اخبار الساعة - د.طارق الحروي
- وهذا ما سوف يتم تناوله في موضوع مقالنا هذا من خلال تسليط الأضواء على زاوية خفية في هذا الحدث الإقليمي الفريد من نوعه في تاريخ العلاقات الدولية من منظور إستراتيجي، تتعلق بماهية وطبيعة الترجمة الحقيقة لمضامين المبادرة الخليجية بما تحمله من معاني ودلالات ومؤشرات بهذا الشأن على صعيد حاضر ومستقبل اليمن- أولا- وعلى صعيد مستقبل العلاقات اليمنية- الخليجية والسعودية منها- بوجه خاص- ثانيا- وعلى صعيد علاقات اليمن بدول المحور الأمريكي- الغربي وحلفائه- ثالثا- بصورة نستطيع من خلالها الوقوف بجدية كي نتمكن من الخروج من نطاق حدود الرؤية السطحية له.
- ومما تجدر الإشارة إليه بهذا الشأن قبل الخوض في خضم هذا الأمر إن وجهة نظرنا التي سوف استعرض بعض أهم ملامحها الرئيسة تأتي باعتباري متخصص في الشئون الاستراتيجية الذي يعد الملف الخليجي واليمني- السعودي منه خاصة واحدا من الملفات الأساسية التي تقع ضمن دائرة اهتماماتي والتي مازلت أحث الخطى باتجاه التعمق أكثر فيها واستيعاب حيثياته وهذا ما حاولت تناوله في عشرات المقالات المنشورة لنا بهذا الشأن يأتي في مقدمتها مقالاتي المنشورة في مجلة مدارات الصادرة عن مركز سبأ للدراسات الإستراتيجية، صنعاء، ع (6)، نوفمبر/ ديسمبر 2010م بعنوان (تكتيك آني أم رهان إستراتيجي: مُسألة طموحات اليمن الخليجية!!).
- أو من على صدر الصحافة المحلية الالكترونية وصحف الوسط والمصير والدار بعنوان(حركة التغيير شبه الصامتة في اليمن: محطات بارزة نحو ولوج مرحلة دولة النظام والقانون المنشودة !!) و(العلاقات السعودية- اليمنية: لمحات بارزة نحو ولوج المرحلة الذهبية المنشودة...!!) و(إرهاصات حركة التغيير في اليمن: حقيقة الموقف السعودي...!!) و(قراءة في البعد الاستراتيجي حول حقيقة أبعاد الموقف السعودي- الخليجي في الأزمة اليمنية، في ضوء إرهاصات المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة !!) و(قراءة أكثر عمقا في حيثيات المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة لحل الأزمة السياسية- الأمنية اليمنية !!).
- ووفقا- لما أصبح لدينا من روى وأطروحات لها شأنها بهذا الأمر وبالاستناد على ما أوردته من مؤشرات لها شأنها في ثنايا المقالات المنشورة الأنفة الذكر، يسعني القول عند محاولتي الخوض في خضم هذا الأمر بأنه يمكن إعادة صياغة وبلورة بعض أهم المعالم الرئيسة لهذا الأمر في أربعة اتجاهات أساسية، الاتجاه الأول له علاقة وثيقة الصلة ببعض أهم المعاني والدلالات التي تؤشر ها المبادرة والتي يمكن إعادة صياغة أهم معالمها الرئيسة في أربع معاني ودلالات رئيسة، الأولى إن كانت في الشكل نتاج للحظة بعينها فرضها توجه وموقف ومصلحة بعينها، لكنها بالدرجة الأساس ما هي سوى امتداد طبيعي وتتويج حقيقي لمرحلة مضت ومرحلة جديدة بدأت.
- على اعتبار أن ما جرى ويجري وسيجري ما هو سوى امتداد طبيعي لمسار حركة التغيير الوطني شبه الصامتة التي بلغت ذروتها منذ نهاية عقد التسعينيات، عندما قررت أن تكسر كل ما أحاط بها في اتجاه ولوج مرحلة التأسيس الفعلي لمرتكزات الدولة المدنية الحديثة على الجانبين النظري والعملي بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة تحت مرأى ومسمع عناصر التيار التقليدي المحلي والإقليمي وبالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع التيار الوطني المعتدل في السلطة السعودية الذي يقف على رأسه الملك عبدالله بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه.
- انسياقا مع مسار مجريات الأمور المجسدة لأولويات المصالح الوطنية العليا للشعب السعودي واليمني ومصالح الأطراف الدولية والإقليمية المعنية التي أصبح من الصعب تجاوزها وتجاهلها، والتي حال التيار التقليدي الإقليمي والمحلي دون إعادة استيعابها شكلا ومضمونا في توجهات ومواقف البلدين في الفترة الماضية، بحيث ظلت العلاقات السعودية- اليمنية الرسمية تسير عكس التيار في البيئتين الداخلية والخارجية.
- والمعنى والدلالة الثانية أنها جاءت نتاج للحالة الاستثنائية الفريدة من نوعها في تاريخ العلاقات الدولية قاطبة التي يندر حدوثها على الدوام، التي اتفقت فيها إلى حد كبير مسار الإرادة الوطنية (المحلية) مع الإرادة الإقليمية والدولية في تراجيديا قل نظيرها في تاريخ المنطقة واليمن منها- بوجه خاص- وهو الأمر الذي يشير في أحد جوانبه إلى أن معظم المعالم الرئيسة الحاكمة للمشهد الداخلي اليمني ومساراته المستقبلية في العامين القادمين وما بعدها قد أصبحت على قدر كبير من الوضوح والشفافية، وتبعث على الثقة والتفاؤل كثيرا في ظل وضوح الأهداف والغايات على الصعيدين الداخلي والخارجي، وبالتالي فإن نتائجه تصبح مضمونة إلى حد كبير.
- على خلفية أن المبادرة لم ولن تخرج عن كونها مجرد خارطة سياسية لمعالجة كافة إرهاصات الملف السياسي، باعتباره المعوق الأساسي الأكثر بروزا وحضورا في المشهد الداخلي اليمني، والذي ينسب إليه السبب الجوهري الكامن وراء استمرار تنامي حالات التدهور الحادة الحاصلة في الواقع اليمني وبروز احتمالية تفكك الدولة وانهيار مدوي للكيان القومي في سرعة البصر كما سوف نشير إليها في مقالات لاحقة أما لماذا ؟
- نرد على ذلك بالاستناد على الكثير من الحقائق الدامغة في أرض الواقع التي تؤكدها كافة الدلائل التاريخية بالقول لقناعة كافة القيادات المعنية أنه الملف الأساسي والوحيد الذي يحمل في ثناياه بذور الحل لكافة مشاكل اليمن، والذي سوف يتسنى لها من خلاله وضع يدها على أهم الحلول الناجعة لإمكانية نهوض اليمن على قدميها بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة. إذا فهي- في نهاية المطاف- عبارة عن أجندة مرحلية في التسوية السياسية ومساراتها اللاحقة على المستويين المحلي والإقليمي.
- وبمعنى أخر فإن الحل السياسي للأزمة اليمنية التي حالت دون استكمال بناء مقومات الدولة المدنية الحديثة على مدار العقود الماضية، يبدأ من الخارج مع دول المحيط الإقليمي الذي تمثله البيئة الإقليمية للخليج العربي والقرن الأفريقي والسعودية على وجه الخصوص أكثر منه الداخل، فالأزمة اليمنية التي تعيشها اليمن هي حقيقتها أزمة خارجية أكثر منها أزمة داخلية؛ اللاعب الرئيس فيها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والسعودية- بوجه خاص- بكل ما تحمله هذه المقولة من معاني ودلالات ومؤشرات لها شأنها!!
- في حين يشير المعنى والدلالة الثالثة إلى أنها عبارة عن التزام سعودي- خليجي ومن ثم دولي وإقليمي تم ترجمته لأول مرة في تاريخ المنطقة المعاصر في وثيقة تاريخية رسمية تم إشراك وإشهاد العالم عليها إلى جانب كافة العهود والمواثيق؛ جسدت في الجزء الأهم فيها أعلى درجات الشفافية والوضوح ومن ثم الاستعداد لتحمل كامل المسئولية إزاء اليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا في اتجاه إخراجها من حالة الاحتراب الداخلي وإرهاصات أوهام الحسم العسكري، والمساهمة بفعالية في إعادة ترتيب البيت الداخلي، وصولا إلى تأمين انتقال اليمن إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون المدخل الأساسي والوحيد لإمكانية ولوج اليمن مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة من أوسع أبوابها ليس ها فحسب.
- لا بل فهي تشير إلى معاني ودلالات أبعد من ذلك نقلت كافة العهود والمواثيق من نطاق حدود الأقوال إلى الأقوال التي ترقى إلى مستوى الأفعال، بحيث كانت شديدة الحرص على عدم إبقائها قيد الأقوال غير الملزمة التي يمكن التراجع عنها لأية اعتبارات تفرضها المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية أو الأهواء والتوجهات والمصالح لهذه الجهة أو تلك، سيما في حال حدث تغيير جذري في قمة هرم السلطة، بل تم توثيقها في واحدة من أهم الوثائق الرسمية الأكثر أهمية وجدلا وإثارة في القرن الـ21، كدليل تاريخي ومؤشر حي على مدى جدية المجتمع الدولي والإقليمي- الخليجي (السعودي).
- في حين أن الاتجاه الثاني له علاقة وثيقة الصلة بطبيعة المعاني والدلالات التي يؤشر ها الموقف السعودي ومن ثم الخليجي، فالمبادرة كانت وستظل أحد أهم ثمار الجهد اليمني- السعودي الرسمي غير المباشر (سابقا) أكثر منه المباشر (حاليا) المدعوم إقليميا ودوليا على مدار عشر سنوات ونيف، الذي طال الكثير من المجالات ماعدا المجال السياسي الذي ظل بعيدا جدا عن متناول أيادي قيادتي التيار الوطني في البلدين.
- لاعتبارات عديدة أشرنا إلى البعض منها في مقالاتنا أنفة الذكر، فهي من جهة تعني أن هنالك توجه رسمي للتيار الوطني المعتدل في السعودية له مؤشراته القوية في أرض الواقع؛ يفيد بأن عهد الوصاية السعودية على اليمن ومن ثم التبعية- أولا- والعقلية التقليدية في إدارة شئون البلاد التي لا تراعي إلا الحد الأدنى من أولويات المصلحة الوطنية العليا للمملكة وشعبها وصولا إلى اليمن- ثانيا- يجب وليس ينبغي أن ينتهي.
- كي تبدأ بعدها ومعها بقفزات واسعة تجسيد أول إرهاصات ولوج البلدين المرحلة الذهبية المنشودة في علاقات المصالح والمصير الواحد التي فرضتها منظومة شبه متجذرة من التحديات الأكثر خطرا التي تعيشها البيئة الإقليمية لشبه الجزيرة العربية وأنظمتها السياسية، بصورة يصعب بدونها إلى حد كبير وجود أية إمكانية لاحتوائها ومواجهتها والتقليل من تداعياتها وآثارها وليس القضاء عليها !!
- ومن جهة ثانية تعني أن هنالك توجه سعودي يغلب عليه الطابع الاستراتيجي في تحمل كامل المسئولية إزاء مصالح شعبه ثم مصالح اليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا، وصولا إلى مصالح دول الخليج ومصالح الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى؛ يتمحور واحد من أهم معالمه الرئيسة في أهمية لا بل وضرورة أن تتحمل السعودية كافة تبعات المسئولية الملقاة على عاتقها إزاء اليمن؛ جراء سياساتها الماضية التي أوصلت اليمن إلى ما هي عليه بكل ما تعنيه هذه العبارة من معاني ودلالات لها شأنها.
- فالدلائل التاريخية تشير إلى حد كبير إلى أن السعوديين هم المعنيون في الأول والأخير قبل وبعد كل شيء في كل ما حدث ويحدث وسيحدث في اليمن، جراء ما اقترفته عناصر التيار التقليدي المنضوية تحت مسمى اللجنة الخاصة المعنية بإدارة أدق تفاصيل الشأن اليمني منذ عقد السبعينيات بغض النظر عن طبيعة المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية، من ممارسات وأخطاء أوصلت البلدين إلى ما وصلت إليه، لكن في نفس الوقت كان الرأي السديد لدي قيادات البلدين وكل الدول المعنية الأخرى من قريب أو بعيد بأن إشراك دول مجلس التعاون الخليجي في هذا الأمر شكلا ومضمونا كلا بحسب دوره وحجمه ومصالحه الحالية والقادمة.
- قد أصبح أمرا ملحا بدلا من أن تبقي مبادرة يمنية أو سعودية خالصة أم الاثنين معا، على الرغم من أن السعودية سوف تتحمل الجزء الأكبر والمهم من تبعات إنفاذها على أرض الواقع كما أشرنا إليها آنفا وفي مقالات سابقة، نظرا لأن قيادات البلدين قدرت وجود حساسيات وتعقيدات سوف تسعى الأطراف المناهضة لمثل هكذا توجه على الصعيدين الداخلي والخارجي إلى محاولة استغلالها في اتجاه إفشالها في حال أطلق عليها مسمى المبادرة السعودية ويسري ذلك أيضا في حال كان المسمى وطني (المبادرة اليمنية)، على الرغم من أنها بالدرجة الأساس وإلى حد كبير مبادرة يمنية خالصة صيغت بأنامل وطنية بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع السعودية.
- إذا فالمبادرة هي في أحد معانيها ودلالاتها ترجمة حقيقية لهذا الأمر، باعتبارها إعلان رسمي عن تحمل الخليجين والسعوديين خاصة الجزء الأكبر والمهم من أعباء المرحلة الحالية والقادمة، في محاولة جادة منها لإصلاح ما عملته أياديهم وهذا أول دليل على ذلك، سيما بعد ان تمكنت قيادة البلدين وبمبادرة يمنية خالصة من حسم أمرها إلى حد كبير في اتجاه الإجابة العملية عن أهم سؤال محوري بهذا الشأن الذي مفاده ما الذي كان ومازال يعكر صفو الأجواء ومرونة وانسيابية العلاقات فيما بينها، وبالتالي يحول دون حدوث أية تقارب حقيقي يلبي المصالح الوطنية العليا لهما ومصالح الأطراف الدولية والإقليمية صاحبة المصلحة المشتركة المعنية، بصورة أتاحت المجال واسعا إلى حد كبير كي تظل زمام الأمور برمتها بأيدي عناصر التيار التقليدي المحافظ والمتطرف العابثة بمصالح نظامي البلدين وشعبيهما، والتي لا هم لها سوى ضمان تحقيق وتأمين مصالحها غير المشروعة ؟
- كانت الإجابة بكل أبعادها ومحاورها تدور حول معضلة عدم ترسيم الحدود وما يرتبط بها من ملفات عديدة لها علاقة بمعاهدة الطائف التي فرضت على اليمن عام 1934م، والتي استقطعت من خلالها السعودية جزء مهم وكبير من الأراضي اليمنية وضمتها لنفسها تحت مسمى (تأجير)؛ بدعاوي فرضتها اعتبارات لها علاقة وثيقة الصلة بمقومات الأمن القومي للسعودية.
- سيما في حال أدركنا تمام الإدراك تلك الحقيقة الدامغة في تاريخ العلاقات اليمنية- السعودية ومن ثم الخليجية والتي لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها بالمطلق ومفادها إن ما عانته اليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا من صعوبات وتحديات وعراقيل وعقبات طوال الخمسة عقود ونيف الماضية حالت دون إمكانية انتقالها الأمن إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون، المدخل الأساسي والوحيد لولوج مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة، كان ومازال إلى حد كبير بسبب المتغير الإقليمي الذي يمثله المحور السعودي- الخليجي الذي كانت مصالح نظمه السياسية أكثر منه مصالح شعوبه تتقاطع شكلا ومضمونا مع أية خطوة حقيقية بهذا الاتجاه، بصورة حالت إلى حد كبير دون توفر إلا الحد الأدنى من مقومات الأمن والاستقرار الذين يلعبان دورا أساسيا ومحوريا في هذا الشأن.
- وهو الأمر الذي أدركته شكلا ومضمونا إلى حد كبير قيادة حركة التغيير الوطني في بلادنا فسعت بمبادرة وطنية خالصة وراء محاولة إذابة جبال من الثلوج الحديدية الصلبة تكونت على مدار العقود الماضية من خلال الوثوب بقفزات نوعية جريئة منقطعة النظير باتجاه تجاوز ومن ثم تحطيم ودك هذه الحوائط الجليدية الحديدية بدون أية تردد يذكر، بتوقيع اتفاقية جدة لترسيم الحدود وتصحيح مسار العلاقات اليمنية- السعودية ومن ثم الخليجية من الأساس.
- في خطوة جريئة غير مطروقة البتة إلا في عهد إدارة الرئيس الشهيد إبراهيم ألحمدي (1974-1977م) التي كادت تحدث فرقا جوهريا بهذا الشأن لو تسنى لها أن تأخذ مداها الطبيعي، أبعادها الحقيقية ظهرت أهم ملامحه الرئيسة واضحة إلى حد ما من خلال ما تبنته من أقوال ترقى إلى مستوى الأفعال بما تحمله من توجهات ومواقف ورؤى قبل أن تصبح أفعال مكتملة الأركان لها شأنها في أرض الواقع، وعندما نجحت إدارة أخيه وخليفته الرئيس علي الصالح من إنفاذها على أرض الواقع في عقد الثمانينيات، حالت رجحان كفة المعادلة الداخلية الحاكمة للبلاد لصالح التيار التقليدي المناهضة لمسار حركة التغيير قلبا وقالبا بنسبة (1:3) دون أن تأخذ مداها الحقيقي والطبيعي إذا ما صح لنا القول ذلك.
- إذا فالقشة الحقيقية الأكثر أهمية التي كسرت ظهر البعير بهذا الشأن كما يقول المثل الدارج هي تلك الخطوة النوعية التي أقدم عليها الرئيس علي الصالح بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبد العزيز آنذاك، كاسرا بها عقود من التردد والمخاوف والأوهام والصراعات واللا استقرار واللا أمن...الخ، بالتوقيع على اتفاقية جدة لترسيم الحدود اليمنية- السعودية عام 2000م، التي كانت ومازالت المؤشر الحقيقي الأكثر أهمية في هذا الأمر برمته أما لماذا ؟
- نرد على لك بالقول أن طبيعة ومستوى ومن ثم حجم التنازلات التي قدمتها اليمن بهذا الشأن كانت كبيرة ومهمة جدا إلى حد كبير لإحداث هذه النقلة غير المتوقعة في واقع مسار العلاقات اليمنية- السعودية وصولا إلى الخليجية، باعتبار أنها جاءت نتاج رؤية متعمقة جدا ذاتية وموضوعية للواقع اليمني ومتطلبات المرحلة الحالية والقادمة، في ضوء طبيعة المعطيات الظرفية الداخلية والخارجية التي أصبح من الصعب تجاوزها أو تجاهلها.
- على أساس أن العامل السعودي بالاستناد للدلائل التاريخية بهذا الشأن هو الأكثر تأثيرا على واقع اليمن ومن ثم الأكثر أثرا على عاملي الأمن والاستقرار الداخلي النسبي اللذان بدونهما لن يتاح لليمن أية فرصة للانتقال الأمن إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة، وبالتالي سوف تحول دون فتح أبوابها على مصراعيها أمام فرص الاستثمار الضخمة في كافة مجالات الحياة، الطريق الأكثر حيوية لإحداث نقلات نوعية في الواقع اليمني برمته، وهذا ما حاولت المبادرة إبراز بعض أهم ملامحه الرئيسة وتأكيده، فالموقف السعودي كان وسوف يبقى هو أحد أهم العوامل الأساسية الأكثر حضورا في واقع المعادلة اليمنية الحالية والقادمة ليس هذا فحسب، بل وفي نفس الوقت يتوقع أن يكون له أن يلعب دور المحفز في عملية الانتقال الآمنة لليمن دولة وشعبا إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة، بمراعاة عامل الزمن والسرعة والتكلفة.
- وعليه كان التساؤل المثار للجدل بهذا الشأن يدور حول ما الذي يعني اليمن أن تأخذ خارطة الطريق الجديدة أيا مسمى من هذه المسميات إذا كان الجوهر بحد ذاته يلبي معظم تطلعاتنا وطموحاتنا على المستويين الداخلي والخارجي، فالدور السعودي الذي لعبه التيار الوطني المعتدل بقيادة الملك عبدالله بن عبد العزيز بأبعاده الدولية كان مهما- هذا إن لم نقل محوريا- وتسمية خارطة الطريق الجديدة بأبعادها المحلية الإقليمية والدولية بالمبادرة الخليجية وليس السعودية هو أمر له دلالاته ومعانيه ومؤشراته بهذا الشأن.
- سيما في حال تنامت إلى مداركنا طبيعة ومستوى ومن ثم حجم التغييرات الجذرية المتوقع حصولها في واقع السياسة الخليجية- السعودية إزاء اليمن التي تحث الخطى منذ عقد ونيف لولوج إرهاصات المرحلة الذهبية المنشودة على الجبهة اليمنية- السعودية، بصورة تجعل من الدور الخليجي من هذا المنطلق له أهمية في نهوض اليمن كدولة خليجية لها شأنها وكترجمة حقيقية عن هذا الواقع بكل أبعاده، إذا بالاستناد على ذلك فما المانع الذي يقف وراء أن تحتل دول الخليج ككتلة وكدول مكانتها من مكان قريب في مسيرة حركة التغيير الوطني الحالية والقادمة التي سوف تكون لها انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على واقع دولها بصورة متباينة، وما سوف يتطلبه ذلك من بقائها قريبة جدا من كل ما يحدث فيما بينها وحولها ؟ سيما ان الحمل الأكبر فيها سوف تتحمله دولها ومن خلالها سوف تعيد صياغة وبلورة واقع علاقاتها مع اليمن كدولة خليجية من الدرجة الأولى لها مالهم وعليها ما عليهم، ومن ثم من تصحيح لواقع دولها على كافة المستويات الذي انحرف بدرجة كبيرة عن المصلحة الوطنية العليا لشعوبها !!
- في حين أن الاتجاه الثالث في هذا الأمر فأن له علاقة وثيقة الصلة بالمعاني والدلالات التي ترمز إليها بعض مضامين المبادرة الخليجية كمؤشر حيوي من مؤشرات النجاح الذي تقف عند عتبة بوابته اليمن، فالإشراف الدولي والإقليمي بالنسبة لليمن هو دليل حي على طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الوقائع وليست الأماني التي يزخر بها الواقع من حولنا، وكذا مؤشر حيوي إننا نقف أمام مرحلة جديدة لها سماتها الخاصة تشكلت بعض أهم معالمها الرئيسة على مدار السنوات الماضية.
- فالمواقف التي تبلورت معالمها الرئيسة تحركها بالدرجة الأساس لغة المصالح أكثر منها المبادئ، وهذا ما نجحت قيادة حركة التغيير الوطني في ترجمته بتأني وتفاني ومسئولية يغلب عليها الطابع الموضوعي خطوة بعد خطوة، وهذا ما يجب ان تنتبه إليه جيدا في الوقت الحاضر والمستقبل من أجل الإبقاء على تماسك الجبهة الخارجية بشقها الإقليمي والدولي إزائها، فكما كان ومازال العامل الخارجي هو المتغير الأكثر أثرا وتأثيرا في الحيلولة دون حدوث أية نقلات نوعية لها شأنها في الواقع اليمني على مدار الخمسة عقود الماضية، فقد أصبح من الواجب أن يبقى هذا العامل هو المحفز لإحداث كافة النقلات الضرورية في الواقع.
- سيما أن الانخراط الخليجي والدولي في أتون جميع مراحل إعلان وإنفاذ المبادرة وآليتها التنفيذية المزمنة، وتحديد المدى الزمني لهذا الأمر بعامين ونصف، يعني أن هنالك نية حقيقية توفرت لها القدرة لولوج مثل هكذا معترك بما تمتلكه من خبرات وإمكانات لها شأنها وتوفر إمكانية لتحقيق خطوات مهمة في طريق النجاح نحو الغاية المنشودة، وإلا كيف نتوقع أن تقدم مثل هذه الدول على الخوض فيه بوضع ماء الوجه بدون أن تكون قد عقدت النية والقدرة على النجاح.
- إلى جانب يمكن اعتبارها واحدة من أهم الاختبارات المعبرة عن مدى ما تمتلكه من قدرات مادية ومعنوية التي سوف تعتمد عليها في إصلاح الأوضاع في هذه الدول؛ بما يتفق مع طبيعة ومستوى ومن ثم حجم مصالحها في المنطقة، وفي نفس الوقت تشير إلى أمرا أخر غاية في الأهمية له علاقة وثيقة بحالات الفوضى الحادة التي تعيشها دول المنطقة والتي كان لها اليد الطولي فيها، على أساس أن اليمن ما هي إلا الدولة النموذج التي قرر المجتمع الدولي البدء بها للخروج بالكيفية التي سوف يتم من خلالها معالجة أوضاع المنطقة- من جهة- وكذا فإن التوقيت يدلل على أن ساعة الصفر لإيقاف هذه الفوضى قد حان- من جهة ثانية.
- أما الاتجاه الرابع في هذا الأمر فأن له علاقة وثيقة الصلة بالمعاني والدلالات التي ترمز إليها بعض مضامين المبادرة الخليجية كمؤشر حيوي نستطيع من خلاله أن نستشف طبيعة ومدى استعداد اليمن دولة وشعبا للتجاوب مع بنود المبادرة والاستيعاب لها، في اتجاه إحداث نقلات نوعية في واقعها بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة، لأن الدلائل التاريخية تؤكد بقاء هذا الأمر برمته رهن استعداد كلا من الدولة والشعب معا حتى يؤتي ثماره الحقيقية المنشودة !!
- ونموذج حي له شأنه لإعادة قراءة ومن ثم صياغة وبلورة مدى إمكانية تكراره في الكثير من الملفات في المراحل القادمة بعد إعادة قراءة الدروس واستخراج العبر بهذا الشأن، سيما في ضوء ما يمثله هذا الأمر من أهمية كبيرة لاحتواء وتجاوز منظومة شبه متكاملة من أبرز المعضلات التي يعانيها واقع اليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا ذات العلاقة الوثيقة الصلة بعامل الوقت والسرعة والكلفة، التي سوف تجسدها مفاهيم الإدارة المعاصرة التي اشتملت عليها الآلية التنفيذية المزمنة في أحد أهم أبعادها الأساسية هي تعبيد أول المعالم الرئيسة للطريق الجديد ووضع اليمن على أوله، والسعي الجاد وراء الانتقال الأمن لليمن إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة تحت مسئوليتها وإشرافها ورعايتها بالاستناد على مبدأي الشراكة والمصير الواحد !!
والله ولي التوفيق وبه نستعين
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.
المصدر : الكاتب