعي والتجربة المجتمعية المصرية بحيث من الممكن أن يبنى عليها لاحقا

Total time: 0.0604