أخبار الساعة » فنون وثقافة » ابداعات ادبية

الشاعر أحمد الشهاوي يكشف أسراره في سبعين لوحة

- ادريس علوش


في  قاعة إبداع للفنون التشكيلية بالزمالك

 

الشاعر أحمد الشهاوي يكشف أسراره في سبعين لوحة

 

يقيم الشاعر أحمد الشهاوي معرضه التشكيلي  الأول في قاعة "إبداع للفنون التشكيلية" -23 ب شارع إسماعيل محمد أمام كلية التربية الفنية بالزمالك في الفترة من 18 من أكتوبر إلى  15 من نوفمبر. ويحمل المعرض اسم "مقام الأسرار"--The stage of secrets  حيث يعرض أحمد الشهاوي سبعين  لوحة أنجزها الشاعر خلال عام 2010 .إذ يستخدم الألوان المائية والآكريلك إضافة إلى خامات أخرى متنوعة. والمعرض تفتتحة الكاتبة الدكتورة لوتس عبد الكريم مؤسسة وصاحبة قاعة الشموع للفنون التشكيلية أول جاليري خاص في مصر.

 

ويقول الفنان التشكيلي الدكتور عبد الوهاب عبد المحسن عن تجربة أحمد الشهاوي في معرضه الشخصي الأول"مقام الأسرار" :

 

"أحياناً يكون التوهج الإبداعي عند المبدع في أقصى درجاته فيصبح وسيط التعبير الذي اعتاده وتألق فيه أضيق من حالة التوهج التي تسكنه  برغم عظمة تجربته الإبداعية وعمقها وتجليها .

 

في هذه الحالة تلح عليه وسائط أخرى للتعبير تكون أقصر مسافة لتحقيق الدفعة الشعورية التي يحياها  في تلك اللحظة مع استمراره في تجربتها الأخرى .

 

هذا ما يحدث لأحمد الشهاوي من احتياج لتعدد وسائط التعبير التي يلجأ إليها لما يعتمل داخله من أفكار ومشاعر وخيالات ، ينظم سريانها رغم تنوعها بين الكلمة واللون حس صوفي ينساب كالنهر في تناسق وانسيابية تجعل لكل من إبداعه المقروء والمسموع كأنه شئ واحد .

 

ويرى الفنان التشكيلي عبد الوهاب عبد المحسن أن "البعد الصوفي عند أحمد الشهاوي يجعله مشغولا بجزيئات اللون وتفاعله على سطح الورق في حالة استغراق تأملي بعيد عن مسميات الأشياء المتعارف عليها للأشكال .

 

حالة الاستغراق والتأمل هذه تجعله ينتشي بفعل اللون على سطح الورق يُحدث فعله بنفسه ويخلق أشكاله بتلقائية ويملك قرار انتشاره على السطح كيفما تتشكل الأشكال في الذاكرة ، وتتجلى كثافته وعمقه حسب رغبة اللون واستقبال الورق له  ، أما أحمد  الشهاوي فيتأمل متعة هذا الحوار ، ولا يفسده .

 

هذا هو مانراه في هذا المعرض حالة من الوجد من خلال الاستغراق في لعب فطري له عمق الكتابة التي قرأناها له في تجربته الشعرية المعروفة .

ويقول الفنان التشكيلي الدكتور أحمد عبد الكريم وكيل كلية التربية الفنية لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة إن " الشعرية والتصوف  معنيان تستطيع أن تستشفهما في باكورة أعمال الشاعر الفنان أحمد الشهاوي , وقد ظننت أن الشعر مفرداته كلمات, وأن الفن البصري مفرداته خطوط وألوان, ولكن الفن البصري هو وحدة الفنون العضوية ,حيث يجمع موسيقى الكلمات والألوان والألحان في لوحات أحمد الشهاوي,وعندما قرأت منذ زمن قريب شعر الشهاوي وجدت أن اللونين الأبيض  والأسود هما العامل المشترك المتوفر في أشعاره ولوحاته, كما أن كثيرا من اللوحات ذات بريق ينم عن ثقافة متأصلة في عالم الألوان والتكوينات الشعرية جماليا.

 

وأشار الفنان التشكيلي الدكتور أحمد عبد الكريم إلى أن لوحات أحمد الشهاوي حفلت  بالخيال الهندسي مع أنوثة طاغية حافزة مستلهمة بين ثلاثية العشق: الحب,الزمن,الدائرة,حيث تستقر في ذاته الحركة في الشعر واللون والأوراق والدائرة والمثلث.وثقافة أحمد الشهاوي الشعرية وتوغله في عالم الفنون البصرية والآداب أضافت إليه قوة وطاقة غير محدودتين في عالم الألوان المائية خصوصا أنه من الفنانين الذين لا ترتبط تجربتهم بالقوانين والدراسات الأكاديمية التي غالبا ما تقف عائقا وأحمالا زائدة على أكتاف المبدعين.

لقد استلهم أحمد الشهاوي مفرداته من الخيال مرة ومن الواقع مرة أخرى ,حيث لامثيل لتلك التهويمات اللونية إلا في عالم خاص ببصره وبصيرته , ويضع فوق تلك التهويمات رموزا ذات دلالات كالأطفال والأشجار والورد والحروف العربية والدوائر والمثلثات  وغيرها,وكثيرا ما تحيلك هذه  الرموز إلى معان مجتمعة أو متفرقة في سيطرة ناعمة على مجريات تدفق اللون على السطوح البيضاء.

 

وتقول الفنانة التشكيلية  فدوى رمضان إنه للمرة الثانية على التوالى يأخذنا الشاعر أحمد الشهاوى إلى عالمه الشعرى فى التشكيل، حيث تعكس أعماله المعروضة الآن حيزا واسعا من العبارات البلاغية المشكلة على طريقته الخاصة،  والمتابع للتجربتين الأولى من خلال المعرض العام واللاحقة لها بمعرضه الخاص سيلاحظ مدى التطور الهائل بينهما، ورغم بدايته القوية التى تجردت من الصنعة والافتعال... غير أن امتدادها يعد أكثر تبسيطا وقوة ودلالة وفهما لآليات التكوين واللون فى محاولة جديدة منه لتحقيق خصوصيته فيما بين عناصره التى اختارها ، وتوظيفه لها بطرائق مختلفة... كأنه يكتب بها عددا من عباراته الشعرية الدافئة بالعاطفة.

 

أكثر من سبعين عملا تجريديا رمزيا تارة وتعبيريا تارة أخرى، تأخذنا رموزها إلى عالم من الأسرار التى يخشى شاعرنا الكشف عنها بالكلمات، أو الإعلان عما تعنيه بغموضها الدائم المتجدد، إذ ليس هناك سبيل آخر غير التعبير عنها بالشكل – على حد رؤيته - ، كما أنه ليس هناك من سبيل سوى الخوض فى تفاصيلها الدقيقة المتواصلة الحوار... ربما تحيلنا بمشاهدها المتلاحقة إلى الذاكرة فتعيدنا ألوانها النحاسية البنية المائلة للحمرة ذات النقوش والرموز الدقيقة إلى ما يشبه رسوم ونقوش الفراعنة القدماء بالمعابد، دون أن تشبهها فى شىء من محتواها.... حيث يأخذ الشكل هنا موطن المعنى ودلالته، دون أن يتجاوز حدوده فى تأكيد هويته كاتجاه له جذور كلامية متماهية العمق.

 

وتشير الفنانة التشكيلية فدوى رمضان  إلى أن الشاعر أحمد الشهاوي يتعامل مع المساحة باعتبارها وسيطا جديدا لكلماته، فيبعثر عليها مشاعره وتفاصيله الحياتية مستخدما عددا من التقنيات اللونية والوسائط المائية التى يراها مناسبة ومختلفة فى طرحها. وبفضول المجرب يتمادى الشهاوى فى توظيف خاماته والكشف عن أسرارها الدفينة مجددا فى استخدامها... محققا بذلك نتائج وتأثيرات مختلفة تماما عما نعرفه عنها، حتى أننا أحيانا نتساءل : كيف تحقق لديه هذا الناتج أو الأثر؟ أو كيف تضافرت فوق مساحاته كل العناصر بهذا المنطق من الدراية ؟ نكتشف أخيرا أن لديه رؤية ... ولديه مفاتيحه العفوية الخاصة التى تتعامل مع أشكاله ببساطة وتلقائية ...ومفاتيحه هذه هى ذاتها مصدر إلهامه وسبيل توثيقه المادى.

 

من هنا يصبح العمل هو كل المساحة وليس مساحة الشكل فحسب، باعتبار الفراغ المحيط من الزوايا أو الجوانب جزء آخر من العمل أو عامل مكمل للشكل، حيث لا يمكن الاكتفاء بالمساحة الملونة المحدودة بالشكل ومحتواه فوق المساحة الكلية...إذ يعد الفراغ المحيط بلون الورق الأصلى _ أحد عوامل نجاح عملية التشكيل والتلقى على حد سواء.

 

يضاف إلى ذلك الجانب الاهتمام الواضح بالتكوين والتقنية اللازمة لتحقيقه، وحرص الشاعر على التجديد من خلالهما، لكن إذا وضعنا فى اعتبارنا الكثير من الدوافع كبداية للتشكيل لديه، سيكون علينا اعتبار هذا الجانب من الاهتمام ميزة إضافية إليه كشاعر له عالمه الخاص للغاية والفريد فى الوقت ذاته، واعتبار هذه التجربة امتدادا للشعر أو تشعبا منه وليس انفصالا عنه ، كما هو مألوف ، فنحن نرى ما نقرؤه...الفارق هنا يكمن فى الصورة ،  كأنها قصائد جديدة: لها شكل ولون ومعان جديدة.

 

نحتاج فقط إلى أن نراها لا أن نقرأها...أن نحسها بأثر متجدد ونتعمق فى فهمها لا أن نستوعبها وننساها...فكلما اختلف الشكل اختلف معه نوع التلقي، واختلفت معه مقاييس المتعة الناتجة عنه، رغم أن مقدار المتعة الحسية يكاد يكون هو ذاته فى نهاية الأمر.

 

 

 

ويقول الشاعر والناقد التشكيلي الدكتور السيد رشاد إن  لوحات الشاعر أحمد الشهاوي

تنتمى إلى ما يمكن تسميته  (التجريد التعبيرى )حيث تحول فيها اللون الى صوت ، و التكوين البصرى إلى بصيرة ..أسهم فى ذلك هذا التوظيف الفنى المتفرد لمساقط الضوء والظل الذى تجاوز التركيبة الأحادية لكليهما ليصبحا أكثر تمثيلا ، وأوسع أداء لمعنى التشكيل الجمالى – الدلالى ، و دالة تقودنا عبر مسارات و دوافع و تشابكات التكوين إلى النفاذ داخل جوهرة بعمق ، و قد أضفى ذلك توهجا آخر على جغرافية اللوحة حيث لعب البعد الثالث المتعلق بالعمق الدور المحورى ، الأهم لتستمد اللوحة اتزانها الفنى لا من خط القاعدة كعامل اتزان تقليدى مشترك بين الفنان و التكوين و المشاهد لكن من هذا الخط الوهمى الذى يشكله امتداد العمق غير المرئى داخل فراغات اللوحة، فيما اختزل أحمد  الشهاوى الضجيج اللونى إلى أدنى حدوده الممكنة لحساب الشفافية البصرية الاعمق دلاليا ، حيث جاءت اللوحات خالية من أى صخب تشكيلى ، و ذات منحى تصميمى يعتمد التقشف الانفعالى ، مقابل ثراء شديد على المستوى الإسقاطى و الدلالى ، و أسهم فى هذا التأثير الحضور اللونى اللافت للأصفر (الأوكر ) الذى أراه أجمل درجات الأصفر هدوءا وشفافية، ودفئا، خصوصا فى تجاوره اللونى مع الأسود بمركزيته مما منح الأصفرمزيدا من الانتشار الضوئى- البصرى الشفيف ، الذى يناسب الانطلاق الروحى (خارج خط الافق ) بعيدا عن القيود المادية ممثلة فى (الخط الأرضى للتكوين ) كما عوض هذا الاتساع صغر حجم اللوحة المكدسة بكل هذه المفردات و الحمولات الدلالية و الجمالية ،وكأنها لوحة شحذت كل طاقاتهاالإبداعية لتقدم لنا هذا الاستبصار الجمالى الاستثنائى .

 

ويقول نبيل أبو الحسن مؤسس ومدير قاعة إبداع إحدى أهم وأشهر قاعات الفن التشكيلي في مصر:إنها مصادفة لافتة أن نقيم هذا المعرض للشاعر أحمد الشهاوي في مناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس القاعة, مشيرا إلى أن الإنسان يسعى  دائما في حراكه  مع الحياة إلى آمال وطموحات ومثل أعلى يرنو إليها,وفي خضم هذا الحراك  يصبح الفن عقيدة وموهبة وإبداعا  يؤكد معاني الحياة وإنماء ماهو جميل وجليل وعميق, وهمزة وصل بين الفنانين والمتلقين سواء أكانوا دارسين أم متذوقين أم مقتنين من خلال قاعات العرض التي يجب أن تؤدي دورا تثقيفيا وتربويا وتسويقيا للفنان والجمهور أولا والمقتني ثانيا .

         

المصدر : بريد بريس-ادريس علوش

Total time: 0.1388