عندما يشعر الانسان عديم الخبرة والانجاز بالغرق في بحر متلاطم من الانتقادات والرافضين لسياسته يعمد الى ان يتعلق بالاخشاب المهترئة التي تقذفها السفن العابرة او بقشة هائمة لعلها تنقذه من الغرق ونهاية حياته السياسية . والكارثة هنا عندما يدرك ان القشة والاخشاب خادعة ولن تنفعه في النجاة تتحرك معه حرارة الروح لاسيما ان مقام التوريث لديه سيخسر السياسة ومناصبها واضوائها فهو يعمد الى ان يتعلق بالماء نفسه عبر عمليات تخبط بيديه ورجليه وراسه وفمه لعله ينجوا من الغرق والنهاية .
ولكن الاوان قد فات والثواني اصبحت مفصلا ، وكان الاجدر به ان لا يخوض عباب الماء وهو العديم بالخبرة والسياسة والبحور المتلاطمة من الانتقادات التي تحتاج الى خبرة ودراية وصدق وعزم ، والا فان الغرق استحقاق طبيعي وفطري وسياسي تقتضيه سنن الكون لمن يعتقد انه قادر على التجريب والهواية واللهو ولو كان ذلك على حساب مقدرات وطن وعقول رجال يعرفون الغث من السمين ولا تاخذهم في الله ووطنهم لومة لائم ..
بالله عليكم من كان يصدق ان تصل حال ديمقراطيتنا الى هذا المستوى ، مستوى " صوت واربح " وتخصيص جوائز لمن يدلي بصوته حتى غدا التندر عنوانا وكاننا في دكاكين او مولات تجارية تستقطب الزبائن لشراء بضاعة قربت مدة نهاية صلاحيتها او تكدست في مستودعاتها او كسدت او كثر من تنافس عليها فلجات الى تسويقها عبر اليانصيب " اشتري واربح " ؟!
قبل بضعة شهور قرانا من كتب ساخرا يقترح تخصيص جوائز يانصيب لمن يدلي بصوته ، وفي حينه كان التعبير له دلالة كم سيكون حجم المقاطعة للانتخابات ضئيلا جدا ؟ ، وقد انكر البعض عليه ان يقول (لاحظوا ان يقول) ان انتخاباتنا تقترن بتخصيص جوائز لمن يصوت ، وقد اعابوا عليه واستنكروا كيف له ان يكتب ذلك؟! وها هو ما تندر به وكان ضربا من الخيال والاستغراب والحرمة لافهام الناس كم هو ضعف الاقبال كبيرا ، يتحقق عبر اعلان حقيقي لاكبر شركة في الاردن تخصص جائزة لمن يصوت ، فماذا انتم قائلون ، وماذا انتم فاعلون الان ؟!
حال الغريق لحكومتنا ادركناه مبكرا عبر سياسات وتعيينات ومواقف وقرارات فيها عمق التخبط وسوء الاختيار ، وراينا القلق يعتصر الحكومة ، حتى غدا خبزا وملحا وبرنامجا يوميا لها واصبح جل عملها ترقيع وترميم وردود فعل على سوء تصريحات وزرائها وتخبط قراراتها ومواقفها في سلسلة دوارة، ما ان تخرج من ازمة حتى تدخل في ازمات متوالية ، حتى اصبحنا نتساءل عن سر بقائها ، وقد افردت لذلك مقالين ، الاول بعنوان " حكومة قدس سرها " ، تبع ذلك مقال آخر بعنوان " هل تريد الحكومة منا الانتخاب لننشلها من الغرق"
ولم ادرك في حينه ان الحالة تجاوزت حالة الشعور بالغرق الى حالة الغرق ذاته الذي معه تشتعل حرارة الروح عبر تخبط الاعضاء كلها ، حتى ولو عبر فتح دفاتر عتيقة لخطباء طواهم النسيان بعد ان سقطوا او اسقطوا في الانتخابات وملؤا السماء صراخا ان الانتخابات مزورة، نراهم اليوم وعبر التلفزيون الحكومي يسارعون الى فتاوي حادة ومحمومة تخالف راي الجماعة والجبهة التي تحتضنهم وتطعن في قرارهم وموقفهم وصمودهم ، بل وتناقض مع ما قاله هو نفسه في الانتخابات قبل ذلك بانها وبانها ؟! ، فما الذي تغير.. فالقانون اصبح اسوأ والمعارضة اكبر والرفض اعظم والتخبط اشد بلاء ووو… ولا تعليق سوى بوضع اشارة استفهام وتعجب والله اعلم بالاسرار وما في تخفيه القلوب ؟!
واستمر التهافت بل تهافت التهافت الى حد اعلان شركة كبرى لجائزة " صوت واربح " كان رئيس الوزراء نفسه قد اختار بعض موظفيها ليكونوا وزراء ورؤساء ومناصب عليا ولو بكسر بعض بنود الدستور ، ويبدوا ان سداد الدين بالدين جاء اوانه ، باسلوب اصبح محل تندر واستغراب واستهجان الجميع وصدر بذلك بيانات لم تكن لتصدر لولا عمق البعد الاخلاقي والقانوني والذوقي والاستهجاني لذلك ، حدا وصل الاساء الى ديمقراطيتنا بل والى الديمقراطية منذ ان كانت واستحدثها الانسان لترفع من سوية الانسان عبر احترام عقله واختياره وسموه وليس محاولة افساده واستعباده في يانصيب " صوت واربح " تحولت معه القناعات العقلية والوجدانية التي يحترمها خالقها وترفع النفس سموا ورفعة الى الاغراء بسيارة واجهزة خلوية للنحدر بنا الى مستوى السلع الاستهلاكية والاساليب التجارية وقد كشف القناع فما الذي ننتظره بعد ذلك ؟!
لا والله لن اقبل ان يتحول العقل الذي ميزنا به رب العالمين، والنفس التي سما بها الخالق عبر الدين والفكر والديمقراطية ، والتي جاءت لتحترم الانسان في عقله ورايه وفكره وتجعل من راي الاغلبية والانتخابات التي هي اسلوب الديمقراطية في الاختيار الى اوراق يانصيب دواره تخاطب الاغراء الاستهلاكي وخصلة الطمع وافساد الاذواق لننحدر الى هذا المستوى باستدراج المقترعين عبر ورقة يانصيب وليس عبر قناعاتهم واحترامهم لانفسهم واحترام الحكومة لعقولهم وقناعاتهم ؟!
احاول ان اجد وصفا لما جرى فعجزت لان الفضيحة كبرى تسجل في تاريخ هذه الحكومة والتي يجب ان نسميها في سجلات السياسة والتاريخ بحكومة " صوت واربح " ، التي اساءت لنا في كل الاتجاهات ، بل وتسجل في تاريخ الديمقراطية منذ وجودها ان حالها اصبح حال المادة والتسويق والترويج التجاري ، تعطل معه العقل ليخاطب به الغريزة ، ووالله لو علمت العقول التي استحدثت الديمقراطية ان حالها سوف يصل الى صوت واربح لوضعوا لذلك قانونا في حينه افردوا له بابا ان الديمقراطية غير قابلة للاستغلال او الدونية المادية بل واوجدناها لاحترام الانسان وتقديره وتعظيمة كقيمة تعلو على المادة التي هو من يسخرها وليست هي من تسخره وتسحبه الى صناديق الانتخاب .. فما عسانا ان ننتظر بعد ذلك ؟! وهل تقبلون ان توصلنا ورقة يانصيب الى البرلمان ؟!
شعار مشاركون من اجل التغيير الذي طرح للحث على المشاركة بالانتخابات ، بانت معالمه ، دفاتر عتيقة تفتح ، واوراق يانصيب تطرح ، واخلاقيات اترك وصفها لمن يجيد الوصف اكثر مني ، يضاف لها سيل الازمات الى عشناها على اعصابنا ، وعلى حساب انتاجنا ، والاستفزازات المتوالية ، والفقر والبطالة وتجاهل مطالب المتقاعدين الذي جاء عبر كتاب رسمي من مؤسسة المتقاعدين الى الحكومة نفسها ، التي تجاهلته تماما واستثنتهم من عملية هيكلة الرواتب في سابقة لاول مرة في تاريخ الحكومات ، بل وقسمت المتقاعدين الى ما قبل حزيران 2010 وما بعده وعمدت الى استقالة من وقع الكتاب ورفعه وكذلك من وجه له واستقبله متاجهلة ومحاولة طي صفحة الحديث عن فقرهم المدقع لتضيف له الغبن والظلم ولتطرح علينا بعد ذلك يانصيب صوت واربح ، تريد ان تجلبنا به الى صناديق الانتخابات ؟!
والسؤال هنا اين هي الانجازات التي تريد حكومة " صوت واربح " البناء عليها لتطرح علينا المشاركة من اجل التغيير ، ودلوني على من يمدح الحكومة من غير بعض موظفيها والتابعين لها ، حتى تستطيع ان تحدث تغييرا راينا معالمه باعيننا وسمعنا به باذاننا ؟ّ
ان شعار مقاطعون من اجل التغيير هو من يخاطب فينا العقل والوجدان ، وليس الاغراء والافساد باليانصيب ، وشعار مقاطعون يقول لنا هذه الحكومة رايتموها باعينكم ، وقد اصبحت عبئا ثقيلا على مكونات الدولة تريد منا الانتخاب في ظلها لننشلها من الغرق ، نقول لها ان مقاطعتنا للانتخابات ما هي الا وسيلة من اجل التغيير الحقيقي والاصلاح الذي يصل بنا الى رفعة الوطن واهله .
واذا كانت المسالة الفاظ وشعارات وهوائيات فليكن الشعار ما بين مشاركون ومقاطعون حلا وسطا عدلا ، ينم عن قناعات لم تتزحزح منذ ان جاءت هذه الحكومة التوريثية الاستفزازية ، وهو شعار نعم مشاركون ( مع المقاطعين للانتخابات ) من اجل التغيير . ودمتم .