أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

د.طارق الحروي (4) صراع تقليدي أم مصيري هي حقيقة المشاكل السياسية التي تعيشها اليمن

- د.طارق الحروي
مما تجدر الإشارة إليه بهذا الشأن إني أثناء محاولتي المتواضعة الإجابة على فحوى التساؤل الثاني في مقالتي السابقة المنشورة بعنوان (مشاكل سياسية أم تنموية هي حقيقة الأوضاع التي تعيشها اليمن!!)، قد توصلت إلى استنتاج مهم هو بالدرجة الأساس تجسيد حقيقي لمضامين وأبعاد جزء من منظومة الحقائق التي تعج بها المشهد الداخلي اليمني كما نحاول إثارتها أمام كافة المعنيين والمختصين وصولا إلى قطاعات الرأي العام ضمن إطار سلسلة من المقالات التي التزمت بإعدادها ونشرها تباعا في مقالتي المنشورة من على صدر الصحافة الالكترونية تحت عنوان (اتجاهات جديدة نحو فهم أعمق لحقيقة الأوضاع الحالية في اليمن!!)، ومفاده إن أصل المشكلة الحالية التي تعاني منها اليمن هي سياسية أكثر منها تنموية تعود بجذورها إلى نهاية عقد الستينيات.
  • بصورة أفضت إلى إلقاء ظلالها ومن آثارها وتداعياتها السلبية على نشوء واستمرار تنامي حالات واسعة من الانقسامات والتضاربات الحادة الحاصلة في الحياة الرسمية بأبعادها السياسية والدستورية والاقتصادية ومن ثم العسكرية والأمنية وصولا إلى الحياة غير الرسمية- الشعبية ومن ثم الحياة العامة برمتها، لدرجة أدت- في نهاية المطاف- إلى حرف وتعطيل واسع النطاق ومن ثم تجميد وإيقاف لأية خطوة حقيقية وفرتها المعطيات الظرفية في البيئتين الداخلية والخارجية في اتجاه إمكانية تجاوزها وضمان الانتقال الأمن لليمن إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة المنشودة ومن ثم ولوجها أهم مرحلة من مراحل العمل الوطني قاطبة من أوسع أبوابها التي تمثلها مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة.
  • ومن نافلة القول بهذا الشأن أن الدافع الرئيس الكامن وراء الخوض في هذا الموضوع من خلال هذا العنوان تحديدا الذي قصدته شكلا ومضمونا، هو استمرار تنامي حالات الضبابية الحادة للرؤى والتحليلات ومن ثم التوجهات التي يحملها الكثيرين من المعنيين وعموم الرأي العام بشأن ما يدور حولهم من سيول جارفة عارمة من التطورات المتسارعة والمعقدة والشائكة التي شابت المشهد الداخلي برمته، لدرجة معها فقدوا البوصلة التي تمكنهم من البقاء ولو قريبا من الحقائق على أرض الواقع، مما سهل على المعنيين في إدارة المخطط الانقلابي من عناصر التيار التقليدي المحافظ والمتطرف (حزب التجمع اليمني للإصلاح) وشركائه في الأهداف أو الوسائل أم الاثنين معا ضمن إطار إستراتيجية معدة لمثل هذا الغرض من السطو ظلما وعدوانا على قلوبهم وأفئدتهم قبل أسماعهم وأبصارهم وصولا إلى ملاكات وتلابيب عقولهم، فأصبحوا لما تقول آذان صاغية وقلوب وعقول مستسلمة طيعة !!    
  • وبالاستناد إلى كل ذلك تأتي محاولتي الخوض في موضوع مقالتنا هذه من خلال هذا العنوان بالتحديد، في محاولة منا للإجابة على تلك النوعية من التساؤلات المثارة في الملف السياسي الشائك التعقيد والتي من خلالها سوف نتمكن من وضع أيادينا على طبيعة حقيقة الأوضاع التي تعيشها اليمن دولة وشعبا؛ استكمالا لموضوع مقالتنا السابقة المشار إليها آنفا (مشاكل سياسية أم تنموية.......!!)، والتي تدور حول طبيعة الصراع السياسي المحتدمة رحاه منذ خمسة عقود ونيف هل هو في حقيقة الأمر صراع تقليدي إلى حد كبير تدور فصوله الرئيسة بين أفراد وجماعات أو عناصر وقوى نافذة على مقاليد السلطة (مصادر القوة والثروة) ليس إلا، كما يحاول الكثيرين أن يغرسه في أذهان قطاعات واسعة من الرأي العام بوعي أو بدون وعي وبقصد أو بدون قصد ؟
  • أم هو بالدرجة الأساس صراع مصيري أزلي بين التيار التحديثي التحرري الحامل لمفردات المشروع النهضوي المدني المنشود والتيار التقليدي المحافظ والمتطرف وشركائه المناوئ والمناهض له قلبا وقالبا والحامل لمفردات مشروع الأمارة  الإسلامية المنشودة بامتداداتهما الإقليمية والدولية ؟ وبمعنى آخر هل هو بالدرجة الأساس صراع مصيري بين مشروعين متقاطعين (فكرا ومشروعا وأفرادا) وإرادتين متناقضين إلى حد كبير؟ أما لماذا ؟
  • نرد بالقول على ذلك لان إحداث نقلة نوعية غير مطروقة أكثر عمقا ودقة وتحديدا في تشخيص إرهاصات وحيثيات الملف السياسي، الذي يعزى إليه مسئولية معظم ما تمر به البلاد من تدهور ونكوص حاد طال كل نواحي الحياة على مدار الخمسة العقود الماضية على أقل تقدير، بما يوفر لنا إمكانية الإطلاع إلى حد كبير على حقيقة الأوضاع التي نحن بصدد معالجتها كما هي على أرض الواقع، بصورة نستطيع من خلالها الوصول إلى حلول حقيقية واقعية يمكن بموجبها إحداث نقلات نوعية في الواقع اليمني كما ننشدها بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة.
  • ومما لا شك فيه- أيضا- في هذا الأمر الإشارة إلى أني قد تناولت في العديد من مقالاتي المنشورة من على صدر الصحافة الالكترونية المحلية (والورقية بصورة محدودة جدا لامتناعها عن نشرها لأسباب لا نعرفها) الكثير من المؤشرات الرئيسة بهذا الشأن بما تحمله من معاني ودلالات لها شأنها، يبرز منها على سبيل المثال لا الحصر (الشعب هو الرقم الأصعب بين الأرقام فاحذروا تجاوزه أو تجاهله!!) و(نحن لا نحكم ولا نسيطر بل ندير إذا من حكم اليمن !!)  ( و(جريمة جامع النهدين  - قراءة في البعد  الاستراتيجي حول طبيعة وجذور السيناريو (القديم الجديد) المرسوم تكشف لنا ماهية الجهات المتورطة فيها حتى النخاع!!) و(قراءة في البعد  الاستراتيجي في مضامين الرقم الأصعب والمشبوه (17) في تاريخ اليمن المعاصر (1962- 2012م!!) (حقيقة الدور التآمري القديم الجديد لمكونات تكتل اللقاء المشترك وحلفائهم الجدد على مشروع حركة التغيير الوطني!!)...الخ.
  • والتي من خلالها توصلت إلى إجابات وافية إلى حد كبير تؤكد أن حقيقة مضامين وأبعاد الصراع برمته يغلب عليها إلى حد كبير الطابع المصيري الأزلي أكثر منه الطابع التقليدي تهيمن عليه قواعد اللعبة الصفرية السائدة على الجزء الأكبر والمهم من فصوله الرئيسة، سيما في حال تعلق ذلك بالجانب الذي تمثله العناصر والقوى المنتمية للتيار التقليدي وشركائه بامتداداته الإقليمية والدولية، وهو الأمر الذي برزت معالمه الرئيسة في محطات عديدة ولعل إرهاصات مطلع العام الماضي كانت وسوف تظل هي الأكثر والأشد وطاءه على اليمن وتيارها التحديثي التحرري.
  • على خلفية ما تشير إليه الكثير من الدلائل التاريخية أن التيار التقليدي وشركائه كان ومازال يعيش أدق وأعقد وأسوء مراحل حياته منذ نشأته في نهاية عقد الستينيات، والتي تؤشر وجود ضرورة أصبحت أكثر أهمية وإلحاحا لاحتوائه وتقويضه أركانه وصولا إلى استئصال شوكته- هذا إن لم نقل القضاء عليه- في ضوء ما فرضته المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية منذ مطلع العقد الماضي من تحديات مصيرية، أفضت إلى تحولات جذرية في رؤى وتوجهات وسياسات ومن ثم أهداف ومصالح الأطراف الإقليمية والدولية المعنية صاحبة المصلحة الحيوية المشتركة.
  • بصورة نالت (أو سوف تنال) إلى حد كبير من الكثير من الرؤى والسياسات التقليدية التي سادت طوال العقود الماضية وأسهمت إلى حد كبير في استمرار تنامي حالات الصراع الحادة المحتدمة رحاها بين التيار التحديثي والتقليدي، وصولا إلى استمرار تنامي حالات عدم الاستقرار والأمن (هنا يكمن بيت القصيد بالنسبة للتيار التقليدي الإقليمي) التي نالت إلى حد كبير من أية فرصة حقيقية أتيحت لليمن (أو حصلت عليها بجدارة) لتجاوز كافة مشاكلها والنهوض بواقعها.
  • سيما في ضوء قرب دخول العلاقات الرسمية اليمنية- السعودية مرحلة التحالف الاستراتيجي القائم على مبدأ التنسيق والتعاون ومن ثم الشراكة الحقيقية والمصير الواحد ومن ورائها الخليجية وصولا إلى الإقليمية والدولية، التي تسير بخطى حثيثة منذ عشر سنوات ونيف ويقف ورائها عناصر وقوى تنتمي إلى حركة التغيير الوطني في البلدين بأبعادها الدولية تحت قيادة ورعاية الرئيس السابق لليمن علي الصالح وولي العهد ثم الملك عبد الله أل سعود على حساب العناصر والقوى المناوئة لها الأكثر نفوذا المنتمية للتيار التقليدي.
  • وحققت من خلالها نقلات نوعية ومهمة في تأسيس بعض أهم الحلقات الأساسية في هذا التحالف والتي تمهد الطريق واسعا أمام اليمن للانتقال الأمن إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة المنشودة وولوج مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة، والتي بلغت حد الذروة في مضامين وأبعاد خارطة الطريق الجديدة التي تمثلها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة- أولا- وحقيقة الموقف السعودي- الخليجي من كل الخطوات المرسومة لإخراج اليمن من النفق المظلم التي كادت تدخله بدون رجعة والأخذ بأياديها للوقوف على قدميها وتحقيق طموحاتها المشروعة بما يخدم المصالح الوطنية العليا لدول شبه الجزيرة العربية ومصالح الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى- ثانيا.

                                                                                          وللحديث بقية ,,,,,,,,,,,,

                                                                 والله ولي التوفيق وبه نستعين

 

                                                                                                                                       



([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.

 

المصدر : الكاتب

Total time: 0.0639