أخبار الساعة » السياسية » عربية ودولية

تحليل: مقاتلو المعارضة السورية يمسكون بزمام المبادرة في حرب طويلة

إقرأ الموضوع مقاتلو الجيش السوري الحر بالقرب من ادلب - رويترز
- رويترز

كشفت الهجمات التي يشنها مقاتلو المعارضة على قواعد للجيش في أنحاء سوريا عن تراخي قبضة الرئيس بشار الأسد في شمال وشرق البلاد وجعلت قاعدة سلطته في دمشق عرضة لقوات المعارضة التي أصبحت أقوى بشكل متزايد.

وما زال مقاتلو المعارضة الذين سيطروا على خمس منشآت على الأقل تابعة للجيش والقوات الجوية على مدى الاسبوعين الماضيين يشنون حربا غير متكافئة على الجيش القوي المدعوم بغطاء جوي مدمر ويتوقعون استمرار الصراع لشهور قادمة.

ويقول دبلوماسي في دمشق إن تكتياكتهم تخنق تدريجيا قوات الأسد في محافظات بالشمال مثل حلب وإدلب وكذلك منطقة دير الزور النفطية في الشرق في حين أنه في دمشق "هناك شعور بأن اللهيب يقترب".

وأدى تواصل سيطرة المعارضة على منشآت عسكرية وذخيرة إلى تدني الروح المعنوية لقوات الأسد ويضمن أيضا حصول المعارضة التي تعاني نقصا في السلاح على مصدر إمداد جديد. وكانت مطالب المعارضة بفرض حظر للطيران الذي كان له دور حاسم في الانتفاضة الليبية لم تلق أذانا صاغية.

ورغم أن المعارضة لم تسيطر بعد على مدينة واحدة أو تترجم هيمنتها في قطاعات كبيرة من ريف سوريا إلى "أرض" محررة لا تتعرض لضربات القوات الجوية أو المدفعية يقول مقاتلو المعارضة إن تزايد قوتهم في ساحة المعركة وحصولهم على المزيد من السلاح أتاح لهم في نهاية الأمر الأخذ بزمام المبادرة.

وقال مقاتل في لواء إسلامي بمحافظة دمشق اسمه المستعار أبو اليمان "الفارق هو أننا تحولنا من الدفاع إلى التفكير في الهجوم وشنه. لدينا بالفعل القدرة على الهجوم الآن بعد أن صادرنا ما يكفي من السلاح."

ومع استمرار الانتفاضة التي اندلعت قبل 20 شهرا ضد الأسد والتي أسفرت عن سقوط 40 ألف قتيل تطورت استراتيجية مقاتلي المعارضة من الهجمات السريعة التي تنتهز أي فرصة إلى حملات بطيئة لكن مخطط لها بعناية تقوم على الحصار والاستنزاف.

ومن خلال استغلال الخبرة العسكرية للضباط الذين انشقوا عن جيش الأسد حقق مقاتلو المعارضة نجاحا كبيرا من خلال التركيز على طرق ومسارات إمداد استراتيجية وكذلك قواعد عسكرية.

ويمكن أن يؤدي بطء تقدم القتال الى إخفاء مكاسب مقاتلي المعارضة خاصة عندما يضطر المقاتلون للتراجع في مواجهة رد شديد من الطائرات الحربية السورية.

لكن القتال في المدن ما زال يمثل تحديا.

وقال مقاتل بدا عليه الإنهاك من لواء أحرار الشام في حلب حيث يحارب مقاتلو المعارضة قوات الأسد منذ أواخر يوليو تموز ويسيطرون على نحو نصف أكبر المدن السورية "يقوم الثوار بالحصار وتحدث انشقاقات ثم يعقب ذلك غارات جوية. ثم حصار وانشقاقات وغارات مرة أخرى. وهكذا."

وأضاف "الريف هو منطقة يمكننا أن نحقق فيها تقدما أكبر لكن داخل المدن ما زلت أرى أن المعركة ستكون طويلة وصعبة واعتقد اننا سنحتاج شهورا أخرى."

وذكر مقاتل آخر من محافظة إدلب التي تسيطر المعارضة على أغلبها على الحدود التركية إن معركة "تحرير الحدود الشمالية" تسير على ما يرام في حين أن التقدم جنوبا قرب الحدود الأردنية يمثل تحديا.

وتابع "ما زال أمامنا عمل كثير نقوم به. لسنا على وشك السيطرة على البلاد لكني في الواقع أرى الكثير من التقدم في الشهر الأخير."

وعلى عكس زعماء في شمال افريقيا تخلى عنهم الأصدقاء عندما بدأت الاضطرابات ما زال الأسد يلقى دعما من روسيا والصين وإيران والتي يعتقد أنها تدعمه بالمال والسلاح.

كما أن مقاتلي المعارضة الذين يعانون من الانقسام لأسباب شخصية وايديولوجية وكذلك عقبات جغرافية وعسكرية وجدوا صعوبة بالغة في إظهار أنهم تربطهم قضية مشتركة منذ أن حملوا السلاح ضد الأسد.

وتشكل ائتلاف جديد للمعارضة في وقت سابق من الشهر الجاري بهدف سد الفجوة وإخضاع مقاتلي المعارضة لهيكل موحد وهي خطوة أولى نحو التغلب على عزوف الغرب عن تسليح حركة المقاتلين التي تشمل اسلاميين متشددين.

وقال علي العلي وهو مقاتل في لواء أحرار الجبل الوسطاني إن المقاتلين يتغلبون على انقساماتهم ببطء.

وقال لرويترز عبر سكايب من محافظة إدلب "هجماتنا أصبحت أكثر تنسيقا على الصعيد المحلي... على الأرض نحن متفوقون. تراجعت قوة (الأسد) على الأرض."

وأدى الأثر التراكمي للمكاسب التي يحققها مقاتلو المعارضة إلى تركز قوة الأسد في الجنوب حول دمشق وفي محافظتي طرطوس واللاذقية المطلتين على البحر المتوسط معقل العلويين الذين ينتمي لهم الرئيس.

ويربط العاصمة والمناطق الساحلية مدينة حمص التي تحملت الجزء الأكبر من القتال في وقت سابق من العام الجاري مع قصف قوات الأسد للأحياء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة للإبقاء على سيطرتهم على ثالث أكبر المدن السورية. وأصبحت حمص ذاتها الآن منقسمة بين مقاتلي المعارضة وقوات الأسد.

وقال اندرو تابلر وهو خبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "في الشمال والشرق (السوري) تحول الوضع ضد النظام... المنطقة التي لم تحسم فيها اللعبة هي بامتداد الساحل حول حمص ودمشق."

وكان المكسبان الرئيسيان اللذان حققهما مقاتلو المعارضة خلال الاسبوعين الماضيين هما السيطرة على قاعدة الفرقة 46 المترامية الأطراف والتي تمتد عدة كيلومترات مربعة إلى الغرب من حلب وقاعدة الميادين في دير الزور والتي جعلت المعارضة تسيطر على 120 كيلومترا من نهر الفرات إلى الشمال من الحدود العراقية.

وحول العاصمة ذاتها سيطر مقاتلو المعارضة على منشأة تابعة للدفاع الجوي في جنوب دمشق وقاعدة لطائرات الهليكوبتر تقع وسط منطقة زراعية في الشرق وبلدات تمثل معقلا للمعارضة لشهور.

وإلى الجنوب الغربي يقصف الجيش مواقع مقاتلي المعارضة في ضاحية داريا بهدف منعهم من السيطرة على بوابة أخرى للعاصمة.

وقال الدبلوماسي المقيم في دمشق إن الأسد ما زال لديه ما بين 70 و80 ألف جندي متمركزين حول المدينة وعلى مشارفها. وليست هناك أرقام واضحة عن حجم قوة المعارضة لكنهم يقولون إن العدد يبلغ عشرات الآلاف في أنحاء البلاد.

وفي ظهور تلفزيوني نادر لم يبد على الرئيس البالغ من العمر 47 عاما أنه يعاني من أي حصار. بدا هادئا ومطمئنا في أحدث اجتماعاته يوم الجمعة مع رئيس برلمان إيران أقوى داعميه.

ويقول خبراء في الشأن السوري إن طهران أرسلت مقاتلين من الحرس الثوري والسلاح لمساعدة جيش الأسد وقدمت الدعم المالي لمساعدته على تحسين وضع الاقتصاد الذي يعاني انهيارا في العائدات وخسائر بسبب الحرب تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.

ويقولون أيضا إن جماعة حزب الله اللبنانية أرسلت مقاتلين للقتال في صفوف قوات الأسد وهو ما ينفيه حزب الله رغم أنه أقام عدة جنازات لأشخاص لقوا حتفهم أثناء قيامهم بمهام "جهادية".

وقال الدبلوماسي المقيم في دمشق "يقول أشخاص تحدثت إليهم على اتصال بمسؤولين سوريين كبار ان هناك شعورا بالهدوء بين الجنرالات وكبار المسؤولين... لا يمكنني فهم ذلك.. ما لم يكونوا يتظاهرون بالشجاعة."

ومضى يقول "كل مواطن سوري تحدثت إليه يشعر بالقلق. إنهم يرون أن هناك كارثة مقبلة."

لكن متى تقع هذه الكارثة هو محض تكهنات بين المحللين العسكريين والسياسيين المتابعين للشأن السوري.

ويقول مقاتلو المعارضة أنفسهم إن الاختبار الحقيقي سيكون عندما يدخلون العاصمة لخوض المعركة الأخيرة وهي عملية يقولون إنهم يخططون لها بالفعل. ويقول بعض المراقبين إن المعارضة ربما يكون لديها بالفعل خلايا كامنة في دمشق تحاول الإعداد لنقطة انطلاق لشن هجمات من خارج المدينة.

وليس هناك مؤشر على أن مقاتلي المعارضة لديهم معدات وأسلحة متقدمة ومعلومات كافية لتمكين الخلايا النائمة من التغلب على قوات الأسد التي ما زالت تبدي صمودا وهي الخلايا التي أثبتت فاعليتها في ليبيا عندما ساعد الدعم من القوات الغربية الخاصة على الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي بعد شهور من جمود ظاهر.

لكن مقاتلي المعارضة شنوا هجمات داخل العاصمة أحدها أسفر عن مقتل أربعة من أقرب مساعدي الأسد في تفجير مدمر وقع يوم 18 يوليو تموز.

وقال محلل طلب عدم نشر اسمه لأنه ما زال على اتصال بمسؤولين سوريين إن الصراع في سوريا مر بتغير "درامي" خلال الأسابيع القليلة الماضية.

ومضى يقول "إذا نظرتم للخريطة لم تتغير كثيرا. لكن الوضع النفسي مختلف."

وتابع "هذا نظام يواجه تراجعا في القتال... كلما حققت المعارضة مكاسب في قواعد النظام كلما حصلوا على المزيد من السلاح. أعتقد أن هذا يساعد على الاكتفاء الذاتي."

وأردف قائلا "من الممكن أن ينتهي كل هذا أو ربما يؤدي إلى عدة صراعات" مكررا مخاوف واسعة النطاق من أن يكون سقوط الأسد إذا حدث أصلا بمثابة إغلاق للفصل الأول فقط في حرب طائفية أطول بكثير.

وقال مصدر أمني إقليمي إن مقاتلي المعارضة يحصلون على دعم ثابت من الصواريخ سطح-جو التي تحمل على الكتف من المملكة العربية السعودية عبر الأردن.

لكن نظرا لأن دول الخليج لا تريد ان يحدث تراكما لكميات كبيرة من السلاح لدى مقاتلين متشددين كما حدث في أفغانستان خلال الثمانينات فإنها ترقب عن كثب استخدامها وتحد من إمداداتها.

قال مايكل ستيفنز من مركز أبحاث المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية (روسي) فرع الدوحة "لم يحدث تدفقا للسلاح على مقاتلي المعارضة... هناك زيادة تدريجية في السلاح والقدرة.. وأصبحوا أكثر ذكاء

Total time: 0.0513