د. محمد حسين النظاري
شريط مسيئ ورد مشين
ما من مسلم على هذه البسيطة يقبل أن يسيئ أحد فيها لرسولنا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، الرسول الخاتم الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق، ولهذا فإن ما قام به منتجو الفلم المسيئ لرسولنا الكريم، يعد تعدياً على أفضل مخلوق على هذا الأرض، ويحتاج منا الى الغضب، والانتصار لرسولنا الكريم.
ولكن السؤال الذي يجب أن نسأله لأنفسنا، كيف يكون شكل الغضب؟ وما هي حدوده، وماذا نريد أن نوصل من رسائل للآخرين عبره؟ لو وعينا هذه الأسئلة الثلاثة المهمة لسلكنا مسلكاً آخر غير الذي سلكه إخوتنا الذي هاجموا السفارة الأمريكية التي تستضيفها بلادنا، ويقع تأمين حياة من فيها عليها، فلو عرفنا أن الغضب الذي يقود الى تهديم ممتلكات الآخرين ليس وسيلة صحيحة للتعبير، بقدر ما يوصل للآخرين كيف يتصرف المسلمون مع من يسكن ديارهم.
فالغضب المغلف بالعنف والذي يضر أولاً بمصالح بلادنا من الولايات المتحدة الأمريكية، لن يجدي نفعاً، بقدر ما يسيء إلينا، فكما أن انتاج الفلم وتمثيله وبثه فيه قدر كبير من التعدي على معتقدات الآخرين من أناس يدعون حرية المعتقد، وحرية المعتقد من وجهة نظرهم تتمثل في ازدراء أديان البقية، ولهذا لا يمكن أن نجاريهم في الإساءة، فعلاوة على اساءتهم لنبينا الأعظم، نشاركهم الإساءة لديننا الحنيف، الذي شرع لنا الحرية في كل شيئ شريطة عدم التعدي على غيرنا.
وعلينا أيضاً أن نعرف حدود وعواقب اندفاعنا بداعي الغضب، فكم من روح بريئة تزهق إما بسبب التدافع، أو الإشتباك مع رجال الأمن المكلفون بحماية السفارات كونها تحت حماية البلد المستضيف لها، وعلينا أيضا أن نعي حدود تأثير تلك الأفعال على وضعية إخوتنا المقيمين في الدول الأخرى والذي قد يواجهون مصيراً مشابهاً من العنف ضدهم.
كذذك لا ينبغي أن يكون خروجنا للشارع من أجل الخروج، بل يجب أن يحمل رسائل للذين ينتجون مثل هذه الأفلام القبيحة، والذين يشجعون على بثها، ولهذا فإن رسالة التهجم والتكسير والاقتحام ليست ذات جدوى، بل على العكس تماماً تجعل الطرف الذي ما زال محايداً في القضية يقف الى جوار الطرف الآخر بدافع الحمية.
إن أردنا حقاً أن ننتصر لرسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، فما علينا إلا أن نُريّ هؤلاء الحاقدين كيف كان صلى الله عليه وسلم يتعامل بكل سماحة وعفو مع من يسيء إليه، حتى يرجع عن ذلك ويصبح الرسول أحب إليه من نفسه، ولنا صور شتى في معاناته من المشركين ومع هذا كان يدعو لهم بالهداية، ولم ينتقم منهم يوم فتح الله له مكة، بل قال اذهبوا فأنتم الطلقاء، عندما قال لهم ما تظنون أني فاعل بكم، قالوا أخ كريم وبن أخ كريم.
لو حملنا تلك السماحة للآخرين عبر غضبة تؤثر ولا تدمر، وترعب ولا تخرّب، من خلال أفلام مضادة بكل اللغات عنه صلى الله عليه وسلم، تضحد ما ذهبوا إليه، أو من خلال نشر كتب السيرة المترجمة، والرسالة الأبلغ أن نهتدي بهديه، وأن نتبع سنته، من خلال نبذ العنف.
لو سألنا الشباب الغاضب على الفلم، ماذا تعرف عن رسولك؟ لما استطاع أن يكمل لنا اسمه الرابع، ولا أسماء أولاده وبناته، ولا زوجاته وأصحابه، يجهل كل شيئ عنه، حتى الصلاة عليه لا يدوام عليه، ثم إذا ما غضب ذهب ليقتحكم ويكسر وينشر الرعب، وكان الأجدى به أن يذهب ليتعلم سيرته العطرة ليستطيع من خلالها الرد الصحيح على المسيئين إليه، وليعرف أنهم لم يسيئوا إليه إلا بعد نهاهم عن كل ما ينشر الخراب ولم ينتهوا.
رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يناله شيئ مما اقترفت أيديهم، ولكنه بكل تأكيد لا يحب أن يرى من أمته من يغضب غضب الجاهلية، فنحن بطرق شتى غير العنف نستطيع أن ندافع عن رسولنا الكريم، ولكن بالعلم، والعلم وسيلة لإقناع الآخرين، أما ما سواه فلن ينقل عنا وعن ديننا إلا صورة مشوهة لدى الآخرين.
من حق الدول حماية سفارات دول الآخرين لديها، ولكن من الواجب عليها إفهامهم أن الإساءة لرسولنا محمد خط أحمر لا ينبغي الاقتراب منه، لأنه يمس بمشاعر المسلمين، وعليها تصعيد لهجتها عبر الطرق الدبلوماسية لأن ذلك واجب عليها ينبغي عليها القيام به لتشعر الناس بأن دولهم تنوب عنهم فيما يتعرض له دينهم.
ولهذا فإن مسايرة مشعلي الفتن الذي أنتجوا الفلم خطأ كبير، فهذا مرادهم أن تزيد بلادنا فوضى، وهم عندما يقدمون على هذا الفعل الدنيء يدركون درجة غيرتنا، ولكنهم وللأسف الشديد يوجهوننا بالطريقة التي يريدون بها إثبات ما في أفلامهم من أننا أناس همجيون كديننا، وحاشا أن يكون خير الأديان كذلك بل هو دين السلم والسلام والإسلام، وهذا ما ينبغي أن نوصله إليهم أولاً وإلى من تسول له نفسه حماية مثل هذه المعتقدات الفاسدة... وصلى الله على رسول الهدى والنور.
الثورة