أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

بيتنا الكبير : خفايا الصراع المحتدم في جامعة صنعاء ؟

- طارق مصطفى سلام

 في واقع الأمر وحقيقته , لا يوجد شيئا خطير خلف هذا الصراع الأخير المحتدم في ساحات وأروقة جامعة صنعاء الذي بدأ ويبدوا كبيرا في ظاهره إلا أنه في حقيقته أمرا بسيطا كان يمكن تداركه منذ البدء في شيئا من الحلم والتقدير والحرص المتبادل في استيعاب الأمور ومعالجتها من الطرفين وبينهم ,بل ان الأمر يختزل في مضمونه بعدم مراعاة واحترام كل طرف للطرف الأخر في مسؤولياته وواجباته المناطة به والملقية على عاتقه .

الخطورة في هذه الأحداث جاءت فيما بعد عندما حاول البعض استغلالها للاصطياد في الماء العكر من خلال تصعيد الأحداث والفتنة الى اعلى حدودها لتوظيفها لإثارة القلاقل والفتن في بنية وأسرة جامعة صنعاء ومنتسبيها كافة ,بل وتوجيهها صوب أعلى المستويات للنيل من استقرار وامن اليمن بالتربص والدس بين قيادات الوطن ورموزه العظيمة .  دعكم من ذلك التصعيد والتآمر الكبير الذي يحاك ويقال عنه الأن وإعادة الأمور الى تلك المعاني الكبيرة والخطيرة لأمر دبر بليل  ..

فليس ثمة خلاف فكري أو سياسي أو حزبي او حتى نقابي في هذه الأحداث , الأمر برمته حدث فجاءة وبشكل مباغت في اجتماع طارى وعاجل دعاء اليه الدكتور باسردة في منتصف شهر رمضان المبارك (الفائت )لمناقشة موضوع استكمال اجراءات توزيع أرض مذبح على اعضاء هيئة التدريس ومساعديهم مع استثناء الموظفين الاداريين من هذا التوزيع ,نعم في ذلك الشهر الفضيل وذاك الاجتماع الطارىء أنفجر الموقف الذي  تطورت فيه الاحداث من خلاف بسيط حول الترتيبات والاجراءات اللازمة لتوزيع اراضي مذبح إلى صدامات خطيرة بل جعلوا منه وسيلة للتحدي واستعراض للقوة من طرفين كانوا قبل وهلة قصيرة من عقد ذلك الاجتماع خير زملاء ورفقة يجمعهم حرم جامعي واحد وساحة نضال مشتركة.   

نعم خلفية هذه الأحداث المشكلة وأصل تلك الحكاية المعضلة وسببها هي ارض مذبح المنتمية للحرم الجامعي يتخللها ضغط  حاد من عامل الزمن المحدود المرتبط  بمواعيد انتخابات نقابية لابد من الإيفاء بها ويقابلها حتمية تحقيق الانجازات الكبيرة لنقابة منتهية ولايتها إلا أنها اجتهدت وبذلت جهود عظيمة خلال فترة ولايتها وحققت مكاسب لمنتسبيها وتبقى فقط قطف أهم ثمارها .     

صدقا كان الاتفاق المسبق والمعلن مع الادارات السابقة والحالية للجامعة أن تنمح اراضي مذبح لأعضاء هيئة التدريس وتخصص لبناء سكن شخصي يأويهم وأسرهم بعد معاناة من شتات طويل وأمل ميؤوس منه وفرص ضائعة في تحقيق هذه المصلحة بالاحتكام على اراضي منطقة ضبوة وسواد سعوان الممنوحة بتعليمات من الرئيس السابق والتي ليس لها وجود في الواقع كنموذج يمني متكرر دوما وأبدا في قضايا الأرض وحقوقها .   

كان ذلك الاتفاق (المقدس عند البعض) في منح الأرض ممن لا يملك إلى من يستحق قائما بين رئاسة جامعة صنعاء السابقة ممثلة بالسلف الدكتور خالد طميم وكذلك فعل والتزم الخلف الدكتور احمد باسردة عندما انتقلت اليه سلطة القرار في جامعة صنعاء وحتى اللحظات الاخيرة قبل ان يجد من يدس أو يهمس في اذنه ببعض المحاذير من عدم صحة ذلك الاجراء وسلامته من الناحية القانونية والادارية .. الاستاذ عبدالواحد المقالح مدير عام الاراضي المخضرم في جامعة صنعاء كان هو من علق الجرس وضغط على جرس الانذار فكان أول المستجيبين خوفا وقلقا من ممارسة الخطاء هو الدكتور باسردة .   

صاحب  الجرس وذلك الرأي الجلل الذي أثار الامور واقام الدنيا حتى اللحظة ولم يقعدها ,وجد من يسانده في ذلك الأمر (الذي شكل علامة فارقة عند باسردة)  أذ أصطف معه في الرفض والمعارضة من منطلق المصلحة الفئوية طرف أخر معارض أخر هو الاستاذ محمد مدهش(رئيس نقابة الموظفين في الجامعة) مما زاد الطين بلة وضاعف من أثار القلق المشروع عند الدكتور باسردة الجديد في رئاسة الجامعة .   

باسردة الذي يحرص ان تكون هذه الرئاسة هي الخطوة الاولى في طريق مجده المهني والاداري بعيدا عن دروب ومسالك الادانة والتشهير ونيابة الاموال العامة وملحقاتها  أصر على إحالة الأمر إلى الشؤون القانونية في الجامعة فجائه الرد يحمل توقيع الدكتور عبدالله الكانده  يدعم وجهة نظر المقالح ويؤيدها, مما زاد باسردة ترددا وحيرة في امره وما هو مقدم عليه .   

بعد طول تفكير وتدبير من باسردة في ايام الشهر الفضيل هداه حظه العاثر لترتيب اجتماع للأطراف المختلفة في قضية منح أرض مذبح لأعضاء هيئة التدريس فكان ذلك الاجتماع انف الذكر هو القنبلة الموقوتة التي انفجرت على حين غرة وقبل أوانها وفي توقيت حرج ومحرج للجميع .    

وأذ كان الطرف الاول في الاجتماع مؤلف من الاساتذة المقالح ومدهش والدكتور الكانده وكان في الطرف الاخر المقابل الدكتور عبدالله فارع العزعزي رئيس نقابة اعضاء هيئة التدريس , وبينما العزعزي  يلتفت يمنة ويسرة يتساءل عن دواعي الاجتماع ويبحث عن اعضاء اخريين مدعيين (ربما من مصلحة اراضي وعقارات الدولة ممن يحق لهم اعتماد اجراءات منح وتقسيم الارض) , بداء الطرف الممانع في استعراض  قائمة المخالفات القانونية والادارية التي لم يتم اثارتها أو التطرق لها مطلقا في اجتماعات رسمية كهذه من قبل ولسنوات عديدة مضت وبمثل هذه الجدية والندية ومن اطراف عديدة ومسؤولة منها نقابة الموظفين بالجامعة  .       

الدكتور العزعزي طغت عليه مشاعر الضيق والغضب لما يحدث وربما أحس بالغدر فأنفجر مرة واحدة وبصرخة مدوية , مؤامرة ..مؤامرة  ,وغادر الاجتماع على اثرها مسرعا ليمترس خلف المصالح الفئوية ونقابته الشقية وليعلن بدء الحرب المدانة والعودة لمربع الصدام والتصعيد وخيار انتخابات القيادات الاكاديمية في اشارة واضحة للمقايضة الظالمة مداريا نية مبيته تستهدف اخضاع باسردة والفريق العامل معه ليطلق النار عليهم بشراسة وكثافة غريبة تتنكر لروح الزمالة المهنية واخوة الشهر الكريم , ثم تتوالى بسرعة عجيبة مشاهد السيناريو المعروف(اياه ) في غياب كامل عن الحكمة ليمانية القابعة قريبا من اسوار الجامعة .   

عندما لا تتوفر النوايا الحسنة ويسيطر منطق الخلاف والقوة على الاقوال والأفعال تصبح المخاطر كبيرة والاضرار عديدة وجسيمة وتلحق وتصيب الاطراف كافة دون استثناء, وهنا تحديدا وفي ظاهرة غريبة ومستنكرة غابت الحكمة اليمانية في ضمير وعقل الأمة المتمثلة في اساتذة الجامعة وروادها جميعا ,كما لم نجد أو تبرز أي مبادرة جادة أو فاعلة من اهل الخير والسعي الحميد لتقريب وجهات النظر بين الأخوة الفرقاء , لتفوح روائح كريهة ومستهجنة في اجواء ومحيط جامعة صنعاء. 

 وهنا , فأنني أعتقد صادقا وجازما بأن المستقبل المهني والسياسي لباسردة وطموحه الوطني يجب ان لا يقف عند حدود جامعة صنعاء التي تجره الى الحضيض بما يفتعل فيها من احداث حاليا (بل انني أعتقد أنه من المغامرة بمكان أن تقبل أيا من الكفاءات الوطنية التصدي لمهمة ادارة جامعة صنعاء في ظل ظروفها وتعقيداتها الراهنة ) فدوره واعد وهام على مستوى الوطن وقضاياه المصيرية وخاصة ما يتعلق بالبناء الوطني والقضية الجنوبية وأهميتها لمستقبل اليمن ومن الحكمة بمكان ادخاره لتلك المهام الوطنية الهامة لما فيه الصالح العام وعدم استهلاكه في قضايا ملتبسة ومتداخلة يراد منها وبها إيجاد الفتنة لمجتمع جامعة صنعاء ومنه لإثارة الاوضاع في الوطن عموما من خلال إيقاع الرئيسين هادي وباسندوة في كمين الفتنة وضرب الاسفين بينهما في احداث التربص والغدر التي يتم  الاعداد لها وصناعتها الأن باستغلال الاحداث الجارية حاليا في جامعة صنعاء ,وبناء عليه نرى أن يبادر ويترك رئاسة جامعة صنعاء التي يمكن أن تصيبه بمقتل في ظل معتركها وواقعها الحالي المليء بالغموض والشكوك , وهذا رأي لي سابق لهذه الاحداث ولا يتأثر بها .   

كذلك  لو احسنت النقابة التفكير والتدبير وابتعدت قليلا عن النزعة الانانية والفئوية في منح الارض وسعت لتوزيعها التوزيع العادل على كافة منتسبي الجامعة وخاصة الموظفين ثم ربطت ذلك التوزيع بالمصلحة العامة بحيث لا يلحق اضرارا بمصلحة الاجيال القادمة من الطلاب فيكون البناء عمودي ولثلاثة ادوار على الاقل  وفي مساحة ومسار متوازي يرتبط ويلتحم بسور ارضية الجامعة وعلى امتداده فقط  ولا يتعرض لعمق الارض ذاتها , بحيث يكون البناء العمودي للسكن الاسري سياج اضافي لسور الجامعة يدعمه ويحميه من الاقتحامات والانتهاكات المتكررة للمتربصين والطامعين القادمين من خارج اسوار الجامعة ولأسباب واهواء عديدة لا تخفى عن احد .   

اضافة لكل ما تقدم وقبله , كان الأجدر بالنقابة أن تعمل على ادارة حوار مع رئاسة الجامعة والادارات المختصة فيها (الادارة العامة للأراضي/ الشؤون القانونية )للعودة الى روح القانون وعدم التمسك بظاهره لتحقيق العدل والاستقرار لمنتسبي الجامعة كافة ,كان ذلك هو المنحى المناسب واللائق بعقل وضمير الامة المتمثل بالجامعة وأساتذتها , كما أنه من غير المناسب ما ذهب الجميع اليه من حرب شعواء ظاهرها المبادي والقوانين وباطنها ذلك التطرف في المواقف الذي دفعت اليه ردود الأفعال الغاضبة لمن (أخذتهم العزة بالإثم ) وأرادوا أن يغلفوا الحق بالباطل ولا شيء غير ذلك  .    

 أنظروا لما يتم ويحدث الان بعد اثارة نيران تلك الحرائق المجنونة نتيجة افعالنا المتسرعة والعمياء عن رؤية الحق والحقيقة لم يبقى لنا جميعا إلا ذلك الوجه والموقف الحائر والخائب للرجاء في انتظار عاجز ومهين بأن يعود هادي ليطفئها!؟ . والأهم كيف نسمح لأنفسنا وسلوكنا أن يكون مطية في أيادي الغدر والعدوان التي تتربص باليمن ورموزه الوطنية وتتأبط شرا لنا جميعا وأمن واستقرار الوطن !؟ .   

وماذا بعد ؟ لماذا لا نحفظ للجامعة ماء وجهها بعد أن اريق شموخها وكبريائها ونتفادى ما يمكن تفاديه ؟ لماذا لا يبادر احد الطرفين او طرف ثالث من أهل الخير والحكمة اليمانية  لتهدئة مخاوف النفوس ويقرب وجهات النظر ويطرح الحلول الممكنة  القابلة للتطبيق والاستمرارية ليتم عرضها على فخامة الأخ الرئيس عند عودته المنتظرة (ومنها ما سبق طرحه انفا ) لنوفر الوقت والجهد الذي يجب أن يكرس لصالح استقرار الجامعة والتحصيل العلمي للطالب الذي هو الخاسر الوحيد في هذا المعترك المخادع , ونوفر كذلك على الرئيس هادي (المهموم والمشغول حتى أذنيه بقضايا شعب ووطن يتجه نحوا المنزلق ) الكثير من الوقت والجهد الثمين الذي يجب أن يخصص ويكرس لإنقاذ السفينة من الغرق . فهل انتم فاعلون؟؟

Total time: 0.0969