أخبار الساعة » السياسية » عربية ودولية

سفينة الحرية بين الحدث والغايات والمنجز بقلم : إدريس علوش

- ادريس علوش

سفينة الحرية بين الحدث والغايات والمنجز  

إدريس علوش

سفينة الحرية  التي أبحرت عبر البحر الأبيض المتوسط لفك جانب من الحصار المضروب ظلما وعدوانا على الشعب الفلسطيني في غزة المحروم من ممارسة حياته الطبيعية، وضدا على المواثيق والقوانين والمعاهدات الدولية والأعراف والتقاليد الإنسانية التي اختصت إسرائيل في خرقها ومنذ وجودها على قاعدة احتلال فلسطين، خلقت الحدث بكل ما تحمله كلمة حدث من معاني ودلالات وإشارات حين استرعت وشدت أنظار الرأي العالمي والكوني نظرا للمصير الذي عرفته،ونجحت رغم ما خلفته من ضحايا شهداء ينظفون بشرف إلى قائمة شهداء التحرير،كما أنها نجت في مهمتها الإنسانية والحضارية،خصوصا أنها أدخلت الكيان الغاصب في أكثر من مأزق وعلى مستويات متعددة السياسي منها والاقتصادي والاجتماعي والإنساني والإعلامي.

وبعيدا عن أي خطاب تيئيسي ،استسلامي وانهزامي تُسِوقُ له دولة الكيان الغاصب والمحتل وكل من يدور في فلكها من الأنظمة المتخاذلة ورموز التطبيع المغرر بهم،فقط كان للشعوب العربية والإسلامية كلمتها في التقاطع مع هذا الحدث التاريخي،ومعهم كل أحرار العالم وبنفس قوة الكلمة حين نزلوا إلى الشارع للتعبير عن التضامن مع أبطال السفينة ومع الشعب الفلسطيني في معركة ضد الاحتلال،فاضحين الجريمة التي ارتكبها الغاصب المعتدي في حق مدنيين عُزَّل إلا من قوة سلاح إيمانهم بعدالة القضية الفلسطينية،ولأجل هذا الهدف الإنساني المنشود ركبوا سفينة الحرية ليشدوا بحرارة على أيادي شعب ظل يقاوم الحصار والعدوان بعزيمة وإصرار ثابتين.

بفعله الشنيع واستمرارا لجرائمه، التي هي في جوهر الأمر جرائم ضد الإنسانية،وجد العدو الصهيوني نفسه مرة أخرى وكما في مرة معزولا في شَرَكِ تناقضاته ،هو الذي توهَّم أن قوة البطش والتقتيل والتنكيل كفيلة بتحصين وجوده وإسعافه من الإفلات من شر جرائمه ومن عقاب الضمير الإنساني والعالمي والرأي الدولي وتداعيات وعيه النقدي التي تناضل الآن وفي العالم بأسره،و بكل ما أوتيت من قوة الفعل وأساليب وأشكال النضال بمعاقبة هذا الكيان الغير مرغوب فيه بين البشرية وإيقافه عن حده ، وفضحه أساليب عمله المشين،و العمل المثابر على زجره ووضعه في صورة مجرم الحرب التي هو عليها منذ أن تشكل.

تناقضات هذا الكيان الغاصب والمحتل المسترسلة والتي هي في نمو مضطرد ومتزايد باستمرار،دليل على خيبة سياساته الإجرامية وفشل التسويق ل"ديمقراطيته" المفتقدة والغير موجودة إلا في مخيلته المريضة والعدوانية والتي لا تؤكد في أول المطاف وأخره إلا بقرب ونهاية وحتف هذا الكيان المزروع عنوة في جسم المنطقة و دنو انتهاء صلاحيته وصلاحية الأهداف التي يحققها لشركائه الذين يدعمون وجوده الملتبس لتحقيق أهدافهم الاقتصادية والسياسية.يؤكد هذا المآل والأفق والمدى أيضا تقدم وثيرة الفعل المقاوم والممانع في المنطقة،والخلخلة التي عرفتها موازين القوى في هذه الأخيرة منذ حرب يوليو"تموز"التي خاضها حزب الله والمقاومة الوطنية اللبنانية وبشرف أربكت كل حسابات هذا العدو واستكانته لقوته المستوردة من شركائه ورسخت للجميع "فكرة أن الحرب القادمة ستكون في الواقع وليس في الخطابة والاستعارة".

لا نشك في كون السفينة والأبطال الذين كانوا على متنها عرفوا مصيرا صعبا وقاسيا وعاشوا تفاصيل مروعة وخطيرة،وحجم الخسارة في  شهدائنا كان قاسيا  على أهاليهم وعلينا،وعزاؤنا أن الشهداء وكل المناضلين الشرفاء وكل أنصار القضية وفي كل العالم هم جسرنا لبناء الدولة واستعادة القدس بهية وعاصمة أبدية  وعودة الناس من المنافي والشتات وسنوات اللجوء إلى فلسطين.في موازاة كل هذا حققت السفينة أهدافا  أساسية وإستراتيجية نذكر منها:

1- مزيد من التجاوب والعطف والالتفاف حول عدالة قضية الشعب الفلسطيني ،أكد ذلك حجم الاستنكار الذي عرفته شوارع العالم وعواصمه .

- صورة الجريمة الكاملة التي وجد العدو نفسه في إطارها،وهي ليست صورة مغايرة بل صورة تعكس امتداده،لكنها هذه المرة اتضحت أكثر خصوصا أن الجريمة مست الذين لم تكن معهم حتى شظية رصاص،وليس كما ادعى  ليبررها-أي جريمته- باعتبار القادمين على مثنها مدججين بالسلاح وداعمين لل"إرهاب".

3-الإسراع بفك الحصار الجائر عن الشعب الفلسطيني في غزة وإقرار عدم جدواه نظرا لصمود الأهالي هناك ،ونظرا لان سخافة هذه المسرحية الهزيلة لم يعد  لها من مبرر أو معنى عدا مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان المتعارف عليها كونيا وعلى وأسسها الحق في العيش الكريم والحياة الطبيعية.

4-استعداد كل أحرار العالم  لإعادة التجربة والإبحار عبر أساطيل أخرى ومن مواقع بحرية متعددة رغم تهديدات الكيان الصهيوني استجابة لنداء الضمير الإنساني،وهذا ما أعلنت عنه الكثير من المصادر.

5- حدث السفينة أَلْهَمَ مُبدعي العالم للتقاطع مع مضمون الرسالة التي أدتها بنجاح باهر في الموسيقى  والسينما مستقبلا والتوثيق وكل أجناس التعبير الأدبي: مسرح- شعر- رواية- وقصة- وفن المقال...،وفي إنعاش ذاكرة المقاومة بهواء جديد.

6- انتصار نهج ثقافة المقاومة  باعتباره الخيار والاختيار الاستراتيجي للتصدي لكل أشكال وأساليب الاحتلال العدوانية والتوسعية،مع دحض وتفنيد كل طروحات ذيول الخط الانهزامي والاستسلامي المُطَّبِعِ مع الكيان الصهيوني بلا طائل ولا جدوى.

7- إعادة الاعتبار ورفع معنويات الإنسان الفلسطيني والعربي ودائما بدعم من أحرار العالم - وهذا من الأهمية بمكان-عبر إعادة الثقة إلى نفسه وكيانه ووجوده ووجدانه ليواصل معركة الحق والعدل والكرامة وبخطى رصينة وثابتة إلى حد المحطة المنشودة التي توصل إلى فلسطين،كل فلسطين حرة وأبية وما ذلك بعزيز على سواعد الرجال والمقاومة ومهما طال الأمد.     

 

Total time: 0.0491