في اليمن معارك طاحنة تشيب لها الرؤوس لدى الانفصاليين في الجنوب، والحوثيين في صعدا، والقاعدة في أماكن شتى، لكن هناك ما يُسَرُّ له القلب وينشرح له الفؤاد في نخاع المجتمع اليمني حيث وجدت رجالا إذا نظرت في وجوههم رأيت: "سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ" (الفتح:29)، و"نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ" (التحريم:8)، فإذا تكلموا وجدت الحكمة وفصل الخطاب، والرؤية وحسن الجواب، فإذا استضافوك وجدت الكرم ولين الجانب وحسن التعامل وأصالة الجوهر، فإذا ذهبت إلى المشاريع الكبرى أو الصغرى وجدت التخطيط على أصوله في أعلى الدرجات العلمية حيث تجد الرسالة والرؤية والأهداف والوسائل والخطط المرحلية والمستقبلية وأدوات العرض والميزانية الحالية والمستقبلية، وتعجبت أن يكون الإعلام مغموصا في أحداث الحروب الطاحنة التي تصنعها أمريكا وغيرها من عملائها في المنطقة لتهدد السلام الاجتماعي، والالتقاء المصيري بين الشمال والجنوب، بين الأسر والبطون والفخوذ والعشائر والقبائل والقرى والمدن، وأمريكا التي دعمت حرب العراق وإيران قديما تقوم بالدور الخبيث نفسه الذي أجج الصراع بين الطوائف في لبنان والعراق، والنصارى والمسلمين في مصر، والأمازيغ والعرب في المغرب، والشمال والجنوب في السودان، والفصائل في الصومال، تقود الشيء نفسه في اليمن، لكن العجيب هو أن أخبار الحرب الدائرة هي وحدها التي تطفو على السطح، وتعلو على السفح، وتنتشر كالنار في الهشيم؛ لتزكي الصراع، وتورث الإحباط واليأس لكنك عندما تشهد جمعية واحدة هي جمعية "البر والعفاف" التي أقامت أعراسًا جماعية في الأعوام الماضية لقرابة 7 آلاف عريس وعروس وآخرها كان لقرابة 1100 عريس وعروس يوم 19 شوال 1431هـ يختصر التكاليف، وتنتشر الفرحة في أرجاء البلد، ويتقارب الجميع، وتشتد أواصر الأرحام، وتقوى علاقات القرابة بهذا الزواج الجماعي، وهي في الوقت ذاته تقوم على رعاية آلاف الفقراء والأيتام والمساكين، وقدمت وجبات للجوعى لقرابة 50 ألفا في اليمن وملابس للعراة، وشنط لطلاب المدارس، ثم لا يفوتها أن تقدم شبكة لا سمكة حيث تدرب اليتامى على العمل، فهناك معامل في دور الأيتام لتعليم الكمبيوتر، وتصليح التليفونات المحمولة، وتعلم اللغات والرسم والتصوير والحياكة والسباكة والخياطة وغيرها من المهن، وقد سمعنا بعضا من الأناشيد من الأيتام والمسرحيات من اليتيمات أبكت القلوب قبل العيون، وعلمنا أن مدينة مثل "ذمار" فيها 24 ألف يتيم ويتيمة، يحتاجون إلى يد العون من ذوي القلوب الرحيمة، أما أكثر ما فرح له القلب في الرؤية المستقبلية هو إنشاء مؤسسة "العمراني العلمية" التي ترعى الموهوبين من شباب اليمن السعيد، حيث انتقت 700 من النوابغ على مستوى اليمن وقامت بتصفية ال700 إلى 30 وليست عندهم منح دراسية إلا لاثنين فقط! وينتظرون فضل الله وأهل الإحسان كي يقوموا بكفالة هؤلاء النوابغ ليكونوا علماء ربانيين وقادة مصلحين، وكفالتهم لا تكلف في العام ثمن دبابة واحدة أو مدفعين ثقيلين! مما تسارع له الدول الكبرى والصغرى. أما النوابغ والأيتام فشكر الله لهؤلاء المحسنين الذين دعموا هذه المشاريع من أبناء الكويت والسعودية والإمارات والبحرين واليمن، فهذه دعوة مفتوحة للاستثمار في صناعة اليمن السعيد لإزالة الغمامة عن اليمن المحارب، أملا في رضا الله والجنة وإعادة الوئام ونشر السلام بين أبناء الأمة.
أ.د. صلاح الدين سلــــطــان
المستشار الشرعي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مملكة البحرين
عضو المجالس الفقهية فى أوربا وأمريكا والهند