أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

أقمار بغدادية، وأقمار دمشقية

- محمد علي الحلبي

بلا تحضير،أو ترتيب،وبدون موعد مسبق ، ومن قبيل الصدفة وجدتني ألتقي باثنين شدّني الودّ لمداخل الخير الكامنة في نفسيهما هما الكاتبة والروائية السورية«نور مؤيد الجندلي»والدكتور العراقي«أحمد جبري العمري».
لم يكن اللقاء عابراً، لكن استغرق ساعات، بل عدة أيام، وجماله وروعته، وحتى نقاء صوره كانت دائما عبر الكلمات المشرقة في صفاء نور النهار، وفي ضياء قمر الليالي الشديدة العتمة، لكن القمر تحوّل بقدرة خلاقة إلى أقمار بغدادية....عنوان رواية أبدعت فيها«نور»أسلوباً،وحكايا،ومعاني قيمة امتزج الإيمان الديني فيها مع أصالة الأمة العربية،لذا أكد الدكتور«العمري»وفي مقدمته للكتيب إعلانه الصريح والواضح " أنا منحاز إلى هذه الرواية لأنها اقتربت من جروحه البغدادية بشكل كبير وانحيازه هو انحياز إلى جروحه  " ، ويكمل في حروفه،وكلماته عناوين القيم،والأصول ،والجذور العربية ليقول:«سورية كانت الدولة الوحيدة التي فتحت حدودها للعراقيين في ذروة أزمتهم»ويتابع:«شكراً لسورية نيابة عن الملايين الذين التجؤا إليك،وحملوك أعباء فوق أعبائك،وشكراً نور بالنيابة عن كل أولئك الذين تركوا بيوتهم ذات يوم في لحظة مريبة حرجة لم يكن فيها أمامهم خيار آخر».

    كان لقاءاً في محراب الكلمة، وعلى غير معرفة شخصية بيننا - بين عرب من سورية والعراق... - ذلك دفعني أكثر،وأكثر للتعرف عليهما عبر ما كُتب،   فـ«نور»والألق واضح وجليّ في صورتها عندما يقول من أجرى مقابلة معها:«عدستها  تشف عن جمال روحها»وفي تلك الحوارية تردّ على محدثها قائلة:« أرقى أنواع الأدب هو ما كان أساسه كتاب الله تعالى،وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم» وتُكمل شرحها  الإيماني «  ولكل عمل ثمرة،والثمار أنواع فلا تمتاز ثمرة عن أخرى إلا إن كانت من بذرة طيبة في أرض طيبة ترعاها يدّ طيبة،وتسقى بماء طاهر نقي،وترعاها شمس بهية،ولكي نحصّل أطيب الثمار لابد وأن نجتهد منذ البداية في الغراس«.
وفي نسكها،وتعبدها لله جلت قدرته،وسعيها الدائم نحو إظهار عفة الكلمة،ولأنها رائدة في مجال الأدب تشرح معنى طهر الغزل فتقول:«الغزل من أصناف الأدب والشعر المتعارف عليهما منذ القدم،وهو فن مقبول إن كان ضمن ضوابط محددة،كأن لا يكون موجهاً لامرأة محددة ينتهك فيها حرمتها،وألا يكون فاحشاً يصف الشكل،ويثير الغرائز،والغزل يمكن أن بغدو أداة هدم وتدمير،فما وافق الشرع  منه مقبول،وما خالفه فهو مرفوض مطلقاً،والمسلم الواعي هو من يدرك أبواب الخير فيلجها» ولأنها مؤمنة الإيمان الكبير بقدسية الكلمة المقتبسة من نور الذات الإلهية , رُحت أجمع عناوين لإبداعها،فوجدتني أمام قصتها(عندما لاح الهلال)  والتي حصدت المركز الثاني عليها في مسابقة  بيت الجود،و(طيور بلا أجنحة) وهي مجموعة قصصية،كما أنها أعلنت عن وفائها لغزة،وأهلها،ولمقاومتها في كتيبها (رصاصة من غزة)   ولم تنس زوجها فخصته بــ  (إليك يا زوجي أوراق الورد والودّ) وشدّت رحالها إلى روائع القصص القرآنية،وقصص الأنبياء،كما وحصلت على المركز الأول في مسابقة الخاطرة في رابطة الواحة الأدبية عن خاطرتها(رفات المجد)  , والتعريف بهذه المبدعة يطول،ويطول لكثرة عطاءاتها المتجليّة  في حروفها .    

    وصاحب المقدمة الكاتب الدكتور«العمري» من مواليد بغداد،وينتمي للأسرة  العمرية في الموصل التي يعود نسبها إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... كان كوالده مؤرخا وقاصا عُرف بأنه كاتب إسلامي عبر مؤلفات حوت منحى التجديد في طرح الموضوعات بأسلوب أدبي متميز،والمشهود له استنباطه للمفاهيم من القرآن الكريم من الجذر اللغوي للفعل،فهو يقوم بمسح الاستخدام القرآني للفظ في كل المواضيع،ويخرج بنتائج مترابطة ضمن منظومة فكرية قرآنية،ومن ذلك تأصيله لمفهوم العقل في القرآن عبر اعتماده على الجذر اللغوي للفعل...عَقَل الذي يعني الربط،  , فهو ينتقل من هذا المعنى عبر إجراء مسح قرآني ليصل إلى أن العقل هو الربط بين الأسباب والنتائج،وهو ناقد بارع للأفكار والمفاهيم الغربية الرائجة في البلاد العربية،ويتجلى ذلك بزخم ووضوح في كتابه  (الفردوس المستعار والفردوس المستعاد) لذلك يتخذ موقفاً مؤيداً،وبشدة للثورات العربية التي رفعت شيوخاً ومثقفين،وأسقطت آخرين،ومن كتبه "البوصلة القرآنية :إبحار مختلف بحثاً عن الخارطة المفقودة " وكذلك (ليلة سقوط بغداد)إضافة إلى سلسلة (ضوء في المجرّة)  و(أبي اسمه  إبراهيم  ) وهو طبيب الأسنان وتكريماً له،واعترافاً بجهوده فلقد أسهمت  شركة «فنجان»  لتقنيات المعلومات في ماليزيا بإهدائه موقعاً " إليكترونياً  "  ، وأسهمت في جهود إنشائه تحت اسم  -  القرآن من أجل النهضة -   الحاوي للدراسات القيّمة القرآنية.

    أما عن مكان اللقاء،فقد كان في الظلال الوارفة للأقمار البغدادية....الرواية التي حَوت،وضمت في أوراقها معاني عدة فيها من السمو والتناقض الشيء الكثير شأنها شأن أية حياة لأسرة في عالمنا اليوم،لكن أضاف الاحتلال الأمريكي عليها أبعادا مأساوية تتبدى في أيام الأسرة، ولتصبح في إطار الواقع الأليم  صورة شمولية تغلف ساعات بل دقائق كل الأسر العراقية.
في مطلع القصة، وبطلها أحد أفراد الأسرة المكوّنة من خمسة أفراد...أم،وأب،وثلاثة أبناء يعبّر عن إيمانه العميق بربه،ورسالته السماوية،وفي نهايتها يضيف  إيمانه بالوطن وبقائه المدعم بحقائق التاريخ،وفي جنبات الحروف تتوزع المآسي والآلام،والتحديات الصعبة لها تدفع بها آمال ثرية ثراء نجوم السماء بالمستقبل....فيها سرد لوقائع عاشتها الشعوب التي احتلت أراضيها.
الرواية،والبطل يقول من بلد المهجر:«رحلت الشمس،وعمّت السكينة على المدينة الحسناء،وأضاءت دمشق قناديلها لترسل رسالة أخرى لكل من يفتقد الضوء بأنني  أنا ملكة الشمس...كنت على مرّ الزمان منارة يقتبس من نورها فتملأ الآفاق وهجاً وجمالا ً»,يتذكر،وقبل مغادرته لبلده العواصف التي اجتاحت قلبه،فأسقطت فيه سقوف الراحة الحصينة وأعمدة الحرية المكينة ،والأعاصير التي اقتلعت  أشجار السعادة من داخله،ثم سمت نحو السماء،ومدّت جذورها عميقة في شرايينه حتى خالها معمّرة قروناً،ونوبات الألم التي اجتاحته قبل أن تجتاح بغداد،وأن الأمل دائماً في صمودها.... وهو الناظر في كل حين إلى المستقبل على أنه سيأتي مشرقاً، وغداً يحمل كثيراً من النجاحات على كل الأصعدة.
لقد تلقى والده تهديداً بأن يغادر المنطقة قبل أن يرى أفراد عائلته جثثاً هامدة كما حصل مع جار لهم في حيّ مجاور،والمشهد الأشد إيلاماً اختفاء أخيه فؤاد،وقد طلبت عصابة المختطفين فدية خمسين ألف دولار لإعادته،واضطرت الأسرة لدفع آخر مدخراتها لإعادته لهم سالماً،وتبدأ رحلة العذاب والهروب من المدينة الأحب على القلوب،والبيت الذي احتوى ذكرياتهم سنين طويلة حلوة جميلة،وقبل الرحيل يجمع الابن كتبه على مكتبة كتاباً تلو آخر،ويضع فوقها كتاب الله،ومعه إيمان كبير بربه إضافة إلى إيمان اعتقادي ثابت بأنه سيكون أول ما سيقرؤه حال عودته،وتلملم الأسرة جراحها لتنطلق إلى أيام الغربة وآخر ما يذكره كانت قبلة وداع على خد جده ، وعند بدء الرحيل  لم يكن أحد أفرادها موجوداً ،وبعد العثور عليه كان قد ذهب لوداع صديق له وجده جثة هامدة على الأرض قد مُثل بها،وألقيت كما ألقيت الجيف،وفي السيارة اجتمع الجميع بما فيهم الأخ الثالث«المنغولي»المعاق،فلقد وُلد وأقران له أثّر في تكوينهم اليورانيوم المنضب الذي ألقت به القوات الأمريكية قبل أكثر من عشرة أعوام،وعاد قصف الاحتلال ليستمر مُهدماً البيوت،وحاصداً الأرواح،وفي دمشق،وفي حيّ قدسيا،وقد سعى«عبد الله»صديق الوالد لهم بشقة أقل من عادية لاستئجارها،  "  وفي اليوم التالي للسكن عرفت إحدى الجارات بقدومهم من العراق فأرسلت قطع الحلوى،وأكواب  العصير البارد لتنجدنا من لهيب الحرّ إذ كانت الثلاجة مقفلة...بعدها أتحفتنا أخرى بطبق من الفتة الشهية أرسلته لنا  مع ابنتها الصغيرة،وقد لقنتها كلمات لطيفة لائقة للترحيب بنا...لقد أسعدني وجود من يقف إلى جانب أمي في هذه المرحلة فليس هيناً أن تقتلع من وطن لم تعرف سواه،وأهل وجيران،وأصدقاء هكذا ببساطة،ولا تشعر بمرّ الفقد،وأحزان الفراق " ،والعم  «عبد الله»  أمّن للوالد عملا ًفي الحسابات في المعمل خفف عنه انزعاجه بسبب المال المفقود فما دام المرء حياً فإن بإمكانه أن يتفاءل ويأمل،والمرتب كان كافيا ليغطي مصروفاتنا،وتمّر الأيام،ودولاب الزمن يدور،وينتسب الابن لجامعة دمشق لمتابعة الدراسة،ومن شدة حرصه على المطالعة،وأستاذه«سليم»يمتلك مكتبة رائعة،وقد نشأت بينهما معرفة،وفيما هو يراقب ويدقق في الكتب المصفوفة فوق الخزن سأله أستاذه:ماذا تريد؟!.. . " فأجبته:كتباً ومراجع للإيجار،لكنه ابتسم،وقال:لكننا لا نؤجر الكتب،بل نبيعها!!..وبعفوية قلت :يجدر بكم أن تؤجروها من أجل الربح،ولتشجيع الثقافة،ومساعدة الجيل الواعد،فابتسم،وقال:أنت عراقي،أليس كذلك؟!...أجبته:أباً عن جدّ، وأنني بغدادي بجدارة، فما كان منه إلا أن قال لي:سأحقق لك طلبك على الفور...خذ ما تحب من المراجع،وخذ وقتك في الاطلاع عليها ".
وفي الجامعة، الكل كان يعامله معاملة شبه خاصة منذ اللحظة الأولى لأنه عراقي بملامح عراقية، ولهجة عراقية، وفي مناقشة له مع بعض الطلبة الأصدقاء يسأله أحدهم:لماذا يقوم الإسلاميون بحركات التفجير في الأسواق، ويقتلون الأبرياء؟!....والجواب كان:لا تثقوا بكل ما يقال.....قد يحصل أن تكون سائراً في الشارع فتخطفك جماعة مجهولة،ثم يضعونك في سيارة مفخخة،ويتحينون الفرصة التي يتجمهر بها عدد لا بأس من البشر ويدعونها تنفجر.
وعن المقاومة،فلقد تشكلت من أبناء العراق المخلصين لمقاومة الاحتلال الغاشم هدفها تطهير البلاد من دنسّهم حتى النصر المبين بإذن الله،لكن ما يحدث يستهدف أن تتزعزع صورتها في عيون الناس،وأن تشوّه أيضاً،وسأل أحدهم:ما هي أحوال أطفال العراق؟!..وجاء الجواب سريعاً:لديّ أخ منغولي بسبب أحداث الحرب،وآخر لا ينام إلا قليلا ًإذ يعاني الكوابيس كل ليلة فلا يعرف الهدوء،ولا الأحلام السعيدة التي يراها الأطفال....
ويخسر الوالد عمله لكنه يشارك آخر كبائعيّن متجولين، ويصاب بنوبة قلبية مفاجئة، وينقل للمستشفى، ويقرر الأطباء إجراء عملية له لكن من أين للعائلة المال؟!....فلم يجد بداً من الاستنجاد بالعم الدمشقي«عبد الله»فيسدد لهم الدفعة الأولى معتذراً وبشفافية إنسانية عالية بشرح كيف استدان المبلغ من أقربائه،أما الدفعة الأخرى فقد اعتمدوا على ما ادخروه،وثمن حليّ أمه وفيها ذكرياتها،وتاريخ علاقتها مع الوالد ،ورغم كل ذلك لم يكف ما جُمع لعلاج الوالد والأخ الذي التحق بقائمة المرضى،لكن المروءة ، وقدر الله جعل من صاحب المكتبة عندما زرته ، وقد توقف عن قراءة القرآن ليستمع مني إلى ما جرى،وباندفاع إيماني قدّم لي باقي المبلغ،وتدور الأيام بسرعة،ونختطف بد المنون روح الوالد،والبؤس والحزن يزدادان،لكن أبدا تعود الطيور إلى أوكارها،فعاد للجامعة ليلتقي بالفتاة الدمشقية التي أحبها،والتي ما زالت تدرس هناك تحت الشجرة لم يتغير مكانها،    " ولكم وددت أن تسألني عن أحوالي،فأنا صوت المهاجرين...غنوة اللاجئين من دمار النفوس أعلن استقالة صامتة من كوني طالباً هنا،وانضممت إلى فئة الكادحين " ،ويتابع:لقد استجمعت أفكاري لأترك قبل رحيلي رسالة وداع  " ذات يوم سقطت بغداد...حكم ظالم،وأيد خائنة....أطماع ثائرة، وشعب أصغى لوسوسة الطائفية، فعمت الفوضى، وراح يقتل بعضهم بعضاً...سقطت بغداد،لكنها لم ترحل،وإن كان الجميع قد رحلوا عنها،أو سيرحلون لتبقى وحيدة " ،وفي حيرته وشقائه وجد المنفذ،فصار كأبيه بائعاً متجولا ً لتأمين قوت للعائلة، والأم راحت تبدع بيديها سلالا ًمن شرائط الساتان الملونة للتزيين،وقماش الدانتيل من الداخل والخارج بشكل جميل،إضافة إلى الزهور القماشية،وساعدتها جارتها ،فطلبت من أخيها ولديه متجر شراء ما تنتجه والدتي , إن أمي رائعة....رائعة بحق.

     وقادته الصدف باتجاه أستاذه، ليسأله عن حاله طيلة مدة غيابه الطويلة حيث حدثه بإيجاز عما تمّ، وعن عمله، وبأنه يسعى جهده لسداد الدين المترتب عليه له، لكن الشهامة والنبل اللذين اعتادهما كإنسان عربي " قال:أنا لم أعط أي نقود...هيا انس الأمر" ،وطلب مني أن  أساعده في عمل المكتبة،وبذا  أمن لي الراتب،وتركني أتجول في  أرجاء المكتبة أنتقي منها للقراءة الكتب التي تنعش الآمال و زيادة حب  وعبادة البلد ،وببقائها رغم كل النكبات، واستهوته كتب التاريخ وأحدها يتحدث عن بغداد التي حوصرت،وذبح سكانها أكثر من عشر مرات،وفي بعض المرات اضطر المحتلون إلى الخروج من المدينة هرباً من رائحة الجثث بعد قتل مئات الألوف من سكانها.
-    لقد بدأ هولاكو سلسلة الذبح والقتل عام1258ميلادية حين حاصر المدينة،وضرب أسوارها بالمنجنيقات،ثم ذبح جميع الذكور،واستباح المدينة التي سقط فيها مليون قتيل.
-    بعد خمس وثلاثين سنة عاد حفيد هولاكو تيمورلنك إلى بغداد ليقتل عشرات الألوف،وليعذب الناس في الشوارع لانتزاع أموالهم.
-    بعد عام واحد من احتلال تيمورلنك لبغداد ضرب السلطان أحمد حصاراً حول المدينة،ودخلها عنوة،وارتكبت مجازر في شوارع بغداد راح ضحيتها هذه المرة جنود تيمورلنك.
-    عاد تيمورلنك إلى بغداد ليحاصرها أربعين يوماً،وأمر جنوده بإبادة سكان المدينة عن بكرة أبيهم،فأقيمت في بغداد عدة أبراج من رؤوس القتلى بعد هدم المدينة وجوامعها،وتدميرها.
-    أعاد العراقيون بناء مدينتهم من جديد،ولكن بعد سبع عشرة سنة سقطت للمرة الرابعة بعد أن حاصرتها جيوش«قره يوسف»الذي أسس دولة الخروف الأسود التركمانية.
-    بعد أقل من تسع سنوات سقطت بغداد للمرة السادسة حين حاصرها السلطان جيهان باشا.
-    بعد سنوات قليلة حوصرت بغداد من قبل جيوش تتبع مقصود بن حسن الطويل الذي كان يمثل القبائل التركمانية،وقتل،وذبح ما تيسر له.
-    والسقوط التاسع لبغداد كان على يد إسماعيل الصفوي الذي ذبح أغلب سكان بغداد.
-    أما العاشر فتم على يد ذو الفقار بن علي،وهو كردي تمكن من تصفية النفوذ الصفوي في بغداد،وطلب من العثمانيين العون لتثبيت حكمه.
-    عاد شاه إيران طهماسب،فتوجه إلى بغداد على رأس جيش جرار،وحاصر بغداد لكن الأخ الأكبر للوالي الكردي ذو الفقار فتح الأبواب للجيش الإيراني الذي ارتكب مجازر في المدينة.
-    في عام1524حاصر السلطان العثماني بغداد،وتمكن بسهولة من اقتحامها،وقتل بقايا الصفويين.
-    حوصرت بغداد من قبل الانكشاريين،والإنجليز،والعثمانيين،والإيرانيين إلى أن سقطت بيد الهاشميين،فحولوها إلى ماخور سياسي للغرب.

     وهكذا ذهب الجميع،وباتوا يحملون أوزار جرائمهم،وبقيت بغداد كعادتها صامدة شامخة لم تذلها المهانات،ولا حقارات الآخرين،وشعبها صامد على كل المحن،وفي نهاية القصة تعود الذكريات لراويها،وتنتابه الغصة في كل لحظة وهو يفكر في أعداد الضحايا التي تزداد،وتختنق العبرات وهو يفكر في مليون أرملة اللواتي يعشن في غصة الفقر،وفي كمّ الأطفال المشردين،وغيرهم من المشوهين،والمعوقين،والأيتام،ويفكر في الأمان المتلاشي في فوضى استعراض القوة،وجنون الأنانية،وفي الحضارة المسلوبة،والثروات المنهوبة،والقطع الأثرية القيّمة التي تتصدر أشهر متاحف العالم،ويمسح دمعاته وهو يتجول في دمشق التي احتوت ألمه،وضمدت جرحه،وكفكف دمعه وهو يجوب رحاب الأموي،وأسراب الحمام فوقه لا تكف عن التحليق،وبعد تجوال قصير له في المدينة يجلس على صخرة شماء فتلوح في خاطره كلمات العم «سليم»  أنتم يا أقمار بغداد....العراق تجري في دمائكم،والحضارة تضيءْ جباهكم وقلوبكم،فلا تذعنوا لصوت الحزن،ولا تظنوا أن بغداد ستستسلم لفكرة السقوط.

    في النهاية أجدني منحازاً،وباختيار طوعي محبب الانحياز كله للكاتبة العربية السورية الحمصية ، ولكاتب المقدمة  العربي العراقي الموصلي العمري،وأستميحهم العذر لأطلق على ما كتبت أقمار بغدادية تتلاقى مع أقمار دمشقية في رحاب الأمة العربية.
    إنها الأصالة والقيم الخالدة الكامنة في هذه الأمة رغم كل المؤامرات.

 

Total time: 0.0626