أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

الحكمة يمانية وليست سُلالية

- عبدالخالق عطشان

ألف واربعمائة عام ونحن اليمانيون كلما نابتنا نائبة أو مصيبة او انتقص احد من شأننا ردعناه بما نحمل من أوسمة منحنا إياها رسول الله الذي منحنا عشرات الاوسمة والتي من ابرزها  وسام الإيمان والفقه وما بينهما وسام الحكمة وكذلك وسام البركة والحماية والنصرة فتلك أوسمة وشهادات نبوية باركها الله من فوق سبع سماوات فصرنا نتباهى بها بين الأمم وحُق لنا التباهي ..

تظل تلك الأوسمة نورا يقتبس منه اليمانيون وهجا يسيرون عليه في دروب الحياة المعتمة  المليئة بالعوائق والأخطار ويتجمعون تحت هذا الوهج يتدارسون أحوالهم ويخططون لمستقبلهم وتختلف آراؤهم غير أن أنوار الحكمة تجمعهم وتجمع شتات آرائهم وتظم الجميع بأشعتها فتعيدهم إلى جادة الصواب وتكون لهم نجما يهتدون به في ظلمات واقعهم..

لم تكن الحكمة اليمانية محددة الصلاحية لزمن معين ولقوم دون قوم ولحزب دون آخر وللذكر دون الانثى وللأبيض دون الاسود وللهاشمي دون غيره ولقبيلة دون أخرى وإنما من ظفر بها فهو أحق الناس بها ، والحكمة ضرب من ضروب الهداية فيهدي الله إليها من يشاء وهي قرينة الإيمان كما الأخلاق قرينة الدين ..

اليوم تتسابق معظم النخب والأحزاب والأفراد وكل القوى في أرض الحكمة للحُكم والريادة على غير حكمة إلا ما رحم ربك ( وقليل من عبادِ الشكور ) فتُكتبُ البرامج وتُصاغ الأدبيات بأروع الأساليب البلاغية والنحوية ويتدارسها القابعون في الصفوف الأمامية في أي حزب أو جماعة أو حركة وتغيب عن الأغلبية الباقية بل لا يكادون يفقهون منها شيئا إن وضعت بين أيديهم لاكتفاء الراسخون في العلم من أهل الصفوة في المقاعد الأمامية بمعرفتها والغرض منها وهنا بداية ضياع الحكمة ويزداد هذا الضياع حين تغيب الوسائل والأساليب والطرق التي تتلاءم مع الواقع والظروف المحيطة حين تطبيق البرامج بل وتفقد الحكمة وتضيع تماما حين تفقد البرامج مصداقيتها ويكون تطبيقها على ارض الواقع مخالفا للقول  ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون )  فرغم وجود الإيمان إلا أن من الحكمة المصداقية في التنفيذ ورأس الحكمة مخافة الله..

أصبحت الحكمة عند البعض هي التحايل والالتفاف فزوروا وحولوا وبدلوا وأرهبوا طمعا في الوصول للحكم والخلود على العرش وآخرون رأوا في النكوص عن العهود والانقلاب على العقود والخروج عن الجماعة والبغي والعدوان حكمة تقودهم إلى إمامة القوم وسيادتهم وبسط نفوذهم  ، والبعض رأى أن الصمت عن المظالم والسكوت عن العدوان حكمة وإن تكلم فبفلسفة يؤكد فيها أن صمته حكمة ، وآخرون رأوا أن من الحكمة الإسهاب في النقد بدعوى وجوب النصيحة و(قول الحق ولو كان مرا) بيد أنه نقد في الغالب لا يطال الفكرة وإنما يطال صاحبها فيسفهه ويُجرمه ويفسقه ويكفره و....

إن الحكمة لا تعني ان نصنع من الحرية أنيابا فنمزق بها لحوم من شهد الله لهم بالعلم والخشية ووراثة الأنبياء فنسفه أحلامهم ونقدح في شخوصهم ثم يقول البعض إن هذه ظاهرة صحية إذا نبعت من داخل الحزب أو الجماعة وهذا هو النقد البناء.. وليس من الحكمة أن نستعدي أوطاننا ونستدعي أعداءنا ثم نرمي بعملنا هذا غيرنا لأن تلك الحكمة المستوردة التي استوردناها كنا أول ضحاياها..
حقيقة حينما تغيب الحكمة سيضعف الإيمان وبضعفه ستتهاوى أركانه ويخر السقف على أولئك اللذين استبدلوا الحكمة بالحماقة والعمالة على الإيمان والحكمة..

Total time: 0.0526