أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

الدكتور المتوكل الحائر بين ثورة الشباب وبين من ثار الشباب ضدهم

- علي محسن حميد

كان الدكتور محمد عبد الملك المتوكل من الشخصيات القيادية القليلة التي ارتبطت بثورة الشباب في مرحلتها الجنينية في صنعاء وقبل أن تتحول إلى ثورة بأهداف معلنة وأمكنة معينة وأنشطة يومية وأسبوعية في 18 محافظة يسلط عليها الإعلام أضواؤه ويندد بها صالح وإعلامه. ومنذ البدءكان حريصا على أن تظل الثورة معبرة عن الشباب وليس عن شيوخ المعارضة.

وطوال عام الثورة لم يقل إلا كل مايمكن أن يدعم الثورة ويشد من أزرها ويوحد كلمة شبابها وشاباتها وكان في حالة تناغم مع الثوار ومع المشترك الذي ترأسه قبيل أن تصبح الثورة ثورة مكتملة الملامح ومعترفا بها ومؤيدة من قبل غالبية الشعب .

وبعد كل ذلك لم يكن يتصور أحد أن تتسبب حادثة الموتوسيكل في تغييره لأولوياته وبعض قناعاته بعد عودته من رحلته العلاجية في الأردن التي اتهم( بضم التاء) الرئيس السابق بتدبيرها كما دبر اغتيالات ناجحة وفاشلة من قبل لبعض من يضع الدكتور صورهم في منزله اعتزازا بهم وهو يعرف الفاعل. وبعد العودة لم يؤيد الدكتور هذه المزاعم ولم يدحضها وأبقى حادثة الموتور سيكل معلقة بين طرفين أحدهما خصم مستجد للرئيس السابق ولم ينزع الهدف السياسي منها.

بعض الحوادث قد تسمو بالإنسان وتحوله إلى ملاك.

حدث هذا معي في عام 1973 عندما خرجت من السجن وأنا لاأكن أي ضغينة ضد سجاني ومن عذبني وحتى ضابط الأمن علي العتمي الذي كنت أتمنى أن لاأواجهه في السجن لما عرف عنه من قسوة قابلته عند بوابة الأمن وأنا عائد إلى منزلي مبتسما وكأني لم أكن مسجونا .

وردا على سؤاله عما ماذا جاء بي قلت له والخوف لم يعد يلازمني وأشيائي في قطعة قماش التي أفرج عنها على الأرض باستثناء مجلة شهرية كانت تصدر في عدن كتب بها الزميل د.علي عبد الكريم الأمين العام المساعد للتجمع الوحدوي اليمني مقالا عن انجلز.ماسمعته من الدكتور المتوكل وماقرأته أخيرا أعادني 40 سنة إلى الوراء ولكن تلك الحالة من السمو والترفع والتسامح لم تصاحبني كثيرا إذ سرعان ماعدت إلى بشريتي كما يعود من يرافق جنازة أو بعد سماعه لخطيب جامع.

زيارة الدكتور للرئيس السابق:
بداية لاحجر ولاوصاية لأحد على آخر وكل شخص حر تماما في أن يقول ويفعل مايشاء ويحدد من المواقف مايراه صحيحا وينشئ من العلاقات مايراه مناسبا. وعن زيارة الدكتور المتوكل للرئيس السابق أعود قليلا إلى الوراء لأقول بأن الأخير صاحب فضل على د.المتوكل عندما ساعده من "خزينة الدولة" لكي يزرع الكبد في الولايات المتحدة عام 2002 ولاأتذكر بأن الدكتور قام بزيارة خاصة له ليشكره كما عمل هذه المرة وقداستمر في موقفه المعارض له مما ولد مرارة لديه بعد أن توهم أن الدكتور بعد العملية لن يكون هو نفسه بعدها وأنه يمكن استئناسه أو على الأقل أن يلزم الصمت حيال سياساته وعبثه بالبلاد وبالعباد. وهذه المرارة كانت وراء حملة اتهام للدكتور من قبل إعلام صالح بأن الصهيونية مولت تكلفة العملية البالغة نصف مليون دولار في الوقت الذي دفعت الحكومة التكلفة من ناحيتها . وفي الظروف الحالية الاستثنائية التي يزيدها صعوبة تدخل الرئيس السابق فيما لايعنيه بعد الحصانة التي منحت له لممارسته سياسات انتهكت حقوق الإنسان ولارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانسة وهذه وحدها كفيلة بأن تسوقه إلى محمكة الجنايات الدولية لو لم تنجيه الحصانة. بمعنى آخر أنه لايشرف أحدا وخاصة من الذين كانوا على رأس قيادة الثورة ضد نظام صالح أن يضع يده في يدقاتل قديم - جديد. إضافة إلى مايلمس من إعاقة أسرته التي لاتزال تسيطر على قوة عسكرية وأمنية هامة للانتقال السلس في مرحلة الوفاق الوطني والتي يراها كثيرون مصدر تهدد لشرعية الرئيس هادي وقدرته على إدارة المرحلة الانتقالية بحرية كاملة . ولذلك أرى أنه لم يكن هناك أي مبرر للزيارة لأسباب عدة من بينها أولا: أن إسعافه إلى الأردن تأخر كثيرا وكان التأخير متعمدا مما أثر على صحة الدكتور وهدد حياته وأبطأ علاجه وهو يعي هذه الحقيقة. ثانيا أنها تمت بعد خمسة أشهر من عودته من عمان وطوال هذه الأشهر كان الرئيس السابق في صنعاء. ثالثا أنها تمت بعد حالة من الافتراق غير المعلن أو التباين المعلن بين الدكتور وبين المشترك وهو افتراق من جانب واحد ولاينسحب على اتحاد القوى الشعبية الذي كان الدكتور ( ولايزال) يمثله في قيادة المشترك. رابعا تردد أن الدكتور حانق من المشترك لأنه لم يبد الاهتمام المطلوب به أثناء مرضه في الأردن .خامسا أنها تمت بعد ان ظل الدكتور يردد أن ماتحتاجه اليمن هو بناء الدولة المدنية التي لاتقصي أحدا حتى الذين ارتكبوا مجازر بحق شباب الثورة ويعبرعن توجسه من خطف ثورة الشباب لصالح طرف في صراع ليس الشباب منحازا له من حيث المبدأ بل يعتبره الشباب جزء من المشكلة وليس من الحل. سادسا أن من رافق د.المتوكل في زيارته ليس محايدا في صراع صالح مع خصومه وهذا مما قد يضعف السبب المعلن للزيارة. سابعا لآيزال الدكتور عضوا في المجلس الوطني للثورة الشبابية السلمية وفي قيادة المشترك ويتوقع منه أن يلتزم قولا وفعلا بأهداف الثورة التي تعارض الحصانة الممنوحة للرئيس السابق وتطالب بمنعه من ممارسة العمل السياسي ومحاكمته وتحمله وزر التعثر في الانتقال السلمي للسلطة والإصلاح المؤسسي وهيكلة الجيش والأمن والوقوف وراء مصاعب لم تشهدها اليمن قبل مرحلة الانتقال .

المبادرة الخليجية والوفاق الوطني: الفهم الملتبس
للدكتور المتوكل فهمه الخاص للوفاق الوطني برغم انتمائه إلى أحد فريقي الصراع ثم الوفاق.هو يريد وفاقا يبقي على الرئيس السابق طرفا سياسيا بدون استيعاب لمتغير جديد يفرض عليه الاستقالة من رئاسة المؤتمر ليس لفشله في قيادة البلاد وإيصالها إلى وضع كارثي يتعرض فيه للموت مليون شخص جوعا ولكن احتراما لتقليد ساد فيه منذ عام 1982 وهو أن رئيس الجمهورية هو رئيس المؤتمر لتسهيل إدارة المرحلة الانتقالية لخلفه. الدكتور لايفرق بين وجودصالح اللاشرعي على رأس المؤتمر وبين حق رئيس الجمهورية هادي في رئاسته ولا يستوعب الأزمة التي بين الرجلين بسبب إصرار صالح على توظيف وجوده في المؤتمر لصناعة الأزمات. من جهة ثانية هو يدرك أن لاأحد يريد أويستطيع استبعاد المؤتمر من المشاركة في أي حوارويخشى من حدوث اختلال في توازن القوى الحالي الذي لم يفضي بعد انحياز اللواء علي محسن إلى الثورة إلى تحقيق الثورة لكل أهدافها والذي ربما أضرها هذا الانحياز أكثر مما أفادها لأن صالح لم يكن يستطيع بأي حال من الأحوال حسم الصراع ضد الشعب عسكريا. أما عن إعادة هيكلة الجيش والأمن الدكتور فلايرى أنها ضرورية ولها أولوية وضد الوفاق ويربطها ببناء الدولة المدنية الحديثة عبر الحوار متجاهلا في نفس الوقت أن هذا البناء سيتم عبر حوار تتبناه الدولة وفق المبادرة الخليجية ودستور جديد وأن أي حوار آخر خارج المبادرة قد يكون استرشاديا في أحسن الأحوال وقد لايكتب له النجاح لأن الأطراف السياسية لن تبعثر جهودها في حوار آخرخارج السياق . ويدرك أيضا أن شباب الثورة يصرون على عدم إعادة إنتاج نظام صالح بوجوه عسكرية وقبلية جديدة وأنهم منذ بداية الثورة أعلنوا أن المواطنة المتساوية ضد الإقصاء وفي نفس مع المشاركة المدنية المتساوية وليس باسم العسكرية أو القبلية أو الدين. الكل يشارك كمواطنين متساووين لاتسبق أسماءهم أي ألقاب أو رتب. ويرى أيضا أن لاعلاقة بين الحوار وبين إعادة الهيكلة العسكرية والأمنية رغم إدراكه التام بأن الهيكلة والإصلاح المؤسسي جزء لايتجزء من المبادرة الخليجية وأنهما لن يتما نزولا عند رغبة طرف سياسي ولكن تنفيذا لالتزام وطني. وفي تحول غير متوقع وخلط ليس في محله ينتقد د.المتوكل المشترك لأنه " لايعي مضامين المبادرة والتسوية السياسية وأن الرئيس السابق هو رئيس المؤتمر ومن حق الأخير أن يختار من يمثله في الحوار كما أنه حر في اختيار رئيسه" ( أنقل هنا عن مصدر منحاز لطرف في الصراع ويصعب علي وأنا خارج صنعاء تحري أمانته في النقل).

للتذكير:
يعرف الدكتور المتوكل أكثر مني كم عبث المؤتمر بكل الحوارات على مدى عقد من الزمن وأن اي حوار لايوصل إلى النتيجة التي كان يريدها ينكص عنه. في 31 اكتوبر 2010 نشرموقع وكالة سبأ آخربيان للمؤتمر الشعبي حول الحوار مع المشترك الذي استئونف بموجب اتفاق فبراير 2009 ولم يؤدي إلى نتيجة حتى اكتوبر من عام 2010. يقول البيان الطويل جدا الذي اختتم بأية قرأنية عبر فيها المؤتمر عن أن الله سبحانه وتعالى قد هداه وحده إلى الطريق القويم ولم يزغ قلبه" ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهيئ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" وجاء في البيان أن المشترك يزرع العراقيل ويدعم العناصر الانفصالية ويريد إيجاد فراغ دستوري وتأكل لقواعد الشرعية الدستورية الخ...ولذلك قرر المؤتمر خوض الانتخابات منفردا . ومعلوم بعد ذلك للدكتور أن صالح أرسى مبدأ التوريث بتعديله المادة 112 في يناير 2011 وبعد كل هذا يريد أن يتحاور معه لبناء الدولة المدنية الحديثة وهو الذي فرّخ حزبا بديلا لحزب الدكتور وعين له أمينا عاما كان من بين أطراف المبادرة الخليجية.

المحاصصة:
يتفق كثيرون مع الدكتور المتوكل بأن تظل المؤسسة العسكرية والأمنية والخدمة المدنية خارج المحاصصة السياسية وأن المحاصصة تهدم ولاتبني دولة جديثة وأن تكون الوظيفة فيها للجدارة والكفاءة وليس غنيمة.ولكن توجيه الاتهام إلى المشترك وحده في أنه يغفل تماما التفكير في بناء الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية العادلة وأن كل تفكيره منصب حول تقاسم الوظائف فيه مبالغة واضحة أو عدم دقة تذكرني بسؤال وجهه مقد برنامج أسبوعي في قناة العربية قبل سنوات للشاعر محمد الشرفي عن من يهمش دور المرأة في اليمن وقد كان رده"الحزب الاشتراكي" وأعتقد أن الوضع القيادي للدكتور في المشترك يخول له ومن الداخل نقد أي موقف للمشترك إلا إذا كان قد قرر تركه بهدوء وربما يكون ذلك هو الحال لأن بيان اتحاد القوى الشعبية عن زيارته للرئيس السابق يشير إلى وجود أزمة بينه وبين الاتحاد تضاف إلى أزمته التي لم تعد صامتة مع المشترك. وبناء على كل ماسبق أتمنى من الدكتورأن يركز على الأولويات التي تخدم قضية التغيير المتعثر لأسباب لايجهلها، قضيته هو، احتراما لتضحيات الشباب واستمرارا لمواقفه التي كانت دوما مع القضايا العامة .

Total time: 0.0539