اخبار الساعة - د.طارق الحروي
- ومن هذا المنطلق وضمن هذا السياق سوف نحاول من خلال موضوع مقالتنا هذه أن نخوض إلى حد ما في تلك النوعية من التساؤلات التي وصلت إلى حد الجدل المثار والتي تدور حول طبيعة حقيقة الأوضاع التي تعيشها اليمن دولة وشعبا من حيث هل يمكن عدها بالفعل قد دخلت نطاق حدود إطار الأزمات التي يصعب حلها إلا بأثمان باهظة جدا وعلى فترات مختلفة ومتباينة ؟ أم أنها في الجزء الأكبر والمهم منها مازالت تقع ضمن نطاق حدود إطار المعضلات والمشكلات الممكن حلها بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة ؟
- مع الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة ومستوى ومن ثم حجم مسارات الأحداث الرئيسة بهذا الشأن التي تقف عندها اليمن منذ مطلع العام الحالي وحتى العام 2014م التي تمهد فيها الطريق واسعا أمام اليمن للانطلاقة الكبرى في اتجاه الانتقال الرسمي الأمن إلى مصاف الدولة المدنية البحرية الحديثة (دولة النظام والقانون) التي من خلالها (وليس بدونها) سوف تقدم معظم الحلول الضرورة والناجعة لكافة مشاكل اليمن على طبق من ذهب، بصورة تفضي إلى انسيابية ومرونة ولوج اليمن دولة وشعبا إلى أهم مرحلة من مراحل العمل الوطني قاطبة من أوسع أبوابها التي تمثلها (مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة).
- ومن قبلها في العديد من المحطات الرئيسة التي كان مخططا لها على سبيل المثال لا الحصر منذ العام 2004م والتي كانت بحسب تقديري مقدرا لها أن تمثل البداية الحقيقية لهذه الانطلاقة، بالاستناد على مخرجات النقلة النوعية النسبية الحاصلة في إرهاصات الملف السياسي الإقليمي السعودي ثم الخليجي عقب توقيع اتفاقية جده عام 2000م، واستيعابا لها أو في العام 2010م في ضوء النقلة النوعية الحاصلة لحالات الحراك الإقليمي والدولي بهذا الشأن، وما خلفته من انعكاسات وآثار مهمة جدا لها شأنها في اتجاه المساهمة بفاعلية في إعادة ترتيب البيت الداخلي- وفقا- للمفردات التي أوردتها خارطة الطريق الجديدة التي تمثلها الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية إلى حد كبير.
- على الرغم من أنه عند إجراء بعض التقييمات الأولية لطبيعة ومستوى ومن ثم حجم هذه الأوضاع تشير بعض أهم الدلائل الأولية بأنها قد دخلت بالفعل نطاق حدود إطار الأزمات الطاحنة بدون أية رجعة منذ فترة ليست بالقصيرة، جراء استمرار تنامي حالات التدهور الحادة في مجمل الأوضاع الداخلية والتي وصلت إلى الحد الذي بدأت على إثره الكثير من الجهات الرسمية وغير الرسمية في التعامل معه على أساس أن المرحلة المؤدية إلى الانهيار المدوي على النموذج الصومالي والعراقي أو أشد منه قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى.
- إلا أن ذلك في تقديري أمرا له تفسيره ومرجعه هو استمرار تنامي حالات التراكم الهائلة لتركة متوارثة من التحديات والمخاطر والصعوبات والعراقيل والاختلالات، والتي حال هيمنة حالات اللا أمن واللا استقرار على المشهد الداخلي برمته دون إمكانية احتوائها وعزلها ومن ثم معالجتها أو تقويضها في مهدها في اتجاه التقليل من آثارها وتداعياتها السلبية ومن ثم معالجتها، كي تصبح شبيهة بكرة الثلج المتدحرجة من قمة الجبل في اتجاه القاعدة منذ أكثر من عقود طويلة والخمسة العقود ونيف الماضية- بوجه خاص- أكثر من كونه أزمات حقيقية مستعصية الخ.
- ودليلي على ذلك إن طبيعة حقيقة الأوضاع السائدة يهيمن عليها إلى حد كبير البعد السياسي المفتعل (الخارجي منه أكثر منه الداخلي) والذي بالرغم مما يشوبه من تعقيدات شائكة وحادة بالمقارنة بالأبعاد الأخرى منذ أكثر من ثمانية عقود ونيف إلا أنه بحسب تقديري لم يدخل نطاق حدود إطار الأزمة، أكثر منه البعد التنموي الذي يعزى إليه الكثيرين كل ما جرى ويجري وما سيجري، أما لماذا ؟
- نرد على ذلك بالقول لأن معظم المعضلات والمشاكل ذات العلاقة الوثيقة بالبعد التنموي يمكن التعامل معها إلى حد كبير بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة وبصورة متباينة، في حال تمكنت اليمن من الانتقال إلى مصاف الدولة المدنية البحرية الحديثة وولجت مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة من أوسع أبوابها، من خلال التركيز على حيثيات الملف السياسي في اتجاه إعادة ترتيب أوضاع البيت الداخلي، وهو ما ركزت المبادرة وآليتها عليه بالدرجة الأساس أكثر منه البعد التنموي ذي الطابع الاقتصادي، على أساس أن البعد التنموي سوف يكون عنوان المرحلة القادمة، عندما تتمكن اليمن من لملمة شتات نفسها وإعداد العدة لولوجها من أوسع أبوابها.
- سيما أنه كان ومازال إلى حد اليوم الحلقة الأكثر أهمية وتعقيدا ومن ثم خطورة على حاضر ومستقبل البلاد، في ضوء ما خلفه وأفرزه من تداعيات خطيرة وأثار سلبية لها شأنها حالت إلى حد كبير دون وجود أية إمكانية لحدوث أية تقدم حقيقي يذكر في ترجمة مفردات خارطة الطريق الأصلية (ألحمدي- الصالح)، ويعزى إليه- أيضا- استمرار حالة البطيء الحاصلة في مسار خارطة الطريق الجديدة (ألحمدي- الصالح- الهادي)، جراء ما لها من انعكاسات سلبية حادة مباشرة وغير مباشرة سواء على واقع الحياة الرسمية بكل أبعادها والسياسية- الحزبية والدستورية والاجتماعية والعسكرية- الأمنية منها- بوجه خاص- أو واقع الحياة غير الرسمية أم الاثنين معا، في ضوء ما أفرزته من حالات انقسام وتضارب وإرباك حادة في الحياة السياسية ومن ثم الدستورية والعسكرية والأمنية وصولا إلى الوسط الشعبي.
- بمعنى أخر إن كان ما تعانيه اليمن في تقديري إلى حد اليوم في حقيقة الأمر لم يخرج عن نطاق حدود إطار المعضلات والمشكلات التي يمكن معالجتها واحتواء آثارها إلى حد كبير- وفقا- لبرامج تنفيذية على فترات زمنية متباينة، ولم تصل إلى مستوى (الأزمة) الخانقة الطاحنة التي يصعب حلها كما يظن الكثيرين، بالرغم أن ما يبدو عليها غير ذلك، وهذا ما يجب أخذه بنظر الاعتبار عند إبداء أية وجهة نظر أو التخطيط والإعداد لأية خطوة في طريق الحل المنشود من الآن فصاعدا. فإن هذه الحقيقة هي التي تفسر لنا طبيعة الجهود الحثيثة والمضنية والهدوء الذي أكتنف دوائر صنع القرار المعنية إلى حد الآن وهي تحث الخطى رويدا منذ عشر سنوات ونيف لإعداد مسرح العمليات القادمة لتجاوز الكثير من إرهاصات المرحلة الماضية والحالية وللحديث بقية,,,,,,,
والله ولي التوفيق وبه نستعين
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.
المصدر : الكاتب