أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

عدن.. جحيم الصيف والكهرباء وسعير العوز في مناطق الصحراء

- علي الصبيحي

استبشر الناس خيراً بقدوم شهر الفضيلة والتراحم والغفران كما اعتادوا على ذلك في عهود مضت, لكنهم خيبت آمالهم دولة أضحت عيشة رعيتها فيها في أسوأ الأحوال، وليست عدن من ذلك ببعيد؛ فجمال وأُنس ليالي وأيام شهر رمضان لم تعد حاضرة في ملامح الأرض والإنسان. فهناك الحر الشديد مع انقطاع التيار الكهربائي المتكرر أفسد على الناس فرحة الإفطار ومتعة التلفاز وأذهب عنهم روحانية العبادة والخشوع في الأحياء والمدن.

 أما المناطق النائية فيها فتلك لها النصف الآخر من فصل العناء, حيث سكانها يضربون في الأرض وراء تمرة إفطار وشربة ماء تذهب عنهم ظمأ الهواجر وخرقة يتقون بها لفحة الرمضاء التي يتلوى صبيانهم فيها كالأفاعي المضطربة فوق الرمال الملتهبة تحت أشعة الشمس المحرقة .


إنْ تتجول ليلاً أو في صبيحة النهار لا حديث للناس في عدن خلال شهر رمضان سوى التذمر من أوضاع الكهرباء وما آلت إليه من تدهور فاق سابقاته؛ إذ أن الصائم في عدن يجد اليوم مشقة كبيرة بسبب ارتفاع درجة الحرارة زيادة عليها غياب الكهرباء التي باتت شغل الناس الشاغل حتى صاروا معها يتأوهون ليلاً ويكتوون نهاراً حيث ينقطع التيار الكهربائي عن عدن بمعدل 10 ساعات في اليوم والليلة تتفاوت أوقاتها من منطقة إلى أخرى فبعض المناطق يداهمها انقطاع التيار ساعة الإفطار والبعض مع صلاة التراويح وأخرى مع السحور ومنها في مطلع الفجر أو ساعة القيلولة ظهراً.

 وهكذا دواليك يقضي الصائم في عدن نهاره في ظمأ وحرارة طقس باحثا عن قطع الثلج وليله في أرق وظلمة باحثاً عن النور ومعها تغيب كل معاني الروحانية التي كانت تتغشى ليالي وأيام رمضان.

التذمر

أبدى مواطنون في عدن استيائهم الشديد مما أسموه باستهتار الدولة والسلطة المحلية بأوضاع الكهرباء التي أضحت من أكبر ما يؤرق الناس في عدن سيما في شهر رمضان المبارك الذي يصادف فصل الصيف, متسائلين عن كل تلك الوعود التي أطلقتها السلطة سابقا عن استعدادها الكامل لمواجهة فصل الصيف في عدن والإعلان عن طاقة إضافية من الطاقة الكهربائية تزود بها محافظة عدن خلال شهر رمضان, بينما الواقع الحالي الذي تعيشه عدن هو مخالف تماما لما قيل مطالبين قيادة السلطة المحلية توفير الطاقة الكهربائية والوفاء بالوعود التي قطعتها للمواطنين خلال وسائل الإعلام والتي كانت تتغنى بها ليل نهار.

النساء في رمضان

أثناء تجوالنا في عدد من مديريات عدن صادف أن التقينا ربات بيوت يبتعن لأنفسهن ولأزواجهن وأولادهن شيئا من الطبخات الجاهزة والمشروبات وأثناء سؤالنا عن سبب ذلك ؟ أجبن ربات البيوت بتأفف وتنهيدات عميقة قائلات: كأنك لا تعلم أو أنك لا تعيش معنا ؟ نحن لم يعد بمقدورنا القيام بالطبخ في البيوت بسبب الكهرباء فلا ثلاجات تحفظ ولا خلاطات تعمل ولا إنارات تضيء مما عكر علينا صفو متعة الطبخ فلجأنا لشراء بعض الوجبات والمشروبات من الأسواق مشيرات إلى أن المرأة في عدن تعاني أكثر من غيرها من انقطاع التيار الكهربائي حيث يضاعف الأعباء عليها إضافة إلى إصابة أغلب النساء بأمراض الضغط والسكر مما يجعل الحياة لا تطاق في شهر رمضان الذي كان دوما يحل ببركة أيامه وأنس لياليه لافتات إلى أن كثير من المشروبات والأطعمة بما فيها مشتقات اللحوم أو السمك أو ما يعرف بالعصائر والبدنج والجيلي واللبنية كلها لم تعد حاضرة في مائدة الإفطار التي باتت خالية من كل ذلك ماعدا الماء البارد إن وجد ثلج ) والتمر والشربة وحبات من الباجية والسنبوسة التي قالت ربات البيوت أنهن يبتعنها من السوق .

قتل الحياة

قال عدد من سكان محافظة عدن إن ليل رمضان لهذا العام حالك الظلام بسبب انقطاع التيار الكهربائي حيث تسبب في تعطيل الحياة الطبيعية للمواطنين التي طالما كان الناس يستمتعون فيها ويقضون مآربهم ما بين عبادة وتلاوة للقرآن أو مشاهدة البرامج الرمضانية أو التنقل في الأسواق لشراء الاحتياجات أو آخذ قسط من الراحة بعد يوم شاق من الصيام .

أعمال البر والإحسان

صادف أن ساهمت شخصيا في حملة خيرية قامت بها قطر الخيرية "مكتب قطر اليمن "بالشراكة مع مؤسسة سبل التنموية الخيرية ضمن مشروعها الرمضاني إفطار الصائم للعام 2014م المتمثل بتوزيع عدد من المواد الغذائية المتنوعة على الأسر الفقيرة والأيتام والأرامل والمحتاجين في مديرية البريقة تقدر ب 700 حالة خصصتها للفقراء والمساكين والمعوزين في عدد من مناطق البريقة منها ( قلوعة بئر أحمد بئر عيشة ومناطق الشريط الساحلي غرب عدن ( مشهور ـ مخنق بئر علي ) ضمن مشروعها الخيري في عدن ومحافظات الجمهورية ونفذت الحملة جمعية الفردوس التنموية النسوية م / البريقة والتي احتوت على (دقيق – سكر – زيت ) بهدف التخفيف من معاناة الفقراء والأيتام والأرامل والمحتاجين في هذا الشهر الكريم.

حيث انطلقت حملتنا في اليوم الأول الجمعة الذي سبق شهر رمضان المبارك إلى مناطق قلوعة بئر أحمد ـ بئر عيشة ) رافق الحملة أمين عام جمعية الفردوس أ ـ منى حسن ومشرف حملة التوزيع أـ أمينة الهاشلي بمعية شباب متطوع من أبناء مديرية البريقة أثمرت الرحلة الشاقة عن تقديم مواد غذائية لعدد 385 أسرة فقيرة.

للصحراء حديث شجون وآلام

 في ثاني أيام شهر رمضان المبارك عقب صلاة الفجر اتجهت قافلتنا نحو مناطق الشريط الساحلي غرب عدن ( مشهور ـ مخنق ـ بئر علي ) وهناك كان لتلك الصحاري المقفرة إلا من كثبان الرمال ولهيب أشعة الشمس المحرقة كان لها حديث يحكي معاناة ساكنيها المعوزين المعدمين من أدنى مقومات العيش الكريم وقد كانت مساكنهم تتوزع على الصحاري يمينا وشمالا وغربا وجنوبا منازلهم القش وسعف النخيل سقوفها من الخرق البالية لا تحمي من حرارة شمس ولا تقي من الأتربة وغبار الرياح وأشد من ذلك انعدام الماء والغذاء والصحة والتعليم حتى تساءل شباب الحملة عن كيف يطيق أولئك تلك الحياة القاسية ؟ وكيف هم لا يزالون على قيد الحياة ؟ وفيهم الضعيف والمسن والمرأة المنهكة والطفل الهزيل المحروم من حقه .

عوز السنين

كانت ملامح سكان مناطق مشهور ومخنق وبئر علي تحكي عوز السنين وشحة الإمكانات بدا لنا ذلك ساعة تقديمنا لهم المساعدات الغذائية حيث وقفت تلك المرأة البائسة تتحدث بكلمات نفهم بعضها ويستصعب علينا فهم بعض حديثها وهي تحدثنا تارة وطفلتيها أخرى بحديث محزن أليم حتى غلبها صبرها على أمرها فأرسلت على جفنيها قطرات حارة من الدموع هي كل ما يملك ويقدر عليه الضعفاء العاجزون اليائسون .

 أما تلك المرأة المسنة التي كانت تفترش خيمتها الخاوية من الريش وتردي "أسمالا" بالية تكاد تتشقق من شدة القِدَم لم نستطع النظر إلى عينيها الغائرتين واكتفى بعض الشباب بتقبيلها على رأسها ومن ثم مناولتها حصتها من المواد الغذائية وإن كانت قليلة إلا أنها غالية عندها بحجم قيمة الحياة وقد تركناها وهي تحاول الفرار بنفسها من همها وهمها لا يزال يسايرها ويتشبث بمواقع أقدامها وهي تكابد ضعفها ومرضها .

في منتصف الطريق كان أحد المعوزين من سكان منطقة مخنق يمد نظره الطفيف إلى أبعد مدى يستطيع الوصول إليه دون أن يقوى على الوقوف إلا أن له قلبا عطوفا تبينت لنا مدى سعة رحمته عندما أبى أن يتسلم حصته من المواد الغذائية إلا إن نحن منحناه حصة إضافية لأخيه المقعد طريح الفراش فتعجبنا لضميره الحي في قلبه وإن كان جسده لا يوحي بالحياة من شدة الفاقة فما كان من مشرفي الحملة إلا أن رقوا لحاله ومنحوه حالة إضافية لعلها تبعث في أسرته وأسرة أخيه حياة ولو لأيام .

دعوة للخير

من يريد أن يسجل الوفاء في صفحات القلوب عليه أن يمنح عطفه لأناس بسطاء يحيون في صحراء فقدوا فيها حظهم من لذائذ العيش الكريم وشاب حياتهم الكدر وامتلأت قلوبهم بالهم والألم بحثاً عن شربة ماء وكسرة خبز تعينهم على البقاء أحياء فهل يا ترى نجد منا من يستجيب ولو حتى في شهر البر والإحسان؟.

اخبار اليوم

 

Total time: 0.0569